- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
النية من دخول المساجد تقتضي :
1 ـ أن ينوي زيارة رب العالمين في بيته :
إن ملازمة المساجد من أعمال المتقين, وبهذه الملازمة أظهر الله إيمان المؤمنين.
التردد على المساجد من أظهر علامات الإيمان.
قال العلماء: ينبغي للعبد إذا خرج من منزله يريد أن يدخل المسجد أن تكون نيته من هذا الدخول كما ورد في هذه الآيات.
النية الأولى من دخول المسجد أن ينوي زيارة رب العالمين في بيته، لأن المسجد بيت الله, وأنت عبده.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضل ذلك, فقال من حديث سلمان:
((ما من مسلم توضأ, فأحسن الوضوء, ثم أتى مسجداً من مساجد الله, إلا كان زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر))
وفي رواية ثانية:
((إن بيوتي في الأرض المساجد, وإن زوارها هم عمارها, فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم جاءني))
ولو أن عبداً من عباد الله عاملته بالقبيح من فعلك, ثم أتيته إلى بيته معتذراً إليه, لأكرمك, وعفا عنك, فكيف بالله العظيم وهو أكرم الأكرمين؟
ولولا أن الله يريد بعبده الكرامة لما وفقه لزيارة بيته، فالإنسان إذا دخل بيت الله هو يزور الله عز وجل, وحق على المزور أن يكرم الزائر.
أحد العلماء قال: لما تمّ لي ستون حجة, -عمره ستون سنة-, قعدت بحذاء البزار في المسجد الحرام, وجعلت أتفكر, وأقول: إلى كم أتردد على هذا البيت؟ فغلبتني عيناي, فنمت, فإذا قائل يقول: يا موفق, لو كان لك بيت تجمع فيه أضيافك هل تدعو إلا من كنت تحبه ويحبك؟ فسري عني, ولم أذكر ما كنت أجده من ضيق".
لولا أن الله يحبك, لما دعاك إلى بيته، فقد ورد:
((إذا دخل المسلم المسجد فقال: بسم الله, وبالله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعليه السلام, ورحمة الله, قالت له الملائكة: وأنت صلى الله عليك, قد جئت لأحسن الكلام بعد لا إله إلا الله))
2 ـ أن ينال بفعله ذلك عند ربه عهداً فيكون من أهل الشفاعة عند الله تعالى :
وهذا ما قيل في معنى قوله تعالى:
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾
قالوا: الصلاة في جماعة، أي الذي يصلي في جماعة في مسجد اتخذ عند الله عهداً.
وفي حديث آخر :
(( مَنْ تطهَّر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضيَ فريضة من فرائض الله، كانت خطواتُه إحداهما تَحُطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة ))
3 ـ الازدياد مما يتحسر أهل الجنة عليه في الآخرة :
حتى أهل الجنة هناك أشياء يتحسرون عليها.
قيل لابن عباس: "هل يتحسر أهل الجنة إذا دخلوها على شيء؟ قال: لا يتحسرون إلا على الغدو والرواح إلى المسجد, ليتهم ازدادوا من ذلك, فكسبوا النعيم المقيم".
"الغدو والرواح".
فيا أيها العامل, تقدم من قبل أن تندم فلا ينفعك الندم.
قال عليه الصلاة والسلام:
((من غدا إلى المسجد أو راح, أعدّ الله له في الجنة نزلاً, كلما غدا أو راح))
وكان بعض الصالحين إذا راح بعد صلاة العشاء إلى منزله, كثيراً ما يقول:
نروح ونغدو كل يوم وليلة وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو
***
الآن: أذهب وأعود, لكن يأتي وقت انتهى الأمر, دفن تحت الأرض, وانتهى:
نروح ونغدو كل يوم وليلة وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو
***
وقد قال الله تعالى ليلة المعراج للنبي -عليه الصلاة والسلام-:
((هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: لا, قال: في الكفارات والدرجات, قيل: فما هي؟ قال: أما الكفارات فإسباغ الوضوء بالماء البارد, ونقل الأقدام إلى المساجد للجماعات, وانتظار الصلاة بعد الصلاة))
4 ـ أن ينوي المسابقة إلى بيت الله وسرعة الإجابة للنداء :
قيل في معنى قوله تعالى:
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾
أي: سابقوا إلى المساجد, فإن فيها تنالون المغفرة.
ويقال: "لا تكونن كالعبد السوء, لا يأتي مولاه إلا إذا دعاه؛ ولكن ائتوا الصلاة قبل الدعوة".
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتحدث معنا, ونتحدث معه كأحدنا, فإذا سمع الأذان, قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه" -دعاه الله عز وجل-.
5 ـ أن ينوي أداء الأمانة إلى الله عز وجل فيما افترض الله عليه وأُخذ عليه الميثاق:
كان علي -رضي الله عنه- إذا سمع النداء للصلاة, تغير لونه, وتقلقل في موضعه, فيُقال له في ذلك, فيقول: حضر وقت أداء الأمانة العظيمة, التي عرضها الله على السماوات, والأرض, والجبال, فأبين أن يحملنها, وأشفقن منها, وحملها الإنسان, إنه كان ظلوماً جهولاً".
وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "ما حضرتُ وقت صلاة قط, إلا نادت الملائكة: معاشر المؤمنين! قوموا إلى ناركم التي أشعلتموها على أنفسكم, فأطفئوها بالصلاة".
الصلاة كفارة لما قبلها.
6 ـ عمارة المسجد بصلاته ليكون ممن شهد الله له بالإيمان فيصير من خواصه :
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
والمؤمن في المسجد كالسمك في الماء.
وقال عليه الصلاة والسلام:
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))
من علامة الإيمان أن تعمر مساجد الله.
وقال عليه الصلاة والسلام:
((عمَّار المساجد هم أهل الله عز وجل))
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((يقول الله: وعزتي وجلالي، إني لأهم بأهل الأرض عذابا، فإذا نظرت إلى عمار بيوتي، وإلى المتحابين في، وإلى المستغفرين بالأسحار، صرفت ذلك عنهم))
7 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون من خواص عباد الله :
النية السابعة من دخول المساجد: الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, ليكون من خواص عباد الله, الذين باعوا أنفسهم لطلب مرضاته، قال تعالى:
﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
هناك أحاديث ضعيفة, من هذه الأحاديث: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم".
الصبي إذا لم يدخل المسجد, ولم يألف المسجد, ولم يحب المسجد, كيف يؤمن بالله عز وجل؟ تجد الحديث ليس له أصل.
ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن إنفاذ الضالة في المسجد, وقول الشعر فيه, وأمر بأن يرد على منفذ الضالة, لا ردَّ الله ضالتك.
المسجد ليس للدنيا, ولحل مشاكل الدنيا، ومن نفذ ضالة المسجد يقال له تأديباً: لا ردَّ الله ضالتك.
وقد قيل: " لا يتقي هذه المساجد إلا من رضي الله عنه, ومن رضي الله عنه فله الجنة".
أي يتقي وجدان الضالة في المسجد, أو بحث أمور الدنيا, وسيأتي على الناس زمان, يتخلفون عن مساجدهم, ليست لهم همة إلا الدنيا, فإذا كان ذلك الزمان فلا تجالسوهم, فإنه ليس لله فيهم حاجة.
وسمع سيدنا عمر -رضي الله عنه- قوماً يذكرون تجارتهم في المسجد, فقال: "إنما بينت هذه المساجد لذكر الله, فإذا ذكرتم تجارتكم ودنياكم فاخرجوا منها إلى البقيع".
8 ـ الهرب من الدنيا إلى الآخرة :
آخر نية من دخول المساجد: الهرب من الدنيا إلى الآخرة, ومن تجارة الهوى إلى تجارة التقى, ومن أبناء الدنيا إلى أبناء الآخرة:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾
وقد قال تعالى:
﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾
قال بعضهم في معنى هذه الآية: هي المساجد, وقيل هي مكة والحرم, وقيل أيُّ مسجد.
وقال بعضهم: "المساجد من دخلها فهو آمن من فتنة إبليس وجنوده, لا يستطيع أن يوقعه في المعصية فيهلك بها, وليس للشيطان بعد دخول المسجد إلا الوسوسة, فإذا بكر أحدكم, حضر له الفوز العظيم".
من علامة الإيمان ارتياد المساجد, وصلاة الفجر لها معنى خاص.
(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
(( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلُِ ))
فإذا الإنسان صلى الفجر في جماعة, والعشاء في جماعة, فهو نوع من قيام الليل, وهو في ذمة الله تقريباً طوال الوقت؛ فالحياة كلها مفاجآت, فإذا كان الإنسان مع الله عز وجل فهو آمن.