وضع داكن
19-03-2024
Logo
الربا - الدرس : 13 - البيع النقدي وبيع التقسيط
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠2الربا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهـم لا علم لنا إلا ما علمتنـا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمــاً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممـن يستمعون القول فيتبعــون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

مفهوم الربا ببيع التقسيط.

 أيها الأخوة الكرام؛ أخ كريم قدم لي أوراقاً مصورةً من كتاب في شرح الأحاديث الصحيحة، وجدت أن من أمانة التبيين، حيث أن أمانة التبيين هي أمانة العلماء، وأمانة التبليغ هي أمانة الأنبياء، والله سبحانه وتعالى أخذ العهد على العلماء أن يبينوا للناس، فدوري في هذا الدرس أن أبين ما في هذه الأوراق.
الموضوع حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 يحتاج الأخوة الكرام في هذا الدرس إلى دقة في الإصغاء، درس الفقه قد يبدو جافاً لكنه خطير، ونحن في أمس الحاجة إلى هذا الدرس.

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو داود، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، والبيهقي.
 حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي هذا سند الحديث.
 قلت هذا سند حسن وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي ثم ابن حزم في المحلّى ورواه النسائي والترمذي وصححه؛ يعني قال صحيح، وابن الجارود وابن حبان والبغوي في شرح السنة وصححه أيضاً، الإمام أحمد والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو بلفظ نهى عن بيعتين في بيعة.
 الآن في السند، السند صحيح في كل هذه الكتب الصحيحة ورد هذا الحديث:

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 وقال البيهقي، قال عبد الوهاب يقول في شرح هذا الحديث:
 هو لك بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين مثلاً، معنى بيعتين في بيعة، هو لك نقداً بعشرة ونسيئةً بعشرين، وبهذا فسره الإمام ابن قتيبة، ومن البيوع المنهي عنها شرطان في بيع واحد هو أن يشتري الرجل السلعة إلى شهرين بدينارين وإلى ثلاثة أشهر بثلاثة دنانير، وهو بمعنى بيعتين في بيعة، النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيعتين في بيعة واحدة أن يقول نقداً كذا ونسيئةً كذا، إلى شهر بكذا وإلى شهرين بكذا.
 طبعاً نهى عن بيعتين في بيعة، وقال هذا الحديث بهذا اللفظ مختصر صحيح، ولابن مسعود قول:

(( الصفقة في الصفقتين ربا))

 أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة أيضاً، وابن حبان، والطبراني وسنده صحيح.
 الآن للإمام أحمد ولابن حبان رواية:

(( لا تصلح صفقتان في صفقة))

 ولفظ ابن حبان:

(( لا يحل صفقتان في صفقة))

 وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لا تَصْلُحُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ))

[البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ الدارمي]

 وسنده صحيح أيضاً، ورواه ابن نصر في السنة وزاد في روايته: أن يقول الرجل إن كان بنقد فبكذا وكذا وإن كان إلى أجل فبكذا وكذا، أعتقد أنه واضح وهو رواية لأحمد.
 راوي هذا الحديث سماك الراوي عن عبد الرحمن، مَن سماك؟
 سماك بن حرب تابعي معروف قال: أدركت ثمانين صحابياً وقد فسره هذا الراوي كما قلت آنفاً: أن تقول نقداً بكذا ونسيئةً بكذا، هذا تفسير راوي الحديث الذي هو تابعي جليل لقي ثمانين صحابياً.
 قال علماء الحديث فتفسير هذا التابعي للحديث ينبغي أن يقدم عند التعارض مع تفسيرات أخرى، فلو أن لهذا الحديث تفسيرات أخرى وفسره راويه، وهو تابعي جليل لقي ثمانيــن صحابياً فتفسير الراوي ينبغي أن يقدم على تفسيرات أخرى غير هذا التفسير، ولاسيما وهو أحد رواة الحديث، والراوي كما قال العلماء أدرى بمرويه من غيره، لأن المفروض أنّه تلقى الرواية من الذي رواه عنه مقروناً بالفهم والمتابعة، ومن ثم فكيف وقد وافقه على ذلك جمع من علماء الأمة وفقهائها.
 من هم العلماء الذين فسروا هذا الحديث بهذا التفسير؟
 أول عالم هو ابن سيرين قال: كان يكره أن أقول أبيعك بعشرة دنانير نقداً أو بخمسة عشر إلى أجل والكراهية أساسها النهي.
 والإمام طاووس قال: إذا قال هو بكذا وكذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى كذا وكذا فوقع البيع على هذا فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجليــن.
 لو أن إنساناً قال أبيعك هذه السلعة بمائة إلى شهر وبمائتين إلى أربعة أشهر، كيف يصحح هذا البيع؟ أن يدفع أقل الثمنين لأطول الأجلين هذا قول الإمام طاووس، وابن سيرين كان يكره أن أقول أبيعك بعشرة دنانير نقداً أو بخمسة عشر إلى أجل.
 والإمام سفيان الثوري أيضاً يقول: إذا قلت أبيعك بالنقد إلى كذا وبالنسيئة بكذا وكذا فذهب به المشتري، مثلاً بائع قال للمشتري: أبيعك هذه السلعة بألف نقداً وبألف وخمسمائة نسيئةً أي إلى أجل، أي تقسيطاً، فالمشتري حمل هذه السلعة وذهب قال: هو بالخيار في البيعين ما لم يكن وقع بيع على أحدهما فإذا وقع بيع على أحدهما فهو مكروه وهو بيعتان في بيعة وهو مردود ومنهي عنه، صاحب البيع إذا وجد بضاعته عند الشاري فأخذها انتهـى الأمر، فإن لم يجدها فعليه أن يأخذ أقل الثمنين لأطول الأجلين هذا رأي سفيان الثوري لتفسير هذا الحديث.
 لازلنا مع الحديث الشريف:

(( مَنْ بَـاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْـعَةٍ فَلَـهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 والإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى قيل له فإن ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين أو على هذين الشرطين فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، هذا رابع إمام.
 الآن أئمة الحديث الإمام النسائي: قال تحت باب بيعتيـن في بيعة هو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقداً وبمائتي درهم نسيئةً وبنحوه، هذا تفسير الحديث.

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 الإمام النسائي إمام كبير من أئمة الحديث يقول معنى هذا الحديث: أن يقول البائع أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقداً وبمائتي درهم نسيئة وقد فسر ابن عمرو هذا الحديث أيضاً.

((عنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ))

[ الترمذي ـ أبي داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي]

 العالم الثاني من علماء الحديث ابن حبان قال في صحيحه: ذكر الزجر عن بيع الشيء بمائة دينار نسيئةً وبتسعين دينار نقداً.
 أول عالم ابن سيرين، ثم طاووس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والإمام النسائي، وابن حبان، وابن الأثير في غريب الحديث ذكر في شرح الحديثيـن المشار إليهما آنفاً.

المعنى الدقيق لقوله صلى الله عليه وسلم: من باع بيعتين في بيعة.

 الآن معنى الحديث الشريف الصحيح الذي رواه عدد كبير من علماء الحديث في الكتب الصحيحة:

((حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 فضلاً عن أن راوي هذا الحديث تابعي وقد لقي ثمانين صحابياً وقد فسر هذا التابعي الجليل وهو راوي الحديث، وهو أقدر من يفهم معنى الحديث لأنه حينما تلقى الحديث عن الذي أخذ منه تلقاه مع الفهم السديد لهذا الحديث، هذا الراوي يرى أن معنى الحديث: أن تقول أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقداً أو بمائتين نسيئةً، وفضلاً عن فهم الراوي لهذا الحديث ولأنه شهد ثمانين صحابياً، ولأنه حين التعارض مع تفسيرات أخرى لهذا الحديث نأخذ تفسير راوي الحديث وهو تابعي جليل فضلاً عن ذلك، فهناك علماء كبار من أمثال الأوزاعي، وطاووس، وسفيان الثوري، والنسائي، وابن حبان، وابن الأثير، كل هؤلاء العلماء شرحوا هذا الحديث كما شرحه راوي الحديث التابعي الجليل سِمَاك.
 أيها الأخوة؛ وقيل في تفسير البيعتين أقوال أخــرى، حتى أكون معكم موضوعياً هناك علماء آخرون فسروا البيعتين تفسيراً آخر ولكن تفسير العلماء والفقهاء وتفسير علماء الحديث وراوي الحديث هذا التفسير: أن تقول أبيعك هذه السلعة بكذا نقداً وبكذا نسيئةً، وما تقدم من تفسير البيعتين كما يقول مؤلف الكتاب هو الصحيح، وقد اختلف العلماء في ذلك قديماً وحديثاً على ثلاثة أقوال:
 حكم بيع النسيئـة، حكم بيع الأجل أو المصطلح الحديث حكم بيع التقسيط.
 اختلف فيه العلماء قديماً وحديثاً على ثلاثة أقوال، يعني الأقوال المختلفة جداً جمعت في أقوال ثلاثة:

القول الأول:

 أنه باطل مطلقاً وهذا مذهب ابن حزم، بيع النسيئة مع الزيادة في الثمن باطل مطلقاً وهذا مذهب ابن حزم.

القول الثاني:

 أنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما يعني البائـع قال هذه السلعة بمائة نقداً وبمائة وخمسين نسيئةً فالشاري اعتمد على أحد البيعين وخرج من المحل وقد وقع خياره على أن يشتري نقداً أو نسيئةً هذا المذهب الثاني، لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما، أو إذا ذكر البائع ثمن السلعــة نسيئةً فقط هذا المذهب الثاني.

القول الثالث:

 أنه لا يجوز كالمذهب الأول ولكن إذا وقع ودفع الشاري أقل السعرين إلى أطول الأجلين جاز.

النتيجة.

 صار معنا ثلاثة مذاهب في بيع النسيئة وبيع الأجل وبيع التقسيط، كلها أسماء لمسمى واحد، أوضح لكم الحقيقة بشكل عرضي، كتاب ورقه أسمر جلده بسيط رخيص ثمنه مائة ليرة، فلما جعلنــــا الورق أبيض صار بمائة وخمسين، فالخمسين في الكتاب، هذه الزيادة في الثمن في الكتاب؟ طبعاً في الكتاب كان ورق أسمر رخيص صار ورق أبيض الآن نبيعـــك كتاباً بورق أبيض ومجلد بمائتين، الخمسين الثانية في الكتــــاب؟ طبعاً في الكتاب، الآن كتبنا اسمك بحروف مذهبة على الكتاب فطالبناك بمائتين وخمسين ليرة، الخمسين الثالثة في الكتاب؟ في الكتاب إلى الآن الزيادة يقابلها زيادة في النوعية أليس كذلك؟ الآن الكتاب بثلاث مائة ليرة إلى ستة أشهر، هل هذه الزيادة في الكتاب؟ لا، ولكنها مقابل الأجل، هذا هو موضوع الدرس الزيادة التي مقابل الزمن، مقابل الأجل بيع النسيئة، بيع الأجل، بيع التقسيط مع الزيادة....
 أما التقسيــط بلا زيادة عمل صحيح، لو بعت تقسيطاً من دون زيادة عمل صالح.
 فالمذهب الأول أنه باطل مطلقاً وهذا مذهب ابن حزم.
 والمذهب الثاني أنه لا يجــوز إلا إذا تفرقا على أحدهما أو اكتفى البائع بسعر النسيئة دون أن يذكر السعر النقدي هذا المذهب الثاني.
 والمذهب الثالث لا يجوز كالمذهب الأول إلا أنه إذا وقع ودفع الشاري أقل الثمنين لأطول الأجلين صح البيع.
 دليل المذهب الأول أن هناك نهيـاً في الأحـاديث المتقدمة ، الحديث الشهير.

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 هذا الحديث شرحه الراوي وهو تابعي ولقي ثمانين صحابياً وفسر البيعتين أن تقول حالاً بكذا وآجلاً بكذا، نقداً بكذا ونسيئةً بكذا، وأئمة كبار كابن سيرين، وطـاووس، سفيان الثوري، والأوزاعي، ومحدثون كبار كالنسائي، وابن حبان، وابن الأثير، فسرا هذا الحديث كما فسره راوي الحديث.
 والملخص أن هناك ثلاثةَ مذاهب:
 الأول أنه باطل مطلقاً وهذا مذهب ابن حزم.
 والثاني أنه لا يجوز إلا إذا تفرق المتبايعان على أحدهمــا أو اكتفى البائع بذكر سعر النسيئة.
 والثالث أنه لا يجوز ولكنه إذا وقع صح أن يأخذ البائع أقل الثمنين لأطول الأجلين.
 دليل المذهب الأول هذا الحديث الصحيح الذي فيه نهي عن بيعتين في بيعة، ودليل المذهب الثالث هو قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 يعني ممكن أن تدفع الأقل لأطول الأجلين صح البيع.
 لكن أصحاب المذهب الثاني بينوا علة المنع بأنها الجهالة، أي أن هذا الشاري خرج من المحل التجاري ولم يتضح له أو لم يستقــر السعـر عنده على أحد السعرين، فأصحاب المذهب الثاني عدوا الجهالة هي العلة في التحريم، فلو لم يكن هناك جهالة لما وجدت مشكلة، هذا الرأي المعارض، مادام الشاري خرج من المحل ولم يستقر على أحد السعرين ففي الأمر جهالة.
 قال بعض العلماء: هذا التعليل مردود لأنه مجرد رأي مقابل النص الصحيح، الرأي لا يمنع نصاً صريحاً، يـقول عليه الصلاة والسلام:

(( فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 لا يوجد كلمة جهالة حينما قلنا: إن العلة هي الجهالة السعر واضح، سعر النقدي واضح وسعر الأجل واضح، فـهذا خرج لا على جهالة بل على علم، إن دفع السعر نقداً فالسعر كذا، وإن دفعه نسيئةً فالسعر كذا، أن تقول: إن التحريم بسبب الجهالة، فلو اتضح السعرين لم يعد هناك جهالة إذاً البيع صحيح هذا الكلام مردود، لأنه مجرد رأي مقابل النص الصحيح في حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود أنه ربا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول لكن السنة تقبل بيع المعاطاة، أي إنسان اشترى شيئاً يوجد دلائل بأنه راضٍ بهذا الثمن، يعني هل من المعقول لو أنك أردت أن تشتري مثلاً كأس شراب في الطريق أن تقول له: بعتــك هذا الكأس بليرتين وأنا قبلت أن أشربه بليرتين، تشرب الكأس وتمشي، بيع المعاطاة بيع بسيط، الشاري رضي بهذا الثمن فما ناقش ولا اعترض، أصحاب مذهب أن هذا البيع باطل أو أنه يصح بشرط أن تدفع أقل الثمنين لأطول الأجلين ينطلقون من أن البيع الشرعي يحتاج إلى رضى ويحتاج إلى طيب نفس فقط قال تعالى:

﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾

[ سورة النساء الآية: 29]

 فأي إشارة إلى أن الشاري راض والبائع راض فهو بيع شرعي لا يحتاج إلى إيجاب وقبول، فبيع المعاطاة يحقق التراضي وطيبة النفس وهو بيع شرعي فقد أذن الله به والزيادة عليه من إيجاب وقبول ما لم يوجبه الشرع.
 الآن المشتري حينما ينصرف بمشتراه فإما أن يدفع الثمن وإما أن يؤجل، فإذا باع، دفع الثمن فالبيع صحيح بأقل الثمنين، وحينما يؤجل ينصرف. هنا موضع الخلاف هو يعلم كم سيدفع لو أجّل، هنا لا يوجد جهالة والبيـــع لا يحتاج إلى إيجاب وقبول، يحتاج إلى التراضي والتراضي حاصل، أما المذهب الثالث أن هذا البيع مرفوض وغير صحيح أما إذا دفع الشاري أقل الثمنين بأطول الأجلين فهو صحيح، وهو حديثنا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أول الدرس، يقول عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ بَاعَ بَيعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 هذا دليل المذهب الثالث، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه حينما يقول:

(( الصفقة في الصفقتين ربا))

((لا تَصْلُحُ صفْقَتَانِ فِي صفْقَةٍ))

 الآن لو قال لك أحدهم هذا الثمن لك أن تدفعه حالاً أو آجلاً ولا يتغير فاخترت أحدهما فأنت لست ممن اشترى شيئاً بعقدين، مادام الثمن واحد أنت خرجت من هذا الخلاف كلياً.
 أيها الأخوة؛ الآن المشتري إذا اشترى بيعتين في بيعة على ما وصفنا وأراد مجانبة الربا فله أوكسهما، لو أنك دخلت إلى محل وعرض عليك البائـــع سعرين، سعر حال وسعر آجل، فاخترت السعر الأقل حالاً لا يوجد مشكلة أو اخترت السعر الأقل ورضي معك إلى أجل لا يوجد مشكلة، إذا حاورته وحككته وقبل منك أن يعطيك أقل السعرين بأطول الأجلين لا يوجد شيء عليك بيعك صحيح وشراؤك صحيح.
 القول الثاني الآن وهو أضعف الأقوال:

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا))

 المذهب الأول أن هذا البيع باطل كلياً هذا مذهب ابن حزم، والمذهب الثالث أنه باطل أو أنه فاسد يصحح إذا دفعت أقل الثمنين لأطول الأجلين، أما المذهب الثاني أن هذا البيع علةُ تحريمِهِ الجهالةُ فلو وضحت نقداً بكذا ونسيئةً بكذا صح البيع إذا خرج المشتري على أحد العقدين فالـبيع صحيح وهذا ما يقوله معظم الذين يبيحون بيع التقسيط باختلاف الثمن، القول الثاني هو أضعف الأقوال لأنه لا دليل عنده إلا الرأي، والرأي غير صحيح، والرأي هو أن العلة هي الجهالة، الجهالة غير موجودة، لأنه وضحه البائع قال نقداً بكذا، لما النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( أَوِ الرِّبَا))

 العلة هي الربا، هي التفاضل، علة التحريم التفاضل وليس الجهالة، والحديث واضح وكلام ابن مسعود رضي الله عنه:

(( الصفقة في الصفقتين ربا))

 فالعلة هي الربا وليست الجهالة، وحديث ابن مسعود مطابق لكل هذه الأحاديث كلها ولكنه يزيد عليها بعلة التحريم الصفقتان في الصفقة ربا.

((لا تَصْلُحُ صفْقَتَانِ فِي صفْقَةٍ))

 هذا الحديث بين علة التحريم والحديث الصحيح محور الدرس: هذا البيع فاسد وليس باطلاً.
 بالمناسبة لو أن إنسان تزوج امرأة فإذا هي أخته من الرضاعة ما حكــم هذا الزواج؟ باطل ينبغــي أن يفسخ فوراً، إنسان تزوج فتاةً بلا مهر ما حكم هذا الزواج؟ فاسد هذا الزواج يصحح بمهــر المثل، بين كلمة باطل وفاسد مسافة كبيرة، الباطل لا يصحح أما الفاسد يصحح. فإذا قلت هذا البيع باطل لأن النبي قال فله أوكسهما أو الربا فالنبي سمح بتصحيح هذا البيــع، أما ابن حزم قال: البيع باطل مطلقاً، أما الذي قال العلة: هي الجهالة فالعلـة مردودة ليست العلة هي الجهالة. فقد خرج المشتري وهو يعلم علم اليقين الثمن نقداً والثمن نسيئةً فإن دفع نقداً كان بها، وإن قبل نسيئة دفع أول قسط، فالقسط عنده معلوم وكم قسط معلوم، ومتى تنتهي الأقساط معلومة فأن نقول: إن هناك جهلاً فهذه علة ليست مقبولة إطلاقاً.
 حديث ابن مسعود بين العلة، علة التحريم الربا التفاوت بالسعر، حديث النبي عليه الصلاة والسلام بين أن هذا البيع يصحح بأن تدفع أقل الثمنين لأطول الأجلين، يقول صاحب الكتاب: هذا ما بدا لي من طريقة الجمع بين الأحاديث والتفقه فيها، وما اخترته من أقوال العلماء حولها، فإن أصبت فمــن الله وإن أخطأت فمن تقصيري ونفسي، كلام طيب وكلام فيه تواضع. والله أسأل أن يعفره لي وكل ذنب لي، كذلك يقول: واعلم يا أخي المسلم أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم وهي بيع التقسيط وأخذ الزيادة مقابل الأجل وكلمـا طال الأجل زيد في الزيادة، يعني أكثر سؤال واجهته في أمريكا البيت ثمنه مائة ألف دولار وتقسيطاً ثلاث مائة ألف، ثلاثة أمثال ولأن الذي يذهب إلى هناك لا يملك هذه المائة فيشتري بيتاً بالتقسيط لثلاثين عاماً، وهذا شيء مؤلم، وما من يوم إلا وسئلت هذا السؤال عشرات المرات، مشكلــة كبيرة جداً أكثر الجالية المسلمة تسكن في بيت بهذه الطريقة ولأنها تسأل دائماً هناك انزعاج، هناك شعور بأنه في الأمر خطأ.
 فهذه المعاملة هي غير شرعية من جهة ولأنها تنافي روح الإسلام القائم على التعاون، مثلاً إنسان عنده غنم في البادية لا يملك ثمن علف، يستطيع أن يبيع صوف الغنم والتسليم بعد ستة أشهر وأن يأخذ ثمــن الصوف نقداً، هذه الحالة اسمها بيع السلم، ما ملخصها أو ما حكمتها؟ معاونة الشاري للبائع، بيع التقسيط من دون زيادة ما حكمة هذا البيع؟ معاونة البائـع للشاري، يعني بيع التقسيط إحسان وبيع السلم إحسان هذا ما يتميز به الإسلام، إنسان مضطر إلى حاجة لا يملك ثمنها فإن بعته إياها فأنت حققت عملاً صالحــاً كبيراً عند الله عز وجل، طبعاً ما يكون محتالاً معه مال ويكتمــه ويشغله بمحـل آخر وقال لك أعطني بالتقسيط هذا موضوع آخر، أما إذا إنسان محتاج في أمس الحاجة وأخذها تقسيطاً بسعرها نقداً فأنت عملت عملاً صالحاً ليس له علاقة بالتجارة.
 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى))

[ البخاري ـ الترمذي ]

 وفي حديث آخر رواه الحاكم :

(( من كان هيناً ليناً قريباً حرمه الله على النار))

 أيها الأخوة؛ لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله في درس قادم نشرحه حين نلتقي ونجيب على أي سؤال إن شاء الله، هذه أمانة التبيين بلغتكم إيـاها، وأنت لك أن تفعل ما تشاء، أنا بينت لك الأحاديث وشرحها وكيف شرحها راوي الحديث وكيف علماء كبار قالوا بهذا الشرح، وكيف علماء السنة قالوا بهذا الشرح، وكيف أن الذين أجازوا اعتمدوا على علة الجهالة والجهالة مردودة في هذا الموضوع.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور