- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من ثمرات الحكمة حسن الاختيار :
أيها الأخوة الكرام: من ثمرات الحكمة التي يؤتاها الإنسان حينما يستحقها لقوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
حسن اختياره.
فالنبي عليه الصلاة والسلام سئل: أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً؟ قال: بل نبياً عبداً؛ أجوع يوماً فأذكره, وأشبع يوماً فأشكره.
كل الحكمة تظهر في حسن اختيار؛ الإنسان قد يختار عملاً خشناً, لكنه يرضي الله, وقد يختار الجاهل عملاً ناعماً, لكنه يسخط الله عز وجل, قد يختار الإنسان زوجة صالحة تزيده قرباً من الله, وقد يختار زوجة تجعل حياته جحيماً.
فالحكمة تظهر في حسن الاختيار, فالنبي عليه الصلاة والسلام اختار أن يكون نبياً عبداً.
وقالوا: اختار أن يكون نبياً عبداً؛ يجوع يوماً فيذكره, ويشبع يوماً فيشكره.
هناك أشياء لو أن الإنسان غني غنى فاحشاً, و استقام على أمر الله لنجا, ولكان غناه قوة للمسلمين, ولو أن إنساناً قوياً قوة كبيرة, واستقام على أمر الله لنجا؛ ولكن مظنة الزلل في الغنى والقوة أكبر من مظنة الزلل في الفقر والضعف, فالنبي اختار الأسلم.
بطولة الإنسان أن يتجاوز الصور إلى الحقائق :
لو أن الله جعل إنساناً من أقوى الأقوياء, يمكن في ساعة غفلة ينتقم من خصومه انتقاماً شديداً, يمكن ألا يكون عادلاً, لو جعل إنساناً من أغنى الأغنياء, يمكن في ساعة غفلة ينفق ماله على شهوة من شهواته, لا ترضي الله عز وجل، فدقق في الأسلم.
أحياناً الإنسان يزوج ابنته لإنسان مؤمن, فيضمن لها سبيلها الأخروي, وقد يزوجها لإنسان من أهل الدنيا, فتزل قدمها, وتزل قدمه.
يروون أن سعيد بن المسيب لزم القضاء, وكان قاضياً من كبار القضاة, عنده فتاة, خطبها الوليد بن عبد الملك فاعتذر, عنده تلميذ من فقراء التلاميذ, غاب أسبوعين, أو ثلاثة, فتفقده, فإذا بزوجته قد ماتت, قال له: يا بني! هل لك من زوجة؟ قال: أتمنى, قال له: ماذا عندك؟ قال له: عندي درهم, فزوجه إياها على هذا الدرهم.
ففي الظاهر اختار إنساناً فقيراً على ملك, لكنه نظر إلى مستقبل حياتها, فوجد أنها إن كانت زوجة لهذا الإنسان المؤمن الفقير يسلم دينها, وتدخل الجنة, أما إذا اختار لها زوجاً قوياً, وغنياً, فلعله يحملها على معصية, لعلها تغتر بالدنيا.
فكل بطولة الإنسان في اختيار زوجته, في اختيار عمله.
أنا لا أنسى مرة: شخص يبدو أن عمله غير مشروع, قال لي: أنا عملي قذر؛ - قد يكون غير مشروع من حيث كسب المال, قد يكون هناك دخل ربوي كبير في حياته, قد تكون بضاعته محرمة- فالنتيجة عنده مكتب من أفخر ما رأيت في حياتي, قال لي: أنا عملي قذر؛ فهناك أعمال لا ترضي الله, أساسها إيقاع الأذى في الناس, وأذكر في اليوم الثاني أنني اضطررت أن أصلح مركبتي عند إنسان, كان الجو ماطراً فهذا الإنسان يلبس معطفاً لونه كان أزرقاً من الشحم والوحل, لم يعد له لون إطلاقاً؛ والدنيا مطر, وانبطح تحت السيارة, فك الدواليب, وأصلحهم, وأخذ أجرة معتدلة.
فأنا وازنت بين كلمة الأول: أنا عملي قذر, وبين المهنة التي كلها وحل وشحم وزيت ومشقة وآلات قلت: هذا عمل نظيف.
بطولة الإنسان أن يتجاوز الصور إلى الحقائق.
أحياناً تجد شخصاً في محل تجاري, في سوق من الأسواق, سوق كله ألبسة جاهزة, الزبائن نساء حسناوات, بحسب الظاهر المحل فخم, هدوء, تكييف, عطر, كل الزبائن نساء, كاسيات عاريات, تجد محلاً في زقاق الجن, محل تصليح سيارات, ومزعج, وشحوم؛ لكن هذا المحل الأول طريق إلى المعصية, أما المحل الثاني فطريق إلى الله عز وجل.
على الإنسان أن يختار الشيء الذي يرضي الله عز وجل :
إذاً: أنا استطيع أن أصل إلى اختيار صحيح؛ في زوجتي, وفي حرفتي, وفي مهنتي, وفي عملي، فالحكمة تقتضي أن أحسن الاختيار، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
و قد قيل: إذا أردت إنفاذ أمر فتدبر عاقبته.
مثلاً: الإنسان يكون في بلد غني, ومريح, لكن يغيب عنه أن أولاده قد ينشؤون منحرفين, قد ينشؤون على غير الإسلام, قد ينشؤون على غير الولاء لهذا الدين العظيم, فيغريه فيلا فخمة, ومسبح, وحياة مريحة, وحريات كبيرة جداً, ودخل كبير, ومركبات رخيصة, ويغيب عنه أن أولاده الذين هم أثمن شيء في حياته خسرهم.
فيأتي على الإنسان الذي اختار الدنيا ساعة يتألم أشد الألم, فالحكمة تظهر بحسن الاختيار, قد يلغي سفراً.
زارني طبيب من شهر تقريباً قال لي :أنا مقيم في أمريكا, وأنا في بحبوحة كبيرة جداً, لكن عندي شعوراً بالذنب مستمراً؛ أنني أداوي أعداء المسلمين, خبرتي وطاقتي لأعداء المسلمين, قال لي: أخذت قراراً حاسماً, وعدت إلى بلدي, فتحت عيادة، دعاني إليها, فزرتها, قال لي: هنا أخدم المسلمين و أنا مطمئن, والله قرار حاسم, طبعاً لن يجد الأمور ميسرة كما هي هناك، لكن اختار ما يقربه من الله عز وجل.
هناك أخوان كثر, كانوا في بلاد أجنبية, وعادوا إلى بلدهم, وارتادوا مجالس العلم, وزوجاتهم محجبات, وأولادهم معهم في المساجد, يقول لي: ما اتخذت قراراً في حياتي أحكم من هذا القرار, وهناك إنسان تجده يقيم مع المشركين. وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله))
قد يفرض عليك عمل, دخله كبير جداً؛ لكن فيه شبهات, أو فيه ظلمات, ومبني على إيذاء الناس, وقد يكون عملك متواضعاً جداً, دخله قليل, لكنه مبني على خدمة الناس, فحكمتك تبدو في حسن الاختيار, وكل إنسان قد يختار الشيء الخشن لأنه قد يرضي الله.
الحكمة من أن الحلال صعب والحرام سهل :
لحكمة أرادها الله الحلال صعب, والحرام سهل, هذه الحكمة. لو أن الحلال سهل, والحرام صعب لأقبل الناس على الحلال؛ لا حباً بالله, ولا طاعة له, ولا تقرباً إليه, لكن لأنه سهل, فالتغت العبادة كلها.
فتجد الإنسان يعمل عملاً مشروعاً, يتعب كثيراً, والجني معقول, وأقل من معقول, وقد لا يغطي نفقاته, و إنسان يسلك طريق الحرام، و يكسب أموالاً كثيرة.
قال له إنسان: أنا موظف بالبريد, لا يوجد عندي شيء, فتحت بيت دعارة؛ أصبح عندي سيارة, من أفخر ماركة, وسكنت في أرقى حي, ودخلي جيد, عملت خمس بيوت.
الآن: الملاهي دخلها كبير جداً, الذين أنشؤوها أرباحهم بالملايين, مبنية على شخص سكران, تعمل له فاتورة بعشرة أضعاف, لا يتكلم ولا كلمة؛ لأنه سكران, تأتي بتجارة مشروعة, يعمل ليلاً نهاراً, يقول لك: أتيت بالرأسين ولم آت بهم.
فلحكمة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعب, والحرام سهل, هذا امتحان صعب.
((ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه))
الحكمة تبدو في حسن الاختيار والمؤمن يختار ما يقربه إلى الله :
كل العقل, وكل الحكمة تبدو في حسن الاختيار, والمؤمن يختار ما يقربه إلى الله, ولو كان خشناً, ويبتعد عما تزل به قدمه, ولو كان ناعماً.
هذا الذي يقوله الحكماء: حسن الاختيار, وأنت أمام آلاف الخيارات كل يوم.
أقرب مثل واضح: قد يأتي إنسان غني جداً, وقد يأتي إنسان مختف, المختفي دين, والغني غير دين.
مرة قال لي شخص يمشي في الحريقة: أريد أن أستشيرك استشارة, قال لي: خطب ابنتي شخص, لا يوجد عنده مشكلة أبداً؛ هناك معمل باسمه, وسيارة باسمه، لكن دينه رقيق, ماذا أفعل يا أستاذ؟ قلت له: الله عز وجل قال:
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾
والله ليس ديناً كثيراً, يبدو هناك ضغط عليه داخلي, فزوجها, بعد سبعة عشر يوماً طلقها.
الله عز وجل يمتحن الإنسان دائماً في الدنيا :
البطولة أن تحسن الاختيار, ودائماً الاختيار صعب, والله عز وجل يمتحننا, نحن مبتلون في الدنيا:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
حتى يمتحننا, دائماً الخيار صعب.
مثلاً: لو خيرتك بين دراجة وسيارة, لن تجد صعوبة في الاختيار, تختار السيارة, أنا أريد أن قدم لك هدية, تحب سيارة أم دراجة؟ لا تتردد ثانية في قبول السيارة, لكن أحياناً يكون الخيار صعباً, شيء تركبه في وقت محدد, وشيء تتملكه, أختار التملك؛ لكن التملك أقل من الشيء المحدود.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾
﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
سحرة فرعون وقفوا منه موقفاً لا يصدق :
الآن: سحرة فرعون وقفوا موقفاً لا يصدق, كلمة فرعون الآن ليس لها قيمة بعدما مات ومضى على موته ستة آلاف سنة, أما عندما كان فرعون حياً وأنت أحد رعاياه, فكلمة (ف) ترتعد الفرائص منها, قال لهم:
﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى* قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾
يدك وما تعطي.
﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
موقف يهد الجبال, طبعاً الناس يخافون, لم يخافوا.
الإنسان يشقيه اختياره ويسعده اختياره :
الحسن البصري أدى رسالة العلماء, كان في عهد الحجاج, أدى الرسالة, وبيَّن و لم يصمت, فلما بيّن, وبلغ الحجاج ما قال فيه، قال: يا جبناء, والله لأروينكم من دمه, فأمر بقتله -قضية سهلة جداً- فجاء بالسياف, والسياف مد النطع استعداداً لقطع رأس الحسن البصري, فلما جيء به لقطع رأسه, ورأى السياف, ورأى كل شيء جاهزاً, علم أنه منته, فدعا الله عز وجل, بدعاء لم يفهمه أحد, فإذا بالحجاج يقف له, ويستقبله, ويقول له: أهلاً بأبي سعيد, أنت سيد العلماء؛ ويسأله, ويستشيره, ويضيفه, ويعطره, ويشيعه إلى باب القصر, من الذي صعق؟ السياف, والحاجب, تبعه الحاجب قال له: يا أبا سعيد! لقد جيء بك لغير ما فعل بك, فماذا قلت لربك وأنت داخل؟ قال له: قلت: يا ملاذي عند كربتي, يا مؤنسي عند وحشتي, اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً, كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
فالإنسان يشقيه اختياره, ويسعده اختياره.
