- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (021) سورة الأنبياء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الأخوة الكرام، لازلنا في سورة الأنبياء، وقد ورَدَ ذِكْرُ الأنبياء أغْلبِهِم في هذه السورة ولكِنّ الذي يهمُّنا في نِهاية المطاف هذا التَّعقيب الذي شَمَل جميع الأنبياء، قال تعالى:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)﴾
أيها الأخوة الكرام، أنت موْجُود في الدنيا مِن أجل أن تعْمل الخيْر فقط وإذا أردْت الدليل، فهاكَهُ: الإنسان حينما يأتيهِ مَلَكُ الموت ينْدَمُ على ماذا ؟ ينْدم على العمل الصالح، قال تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾
فَكُل إنسان غفَل عن المهمَّة الأولى التي جاء مِن أجْلها فهو غافِل وضالّ، فأنت لم تأتِ إلى الدنيا مِن أجل أن تجْمَعَ الدِّرْهم والدِّينار ولم تأت إلى الدنيا مِن أجل أن تنْغَمِسَ في الملذَّات، إنَّك أتَيْتَ إلى الدنيا مِن أجل أن تعبد الله، وعِبادة الله هي تَطبيق منْهَجِهِ، والتَّقرُّب إليه وهذا لن يكون إلا بِمَعرفة الله تعالى، فإذا عرفْتَهُ عبَدْتَهُ، وإذا عبَدْتَهُ سَعِدْتَ بِقُرْبِهِ، وهذا هو الهَدَف، قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
إذًا كما قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ﴾
الله عز وجل قال: سارِعوا وقال: سابِقوا، وهاتان الكلمتان تُشيران إلى مُضِيّ الزَّمَن، والزَّمَنُ مَحْدود والإنسان بِضْعة أيَّام، كلَّما انقضى يومٌ انْقضى بِضْعٌ منه، وما مضى فات والمُؤمَّل غَيْب ولك الساعة التي أنت فيها.
أيها الأخوة، نحن جميعًا لا نمْلِكُ إلا هذه الساعة، لأنّ الذي مضى لن يعُود، والمستقبل لا نعرف إن كنَّا من الذين يبْلُغونه أم لا ! ومن عدَّ غدًا مِن أجَلِهِ فقد أساء صُحْبة الموت، وهَلَك المُسَوِّفون، وسوف مِن جُنود إبليس، لذلك أخْطر مرضَيْن يُصابُ بِهما الإنسان مرض الغفْلة ومرض التَّسْويف.
قال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(9)﴾
وقال تعالى:
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ(10)﴾
قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ﴾
فاليأسُ مرض، والانْبِساطُ الشديد مع الله تعالى مرض، فالانْبِساط الشديد عِقابُهُ الحِجاب، واليأس دليل الجهْل بالله عز وجل، ولكنّ المؤمن يدعو ربَّهُ راجِيًا وخائِفًا وسَهل على الإنسان أن يتطرَّف، ولكنّ البُطولة أن تجْمَعَ بين الخَوْف والرَّجاء، وبين الرَّهبة والرَّغْبة، لذلك قال: يا رب، أيُّ العِباد أحبُّ إليك حتَّى أحبَّه بِحُبِّك ؟ قال: أحبُّ العِباد إليّ تَقِيُّ القلب، نقِيُّ اليدَيْن لا يمْشي إلى أحَدٍ بِسُوء، أحبَّني وأحبَّ مَن أحبَّني وحبَّبني إلى خلقي قال: يا رب، إنَّك تعلم أنِّي أُحِبُّك وأُحِبُّ مَن يُحِبُّك، فكيف أُحَبِّبُكَ إلى خلقِك ؟! قال: ذَكِّرْهم بآلائي ونَعمائي وبلائي، قال شُرَّاح الحديث: الآلاء مِن أجل أن تُعَظِّمَهُ، والنَّعماء مِن أجل أن تُحِبَّهُ، والبلاء مِن اجل أن تخافهُ، ولا بدّ مِن أن يجْتَمِعَ في قلب المؤمن تَعْظيم لله، وخوفٌ منه، ومحبَّة إليه، فالنِّعَمُ سبب المحبَّة، أحِبُّوا الله لِما يغْدوكم به مِن نِعَمِه، والبَلاء سبب الخوف، والآلاء سبب التَّعظيم، فأنت بالآيات الكَوْنِيَّة تُعَظِّمُهُ، وبالنِّعَم السابغة الظاهرة والباطنة تُحِبُّه، وبالمصائب و الابْتِلاءات تخافُهُ فالوضع الصِّحي أن يكون في قلبِكَ تعظيم وحبٌّ وخَوف، فالحُبّ مِن دون خَوف انْبِساط وتمادي وتساهل وخوفٌ من دون رجاء يأسٌ وقنوط وخوف ورجاء من دون تعظيم يضعف الخَشْية، قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ﴾
وقال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾
قال العلماء: الخُشوع في الصلاة ليس مِن فضائِلها، ولكن مِن فرائِضِها ! فَهُم ما أفْلحوا لأنَّهم يُصَلُّون، ولكنَّهم في صلاتهم خاشِعون، وفي آياتٍ أخرى قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142)﴾
وقال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)﴾
فالأمْر ليس على الذِّكْر، ولكنْ على الذِّكْر الكثير ! لأنَّ المنافقون يذْكرون الله تعالى، قال تعالى: ولا يذكرون الله إلا قليلا.." معنى الأمْر على الكثير.
قال تعالى:
﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)﴾
قد لا يفْهم بعض الناس حِكمة امرأة فِرْعون على أنَّها صِدِّيقة ! فرعون الذي قال كما قص الله تعالى::
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)﴾
أنا ربكم الأعلى، وقال تعالى:
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾
لِحِكْمة بليغة بليغة أراد الله أن تكون زَوْجتهُ صِدِّيقة لِتَكون هذه المرأة الصِّديقة آية لِكُلّ نِساء العالمين، بِمَعنى أنَّ المرأة مُسْتَقِلَّةٌ في عقيدتها، وفي طاعتها لِرَبِّها عن زوْجِها، مُعْظم النِّساء يقلن الآن: هكذا يريد زَوجي ! إن شاء الله في صحيفتِهِ !! لا، بل في صحيفَتِكِ أنت !!! لا طاعة لِمَخلوقٍ في مَعْصِيَة الخالق، فامرأة فِرعَون جابَهَتْ مَن ؟ جابَهَتْ منْ يدَّعي الألوهِيّة، والذي قتَّل بني إسرائيل واسْتَحْيى نِساءَهم، وبَقِيَت مُطيعةً لله عز وجل، وصِدِّيقةً، فأيَّةُ امرأة يُجْبرُها زوْجُها على الاخْتِلاط، أو على أن تتكشَّف أمام أصْدِقائِهِ، أو على أن تُسايِرَهُ في معْصِيَة، وتقول: ماذا أفْعَل هذا زوْجي، وإذا لم أفْعَل يُطَلِّقني !! نقول لها اسْمعي ماذا قال تعالى عن امرأة فِرعون:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(15)﴾
ولا طاعة لِمَخلوق في معْصِيَة الخالق، وقال تعالى:
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾
ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتَّبع هواه وكان أمره فهذه قالتْ له أُمُّه: يا سعْد، إمَّا أن تكْفر بِمُحَمَّد وإما أن أدَعَ الطَّعام حتَّى أموت ! فقال: يا أُمِّي لو أنَّ لك مائة نفْسٍ فخرجَت واحدَةً واحِدَةً ما كفرْتُ بِمُحَمَّد، فَكُلي أو لا تأكلي !! فالأم أمّ ولكن لا تُطاع في المعْصِيَة، والأب أب ولكن لا يُطاع في معْصِيَة، قال تعالى:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾
العبادة لله تعالى، والإحْسان للوالدَين، أما أن تعبُدَ الوالدين من دون الله، فَتَرْتَكِب الكبائر إرْضاءً لهما فلا ثمَّ لا.
عندنا باللغة العربيَّة، وفي البلاغة أسلوبًا يُسَمَّى الاسْتِخدام والاسْتِخدام أن تذكُرَ كلمةً وأن تُعيد عليها الضمائر لِمَعانٍ أخرى مِن معانيها ويأتون على ذلك بِشَاهدٍ واضِحٍ، وهو قولهم: أقرَّ الله عَيْنَ الأمير وأجْرى له ماءَها، وكفاه الله شرَّها، فقَوْلُهُ: أقرَّ الله عَين الأمير أي عَيْنَهُ، وأجْرى له ماءَها أيْ ماء البستان، وكفاه الله شرَّها أيْ عَين الحَسود، فنحن أتَينا بِكَلمَة عَين وأعَدْنا عليها الضمائِر لِمعانٍ أخرى فالله تعالى أيضًا قال:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(1)﴾
الفرج معروف فنفَخنا فيه، أي في فَتْحَةِ الثَّوْب، فَمِن معاني الفرْج فتْحَةُ الثَّوب العليا، ثمَّ قال تعالى:
﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12)﴾
ويأتون بِشاهِدٍ آخر وهو قوله تعالى:
﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾
فالقَمَر لا يُصام بل يُصام معنى آخر من معاني الشَّهر وهو الثلاثون يومًا ؛ فهذا أُسلوب الاسْتِخدام، فَلكي لا يتوهَّم الواحِد أنّ النَّفْخ كان في فرْجِها المعروف !
المُلخَّص ؛ أنتم يا بني البشَر عليكم أن تفعَلوا ما فعل الأنبياء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))
لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إنّ الله أمر المسلمين بِما أمر به المرسلين))
وقال تعالى:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)﴾
فَجِنْسُ البشر واحِد، والجِبِلَّة واحِدَة، وكذا الخصائِص، والقوانين واحدة، وكذا الحركات والنُّفوس مَجبولة على حبّ مَن أحسَن إليها وبُغْض مَن أساء إليها، وبالمناسبة لولا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام مِن بني البشَر، ولولا أنّه تجري عليه كلّ خصائص البشَر، لما كان سيِّدَ البشَر، فلأنَّه تجري عليه خصائص البشَر أصبح سيِّد البشر ولأنّه انتَصَر على نفسِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))
فهو عليه الصلاة والسلام جاع كما يجوع البشر، وأوذِيَ كما يؤْذى البشَر، وفي الطائف سَخِروا منه، واستهزءوا به وهو يقول: اللهم اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون، لعلَّ الله يخرج من أصلابهم من يُوَحِّدُهُ !
أيها الأخوة الكرام، المُلَخَّص قوله تعالى:
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) ﴾
وهناك آية تنْظِمان العلاقة بين الخالق والمخلوق، قوله تعالى:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾
أي يا عبادي منكم الصِّدْق ومِنِّي العَدل، وتتفاوتون عندي بِمِقْدار صِدقِكم، ومِنِّي العَدل.
بهذا تنتهي سورة الأنبياء ؟، وأنتم كما تعلمون نأخذ مقاطِع منها وننتقل في درسٍ قادِم إلى موضوع له علاقة بهذه السورة نرجئه.