- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠2الربا
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تلخيص لما سبق :
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في موضوع الربا، ففي الدرس الماضي بفضل الله تعالى تبين لكم المضار التي تتحقق من أكل الربا، وهي كثيرة جداً من أبرزها: ارتفاع الأسعار، ومن أبرزها انتشار البطالة، ومن أبرزها وقوع العداوة والبغضاء والحقد بين طبقات المجتمع، ومن أبرزها أيضاً حرمان الأمة من أي مشروع إنمائي يعود بالخير عليها، هذه بعض مضار الربا التي تبينت لكم في الدرس الماضي.
وفي الدرس قبل الماضي تحدثنا عن ربا القروض وهو ربا القرآن، وهو ربا حقيقي، وهو الربا الجاهلي، وعن ربا البيوع وهو الربا المحمول على الربا الحقيقي ربا السنة، لأن السنة حرمته، وهو الربا الخفي، وإن ربا القروض هو الربا الجلي، وربا البيوع هو الربا الخفي، وبينت لكم أن هذا التحريم متعلق بالفطرة، فالإغريق والرومان وفلاسفة الأرض في قديم الزمان وجدوا في الربا تحطيماً للمجتمع، والأصل في ذلك أن المال لا ينبغي أن يلد المال، إذا ولد المالُ المال تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة لكن الأعمال النافعة الزراعية والتجارية والصناعية والخدمية هي التي يجب أن تولد المال.
وذكرت لكم مرات كثيرة كيف أن هناك مخروطاً يمثل موضوع الربا. فمحوره إن صحّ التعبير هو السعر، فكلما ارتفع السعر ضاقت الشريحة المنتفعة من هذه السلعة، وإذا ضاقت الشريحة صار التضخم النقدي، وانقسم المجتمع إلى طبقتين: طبقة غنية مترفة وطبقة محرومة ونشأ الصراع. وكلُّ ما يجري في العالم اليوم من صراعات هو بسبب تجمع الأموال في دول قليلة أو في أفرادٍ قليلين، وحرمان الكثرة الكثيرة من هذا المال، والوضع الذي أراده الله جلّ جلاله هو أن يكون المال متداولاً بين جميع أفراد الأمة، الكتلة النقدية يجب أن تكون موزعة بين الجميع ليعيش الجميع في بحبوحة، وفي وئام، وفي محبة.
هذا ملخص للموضوعات السابقة، ويجب أن تعلموا أن الله حينما يحرم شيئاً فلأنه خالق الكون، الصانع الرب العليم الخبير الحكيم، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
إذا حرم الله شيئاً ينبغي ألا ننتهي من بيان مضاره، وكلما زدنا الأمر بحثاً تكشفت لنا مضار لم نكن نعلمها.
الربا يدمر الأمة بكاملها :
مرة ثانية أقول لكم: ما من معصية توعد الله بها مرتكبها بحرب من الله ورسوله أشد من الربا، لأن الربا يدمر مجتمعاً بأكمله، وحينما تصبح السلع فوق طاقة الأفراد الشرائية، تصبح الطرق أمام الشباب مسدودة، فينزح الشباب، وكل شاب حينما يرى الطريق مسدوداً أمامه فحلمه الوحيد أن يهاجر من بلده، فإذا خلت الأمة من أبنائها، من اليد العاملة، من طاقتها الفكرية، من شبابها، أصبحت أمة منهارة، تعيش على فتات الأمم الأخرى، فالقضية متداخلة، والله جلّ جلاله حينما حرم الربا فمعنى ذلك أن الربا يدمر الأمة بكاملها.
لكن الآن آمنّا أن الربا حرام وصدقنا، فكيف نتقي الوقوع في الربا؟ وهذا درسنا اليوم.
التدابير العامة الواقية من الربا :
ما هي التدابير العامة الواقية من الربا؟ ما البديل؟
أين النظام الاقتصادي في الإسلام؟ ما البديل الذي يحقق مطالب الناس؟ الحقيقة هناك ملاحظة أحبّ أن أضعها بين أيديكم الآن، النظام الإسلامي نظام متكامل، أي مستحيل أن تأتي إلى إنسان مادي النزعة مقطوع عن الله عز وجل وتقول له: إياك أن تقرض قرضاً بفائدة لأنه حرام، فيتهمك بالجنون ويقول لك: أأجمد أموالي؟ ويحدثك عن التضخم النقدي، وعن انهيار العملة، وأن كل قرض حسن إتلاف للمال.
أيها الأخوة، هذا النظام الإسلامي نظام متكامل فحينما يكون الإنسان مؤمناً بالله، مؤمناً بما عند ربه من إكرام في الآخرة، مؤمناً بمهمته بالحياة، مؤمناً بدوره الإصلاحي، حينما ينقل كل اهتماماته إلى الآخرة يرى في القرض الحسن قربة إلى الله عز وجل، لا تخاطب إنساناً مادياً بأحكام الشريعة التفصيلية، العوام والناس لا يخاطبون إلا بأصول الشريعة، بينما المؤمنون هم الذين يخاطبون بفروع الشريعة، وهؤلاء تقول لأحدهم: أنت مؤمن وهذا كلام خالق الكون فاصدع، ومع ذلك فالله جل جلاله مع كثرة الشُبه والمبادئ الهدامة والنظم الفاسدة بالمجتمع الحديث فالله جل جلاله وَفّر للأمة من يحلل لها الأمر الإلهي ويبين عظمته، وفوائده، وأبعاده، ومراميه، وكما أن هناك ضلالات فهناك بينات.
1 ـ الإيمان بالله :
درس اليوم ما هي التدابير الواقية من الربا؟ الحقيقة وبكل وضوح أقول لكم: إن التدبير الأول الواقي من الربا أن تكون مؤمناً بالله، إنك إن كنت جائعاً وأمامك طبق نفيس وسلاح مشهور أمام رأسك إن أكلت يطلق النار هل تأكل؟ مستحيل.
مبدئياً إذا آمنت بالله عز وجل آمنت به خالقاً، وأنَّ أمرك كله بيده، وأن كيانك وأن أموالك بيده، وأن الله قادر على إتلاف المال كله لأسباب بسيطة، والله جل جلاله قادر على أن يمحق المال، قادر على أن يجعل المال كله لا يجدي أمام عضو متعطل في جسدك. إذا آمنت بالله، وبما عنده من إكرام فيما لو أطعته، وبما عنده من عذاب أليم في الدنيا و الآخرة فيما لو عصيته، إيمانك بالله أكبر وقاية من أن تقع في الربا، وكل إنسان يقع في الربا ولا يبالي فاحكموا عليه حكماً قطعياً أن إيمانه بالله ضعيف.
كنت سابقاً أضرب لكم بعض الأمثلة، منها أنّ أيّ إنسان يركب مركبة و الإشارة حمراء، و يقف الشرطي عندها وإلى جانبه سيارة فيها نقيب، وإلى جانبها دراجتان ناريتان، و هو مواطن عادي لا يتمكن أن يتلافى المخالفة، فهل يتجاوز الإشارة الحمراء؟ مستحيل، ما دام واضع القانون يطولك علمه عن طريق هذا الشرطي و ذاك النقيب و هؤلاء راكبي الدراجات النارية، و بأنك إذا وقعت في مخالفته تطولك قدرته، ويصادر المركبة، أو يسحب الإجازة، فأنت لن تعصي، بل مستحيل أن تخالف، إذا تعاملت مع الله بهذه الطريقة، وأن الله يعلم، وهو قادر عليك سيعاقبك انتهى الأمر، إذا أيقنت أن الله يعلم و أنه سيحاسب انتهى الأمر، انتهت علاقتك بالمعاصي كلها، كيف تعصي الله و هو معك؟ كيف تعصيه و هو سيحاسبك؟ فلذلك الإيمان أول واق من الوقوع في الربا، فكل إنسان يأكل الربا أو يوكله فهذا مؤشر خطير على أن في إيمانه ضعفاً شديداً، الدليل قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
إذا قلت: سمعت و أطعت فأنت مؤمن، و إن قلت: سمعت و لم أطع فأنت لست مؤمناً، نص الآية واضح جداً، أنت مؤمن حينما تطيع الله عز وجل، أما حينما لا تطيعه فإيمانك بتعبير لطيف ليس بالمستوى الكافي ليحملك على طاعة الله، إذاً هذا الإيمان لا ينجيك، أي يمكن أن أقول لك: إيمانك تشوبُه قناعات ضبابية لكن لا ترقى إلى مستوى أن يمنعك من معصيته قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
من لوازم الإيمان السمع و الطاعة وعدم الإصغاء إلى الشيطان :
شيء آخر: الإنسان حينما يتوهم أن للشيطان سلطاناً عليه فهو ضعيف الإيمان بآيات الله عز وجل، وهو سبحانه يقول:
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
أنت مخير، و علامة إيمانك المبادرة إلى الطاعة، و حينما تدّعي أن الشيطان وسوس لك فالجواب القطعي ليس له عليك من سلطان، و الحقيقة الدامغة في قوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾
هذه ثلاث آيات، فمن لوازم الإيمان السمع و الطاعة، ومن لوازم الإيمان عدم الإصغاء إلى الشيطان، ومن لوازم الإيمان ألا تتردد في طاعة الله عندما يظهر لك أمره، دققوا في آيات الربا قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" يخاطب المؤمنين اتقوا الله أي اتقوا عقابه، اتقوا إتلاف المال، اتقوا محق البركة، اتقوا التدمير:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
وقف المفسرون عند قوله تعالى
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
وقفات متأنية، قال بعض المفسرين: إذا كان إيمانكم تاماً شاملاً لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فذروا ما بقي من الربا، إن كنت متصفاً بهذه الصفة فافعل كذا فإن لم تفعل فلست متصفاً بهذه الصفة، كأن الآية تقول: من لم يستجب لهذا الأمر يحكم على نفسه بأنه غير مؤمن.
أدلة من السيرة النبوية حول تحريم الربا :
والآن إليكم الأدلة من السيرة النبوية: "سيدنا العباس بن عبد المطلب و رجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرة، و هم من بني عمرو بن عمير، فجاء الإسلام و لهما أموال عظيمة من الربا فتركوها حينما نزلت هذه الآية " أيْ أنّ الصحابة استجابوا، وهم طبعاً كانوا يرابون، و كانوا يشربون الخمر، لكنهم عرفوا الله عز وجل فاستجابوا، وحينما حرمت الخمر كنت لا ترى في المدينة إلا الخمر تسيل في الشوارع، أهرقوا الخمر و كسروا الدنان و ارتاحوا.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه- دققوا في كلامه- قال: "تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا".
أي هناك شيء واضح وضوح الشمس أنه حلال، و هناك شيء واضح وضوح الشمس أنه حرام، و هناك أشياء مشتبهة، فعلامة الورع أن الذي اشتبه عليه يدعه ورعاً، يدعه و يستريح.
(( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ))
إذا اشتبه عليك أمر فدعه و استرح.
"تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا"، وروى الإمام البيهقي عن ابن سيرين أن أبي بن كعب رضي الله عنه أهدى إلى عمر بن الخطاب من ثمرة أرضه فردها عمر رضي الله عنه، وسيدنا عمر أمير المؤمنين عملاق الإسلام، سيدنا عمر الإمام العادل الرحيم، وأحد الصحابة الكرام يحب أُبَيّاً حباً جماً وله أرض فيها بستان و عنده فاكهة، ماذا فعل هذا الصحابي؟ قال: أهدى إلى عمر بن الخطاب من ثمرة أرضه طبقاً من فاكهة بستانه، وهذا شيء طبيعي جداً، ماذا فعل هذا الصحابي؟ سيدنا عمر ردها، الهدية ترد؟ لا ترد، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم:
((قَالَ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ))
فهذا الصحابي الجليل ما زاد على أن قدم هدية لسيدنا عمر فردها عليه فقال أبي: يا أمير المؤمنين لِمَ رددت عليّ هديتي وقد علمت أني من أطيب أهل المدينة ثمراً؟ هذا بستاني أعمل به بعرقي وكدّ يميني، وهذه من ثمار بستاني وقدمتها لك هدية أسوةً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له عمر: قد علمت أني أسلفتك عشرة آلاف درهم، وخشيتي أن يكون لهذه الهدية صلة بالقرض لذلك رددتها عليك.
فسيدنا عمر بن الخطاب لعلمه أن كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا، فدار في خلده أنه لعل هذه الهدية قدمتَها إليّ مكافأة لي على أني أقرضتك عشرة آلاف درهم، وخفت أن يكون هناك من علاقة بين هذا القرض وبين هذه الهدية فرددتها عليك، مع أنك طيب ومالك حلال وأنت أخ كريم ولكن هذا الذي حملني أن أردها عليك.
أحد أصحاب رسول الله أرسل غلاماً ليتجر له بالمال، بعث غلاماً له بأربعة آلاف إلى أصبهان ثم بلغه أنه قد مات، فركب إليه أو أرسل إليه فوجد المال قد بلغ أربعة وعشرين ألفاً، ربح ستة أمثال، فقيل له: إنه قد كان يقرض المال بالربا فأخذ هذا الصحابي الأربعة آلاف رأسماله وترك عشرين ألفاً، فقيل له خذه قال: ليس لي، قيل: هبه لنا، فتركه ولم يأخذ منه شيئاً، لأنه سمع أن هذا الكسب فيه شبهة الربا، أخذ رأسماله ولم يلو على شيء.
وأنا أقدم لكم في هذا الدرس نماذج من ورع الصحابة هؤلاء الذين أحبهم الله عز وجل، هؤلاء الذين رضي الله عنهم، هؤلاء الذين فتحوا البلاد ونشروا الإسلام في الآفاق، ما خرجوا بالإسلام إلا عندما كانوا ورعين ووقفوا عند حدود الله عز وجل.
القرض الحسن و القرض الربوي :
الحقيقة ما الذي يحل محل الربا؟ قلت لكم من قبل: إنّ الإنسان له صفتان؛ إما أن يكون محسناً، وإما أن يكون مادياً، إن كان محسناً يقرض القرض الحسن، وإن كان مادياً يقرض قرضاً ربوياً، وهاكم مستوى أكبر من ذلك، سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقول:" كنا نعد المقرض بخيلاً إنما كانت المواساة".
إذا كنت في بحبوحة وأخوك احتاج إلى مبلغ من المال إذا أقرضته فهذا عمل جيد وأنت إنسان محسن، ولكن الأرقى من ذلك أن تقدمها له هبةً، إذا أنت في بحبوحة وأخوك في ضائقة فلا تحمله عبء الدين.
في مجتمعنا المادي المقرض إنسان عظيم ومحسنٌ كريمٌ، لأنه يقول لك: أدنته المبلغ حين كانت قبل سنة العملة الأجنبية بسعر كذا، أما الآن فصار السعر مرتفعاً وخسرنا ولم نستفد شيئاً، وخسرنا سبعة عشر بالمئة ويحسبها، ربنا عز وجل قادر على أن يغرِّمك مئات الملايين عن طيب خاطر من أجل صحتك أليس كذلك؟ وأحياناً غلطة تجارية تُذهب المال كله، واعلم أنك تعامل الله عز وجل، فدع هذا القرض يسبب لك خسارة لكن أنت أرضيت الله عز وجل، إذا كان كل شيء بالحسابات فهذه مشكلة كبيرة.
على عهد الصحابة المقرض كان يعد بخيلاً، لِمَ لم تواسه بمالك؟ لماذا تقرضه؟ واسِهِ بمالك، الآن المقرض يعد محسناً إحساناً كبيراً، وإذا الآن إنسان مقرض أحب أن يقرض فإنه يقرض مَن قَرَضَهُ، قال لي أحدهم: أقرضني بسعر عملة أجنبية وارتفعت عشرة أمثال سعرها، باع البيت ولم يكف لسداد قرضه علماً أنه أخذ منه قرضاً ليكمل ثمن البيت فباع البيت كله ولم يكف سداد قرضه.
أسمعُ كل قصة عن ارتفاع العملات المفاجئ أو عن انخفاضها المفاجئ لا يحتمل، والإنسان قد يضطر أن يبيع كل شيء يملكه ولا يكفي لسداد ما عليه، واعلم أنك إن أردت أن تقرض فأقرض بالعملة المتداولة، هناك شخص أذكى قال له: سوف آخذ أسعار العملات كلها بالسوق المجاورة وأعمل وسطي لها وأُديّنك المبلغ على هذا السعر بعد أن تعيد المبلغ إليّ سوف آخذ جميع أسعار العملات وآخذ وسطيها وأطلب منك المبلغ وفقها وهذا هو القرض غير الحسن.
إذا أقرض فليفعل خيراً، ويجب أن يكون محسناً، يعمل للآخرة، وليذهب بعض المال، ولترقَ عند الله رقياً يكرمك في الدنيا والآخرة، سيدنا عمر ردّ عليه هديته خوفاً من أن يكون لها علاقة بقرض قدمه له.
التوبة السريعة سبيل من وقع في الربا :
الحقيقة إذا وقع الإنسان في الربا أو كان يتعامل تعاملاً ربوياً وعرف الله عز وجل فلا يوجد أمامه سوى حل واحد أن يبادر إلى التوبة مبادرة سريعة، فإن المؤمن الصادق يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا وأشار به إلى الذباب.
(( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا ))
علامة إيمانك أن ترى الذنب كأنه جبل جاثم على صدرك، وعلامة ضعف إيمانك أن ترى الذنب كأنه ذبابة، يقول: ما الذي صار؟ يقول: لا تدقق، لا يسعنا إلا عفوه، ونحن عبيد إحسان وليس عبيد امتحان، الله لا يعاملنا بعملنا، يا الله لا تسألنا عن شيء، ويعتقد أنه ردّ شيئاً من توعّد الله له ولأمثاله بهذا الكلام، وكله كلام غير شرعي وليس له معنى، ربنا عز وجل قال:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
العجيب:
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
كرامتك على الله أن تكون مستجاب الدعوة، وهذه الكرامة لا تتحقق إلا إذا كان دخلك حلالاً، وذلك لحكمة أرادها الله عز وجل، لكن شيء مغرٍ بالنظرة المادية، شيء لا حرج منه، والقرض الربوي فيه ربح هذا بالنظرة المادية، أما بالنظرة الإيمانية فالقرض الحسن فيه رضى من الله عز وجل قال تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
سوء الظن عصمة والحزم سوء الظن :
أيها الأخوة الكرام، أقول لكم هذا الكلام لأنّ شريحةً بالمجتمع كبيرة جداً لا ترضى أن تأخذ صدقةً، ولكن القرض يحل لها أكبر مشكلة، قد نرى إنساناً يسأل الناس إلحافاً وهذه شريحة وهذه لها جهـات أخرى، بإلحاح، بلا حياء، بقسوة، بتكرار، وعنده عدة كاملة، مرة قال لي أخ: امرأة جاءت تشكو الفقر المدقع رق لها أعضاء اللجنة وهم واعون جداً قالوا: نريد أن نرى البيت، قالت: البيت جاهز يا سيدي، قال: دخلنا في اليوم التالي وجدنا بيتاً لا يحتمل حاله فهو قميء جداً ليس فيه شيء سوى بساط وإناء وموقد غاز، شيء يُبَكّي، أحد أعضاء اللجنة ما ارتاح لهذا البيت فجاء في اليوم التالي وطرق الباب فلم يجد أحداً فلما زاد في الطرق فتح الجيران وقالوا: ما شأنك؟ قال: أين أصحاب البيت؟ قالوا: ليسوا هنا هناك بيتهم، فذهب إلى ذلك البيت فإذا بيت فيه كل شيء وهذا من العدة الخادعة لأهل الإحسان يخدعونهم بها.
إنها شريحة اجتماعية تعودت التسول وتتقنه وهناك من يصنعون العاهات؛ ترى يده مجبصنة وهذا الجبصين خُلّبي، يده لا شيء بها، وعصابة على عينه وعينه سليمة، يضعون ولداً صغيراً أمامهم، بائس المنظر، يستدر العطف، فهذه شريحة اجتماعية مخادعة، وهذا تسول يجب أن يكافح، كما أنّ هناك شريحة ثانية تقبل المعونة وفقرها مدقع، وتطالعك شريحة ثالثة لا تقبل إلا قرضاً وهذا شيء جميل، فالقرض الحسن يلبي طلب الشريحة الثالثة، عندنا شريحة أولى وشريحة ثانية وثالثة، فالقرض الحسن يلبي طلب الشريحة الثالثة، لذلك إذا حسبنا القرض على حساب العملات والتضخم النقدي لا أحد يقرض أحداً، هذا حساب باطل يجب أن تنوي فعل الخير وليكن الثمن ما يكون، لكن ليس أيّ إنسانٍ قال لك دَيِّني فتديّنه، عليك أن تتحقق، والمؤمن كيّس فطن حذر فلا بد أن تتحقق.
احترس من الناس بسوء الظن، سوء الظن عصمة، والحزم سوء الظن، إن بعض الظن إثم، وليس كل الظن سيّئاً.
تعرفه جيداً، وتعرف أمانته وعفافه، وتعرف حاجته إلى هذا المبلغ، ومعك المبلغ وتمتنع، إذاً فإيمانك فيه ضعف، أنا لا أدعوك لتلقي بمالك جزافاً، المفرّط أولى بالخسارة وهناك كثير من الناس يحتالون ولهم منظر مقبول.
رجل يريد أن يذهب إلى الحج ويريد أن يضع مالَهُ عند شخص، دخل إلى المسجد وتفرس وجوه المصلين، فوجد واحداً خشوعه جيد، فهو يغمض عيونه في الصلاة فقال في نفسه: هذا الرجل مناسب وأمين، فقال له: أنا أريد أن أضع عندك مبلغاً من المال لأني ذاهب إلى الحج، فقال له: أنا صائم أيضاً يا سيدي، فقال له: لكن صيامك لم يعجبني.
بقي علينا أن امرأة سألت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت لها: بعت زيد بن أرقم حاجة إلى العطاء بثمانمئة درهم وابتعتها منه بستمئة، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: "بئس ما اشتريت أو بئس ما اشترى، أبلغي زيد بن الأرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب قالت: أرأيت إن أخذت رأسمالي قالت: لا بأس".
أي صلاة، صوم، حج، عمرة، أعمال صالحة، وله دخل حرام فهذه قاصمة الظهر.
أول تدبير احترازي للوقاية من الربا أن تقوي إيمانك بالله، وإذا قوي إيمانك بالله قوي طمعك بما عنده من إكرام في الدنيا والآخرة، وإذا قوي إيمانك بالله قوي خوفك من الله.
الإيمان بالله يعني الطمع برحمته، والخوف من عذابه، فأول وقاية من الربا أن تعمق إيمانك بالله إلى درجة أنك تخاف أن تعصيه، وهذا أمره واضح.
2 ـ الحث على اتقاء الشبهات :
وهناك تدبير احترازي آخر: وهو الحث على اتقاء الشبهات، نحن ليس لدينا خلاف أبداً في الأشياء الواضحة، الحلال بيّن والحرام بيّن، فألف ومئتا مليون مسلم لا يختلفون على أن السرقة حرام، وعلى أن الزنا حرام، وأكل مال اليتيم حرام، وألف ومئتا مليون لا يختلفون على أن الصدقة قربة من الله عز وجل، الحلال واضح والحرام واضح، لكن الذي يهلك المسلمين هذه الشبهات، فالورع يراها تشبه الحرام، وغير الورع يراها تشبه الحلال، الشبهات هي التي ضيعت دين الناس، لذلك فالتدبير الاحترازي الثاني الذي يقيك من الربا أن تدع الشبهات.
يا أخي هذه القضية فيها شبهة ولها فتوى، وهناك فتوى أخرى معاكسة، الأورع أن تدع الأمر، ونحن عندنا قاعدة ؛ قاعدة الحوط والأشياء الواضحة واضحة، والأشياء غير الواضحة عندك لكنها عند العلماء واضحة إليكم الأدلة: من الشبه أن قضية بالفقه تشبه الحلال من جهة وتشبه الحرام من جهة، وهي تشبه شيئين مختلفين أو تشبه شيئين متناقضين، لما قلت له: هذه السجادة ثمنها ألف ريال قال: اشتريــت وقيدها عليّ بيع إيجاب وقبول وثمن مؤجل، ثم قال الشاري للبائع: أتشتريها مني؟ فهذا بيع ثانٍ، قال: أشتريها بثمانمئة ريال، الذي حصل أنه قيّد عليه ألف ريال دين وأعطاه ثمانمئة، هذه الحادثة تشبه البيع والشراء من جهة وتشبه الربا من جهة ثانية، كذلك قرض بفائدة، هذه الشبهة وهي شيء يشبه شيئين مختلفين، متضادين ومتعاكسين أحدهما حرام والثاني حلال.
الحقيقة موضوع الشبهات أنّ الأشياء إما أن يكون أصلها حلالاً، وإما أن يكون أصلها حراماً، وإما أن يشك في أصلها، الشيء الحلال لا تدخله الشبهات، والشك لا يلغي اليقين، والشيء الحرام لا يجعله الوهم حلالاً، الحرام يبقى حراماً، الوهم والشك لا ينقلان الحرام إلى حلال والحلال إلى حرام، لكن أصل الشبه أن أصل الشيء مشكوك بانتمائه إلى الحلال أم إلى الحرام.
الفرق بين الوسوسة و الشبهة :
لكن هناك أناس يتهمون الورعين أنهم مصابون بالوسواس!!
الإمام الغزالي ضرب مثلاً على الوسوسة أنّ شخصاً صاد سمكة وقال: هذه حرام أن آكلها لعل واحداً صادها قبلي، ووقعت منه في البحر، وبعد أن تملكها وقعت منه فهي ملكه، وأنا إذا أكلتها أقع في الحرام. فهذه وسوسة وهي نطاقها واسع جداً.
لكن اتقاء الشبهات غير الوساوس، واتقاء الوساوس غير اتقاء الشبهات، وهناك فرق بينهما، إذا شيء أصله حلال وأنت توسوست منه فهذه وسوسة، أما إذا شيء أصله غير معروف وأصله فيه شبهة فاتقاؤه ليس وسوسةً، وحينما تتقي ما كان أصله معروفاً حلالاً واتقيته وسوسةً فهذه هي الوسوسة، أما حينما يكون أصل الشيء مشكوكاً فيه وتركته فهذا ليس وسوسة هذه فضيلة، فالفرق بين الوسوسة وترك الشبهة أن الوسوسة تتعلق بما كان أصله واضحاً، واضح أنه حلال وأنت جعلته حراماً.
قال لي إنسان: هذه الكنزة أنا لا ألبسها، قلت له: لماذا؟ قال: هذه أجنبية وهي من عند الكفار قادمة، ولأن كانت من عند الكفار فما يضيرك؟ ولك أن تتعامل مع أهل الكتاب فالنبي تعامل معهم. والتعامل معهم لا يجعل الشيء الذي اشتريته من إنسان كتابي حراماً إذا كنت قد دفعت له الثمن.
الوسوسة و الشبهة و الورع :
الوسوسة إذا توجهت إلى ما كان أصله واضحاً فأضفيت عليه من بعض الأوهام أنه حرام فهذه وسوسة، أما إذا شيء أصله غير معروف أو أصله فيه شبهة وتركته فهذا عين الورع، ومثال ذلك: النبي عليه الصلاة والسلام وجد تمرة فما أكلها لماذا؟ خاف أن تكون من تمر الصدقة، وحرام عليه أن يأكل الصدقة، وحلال له أن يأكل الهدية، ومن علامات نبوته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فوجد مرة تمرة فقال:
((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالتَّمْرَةِ فَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فَيَأْكُلَهَا إِلا مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ))
أهذه وسوسة أم ورع؟ هذا ورع إذ ليس معروفاً أصلها.
أما إنسان توضأ يقيناً ثم شك أن وضوءه قد انتقض وهو متوضئ، هنا دخل الوسواس، الشك لا يلغي اليقين، فهذا الذي يعيد وضوءه مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً هذا مصاب بالوسوسة والنبي علمنا نضح الثوب إذا شعرنا أن هناك من بلل، فهذا بلل صنعناه بأيدينا حتى نقطع باب الوسوسة.
الوسوسة حينما تتعلق بالحلال وتتوهم أنه حرام فهذه وسوسة، أما الشيء المشكوك في أصله فهذه ليست وسوسة.
يقول لك: أليس الله قال؟
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
تقول له: نعم يقول لك: لماذا نجدُ أشياء غير واضحة بالدين وأين كمال الشريعة؟ بماذا تجيبه؟ الجواب حديث رسول الله:
((عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
ماذا يعني هذا الكلام؟ أن هناك من يعلمها. وإذا كان كثير من الناس لا يعلمونها فمعنى ذلك أن هناك من العلماء من يعلمها قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
الاستثمارات بمال ثابت كالربا تماماً :
يقول لك: لا شيء في هذا، أنا ساعدته في ثمن هذا البيت، ودفعت معه مئتي ألف، ويعطيني أجرة الآن، ومبلغي مضمون، ووعدني بسنة واحدة وينقدني المئتي ألف، وأتوقف عن أخذ الأجرة؟ هذا ربا مثل الشمس. هذا البيت إذا استملك فمبلغك مضمون يقول: طبعاً مضمون، والمبلغ دين أدنته إياه، هذه الأجرة ربا، إذا كان فعلاً أنت لك نصف البيت والبيت استملك فمالك عنده شيء، أو إذا احترق فليس لك عنده شيء، انخفض سعره فليس لك عنده شيء، وإذا ارتفع سعره تأخذ ضعف مبلغك هذا، من أجل أن تكون الأجرة حلالاً فهذه هي الطريقة الصحيحة أنك تملكت تمليكاً صحيحاً، فإذا كان عوام الناس لا يعلمون أن هذه شبهة فهناك من يعلمها.
كل الاستثمارات بمال ثابت تشبه الربا، أريد على المئة ألف أربعة آلاف بالشهر هذا ربا، ولا يعترف لا بربح ولا بخسارة.
فالجواب الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، لكن العلماء يعلمونها وأهل الذكر يعلمونها، وأنت إذا كان شيء لا تعرفه فاسأل قال تعالى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
وقال تعالى:
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾
((...فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
قال بعض العلماء تعليقاً على هذا الحديث: الواجب على من اشتبه عليه الأمر أن يتوقف ويستبرئ لدينه ولا يقدم إلا على بصيرة، فإنه إذا أقدم على الشيء قبل التثبت والتبين لم يأمن أن يقع في المحرم، وذلك معنى الحمى الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام.
دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ أصل في اتقاء الشبهات :
الحديث الآخر:
((عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ))
يقول أحد الناس: أنا أشتري الحاجات من السوق، يخفضون لي من السعر، والذي كلفني بشراء الحاجات لا يملك الخبرة ولي حق أن أضيف!! هذه فيها شبهة أنت أجير والأجير مؤتمن، اطلب منه أجرتك، أو بدل عطلتك، أو نسبة على المشتريات بشكل واضح لا تخفي عليه.
ألي حق أن أعطي هذا الصانع مبلغاً؟ نعم لكن من ربحك فهذا ممكن، أما أن تضيفه على المُشترى فمستحيل، هناك أشياء دقيقة جداً اسأل عنها.
((... دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ ))
العلماء قالوا ومنهم ابن القيم في إيضاح هذا الحديث:
((... دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ ))
هو أصل في اتقاء الشبهات.
سيدنا الصديق كلكم يعلم شرب اللبن ثم علم أن فيه شبهة، فغلامه تكهن لإنسان في الجاهلية قال له: أنا لا أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني هذا المال فاشتريت به هذا اللبن فأشربته إياك، عندئذ تقيأه رضي الله عنه.
إعادة لما سبق :
أول تدبير: قَوِّ إيمانك بالله حتى يكون إيمانك هو الرادع، ومعنى إيمانك بالله أن ترجو ما عنده، وترجو رحمته، وتخشى عذابه، فإذا رجوت رحمته وخشيت عذابه كان هذا الإيمان وحده رادعاً لك من الربا.
والتدبير الثاني: إذا كان هناك مقالات واجتهادات متضاربة فأريح شيء وأسلمه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك:
((...فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
بعض الحيل الشرعية :
وفي الدرس القادم إن شاء الله تعالى سنتناول الحيل الشرعية وهذه الحيل الشرعية كثيرة جداً. ترى الإنسان المخاتل يتصور أنّ الله سبحانه وتعالى الذي أمر ونهى كطفل صغير، هكذا يتعامل مع الله بأن هذه الحيلة تنطلي على الله عز وجل.
فمن هذه الحيل: أنت تحب أن تجلس مع امرأة أخيك، ولكن كيف؟ هناك طريقة، كيف يا سيدي؟ خذ بنتاً صغيرة، عمرها سنتان، وأَعقد عليها قِراناً وادفعها لامرأة أخيك لترضعها، فبذلك أصبحت أمها من الرضاعة، وأصبحت حماتك. طلق البنت، وبعدها تستطيع أن تجلس مع امرأة أخيك طول العمر لابسة ملابسها أم لا، بحجاب وبلا حجاب.
ألم تعلم بأن الله يرى؟ فماذا تفعل. أتحتال على الله وأخيك؟
تدفع زكاتك وتضعها في داخل رغيف خبز وتعطيه لفقير وبداخل الرغيف خمسة آلاف ليرة وتقول له: أتهبني هذا الرغيف؟ يقول: نعم، ثم تعطيه خمس ليرات، وتستعيد الخمسة الآلاف كاملة، وهناك حيل من نوع ثانٍ ومنتشرة وفي الدرس القادم إن شاء الله سنتابع حديثنا عن الحيل الشرعية.
لِمَ لا يستجيب الله دعاءنا ؟
ويطالعنا الآن سؤال كبير: لِمَ لا يستجيب الله دعاءنا، وألف ومئتا مليون مسلم يموتون تحت عجلات طغيان الكفر؟ فالله عز وجل قال:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾
معنى هذا أنّ مشكلة في حياتنا قائمة، بل مشكلات. سمعت أنه بإحدى القرى يأتي بدوي عنده غنم لا يملك ثمن العلف - يقول لك: بيع سلم- يبيع كيلو الصوف بخمسين وثمنه بالسوق مئة وخمسون، فاشترى الصوف وثمن الصوف ستمئة ألف يقول لك: بيع سلم، هذا ليس معقولاً هذا أشد أنواع الربا، بيع السلم على العين والرأس، وهو تشريع إسلامي وهو معاونة الشاري للبائع.
إذا بعت سلعة وقبلت أن تأخذ ثمنها تقسيطاً وبالسعر النقدي بمعاونة البائع للشاري، بيع السلم معاونة الشاري للبائع لكن أنْ تأخذ ثلاثة أمثال وتشتري الصوف بخمسين وثمنه مئة وخمسون، وتأخذ صوفاً بمئتي ألف ثم تبيع هذا الصوف بستمئة ألف، وربحت مئتين بالمئة، عندما يكون بيع السلم هكذا فالاحتيال واضح، وكذلك بالبيع العادي هناك احتيال، و كل الأشياء المحرمة مغطاة ببعض الفتاوى الضعيفة الهزيلة، فمن هذا الدجل لا يستجيب الله سبحانه لنا.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))
و تسعة أعشار المعاصي في كسب المال.
الزنا :
عندنا أيضاً بعد هذه الموضوعات موضوع الزنا، أكثر شيء يوقع الناس بالمعاصي شهوة المال وشهوة الجنس، الحجب الكثيفة بين الناس وبين الله في هاتين الشهوتين، فإذا ضبطنا هذين الموضوعين عندئذ نطمع برحمة الله لنا. وإذا انتهينا من موضوع الربا ومن تدابيره الاحترازية ننتقل بمشيئة الله إلى موضوع الزنا وكل ما يتعلق به والتدابير الاحترازية.
ليس الزنا فقط هو الزنا المعروف، بل العين تزني كذلك وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، أي هناك زنا مخفف إذا وقع به الإنسان حجب عن الله، لذلك أيها الأخوة شعارنا:
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
تحرَّوا الحلال من أجل أن الله عز وجل يستجيب دعاءنا، وعندها إذا دعونا على أعدائنا فالله يستجيب، لأن الله عز وجل لا يريد مسلمين وهميين بل يريد مسلماً حقيقياً وبين أيديكم قرآن وسنة ولاشيء من عندنا مع أدلة واضحة وقطعية وهي حق، لدينا قرآن ولدينا سنة ومنطق وواقع وفطرة كلها تتكاتف لإظهار الحق.