تصور إنساناً جالساً في خيمته, في معسكر المشركين, رجل من زعماء غطفان, من أكابر غطفان, جاء مع قومه, ليقاتل النبي في معركة الخندق, جالس في الخيمة مساء, يبدو أنه لم يستطع أن ينام, عانى من الأرق ما عانى, فخاطب نفسه, -هذا الحوار الذاتي أحياناً هو سبب سعادتك-, قال: يا نعيم, أنت رجل عاقل, ما الذي جاء بك إلى هنا؟ جئت لتقاتل هذا الرجل؟ ماذا فعل هذا الرجل حتى تأتي لتقاتله؟ إنه لم يسفك دماً حراماً, ولم يغتصب مالاً, ولم ينتهك عرضاً, وحوله رجال صالحون, أيليق بك أن تأتي من بلاد بعيدة لتقاتل هذا الرجل وأنت العاقل؟ -حوار ذاتي, رأى نفسه خاطئاً-, وقف من توه, توجه إلى معسكر المسلمين, ودخل على النبي -عليه الصلاة والسلام-, فالنبي يعرفه, قال له: نعيم!! ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قال له: جئت لأسلم, جئت لأشهد أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, -قلت لأخواننا في خطبة مرة: هذه لحظة صفاء, لحظة حوار ذاتي, لحظة صدق-, قال له: مرني ماذا أفعل، قال له: أنت واحد، خذل عنا ما استطعت، والمسلمون كانوا على وشك أن ينتهي الإسلام, هذه كانت حرب استئصال, حرب إبادة, المشركون عددهم عشرة آلاف, جاؤوا ليستأصلوا شأفة المسلمين, قال له: أنت فينا واحد, خذل عنا, أروع ما في القصة أن يستخدم الإنسان ذكاءه, وحكمته في الحق, فهو لم يعلم أحد بإسلامه؛ فذهب إلى اليهود, وقال لهم: إنكم تواطأتم مع قريش على حرب محمد, لكن قريشاً إن لم تفلح, عادت إلى بلدها, ومعها أهلها, ونساؤها, وانفرد بكم النبي فقتلكم, فأنا أنصحكم ألا تقبلوا أن تحاربوا النبي مع قريش, إلا إذا أخذتم الرهائن, حتى لا يتركوكم, ليذبحكم محمد, اقتنعوا, وذهب إلى قريش, قال لهم: اليهود ندموا على خيانتهم لمحمد, فأرادوا أن يأخذوا منكم رهائن, ليقدموهم للنبي, ليذبحهم, ويعفو عنهم النبي, أيضاً اقتنعوا, فوقع الشقاق بينهم, والله عز وجل ساعد المسلمين فأرسل ريحاً عاتية؛ أطفأت نيرانهم, وقلبت قدورهم, وقلبت خيامهم, وملأت عيونهم تراباً:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾
موقف ضعاف الإيمان من الله و رسوله :
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾
أحياناً الإنسان يقول لك: أين الله؟ يجد المسلمين معذبين, مقهورين, والأغنياء قوة, وقال: سيطرة عنجهية, تصرف وحشي, وتصريحات كلها غطرسة, ويقول لك: أين الله عز وجل؟ لماذا لا ينصرنا؟ قال:
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
فالله عز وجل نصرهم, وأعطاهم.
حكمة الإنسان تظهر في حسن اختياره :
هنا محور الدرس اليوم: حكمتك تظهر في حسن اختيارك؛ وقد تختار الشيء الناعم الكثير, فتزل به القدم, وقد تختار الشيء الخشن القليل, فتسعد به, وترقى إلى أبد الآبدين, قد تختار حرفة دخلها كبير, لكنها لا ترضي الله عز وجل؛ مبنية على معصية, مبنية على إيذاء الناس, وقد تختار حرفة دخلها قليل, لكنها ترضي الله.
فالبطولة أن تكون مع الله, والاختيار في حد ذاته بطولة, والاختيار لن يكون سهلاً.
أحياناً إنسان تقع مشكلة بين زوجته وأمه؛ الأم غالية, والزوجة غالية, فالخيار صعب, لو كان خياراً سهلاً لا يوجد مشكلة أبداً, لا يوجد تردد, أما الخيار فدائماً صعب.
تجد مع المعصية هناك دخل كبير, مع المعصية هناك عز, أحياناً مع المعصية هناك شعور بالأمن, ومع الطاعة هناك خوف أحياناً.
فعندما يوقن الإنسان أنه ما من إله إلا الله, وكل اختيار طيب، تكون العاقبة له.
العاقل من يختار الشيء الصحيح مهما كانت الظروف المحيطة به :
انظر الآن الله عز وجل قال:
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾
الكافر تجده يمشي بالعرض, لكن الله قال:
﴿سَتُغْلَبُونَ﴾
أو انظر إلى الذين عارضوا النبي -عليه الصلاة والسلام-, هم في مزبلة التاريخ, انظر إلى الذين نصروه, هم أعلام, في أعلى عليين.
فأنا عندما أختار اختياراً صحيحاً لا تهمني الظروف المحيطة بي.
شخص يحمل شهادة عليا, ويعمل في مهنة راقية جداً, في قصر العدل, وجد أن الدخل مشبوه, والحرفة مبنية على سلوك لا يرضي الله عز وجل, ترك وفتح بقالية, والآن هو في بحبوحة كبيرة, العملية ليست سهلة.
مثلاً: الإنسان إن وقع في مشكلة فهو أعمى, يقول لك: مئة ألف أول دفعة, لتعمل مذكرة صغيرة, مئة ألف ثانية, مئة ألف ثالثة, مئة ألف رابعة, وأنت تعلم أن الدعوى لا تنجح إطلاقاً, لا يوجد أمل بنجاحها, ولا بالمليون واحد, لكن هو الغرقان, يريد قشة يتعلق بها ليستغله.
بعض الحرف يستغلون الوضع النفسي الصعب للإنسان؛ قد يكون ابنه في سجن, أو في أمن اقتصادي, أو عليه مشكلة, يقول له: أريد نصف مليون, والله! القاضي بطنه كبير, رأساً يتهم بالقاضي, والقاضي قد يكون بريئاً من هذا الشيء, فالنتيجة يأتيه دخل كبير جداً.
هناك شخص بنى ثروة طائلة, يأتي لعند شخص عنده مستودعات, يقول له: والله! رأيت على طاولة فلان مذكرة مداهمة لمستودعاتك انتبه, مسكين, يجعله يعمل حوالي عشرين يوماً في الليل والنهار, يستأجر مستودعات ثانية, ينقل كل بضاعته، والقصة ليس لها أصل, بعد ذلك: يقول له: والله أنا أستطيع أن ألغي الموضوع كله, لكني أحتاج إلى مليون ليرة, أصحاب الأمر ليس لهم علاقة, هو ذكي جداً؛ بنى ثروة طائلة, لكن بعد ذلك لقي نتيجة عمله بشكل مخيف, الجاهل عدو نفسه.
فدائماً: اختر الاختيار الصحيح بكل شيء؛ لو كان خشناً, لو كان دخله قليلاً, لو كانت الزوجة درجة ثانية؛ اختر الإيمان, اختر شيئاً يقربك من الله, وابتعد عن شيء يبعدك عن الله.