وضع داكن
24-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 22 - الحياء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الحياء زينة المؤمن:


أيها الأخوة الكرام, الخلق اليوم الحياء، حقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح، وسببه رؤية آلاء الله عز وجل، ورؤية التقصير في العبد، فيتولد حالة تسمى الحياء، رؤية فضل الله عليك، ورؤية تقصيرك تجاهه، من اندماج هاتين الحالتين يتولد الحياء، والحياء من صفات المولى جل جلاله:

((إن ربكم حيي كريم, يستحيي من عبده إذا بسط يديه أن يردهما خائبتين))

ومن عقوبات المعاصي ذهاب الحياء، الذي هو مادة حياة القلب، والحياء أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

((الحياء خير كله))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود في سننه]

لكن الحياء الحقيقي لا يمنع من الأمر بالمعروف، ومن النهي عن المنكر، لذلك فرق العلماء بين الحياء والخجل؛ الحياء فضيلة والخجل ضعف النفس.
ويقول بعض العلماء: الحياء حالة حاصلة من امتزاج التعظيم بالمودة، فإذا اقترنا تولد بينهما الحياء، بشكل واضح: إن كنت ذا مكانة علية، ولك إحسان إلى إنسان، مكانتك العلية مضاف إليها إحسانك إليه, تنشأ حالة تسمى الحياء.
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: إن العبد متى علم أن الرب تعالى ناظر إليه, أورثه هذا العلم حياء منه، فيجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة.
وردت كلمة الحياء في القرآن الكريم في آيتين:

﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

[سورة القصص الآية: 25]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾

[سورة الأحزاب الآية: 53]

من علامات قيام الساعة: أن يرفع الحياء من وجوه النساء، وأن تزيل النخوة من رؤوس الرجال، وأن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء.

كتاب الحياء:

ما الذي قاله عليه الصلاة والسلام في خلق الحياء؟:
إن رجلاً قال:

((يا رسول الله أوصني، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل كما تستحيي رجلاً من صالح قومك))

أنت من أسرة، ولهذه الأسرة عميد على درجة عالية من الوقار والعلم والفضل، فإذا زارك في البيت, ترتدي ثيابك المحتشمة، وتجلس أمامه بأدب، وتسأله عن صحته، فحينما تستحيي من رجل كبير في قومك, قس عليه -ولله المثل الأعلى- كما قال عليه الصلاة والسلام:

((أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل, كما تستحيي رجلاً من صالح قومك))

أربع من سنن المرسلين؛ الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي, قَالَ: رِضَاهَا صَمْتُهَا))

لأنها تستحيي إذا عرض عليها شاب ليتزوجها, فسكتت فهذا رضاها.
ويقول عليه الصلاة والسلام:

((إن ربكم حيي كريم, يستحيي من عبده إذا رفع إليه يدعوه, أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء))

عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ))

[أخرجه ابن ماجة في سننه]

أبرز خلق للمسلم أنه يستحيي.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَح فَافْعَلْ مَا شِئْتَ))

ولهذا الحديث وقفة متأنية، إذا لم تستح من الله فيما تفعل, فلا تعبأ بالناس، قد يكون هناك طاعة، لكنها ليست مقبولة في مجتمع، لو أن الإنسان وقع في خيار صعب بين أن يبقى ملتزماً وطائعاً ومنيباً، ويتزوج زوجة ثانية، أو بين أن ينحرف ويعصي، وهو بين الناس له زوجة واحدة مثلاً، نقول له: إذا لم تستح من الله في هذا الزواج الثاني, فاصنع ما شئت.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ))

ويقول عليه الصلاة والسلام:

((الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

إن لم تكن مؤمناً أنت لا تستحيي، وإن لم تستحي أنت لست بمؤمنٍ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام:

((قرنا جميعاً, فإذا رفع أحدهما رفع الآخر))

عَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ))

وكان عليه الصلاة والسلام أشد من العذراء في خدرها.
المعروف: أن أشد كائن في المجتمع البشري حياء الفتاة العذراء.
وكان عليه الصلاة والسلام أشد من العذراء في خدرها، والدليل:
عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

((كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضّئي ثَلَاثًا, ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَحْيَا, فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ, أَوْ قَالَ: تَوَضَّئِي بِهَا, فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا, فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه-, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ, وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

لذلك:

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾

[سورة المعارج الآية: 24-25]

المحروم يستحيي أن يسأل فيحرم، أما السائل فيقتحم عليك بقوة فيأخذ، أما المحروم فهو المؤمن الذي يستحيي أن يسأل.
ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، أي إنسان يتكلم بكلام فاحش لا يستحيي، هذا الإنسان مخدوش المروءة، موقفه ضعيف، ولا كان الحياء في شيء إلا زانه، لا يكون الفحش في شيء إلا شانه، ولا يكون الحياء في شيء إلا زانه.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ, وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم, ومالك في الموطأ]

إن لم تكن مؤمناً فأنت لا تستحيي، مهما وعظت أن تكون حيياً، ومن شدة حياء النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه لا يواجه أحد بما يكره.
يوجد شخص وقح، يشير إلى العيب أمام الناس بوقاحة.
كان عليه الصلاة والسلام لا يحرج أحداً.
-وقد ورد في الأثر: لا تحمروا الوجوه.
يتكلم إنسان بمجلس عام في شيء ليس له علاقة بالعقيدة، ولا بالدين، ولا بالشرع، ولا بالحلال, ولا بالحرام، هناك من يسفهه.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يحرج أحداً-.
وكان يقول:

((لا تحمروا الوجوه))

من جاءه أخوه متنصلاً محقاً كان أم مبطلاً فليقبل منه.
لا أنت كاذب، هذا الكلام ليس من الحياء.

ما قيل عن الحياء:

يقول سيدنا عمر: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله.
وسيدنا عمر بن عبد العزيز ذكر عنده الحياء، فالذي ذكر عنده الحياء قال: الحياء من الدين, فقال عمر: بل هو الدين كله.
وقال بعضهم: الإيمان عريان لباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله العفة.
بالمناسبة: رجلان لا يتعلمان، مستح ومستكبر، قفز إلى ذهنه سؤال يستحيي أن يسأل, لئلا يأتي الجواب محرجًا، لذلك المعلم الناجح هو الذي يقبل أي سؤال، ويجيب عنه بأدب من دون استهزاء، يكفي أن يسأل الطالب أستاذه سؤالاً, فيأتيه التهكم والاستهزاء من المعلم، هذا الطالب لن يسأل بعد اليوم, لذلك: إن أردت أن تشجع الطالب على العلم, فأصغ إلى سؤاله، وأجبه بأدب من دون استهزاء.

طرفة: أبو حنيفة -رضي الله عنه- دخل رجل إلى درسه، وكان عظيم الهيئة، طويل القامة، عريض المنكبين، ذي عمامة، كان به –أي أبو حنيفة- ألم من رجله، وقد مدها، ومعه العذر أمام أخوانه، فلما دخل هذا الإنسان, رفع أبو حنيفة رجله حياء منه، -هو معذور.
النبي -عليه الصلاة والسلام-: ما رئي ماداً رجليه قط، أما إذا وجد عذر لك، ومن حولك هم تلاميذك, تحبهم ويحبونك، قد يكون هناك تغطية لهذا السلوك-.
فالدرس كان عن صلاة الصبح، فبعد حديث طويل من أبي حنيفة عن أحكام ووقت وشروط الصلاة, سأل هذا الرجل سؤالا: قال: كيف نصلي إذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ قال: عندئذ يمد أبو حنيفة رجله.
فالمستحيي لا يتعلم, والمتكبر لا يتعلم.
لذلك قالوا: تعلموا قبل أن ترأسوا، فإن ترأستم فلن تعلموا.
إذا بلغ إنسان مكانة معينة أو منصبًا رفيع لم يعد يتعلم، لو أنه طلب العلم على يد إنسان ، وقد يكون هذا الإنسان لا يتمتع بخلق عال، فلان تلميذي، فلان كان عندي البارحة، فيحرجه ، فلذلك: ينبغي أن يتواضع المعلم لمن يعلم، والمتعلم إذا كان مستحييًا أو مستكبر لا يتعلم.
أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم -عليه السلام-: أن يا عيسى عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ غيرك، وإلا فاستح مني.
ما أنصفني عبدي، يدعوني عبدي فأستحيي أن أرده، ويعصيني فلا يستحيي مني.
يقول بعض العلماء: من استحيا من الله مطيعاً, استحيا الله منه وهو مذنب.
ويقول الفضيل بن عياض: خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل.

خلاصة القول:

بشكل مختصر: الحياء يتولد من رؤية عظمة الله عز وجل، ورؤية فضله، ومن رؤية التقصير في طاعته، وفي البذل والعطاء، إذا اجتمعت رؤية التعظيم، ورؤية الفضل مع رؤية التقصير, تولد الحياء، وشيء واقع جداً.
إنسان له على إنسان فضل كبير، والإنسان عظيم له مكان كبير، وله على إنسان فضل كبير، لذلك هذا الإنسان يستحيي منه لعلو مقامه ولفضله عليه، فما لم تكن لك رؤية ترى بها عظمة الله عز وجل, لا يمكن أن تستحيي منه.
من هنا جاء في بعض الآثار القدسية: يا رب, أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال:

((تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي على أحد بسوء، أحبني, وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب تعلم إنني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وبنعمائي كي يحبوني، وببلائي كي يخافوني))

لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله، ومحبة له, وخوفاً منه، والحياء -كما قلت قبل قليل-: لا يأتي إلا بخير، والحياء شيء، والخجل شيء آخر، فالخجل نقطة ضعف في حياة الإنسان، يخجل أن يطالب بحقه، أو يدلي بكلمة حق، هذا خجول، أما الحياء فلا يمنع أن يأمر بالمعروف، أو أن ينهى عن المنكر، الحياء لا ينهى عن أن تطالب بحقك، ولا يمنع من أن توقف الناس عند حدهم، هذا موقف معتدل متوازن.
وقد قيل: الفضيلة وسط بين طرفين.
فالوقاحة طرف، والخجل طرف، والحياء بينهما, ومن الإيمان، وقد قرن الحياء والإيمان جميعاً، وإذا رفع الأول رفع الثاني. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور