وضع داكن
23-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 21 - الصبر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

لن تنال بما عند الله إلا بالصبر:


أيها الأخوة الكرام, الخلق اليوم خلق الصبر، فالصبر -أيها الأخوة- على طاعة الله، وطاعة الله مكلفة، لذلك سميت الأوامر بالتكاليف لأنها ذات كلفة، والصبر عن معصية الله، معصية الله مغرية، والصبر على قضاء الله وقدره، ينبغي أن تصبر على طاعته، وعن معصيته، وعلى قضاء الله وقدره، والصبر حتمي, بمعنى أن الابتلاء حتمي، الصبر قدرنا, لأن الإمام الشافعي سئل:
أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى.
ولأن الله عز وجل يقول:


﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 30]

فالبلاء حتمي، إذاً: من لوازم البلاء أن تصبر، وفلسفة الصبر أن الإنسان أودعت فيه الشهوات، ولأنه مخير, بإمكانه أن يتحرك بدافع هذه الشهوات مئة وثمانين درجة، ولكن منهج الله سمح له بزاوية ثمانين، سبعين، تسعين، ما هو الصبر؟ أن توقع حركتك اليومية وفق هذا الجانب، وفق هذا الحيز.
أيها الأخوة, الإيمان هو الصبر، ما هو ثمن الجنة؟ أن تأتي حركتك وفق المنهج الإلهي، أنت مخير, بإمكانك أن تفعل كل شيء، بإمكانك أن تلتقي مع من تشاء، وأن تأكل ما تشاء، و أن تأخذ من الأموال ما تشاء، ولكن منهج الله سمح لك بزاوية محددة، فأن توقع الحركة اليومية وفق هذه الزاوية هذا هو الصبر.

الصبر هو الضبط، فأبرز صفة من صفات المؤمن أنه منضبط، ليس في الإسلام حرمان ، ولكن في الإسلام نظام، سمح لك من النساء بزوجة والمحارم، ولكن لا يوجد بالإسلام سكرتيرة، سمح لك من المال الكسب الحلال، ولكن لا يوجد سرقة، ولا رشوة، ولا ابتزاز، و لا احتكار، ولا تدليس، ولا كذب، ولا خبث، ليس في الإسلام حرمان قطعاً، ولكن في الإسلام تنظيم، فالصبر قدرنا، لأن الابتلاء قدرنا أيضاً، الابتلاء قدرنا, من لوازم الابتلاء أن نصبر، و لا يوجد إنسان ليس عنده مشكلة، بتقدير الله عز وجل، لأن الإنسان لا يمتحن بالرخاء، يمتحن بالشدة، لا يوجد إنسان يمتحن سيارة بالنزول -بالطريق النازل-, لا تمتحن المركبة إلا بالطريق الصاعد.

فضل الصبر:

عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ:

((أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ, قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا, سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ, حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا, وَهَوًى مُتَّبَعًا, وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً, وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ, وَدَعْ الْعَوَامَّ, فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا, الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ, لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ))

نحن في أيام الصبر عن الشهوات، الشهوات مبذولة في أي مكان، وليس هناك من يحاسبك على هذه الشهوات إطلاقاً، أنظمة العالم كلها لا تحاسبك على الشهوات التي هي مبذولة، ولكن الله وحده يحاسبك، إذاً: لا بد من الصبر.
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ:

((أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ, قُلْتُ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: طِيبُ الْكَلَامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ, قُلْتُ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ.ٍ

-الصبر سلبي، والسماحة عطاء، أن تتحمل المكاره وأن تبذل ما في وسعك-.

قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

-أي سلمت سمعة المسلمين من لسانه ويده، أما الذي يشوه الإسلام يكون قد سبّب للمسلمين حرجاً-.

قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ, قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ, قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:

((أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ, إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا, فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ, وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى, وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى, فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ, فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا, فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ, فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ, قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ, فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ, وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ))

تتقعقع: أي تنازع، كأنها شن: كأنها قربة صغيرة.

هذا المعنى دقيق جداً، الصبر لا يتناقض مع الحزن، أنت بشر؛ إذا فقدت عزيزاً، وحزنت لا مانع، بل الأصح أن تحزن، لأن في قلبك رحمة، أما أن تقول كلاماً فيه اعتراض على قضاء الله وقدره هنا المشكلة، أما أن تحزن، وأن تدمع العين, هذا لا يتناقض مع الصبر، النبي -عليه الصلاة والسلام- ينهانا عن أن نطلب المصائب.
عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ:

((كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَقَرَأْتُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا, انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ, ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا, قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ, لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ, وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ, فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا))

الإنسان مهما سمع عن أجر الصابرين, فلا ينبغي أن يسأل الله مصيبة، هذا منتهى الحمق، ومنتهى الثقة المفرطة بالنفس، لكن عافيتك أوسع لي.
قال:

((لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ, وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ, فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا))

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُمْ, ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ, ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ, حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ, فَقَالَ:

((مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ, وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ, وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ, وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ, وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ))

عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ:

((قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ألَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى, قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي, قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ, وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ, فَقَالَتْ: أَصْبِرُ, فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ, فَدَعَا لَهَا))

هذا الحديث يبنى عليه حكم شرعي خطير جداً، أي المعالجة لك أن تأخذ بها من المرض، ولك ألا تأخذ بها ولا شيء عليك، يوجد عمليات تريد ثمانية ملايين، أي هذه العملية تفقر أسرة بأكملها، الأب موظف, لو باع بيته، وباع كل ممتلكاته، وأخوته جميعاً باعوا كل ممتلكاتهم, لا تكفي هذه الممتلكات لإجراء هذه العملية، في مثل هذه الحالة لا عليك إن لم تجر هذه العملية، وهذا الدليل:
إن شئت صبرت, وإن شئت دعوت لك.
أحياناً عملية قد تدمر أربع أسر ونجاحها بالمئة ثلاثون، لم تنجح هذا في علم الله، أما عملية الزائدة عملية بسيطة، هذه يرتقي إجراؤها إلى مستوى الواجب، إلا أن هناك عمليات لا يملك الإنسان أجورها، وهي باهظة جداً، ففي مثل هذه الحالة يعد العلاج اختيارياً، حينما يكون العلاج فوق طاقة الإنسان، أحياناً على المنفثة, كل يوم أربعة آلاف أو ثمانية آلاف، باعوا كل شيء, كادوا يبيعون البيت، هذا موت دماغ، ممكن أن يعيش عشرين عاماً على المنفثة، لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يرى، ولا يوجد أي مظهر من مظاهر الحياة, إلا أن هذه المنفثة مع هذا القلب الاصطناعي يجعل الدم يجري في الجسم، في مثل هذه الحالة لا عليك إن لم تتابع المريض على هذه المنفثة، هذا الحديث يحل مشكلة كبيرة جداً:
إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت لك.
كلية توقفت, الأب يجبر ابنته أن تعطي كليتها لأخيها، الزوج رفض، فلما أصرت طلقها، والأخ مات بعد ذلك، معقول أن ندمر أسرة، الله عافى البنت من هذا المرض، يجب أن نجبر الابنة على التبرع بكليتها لأخيها، والنجاح نسبته متدنية؟ الابن مات، والابنة فقدت كليتها، وطلقت من زوجها، ما كلفنا فوق طاقتنا، هذه مشكلة كبيرة الآن، الله عز وجل شاء لهذا الإنسان أن يصاب بهذا المرض، إذا كان العلاج موفورًا فلا مشكلة، إذا الأمر ميسور لا مشكلة، أما أن ندمر الأسر من أجل عملية قد تنجح، وقد لا تنجح، هذا فوق طاقتنا. 

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ, فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ, وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

إن أردت ألا تصبر هذه مياه البحر فاشربها.
اصبر ولك الأجر.
قالوا: الصبر عند الصدمة الأولى.
لكن بعد الصدمة الأولى الصبر واقع لا محالة، أما المفروض أن تصبر.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا ذَهَبَ بِصَفِيِّهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ, وَقَالَ: مَا أُمِرَ بِهِ بِثَوَابٍ دُونَ الْجَنَّةِ))

[أخرجه النسائي في سننه]

أي له ابن حبيب، له زوجة يحبها كثيراً، الزوجة لها زوج تحبه كثيراً، لك أخ تحبه كثيراً ، إذا أخذ الله صفيك من الدنيا لا يرضى بثواب دون الجنة، معنى ذلك: الصبر قيمة عالية جداً ، بالتعبير المعاصر: الصبر شيك مفتوح وقع لك إياه، وقال لك: املأه، تستطيع أن تضع مئة مليار، ضع مليار مليار، موقع، عليك أن تملأ الخانة بأي رقم تريده. الدليل:

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[سورة الزمر الآية: 10]

يوجد آية يخاطب بها الله نبيه أيوب تقشعر منها الأبدان:

﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً﴾

[سورة ص الآية: 43]

أن تصبر وألا تشكو الله عز وجل، لكن قالوا:
من شكا مصيبته لمؤمن فكأنما اشتكى إلى الله، ومن شكا مصيبته إلى كافر فكأنما اشتكى على الله.
تشتكي لكافر, يقول لك رأساً: أنا قلت لك: هذا الطريق ما كنت تريده، ادفع الثمن، لا يوجد إنسان يشتكي إلى كافر إلا و يشمت به، تماسك أمام الكافر.
أخواننا الكرام, لكن هناك معنى رائع جداً:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

إذا الشخص آتاه الله مالاً، وأنفقه في طاعة الله، آتاه صحة فأنفقها في خدمة الخلق، هذا أجره ليس أقل من أجر الصائم، كما أن الصبر له جزاء كبير، الشكر له جزاء لا يقل عنه.
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأانِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ, وَالصَّلَاةُ نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما]

أي أخوة كثيرون يقولون في حالة صعبة من مرض أو سجن أو بلية: كنا في أسعد أحوالنا مع الله، الصبر نافذة إلى الله، والنبي يعجب.
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ, وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

بالتعبير العامي: كالمنشار، بالرخاء يرقى، وبالبلاء يرقى، بالبلاء يصبر، وبالرخاء يشكر، في كلا الحالين فهو رابح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:

((كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ: يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ, أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى, فَقَالَ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ, تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ, وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ, فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا, وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ, وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ, وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))

﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾

[سورة البقرة الآية: 124]

أي لا يتاح للإنسان أن يسمح الله له أن يكون إماماً إلا إذا كان صابراً.
لكن الحديث الدقيق: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]

الحمد لله، هذه الحمد لله عقب سماع خبر سيء لا تقدر بثمن، معنى ذلك: أنك تعرف الله، و أنك نجحت في الامتحان، لكن هذا الذي يسب، ويكسر، و يضرب، ويصرخ بويله، ثم يصبر, هذا ما صبر.
الصبر عند الصدمة الأولى.
الآن: من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن، البنت قبل أن تتزوج مشكلة، تنتظر شاباً مؤمناً يرعاها، ويكرمها، وأحياناً لا توفق بهذا العريس, فتأتي متاعب لا تنتهي بعد زواجها، كل يوم عند أهلها يوجد مشكلة.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ, كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ))

إذا كان الإنسان مزوجًا بناته، وعنده مشكلات، هذه ترتقي به إلى الجنة إن شاء الله.
الآن: أنت في مجموعة، في مجتمع مسلم، لهذا المجتمع أمير، والأمير أخطأ، أفضل ألف مرة أن تصبر عليه، وأن تبقى وحدة المسلمين من أن تثور عليه، وتسفك الدماء، وتكون سبباً لفتنة عمياء.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ, فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ, إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ))

تلاحظون: أن هناك أعمالاً سببت تدمير ممتلكات ودول وأمم وشعوب وثروات، عمل يعجبك لحين، ثم يسبب للمسلمين هلاكاً ودماراً وفقراً لا يعلمها إلا الله، ما كل عمل نسمعه نطرب له قد يكون غير شرعي، أنت إذا عملت عملاً سبب دمار ألف مسلم, ماذا فعلت؟ العمل غير مخطط له .
يروى: أن عالم الشام الكبير الشيخ بدر الدين الحسني -رحمه الله، هذا كان أم، كان يمشي مع أخوانه في بستان، والبستان قد سقي حديثاً، فجاء إنسان يركب بغلاً وهو بأخلاق البغل، فصار يسبب أذى للمارة بهذا الطين، فلما اقترب من الشيخ صاحوا به: إياك إياك، فلم يعبأ بكلامهم، و سبب للشيخ متاعب في ثيابه، ومعه أخوان، أحد الأخوة لم يتحمل ذلك، ضرب هذا الذي يركب البغلة ضرباً شفى صدور من حول الشيخ، -وهذا يحصل أحياناً مع عمل ترتاح له، ولك أعاننا الله على العواقب-، فلما سئل الشيخ عن الحكم الشرعي في هذا الذي فعله هذا الأخ, -لا يستطيع أن يقره طبعاً-، قال: والله ما أفلح قوم لا سفيه لهم، هذا الشاب أراح كل الحاضرين، ولكن عمله غير شرعي.
فلذلك أيها الأخوة: ما كل عمل نطرب له،ويدغدغ مشاعرنا، قد تكون له عواقب وخيمة جداً على المسلمين.
فلما سيدنا خالد سحب الجيش، واتهم في المدينة أنه فرار، قال عليه الصلاة والسلام: بل كرار.
عدّ انسحابه نصراً، الإنسان غال، أن تضحي بالمئات، بالملايين، بمئات الألوف من المسلمين، من أجل أن تقوم بعمل تدغدغ مشاعر المسلمين، أنا لست مع العمل الطائش، مع العمل المرتجل، مع العمل غير المغطى بأحكام شرعية، مع أنه يريحنا، ونطرب له، لكن النتائج قد تكون وخيمة جداً.
قَالَ:

((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ, فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ, إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))

إلا أن يرى كفراً مباحاً.
مرة حاكم الصومال جمع علماء المسلمين في ساحة المدينة و أحرقهم بالبنزين، وقال: سأصحح القرآن بالقلم الأحمر، إلا إذا رأيت كفراً مباحاً، لكن إن لم يوجد كفر مباح، فالظاهر يوجد التزام، إذا أنكرت منكراً سبب فتنة تفوق المنكر فأنت لست فقيهاً، يجب أن تنكر منكراً لا يسبب فتنة أكبر من المنكر.
الآن: إنسان يخالط الناس تأتيه متاعب لا شك، إنسان آخر يرى نفسه ذكياً جداً هو لا يخالط، ولا يتحمل أي مشكلة، من قال لك: إن هذا الذي لا يخالط الناس، ونجا من كل المشكلات هو أقرب إلى الله؟
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ, أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ))

أوضح مثل: العوام يقولون: امش بجنازة، ولا تمش بزواج.
ويوجد بعض الآثار عن النبي أنه: أفضل شفاعة: أن تشفع بين اثنين في نكاح.
من مشى بتزويج رجل بامرأة, كان له بكل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة، قام ليلها، وصام نهارها، إذا كنت سببا بزواج إنسانين، وما داموا متوافقين, لا يبلغوك عن شيء أبداً, يغيبون سنتين, تنشأ مشكلة، يأتون إليك، أنت اخترت لنا إياها يا أستاذ، هناك متاعب طبعاً أنت تكون سببا في زواج إنسانين, هناك متاعب طبعاً مستمرة، أي مشكلة يرجع إليك، أما الرخاء والرفاه والتوافق فلا أحد يأتي إليك، ولا أحد يشكرك، إلا عند المشكلة يأتون إليك، يأتي إنسان يظن نفسه أذكى، لا يتدخل، ولا يقدم شيئاً، لأنه أريح، طبعاً أريح، ولكن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم, أقرب إلى الله مئات المرات ممن لم يخالطهم، ولا يصبر على أذاهم.
الحياة فيها متاعب، وطن نفسك على أن ترضي الله مع تحمل المتاعب، أما الذي ليس مستعدا أن يفعل شيئاً .....
جاءني إلى جامع الطاووسية قبل أسبوعين إنسان دخل بمسجد, ويرتدي معطفاً فيه ستة عشر ألف ليرة، علقه ليتوضأ، فذهب المعطف، ليس لديه أجرة سفر إلى إدلب، يريد مئتي ليرة، دخل إلى المسجد فطرده من في المسجد، ما عندنا، هذا انهز كيانه، جاء لمسجد آخر أنا موجود فيه، فرضه كذاب، ثلاثمئة ليرة، ماذا يفعل؟ قلت له: هذه هدية, قال: بل دين، فبكى من شدة ألمه من ذاك الرجل، ما له علاقة به، أنا إنسان مليء بإدلب، الآن أريد أجرة سيارة حتى أصل إلى إدلب، فإنسان ما يهمه المسلمين، أريح طبعاً، أما الذي يهمه أمر المسلمين يقرض، لا يرجع القرض، يعاون, تأتي متاعب من هذه المعاونة، يتوسط, تأتي متاعب.

((الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ, أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ))

عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ, عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا, وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ, أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

يعني إذا أحبك الله يعالجك واحدةً بواحدة، دليل أنك ضمن العناية المشددة، أما إذا أهملك وأنت تعصيه, دليل أنه أبعدك.
عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ, وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ, فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا, وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:

((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ, اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي, وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا, إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا, قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا, فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ, فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ, فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا, وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ]

إلا أن أم سلمة لها زوج يكاد يكون مثالا نادرا في المجتمع، -حدث عن شجاعته، وعن وفائه ، وعن كرمه، وعن أخلاقه, وعن ... فمات، وسمعت هذا الحديث ما استوعبته-، لا أحسن من أبي سلمة، -لا أحسن منه إطلاقاً-، فكيف يأتيني الله بزوج أفضل من أبي سلمة؟ فتزوجها النبي عليه الصلاة والسلام.
الآن بشارة لكل من يبتلى:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا مُسْلِمٌ, إِلَّا كُفِّرَ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا))

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوْ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي مَالِهِ وَفِي وَلَدِهِ, حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ))

ما لك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها اللَّهُ -السيدة فاطمة-، قال: لا تلعنيها, فو الذي نفس محمد بيده, لا تدع المؤمن وعليه من ذنب تكفير.
الآن مصائب واسعة جداً.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

(( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا, إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))

يعني إذا أكل حبة صبارة، ودخلت شوكة بيده, تحتاج إلى ملقط دقيق جداً، هذه تكفر عنه بعض خطاياه، يعني ابتسم ابتسامة، يجب ألا يبتسم، دخلت الشوكة.

إن لم ترض عن الله بنقمته لن ترضى عنه بنعمته:

يطوف رجل حول الكعبة، قال: يا رب هل أنت راض عني؟ وراءه الإمام الشافعي قال: يا هذا, هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله! ومن أنت؟ قال: أنا محمد بن إدريس, كيف أرضى عنه، وأنا أتمنى رضاه؟ -ما هذا الكلام؟-, قال: إذا كان سرورك بنقمة كسرورك بالنعمة, فقد رضيت عن الله.
لأن الله يقول:

﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾

[سورة المائدة الآية: 119]

أنت راض عن الله، راض عن الله في دخلك، في شكلك، في زوجتك، في بيتك، في وظيفتك ، معظم الناس ساخطون، معظم الناس ساخط على قضاء الله وقدره، أما المؤمن الراقي راض عن الله.
لي صديق توفي في مرض خبيث، بقي سنتين يعالج من هذا المرض ما لا يحتمل, تقول زوجته لأبيها، -وأبوها صديقي-: ما سمعته مرة إلا يقول: يا رب لك الحمد، هل أنت راض عني؟ وهو يعاني من آلام السرطان في أحشائه ما لا يحتمل.

حدثنا دكتور طبيب في مستشفى, جاء مريض بمرض السرطان بالأمعاء، إيمانه عجيب، كلما دخل زائر يقول له: اشهد أني راض عن الله، يا ربي لك الحمد، هذا الطبيب من أخواننا، هذا الطبيب ندخل إلى غرفته, يوجد راحة نفسية عجيبة، إذا قرع الجرس يتهافت الأطباء و الممرضات لخدمته، وما دخل إنسان إلى غرفته إلا وخرج مرتاحاً، وما دخل إنسان إلا أشهده أنه راض عن الله، قال لي: عجيب هذا المريض! جذب كل من في المستشفى من أطباء وممرضين، وخدم خدمة عالية جداً، وتوفي بعد أيام ثلاثة.
قال لي: بقدرة قادر جاء مريض آخر بالمرض نفسه, في الغرفة نفسها, لم يدع نبياً إلا و سبه، قال لي: مقيت، غرفته مظلمة، أخلاقه لا تحتمل، يقرع الأجراس لا أحد يرد عليه، يرفع صوته بالسباب، ثم مات بعد ثلاثة أيام، قال لي: هذين المريضين كانوا درساً للمستشفى.
انظر إلى مرض واحد, آلامه واحدة، انظر إلى هذا المرض عند المؤمن, وعند غير المؤمن، لذلك: اكتشفوا بالعلم شيئا لا يصدق: أن طريق الآلام يبدأ من النهايات العصبية, إلى النخاع الشوكي, إلى الدماغ، في قشرة الدماغ الإنسان يشعر بالألم، إذا قطع طبيب الأسنان عصب السن لثانية أو لثانيتين, تشعر بألم تكاد تخرج من جلدك، هذا الألم أين تشعر به؟ بالدماغ

بالدماغ مكان الإحساس بالألم، وطريق الآلام يبدأ من النهايات العصبية, إلى النخاع الشوكي, إلى الدماغ، قال: على هذا الطريق بوابات هذه تغلق أحياناً، فإذا أغلقت الألم هبط إلى العشر، هذه البوابات تتحكم بها الحالة النفسية للمريض، المؤمن تسعون بالمئة من آلام المرض تذهب عنه، تغلق البوابات، يصل من الألم النذر اليسير، أما إذا كان غير مؤمن البوابات مفتوحة، -هكذا قرأت في بحث علمي-، تتحكم بها الحالة النفسية للمريض، المريض المؤمن صابر بالضراء، وشاكر بالسراء، وفي الحالتين يكسب شيئاً كثيراً. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور