وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الأنبياء - تفسير الآية 23 عدالة الله تؤكد رحمته .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، الآية الثالثة والعشرون من سورة الأنبياء وهي قوله تعالى:

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾

[سورة الأنبياء]

 بعضهم فهم هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قد يضع العبد الذي أمضى حياته في طاعة الله في النار، وقد يضع العبد الذي فجر فجورا كبيرا في الجنة، لماذا ؟ لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا المعنى يفهمه العامة من هذه الآية، و ماذا نفعل بقوله تعالى:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

[سورة الزلزلة]

 ماذا نفعل بقوله تعالى:

 

﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(49)﴾

 

[سورة النساء]

 و قوله تعالى:

 

﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(124)﴾

 

[سورة النساء]

 " وقوله تعالى:

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾

[سورة غافر]

 و قوله تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 و قوله تعالى:

 

﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16)﴾

 

[سورة لقمان]

 و ماذا نفعل بقوله تعالى:

﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾

[سورة هود]

 هذه الآيات التي تؤكد عدالة الله و تؤكد رحمته ماذا نفعل بها، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)﴾

 

[سورة الزمر]

 يفهم العامة من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قد يظلم لكنَّ ظلمه مغطى بقوله:

 

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 مع أن هذه الآية لها معان أخر.
 أول معنى: ليس من شأن الإله أن يُسأل، هذا مقام الألوهية وليس معنى ذلك انه ظالم و لكن ليس من شأن الإله أن يسأل، هذا المعنى الأول.
 المعنى الثاني: لفرط عدالته، وعدالته تسكت الألسنة، فلا يسأل عما يفعل.
 المعنى الثالث: أن أفعال الله سبحانه و تعالى ليست تتصف بالعلة الغائية، الإنسان إذا أراد أن يأكل خبزا لا بد من أن يزرع قمحا فهو مقهور بعلة الزراعة حتى يصل إلى القمح، وإذا أراد أن يشرب ماء لابد من حفر البئر، فالإنسان مقهور بعلة توصله إلى غايته، وهذا من ضعفه، ويكمِّل ضعفه بالوسيلة، ولو أراد أن يصل إلى حلب مقهور بركوب مركبة لكن العلة الغائية لا يمكن أن تتصف بها أفعال الله عز وجل، أفعاله كن فيكون، أنت إذا رأيت من يحفر بئرا في أرض و قلت له لماذا ؟ لقال لك لأصل إلى الماء، و إذا رأيت من يلقي في الأرض بذرة تسأله ماذا تفعل ؟ يقول لك أزرع القمح، لكن الله سبحانه وتعالى أفعاله كن فيكون لذلك لا يسأل عما يفعل، الله لا يحتاج إلى وسيلة ليصل بها إلى غايته و لا يحتاج إلى أداة، ونحن نحتاج إلى قلم، و مركبة و حفر بئر، فكل أفعالنا وسائل لغايات، ولضعفنا مقهورون بالوسائل، إذا أردنا الولد فلا بد من زوجة، تريد أن تشبع لابد من أن تأكل، أفعال العبد معللة و فيها علة غائية، لكن أفعال الله جل جلاله لا يمكن أن تكون محتاجة إلى علة غائية، لذلك لا يسأل عما يفعل لأن أفعاله كن فيكون، الشيء الثاني عدالته المطلقة تسكت الألسنة، لذلك لا يسأل عما يفعل، و المعنى الثالث شأن الله أن لا يسأل، هناك آيات كريمة تحير من ذلك قوله تعالى:

 

﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118)﴾

 

[سورة المائدة]

 فما علاقة العزيز الحكيم بالمغفرة ؟ لأنه ما من مخلوق إذا أراد أن يغفر إلا و يحاسَب من غيره، و لكن الله عزيز حكيم لا يُسأل عما يفعل، فإذا غفر فلا أحد يستطيع أن يسأله لماذا غفرت ؟ إذا ليس من شأن الإله أن يسأل و عدالته المطلقة تسكت الألسنة، فلا يسأل عما يفعل و المعنى الثالث حينما يفعل فعلا لا يحتاج إلى وسيلة ولا إلى علة، ولذلك أنت تسأل الإنسان لماذا تحفر الأرض ؟ يقول لك: لأجل بلوغ الماء، لماذا تأكل ؟ لأجل أن أشبع، وأفعال العبد معللة و فيها علة غائية، لكن أفعال الله جل جلاله لا يمكن أن تكون محتاجة إلى علة غائية، لذلك لا يسأل عما يفعل لأن أفعاله كن فيكون، قال تعالى:

 

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 هناك موضوع ثاني ؛ وهو أن الله عز وجل قدير و رحيم، بمعنى أن الأب الذي لا ينجب، و بعد عشر سنوات أنجب مولودا هو قطعة من روحه، هذا الأب عضليا ألا يستطيع أن يذبح ابنه ؟ يستطيع، ولكنه مستحيل، فربنا عز وجل قدير ورحيم، فقدرته لا يسأل عما يفعل، لكن أيفعلها، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾

 

[سورة هود]

 رجل راكب في سيارته مع زوجته بينهما تفاهم كبير وفيه محبة وود، ألا يستطيع أن يفعل هكذا على الوادي ؟ يستطيع، لكن يستحيل، فالله على كل شيء قدير و غفور رحيم، لذلك حسن الظن بالله ثمن الجنة، النبي عليه الصلاة والسلام مرض مرضا شديدا فظن بعض أصحابه أنه أصيب بذات الجنب، أعطوه دواء ذات الجنب فغضب فقال عليه الصلاة والسلام:

((ذلك مرض ما كان الله ليصيبني به ))

 و يقاس على ذلك أن المؤمن مكرم عند الله، و سيدنا أبو الدرداء قيل له: احترقت دكانك، قال: ما كان الله ليفعل، فلما ذهبوا وجدوا دكان جاره قد احترق، المؤمن المستقيم له ثقة بالله و يحسن بالله الظن و يظن أن الله لا يضيعه و لا يتخلى عنه، لكنه يصلحه و يؤدبه، فالإنسان جزء من سعادته حسن ظنه بربه و الجزء الآخر توكله عليه، قال تعالى:

 

﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79)﴾

 

[سورة النمل]

 إذا معنى:

 

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 لا ينبغي أن نفهمها كما يفهمها عامة الناس، تعني أنه يضع عبده المؤمن الصادق المستقيم في جهنم و لا أحد يسأله، لا يليق هذا بكمال الله عز وجل، الأمر بالعكس فالله عز وجل إذا كان في الإنسان ذرة خير يأتي بها، فإذا انطوى الإنسان على شيء من الخير هذا الشيء ينمو و ينمو حتى يحمله على التوبة، فكل إنسان على شيء من الحياء وعلى شيء من الحب الرحمة هذا مصيره طيب، هذه الخيرات في نفسه تتنامى حتى تحمله على التوبة فارجوا الخير من الذين يستحون و ممن يرحمون وممن يحسنون وممن ينصفون، فهؤلاء يُرجى منهم الخير، فالقصد أن نفهم كلام الله وفق ما أراد الله، لا وفق ما يمليه علينا الجهلة لأن هذه الآية تعني أنه لا أحد يحاسبه، قال تعالى:

 

﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾

 

[سورة الشعراء]

 فإذا وصف الله نفسه بالقسط يجب أن يكون معنى القسط كما نفهمه نحن ؛ لأن هذا القرآن بلسان عربي مبين.
 قال تعالى:

 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾

 

(سورة الحجر)

 لذلك هذا الدعاء: اللهم لا تسألنا عن شيء" لا أصل له بدليل هذه الآية، فلا بد من أن تسأل، قال تعالى:

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)﴾

[سورة العنكبوت]

 فلا بد أن تفتن و لابد من أن تسأل وتحاسب وتقف موقف المسؤول، فأحيانا الإنسان إذا استلم منصبا يقول: أنا مسؤول كبير، فلو دقق في معناها لارتعدت فرائسه، معناها سوف تسأل و تقف بين يدي الله و تحاسب عن كل كلمة وعن كل شيء، فالطائر الذي يُقتل لغير مأكلة يأتي يوم القيامة وله دويٌّ كدوي النحل يقول: يا رب سله لِمَ قتلني ؟
 إخواننا الكرام الإنسان العاقل الذكي قبل أن يفعل أي شيء يتصور نفسه أمام ربّه لماذا فعَلْتَ ؟ ولماذا أعْطيتَ ؟ ولماذا فَعَلْتَ ؟ ولماذا قسَمت ؟ مَن أعان ظالمًا سلَّطَهُ الله عليه، قال تعالى:

 

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾

 معنى الآية أنَّه ليس مِن شأن الله أن يُسأل، ولكنّ مِن شأن المخلوق أن يُسأل، فالبَطَل الذي يهيئ جوابًا عن كلّ سؤال.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور