وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الرعد - تفسير الآية 26 الله يبسط الرزق لمن يشاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه ، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

الله وحده الذي يبسط الرِّزْق ويمْنعهُ :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآية السادسة والعشرون من سورة الرعد ، وهي قوله تعالى :

﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)﴾

[سورة الرعد ]

 لو أنَّ الله تعالى قال : يبسط الله الرزق لِمَن يشاء ويقدِر ، هذا الكلام يعني أنَّ الرزق من عند الله ومن عند غيرِهِ ، أما حينما قال الله عز وجل :

﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)﴾

[سورة الرعد ]

 تَقْديم لفْظ الجلالة يُفيد القَصْر والحَصْر ، فالله وحده الذي يبسط الرِّزْق ويمْنعهُ ، والإنسان يوجد عنده في حياتِهِ شيئان خطيران ؛ حياتُهُ ورِزْقُه ، فحياتُكَ بِيَدِهِ وموتك بِيَدِهِ ، ورِزْقُكَ بِيَدِهِ كثرةً وقِلَّةً ، فماذا بَقِيَ للبشر ؟ إذا أيْقَنْتَ أنّ حياتَكَ بِيَدِهِ ، وأنَّ الرزق بِيَدِهِ ، وأنَّ كلمة الحق لا تقطع رزقاً , ولا تقطع أجلاً , الله عز وجل يبسط الرزق لِمَن يشاء ، لكن مشيئة الله عز وجل مُتَعَلِّقَة بالحِكْمة المُطْلقَة ؛ فهُوَ تعالى يبْسُطُ الرِّزق لِمَن يستقيم على شرْعِهِ قال تعالى :

﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)﴾

[سورة الجن ]

 وقال تعالى :

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾

[سورة الأعراف ]

 وقال تعالى :

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)﴾

[سورة المائدة ]

 فهذه الآية :

﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)﴾

[سورة الرعد ]

 هذه آية مُجْمَلَة ومُفَصَّلة بآياتٍ كثيرة .

الاسْتِقامة والأمانة تزيدان في الرِّزق :

 ثم قال تعالى :

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)132)﴾

[سورة طه ]

 معنى ذلك أنَّ البيت المُسلِم الذي تُقامُ فيه الصلاة ، ويأمر الأب أهله بالصلاة ، هذا البيت مَرْزوق ، فهذا عامِلٌ للرِّزق .
 عامِلٌ آخر ؛

(( الأمانة غِنًى . . .))

 فالأمين غَنِيّ ، ومعه أكبر رأس مال ، وهو الثِّقَة به ، والناس يتهافتون عليه ، فالاسْتِقامة والأمانة تزيدان في الرِّزق ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( صلة الرحم تزيد في الرزق وتبارك في الرزق))

[البخاري عن أنس ]

 فالذي له أخوات إناث أو ذُكور ، أولاد أخ أو أخت , تفقَّدَهم وأعانهم ؛ فهذا إنسان مَرْزوق ، قال تعالى :

﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)﴾

[سورة نوح ]

 معنى ذلك أنّ هذا الذي يسْتغفِر ، ويتوب ، ويُحاسِب نفسه ، ويُصلي ، ويقرأ القرآن ، هذا يجْلب الرِّزق ،

(( اسْتمطِروا الرزق بالصدقة . . .))

 فالذي يتصَدَّق يجْلب لِنَفْسِه الرِّزْق ، إذًا الاستقامة والأمانة والصدقة وصلة الرحم هذه كُلُّها تزيد الرزق .

المعْصِيَة تقْطع الرِّزق :

 حينما يقول الله : " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . ." مشيئتُهُ وِفْق حِكْمةٍ مُطْلَقة؛ فالمُستقيم يرْزقُهُ الله ، وفي الأثر :

(( قد يُحْرَمُ المرء بعض الرِّزْق بالمَعْصِيَة ! ))

 فالمَحَلاَّت إذا صارَتْ أماكن الغَزَل والمُحادَثَة ومعْصِيَة الله ، فهذا المحلّ يُمْحَق الرِّزْق فيه .
 المعْصِيَة تقْطع الرِّزق ، والاسْتِقامة تجْلبُهُ ، صلةُ الرحم تجْلبهُ ، وقطيعة الرحم تقطع، وكذا الأمانة والخِيانة ؛ وأحيانًا إتْقان العَمَل يجْلب الرِّزق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( إنَّ الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنَهُ . . ))

[صحيح الجامع عن عائشة]

 لكنَّ الله تعالى يعلم ما تخفي الأنفس ، فهناك من يسْتقيم في الضيق ، ويفلت في الرخاء ، هؤلاء بِعِلْم الله يُعطيهِم رِزْقاً مَحْدوداً ، والدليل قوله تعالى :

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ(27)﴾

[سورة الشورى ]

 فالرِّزق في بعض عواملِهِ مُتَعَلِّق بِحِكمة الله ؛ إنّ من عبادي من لا يصلحُ له إلا الغِنى فإذا أفْقَرْتُهُ أفْسَدْتُ عليه دينَهُ ، وإنَّ مِن عِبادي مَن لا يصلحُ له إلا الفقْر فإذا أغنَيْتُهُ أفْسَدْتُ عليه دينهُ.
 نُلَخِّص الموضوع ؛ الاستِقامة والاستِغفار والأمانة وصلة الرحم والصلاة هي عوامل زِيادة الرِّزق ، وحينما تتوفَّر كل هذه الحالات ويبقى الرِّزق مَحْدودًا فهُناك حِكْمَةٌ لو كُشِفَ الغِطاء لاخْتَرتم الواقِع ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ(101)﴾

[سورة المائدة ]

 وليس بالإمكان أبدعُ مِمَّا كان ، فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر.

منع الله ليس حرماناً :

 لكن هناك ناحِيَة مهمَّة جدًا ؛ قال تعالى :

﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17)﴾

[سورة الفجر ]

 ماذا تعني كلَّا ؟! هي ليْسَت حرف نَفْي ، إنمَّا حرف رَدْع ، فلو قلتُ لك : هل أنت جائع ؟ تقول لي : لا ، ولكن إن قلتُ لك : هل أنت سارق ؟ فتقول لي : كلَّا ، ترْدَعُني ، فالله عز وجل يقول لنا ردْعًا : ليس عطائي لكم إكرامًا , وليس مَنْعي لكم حِرْمانًا , عطائي ابتِلاء وحِرْماني دواء ، فإذا كان الرزق قليلاً لا تشْعر أنَّك مُهان , هذا غلَط ، فلو أنّ الأب كان رحيماً ومنَعَ ابنه مِن تناوُل أكلةٍ يُحِبُّها مِن أجل أنَّه مريض فهل هذه إهانَة للابن ؟! لا ، فالله تعالى يَحمي عبدَهُ المؤمن من الدنيا كما يَحمي أحدكم مريضه من الطعام ، والله تعالى إذا أكرم الإنسان فهذا ليس إكراماً بل ابتِلاء ، ثمّ قال تعالى :

﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17)﴾

[سورة الفجر ]

 وليس كذلك هذا مَنعًا.

المال حيادي :

 آخر نقطة بالدرس ؛ الله تعالى أعْطاكَ مالاً فهل يُسَمَّى هذا المال نِعْمَةً ؟ الجواب : لا يُسَمَّى هذا المال نِعْمةً ولا نِقْمة ، فهُوَ حِيادي ، هو ابْتِلاء ، فإذا أنْفَقْتَهُ في طاعة الله انْقَلَبَ إلى نِعْمة ، وإذا أنْفَقْتَهُ في مَعْصِيَة الله انْقَلَبَ إلى نِقْمة ، فَعَطاء الله ابْتِلاء وليس إكراماً ، لكن بعد أن يُعْطِيَكَ المال أو الصِحَّة أو الجمال وتُوَظِّفُ هذا في طاعة الله تنقلبُ هذه النِّعَم إلى إكرام ، وكذا لو حرَمَ الله عبدهُ من الدنيا ، وكان هذا سبَباً لإقبال العبد على طاعة الله ، هذا الحِرْمان ينقلب إلى عَطاء ، فَرُبَّما كان المَنْعُ عَيْن العَطاء ، وربَّما كان العطاء عَين الحرمان ، فهذا المعنى يرفع معنوِيَّات المؤمنين ، فإذا أراد الله أن يجعلَكَ ذا دَخْلٍ مَحدود فهذه حكمة ما بعدها حِكْمة ، ولو كُشِفَ الغِطاء لاخْتَرْتُم الواقِع .

الآخرة هي الحياة الحقيقيَّة :

 أيها الأخوة ؛ يقول سيدنا علي رضي الله عنه :" الغِنى والفقْر بعد العَرْض على الله، ولا يُسَمَّى الغنِيّ غنياً ولا الفقير فقيراً ، إنَّما الغِنى الحقيقي بعد العَرْض على الله " ، قال تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185)﴾

[سورة آل عمران ]

 قال تعالى :

﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاع(26)﴾

[سورة الرعد ]

 ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غُمِسَ في مياه البحر , والمؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا ، لذلك الآخرة هي الحياة الحقيقيَّة ، قال تعالى :

﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾

[سورة الفجر ]

 كلمة الحق لا تقطع رِزْقًا ، ولا تُقرِّب أجلاً ، وهذا هو التوحيد ، والضامِن هو الله تعالى ، قال تعالى :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

[سورة هود ]

 الأمر مُعَرَّف بأل وهذا للاسْتِغراق ، ولا طاعة لِمَخلوق في معْصِيَة الخالق .

تلخيص لما سبق :

 الذي أراد أن يزيد رِزْقهُ عليه بالاسْتِغفار والاستِقامة والأمانة والصلاة والإتْقان وهي عوامل زيادة الرزق ، فإذا اجْتَمَعَت هذه العوامل ولم يرزق فهناك حكمة ما بعدها حكمة ولو كُشف لك الغطاء لَذُبْت كما تذوب الشَّمْعة ، لذلك قال تعالى :

﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(10)﴾

[سورة يونس]

 فلو ضربك إنسان من أجل مَصْلحَتِك لرُبِّما كان هناك عقرَب فأبْعَدَك عُنْفاً كي لا يلْدَغَكَ فهل تغضب منه ؟! لا ، بل تشْكرهُ ، قال تعالى :

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)﴾

[سورة البقرة ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور