وضع داكن
26-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 24 - الحكمة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها:

أيها الأخوة الكرام, الخلق اليوم الحكمة، وما من عطاء إلهي على الإطلاق يوفق أن يؤتيك الله الحكمة، فأنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تحسن كسب المال وإنفاقه، ومن دون حكمة تكسبه حراماً ، وتتلفه في غير وجوهه، بالحكمة تحول الأعداء إلى أصدقاء، ومن دون حكمة تحول الأصدقاء إلى أعداء.

وترون أيها الأخوة: أن جهات في الأرض في أعلى درجة من الذكاء، وفي أعلى درجة من الغنى، وفي أعلى درجة من القدرات، ومع ذلك ترتكب حماقات ما بعدها حماقات، لأنها فقدت الحكمة، الحكمة خاصة بالمؤمن، ولا يمكن لغير المؤمن أن يكون حكيماً، لأن الحكمة تؤتى ولا تؤخذ، ومن يؤت الحكمة لا يمكن أن تكتسب إلا عن طريق الدين، لكن قبل كل شيء الله جل جلاله هو الحكيم، فمن لوازم مقام الألوهية: ثبوت الغايات المحمودة، ووضع الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه.
قال بعض العلماء: الحكمة الفهم عن الله، الحكمة الإصابة في القول, الحكمة ما يشهد العقل بصحته, الحكمة نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، الحكمة سرعة الجور بالصواب.
وقال بعضهم: الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به، والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك.

تعريف الحكمة:

الحكمة في القرآن الكريم الموعظة، قال تعالى:

﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾

[سورة القمر الآية: 5]

والحكمة هي السنة, قال تعالى:

﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾

[سورة البقرة الآية: 151]

الكتاب القرآن الكريم، والحكمة السنة، والحكمة هي الفهم، قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾

[سورة لقمان الآية: 12]

والحكمة هي النبوة، قال تعالى:

﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾

[سورة ص الآية: 20]

والحكمة علوم القرآن، قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾

[سورة البقرة الآية: 269]

تعريفات دقيقة جداً للحكمة، لكن بشكل أو بآخر: الحكمة: أن تضع الشيء في موضعه، أن تقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب، في القدر المناسب، مع الرجل المناسب.
الحكمة القرآن الكريم، والحكمة النبوة، والحكمة هي الفقه والعلم، والحكمة هي الإصابة، والحكمة هي الخشية، والحكمة هي العقل.

معنى الحكمة:

أيها الأخوة الكرام, الحكمة وردت في آيات كثيرة في مئة وعشر آيات، الحكمة وردت مقترنة بالعلم، قال تعالى:

﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

[سورة البقرة الآية: 32]

وردت الحكمة مقترنة بالعلم في آيات كثيرة، والحكمة وردت مقترنة بالعزة، قال تعالى:

﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[سورة البقرة الآية: 129]

وردت الحكمة مع العلم، ووردت مع العز، ووردت الحكمة –أيضاً- مع الخبرة، قال تعالى:

﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾

[سورة الأنعام الآية: 18]

ووردت مع العلو، قال تعالى:

﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾

[سورة الشورى الآية: 51]

ووردت مع التوبة، قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة الحجرات الآية: 12]

كل بند في عدة آيات, ووردت مقترنة بالحمد، قال تعالى:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾

[سورة فصلت الآية: 42]

وردت مقترنة بالسعة، قال تعالى:

﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 130]

والحكمة من صفات القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 57-58]

والحكمة بمعنى البيان؛ بيان الشرائع والسنة، قال تعالى:

﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾

[سورة آل عمران الآية: 164]

والحكمة بمعنى النبوة:

﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾

[سورة البقرة الآية: 251]

والحكمة بمعنى الفقه، قال تعالى:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾

[سورة البقرة الآية: 269]

بمعنى المواعظ، قال تعالى:

﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 54]

وهناك تفريعات كثيرة جداً للحكمة في القرآن الكريم.

 

سياق الكلام في القرآن الكريم:

لكن كقاعدة أيها الأخوة:
الكلمة لها سياق، ولها سباق، ولها لحاق، ولا تفهم الكلمة إلا بالسياق.
فمثلاً: كلمة الوحي؛ قال تعالى:

﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾

[سورة الزلزلة الآية: 1-5]

أوحى لها: بمعنى أمرها، فأوحى لها إذا كان السياق متعلقاً بالجماد فهو الأمر، الآن قال تعالى:

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 68]

وإذا كان السياق متعلقًا بحيوان فهي الغريزة، الآن قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾

[سورة القصص الآية: 7]

وإذا كان السياق متعلقًا بإنسان، وليس بنبي فمعناها الإلهام، وإذا كانت كلمة الوحي متعلقة بنبي, فهي الوحي الذي يأتي عن طريق جبريل، كلمة الوحي مع الجماد لها معنى، ومع الحيوان لها معنى، ومع الإنسان غير النبي لها معنى، ومع النبي لها معنى.
يعني أوضح مثل: لو كانت الكلمة مألوفة جداً، لو سمعت أمرًا من واحد رشّ، والمكان ساحة معركة يعني اقتله، إذا كان المكان مسبحًا يعني بالماء، نفس الكلمة بموطن يعني اقتله، بموطن آخر داعبه، ما الذي يحكم على معنى هذه الكلمة؟ السياق، لذلك: الكلمة في القرآن معناها يتحدد بسياقها.

الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح:

عن أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً))

[أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود في سننه]

يعني الشعر فيه حكم كثيرة، حتى إن حكم الفقهاء في الشعر: أنه كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ردد الشطر الأول من هذا البيت:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
لكن ما قال الشطر الثاني، لأن الشاعر كذب، الشطر الثاني:
وكل نعيم لا محالة زائل
لكن نعيم أهل الجنة لا يزول، ما نطق إلا بالحق صلى الله عليه وسلم, أما الشعر فكلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، مثلاً:
والظلم من شيم النفوس وإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم.
هذا كلام منتهى الجهل، الله عز وجل فطر الإنسان على الظلم؟ فطره فطرةً عالية، قال تعالى:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾

[سورة الروم الآية: 30]

إذاً: الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً))

إن (من): للتبعيض:

((إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً))

فضيلة الحكمة:

من الأحاديث الواردة في الحكمة:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:

((قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا, وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ:

((أَنَّ رَجُلَيْنِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا, ثُمَّ وَجَدَا مَاءً فِي الْوَقْتِ, فَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَعَادَ لِصَلَاتِهِ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ, وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ, فَسَأَلَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ, وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَمَّا أَنْتَ فَلَكَ مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ))

اثنان تيمما وصليا، ثم وجدا ماء، فواحد توضأ وصلى، والثاني ما توضأ ولا صلى.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ:

((أَنَّ رَجُلَيْنِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا, ثُمَّ وَجَدَا مَاءً فِي الْوَقْتِ, فَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَعَادَ لِصَلَاتِهِ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ, وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ, فَسَأَلَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ, وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَمَّا أَنْتَ فَلَكَ مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ))

أرأيت إلى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم؟.

الأخذ بالرخصة والعزيمة في موطنهما مقبولتان شرعاً:

أنا ما أنسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قبض مسيلمة الكذاب على صحابيين، وقال للأول: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: ما سمعت شيئاً، فقتله، وقال للآخر: أتشهد أني رسول الله؟ فشهد له أنه رسول الله، ماذا قال النبي عن هذين الصحابيين؟.
قال: فأما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله، -وأما الثاني معناها هلك-، قال: وأما الثاني فقد قبل رخصة الله.
واحد قبل الرخصة فلا شيء عليه، والثاني أخذ بالعزيمة، فقد أعز دين الله فأعزه الله، أرأيت إلى هذا الدين: ما أوسعه, وما أرحمه, وما أحكمه!؟ يسع الناس جميعاً.
إنسان أحياناً يكتب الله له الجهاد، جيد وبارك الله به، لكن لا يحق له أن يأخذ إلى الذي اجتهد فلم يذهب، هذا له عند الله حكم، وهذا له عند الله حكم، أما كل إنسان في موقعه يتهم الآخرين، هذا موقف غير حكيم.

نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة:

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

((سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ, وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))

أيها الأخوة, عن عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ:

((سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا, فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ, فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ, فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ؟ أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ))

رفض نصيحة النبي, لو تعوذ الغاضب بالله, لذهب عنه غضبه.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ.
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً، محزوناً، حكيماً، حليماً، سكيناً.
نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرحمة.
هناك مجلس كله كذب بكذب؛ كذب, على نفاق، على فحش، وهناك مجلس كله حكمة.

مواعظ وعبر:

عن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ يَقُولُ:

((لَيْسَ هَدِيَّةٌ أَفْضَلَ مِنْ كَلِمَةِ حِكْمَةٍ تُهْدِيهَا لِأَخِيكَ))

[أخرجه الدارمي في سننه]

أجمع الأطباء: على أن رأس الطب، وأجمع الحكماء: على أن رأس الحكمة الصمت، لا تجد إنساناً كثير الكلام إلا كان كثير الخطأ، ورأس الحكمة الصمت.

عن وَهْبِ بْن مُنَبِّهٍ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِالْحِكْمَةِ, فَإِنَّ الْخَيْرَ فِي الْحِكْمَةِ كُلَّهُ, وَتُشَرِّفُ الصَّغِيرَ عَلَى الْكَبِيرِ, وَالْعَبْدَ عَلَى الْحُرِّ, وَتُزِيدُ السَّيِّدَ سُؤْدُدًا, وَتُجْلِسُ الْفَقِيرَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ)

[أخرجه الدارمي في سننه]

واحد فقير، ونسبه غير معروف، بالحكمة يجلس مجالس الملوك.

عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ:

((لَا تُحَدِّثْ الْبَاطِلَ الْحُكَمَاءَ فَيَمْقُتُوكَ, وَلَا تُحَدِّثْ الْحِكْمَةَ لِلسُّفَهَاءِ فَيُكَذِّبُوكَ, وَلَا تَمْنَعْ الْعِلْمَ أَهْلَهُ فَتَأْثَمَ, وَلَا تَضَعْهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ فَتُجَهَّلَ, إِنَّ عَلَيْكَ فِي عِلْمِكَ حَقًّا, كَمَا أَنَّ عَلَيْكَ فِي مَالِكَ حَقًّا))

[أخرجه الدارمي في سننه]

إذا كان المجلس فيه حكماء, والكلام هذر وسخيف يمقتوه:

((وَلَا تُحَدِّثْ الْحِكْمَةَ لِلسُّفَهَاءِ فَيُكَذِّبُوكَ.

-أحيانا تتكلم بكلمة حق، أو كلمة عن إنجاز علمي، يقول لك: غير معقول، لأنه سفيه، جاهل، من الحكمة ألا تحدث الحكمة للسفهاء، يكذبونك-. َ

لَا تَمْنَعْ الْعِلْمَ أَهْلَهُ فَتَأْثَمَ, وَلَا تَضَعْهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ فَتُجَهَّلَ, إِنَّ عَلَيْكَ فِي عِلْمِكَ حَقًّا, كَمَا أَنَّ عَلَيْكَ فِي مَالِكَ حَقًّا))

ما قيل عن الحكمة:

يؤتي الحكمة من يشاء، قيل: الخشية، لأن خشية الله رأس كل حكمة.
وقيل: إن الحكمة خشية الله، والعلم به، والرفق رأس الحكمة.
هناك قول لابن القيم، لكن نحتاجه جميعاً، يقول هذا العالم الجليل: إذا جرى على عبد مقدور يكرهه مرض, فله فيه ستة مشاهد: الأول مشهد التوحيد، هذا الذي أصابني من فعل الله، لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
المشهد الثاني: مشهد العدل: وأنه ماض في حكمك، عدل في قضائك.
والمشهد الثالث: مشهد الرحمة: وأن رحمته في هذا المقدر غالبة لغضبه وانتقامه.
والرابع: مشهد الحكمة: وأن حكمته سبحانه وتعالى اقتضت ذلك، لم يقدره سدى، ولا قضاه عبثاً.
الخامس: مشهد الحمد: وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه.
والمشهد السادس: مشهد العبودية: وأنه عبد محض في كل وجه تجري فيه الأحكام.
أي قضاء وقدر، يجب أن تشهد فيه ستة مشاهد: التوحيد، والعدل، والرحمة، والحكمة، والحمد، والعبودية.
وقال بعضهم: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت.

الغفلة عاقبتها الندامة والحكمة جزاؤها السداد في القول والعمل:

وفي نهاية هذا الموضوع: الآية الجامعة المانعة:

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾

[سورة البقرة الآية: 269]

الإنسان في ساعة الغفلة قد يشتت أسرته، قد يفقد عمله بساعة الغفلة، قد يفقد أنصاره، الحمق لا يأتي إلا بالشر، والحكمة لا تأتي إلا بالخير، والحكمة أكبر عطاء إلهي للمؤمن، الحكمة تقلب الأشياء على ضدها.
الفقير الحكيم يغتني بمال حلال، والغني الأحمق يفتقر بماله، ويعود محطم النفس، في أي مكان، في مجال، في أي نشاط الحكيم هو الفائز، والله هو الحكيم، فإذا كنت مع الحكيم كنت حكيماً، والحكيم دائماً يسلك المسلك الصحيح الكامل الذي يقتضيه الظرف، إصابة في القول، وسداد في الفعل، والحكمة أن تعمل وفق الشرع، وأن تتعرف على الله عز وجل مع نفاذ البصيرة، والحكمة دليل كمال العقل، ويلبس صاحبها تاج الكرامة في الدنيا والآخرة، وينفع الله لصاحبها طلاب العلم، ومريدي الخير، ويدرأ الله لصاحبها أبواب كثيرة من الشر، وإنها سمة من سمات الأنبياء الصالحين والعلماء العاملين.

تطبيق عملي على خلقي الحكمة والحمق:

كنا طلاباً في التعليم الثانوي، وكان ثمة مدرس غضوب، وسريع الانفعال، فيأتي الطلاب ويضعون على الطاولة أشياء مزعجة، أوراق طعام قديم، أحياناً حذاء، فإذا نظر إلى هذا ثار وغضب، وأزبد وتكلم بكلام قاس، والطلاب يضحكون، لأن هذا هو القصد، أن يستمتعوا بغضبه وثورته، جاءنا أستاذ آخر، وضعوا له مثل ما وضعوا للأول، قال: أين العريف؟ ائت بالمستخدم، أزل هذه، ما تكلم ولا كلمة، وما أعادها الطلاب عليه ثانيةً إطلاقاً، الثاني حكيم، القصد أن يستفز, ما استفز، جاء بالمستخدم، وقال له: أزل هذه، وتابع الدرس.
ممكن بالحكمة أن تنهي أكبر مشكلة، ممكن بالحمق تفجر أصغر مشكلة، بالحمق قضية تافهة جداً تطلق زوجتك، الأولاد تشردوا، الأمر تفاقم، تقول: أنا شقيت بهذه الكلمة، بهذا الطلاق في ساعة غضب، في ساعة حمق، في ساعة غفلة عن الله عز وجل، يمكن بالحمق أن تفقد شريكك، كان لك دخل جيد ومرتاح، بهذه الكلمة الحمقاء فقدت الشريك.
القضية هي عطاء إلهي، سببه الاتصال بالله، إذا كنت مع الحكيم فأنت حكيم، والحكمة متعلقة في بيتك، ومع زوجتك، ومع أسرتك، ومع من حولك، ومع الناس جميعاً، وإذا آتانا الله الحكمة, آتانا خيري الدنيا والآخرة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور