وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الرعد - تفسير الآية 18 الاستجابة لله ورسوله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه ، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

التقوى تصل بالإنسان إلى أعلى المراتب :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآية الثامنة عشرة من سورة الرعد وهي قوله تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 الاستِجابة لله عز وجل الانْصِياع لأمْرِهِ ، والتوبة له ، وطاعته ، وفتْحُ صفْحةٍ جديدة معه ، والإنابة إليه ، والتَّوَكُّل عليه ، فالله تعالى دعانا فاسْتَجَبْنا ، والله عز وجل يقول :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 أمَرَكَ بِغَضِّ البَصَر فغَضَضْتَهُ ، معنى هذا أنَّك اسْتَجَبْتَ ، اِدْفَعْ زكاة مالِكِ ، وأنْصِف الناس فزكَّيْتَ وأنْصَفْت ؛ هذه هي الاسْتِجابَة ، كُنْ عفيفًا ومُنْصِفًا ومُحْسِنًا ورحيمًا ، وأدِّ الصلوات الخمس ، وغضّ بصرَك ، وحرِّرْ دَخْلَك أنْفِق مالك في الوجه الصحيح ؛ كل هذا يعني أنَّك اسْتَجَبْتَ .
 المُطْلَق على إطْلاقِهِ ، ماذا تعني الحُسنى ؟ حُسْنى في صِحَّتك وزواجِك ، وحُسنى في عملك ، هناك فندق في ألمانيا خمس نُجوم ، ذكر لي أخ نام في هذا الفندق مَكتوب على لَوْحَة : إذا تَقلَّبْتَ بالليل وأصابك الأرق فالعِلَّة ليْسَت في السرير ولكن فيك ‍، الحُسنى سلامة مع نفْسِك ، يمكن أن تصل إلى أكبر مرتبة اجْتِماعِيَّة ، وإلى أكبر دَخْل ، ولكنّ هذا الدَّخْل مَبني على إنقاذ الآخرين ، وعلى الكذب والغِشّ والاخْتِيال ، الذي له حساسِيَّة لا يرْتاح ، المؤمن العاقل يطلب السلامة لِنَفْسِه ، إذْ يُمكن أن يكون إنساناً لا يكذب ودخلهُ حلالاً ، وهو عند الناس بالدَّرجة الدنيا ، ولكنَّه عند الله تعالى في أعلى عِلِيِّين ، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام :

((أهلاً بِمَن خبَّرني جبريل بِقدومه ‍ ، فقال هذا الصحابي : أَوَ مِثْلي ! قال : نعم ، أنت خامِل في الأرض علم في السماء ))

 يجوز أن يكون ضارب آلة كاتبة ، والمدير له ثمانية هواتف ، وسِكرتارْيا ، ومكتب طوله ثمانية أمتار ، وقد يكون هذا الخادم أفضل منه عند الله ، التقوى ترفع الإنسان ، لذلك قال تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 وعظمة القرآن أنّ المطلَق على إطْلاقِهِ ، حُسنى في أسْرته ، وحُسنى في عملهِ ، وحُسنى في صِحَّتِه ، وحتى في مماتِه .
 كنتُ في تَعْزِيَة ، وإلى جانبي كان أحد عُلماء دمشق الأكارم ؛ وله دعوة ، خرج من بيْت التَّعْزِيَة ، وما إن خرَجَ من بيت التَّعْزِيَة حتى رآهُ رجل ، فقال له : هل لي أن أوصِلَكَ إلى البيت ؟! وكان هذا الشَّخص بيتهُ إلى جانب بيت التَّعْزِيَة ، فأوْصَلَهُ ونزل هذا العالِم من السيارة ، وصَعِد أربعة طوابق ، نزع ثيابه وتمدد على فِراشِهِ ، وقُبِضَتْ روحُهُ ، فالله سخَّر إنسانًا يوصِلُهُ إلى بيتِه ويموت فيه مرتاحًا ، ولا يموت كما يموت البعض شرّ موتة ، فأحيانًا يموت الإنسان بالطريق ويبقى بها خمس ساعات حتى يؤخَذ ، وهناك من يموت بالمرحاض ، كما أنّ هناك من يموت وهو ساجِد ، وهناك من يموت في الحج ، وكذا الحسنى بالآخرة :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 أيْ كيفَما تحرَّكْت يكْرِمُكَ الله .

أمة التبليغ وأمة الاستجابة :

 لهذا قال العلماء : هناك أمَّة الاسْتِجابة ، وهناك أمَّة التَّبليغ ، فأُمَّة الاسْتِجابة الذين اسْتَجابوا لِرَبِّهم ، وأمَّة التَّبليغ هم الذين يولدون مسلمين بِحُكم أنَّ أوْلِياءهم مسلمون ، فكلمة مسلم بالهَوِيَّة لا تُقَدِّم ولا تؤخِّر ، أمَّة التبليغ إذا كنت منها لا ميِّزَة لك ، ولكنّ الميِّزة أن تكون من الذين استجابوا ؛ اسْمعوا لهذه الآية :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

[سورة الأنفال]

 عندنا بِأصول الفقه قواعِد كُلِيَّة ، أي عندنا المعنى والمعنى المُخالِف العكسي ، فإذا الواحِد ما اسْتَجاب فَمَن هو ؟ ميِّت ، والله تعالى قال :

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ(22)﴾

[سورة فاطر]

 وقال تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾

[ سورة النحل]

 فالطبيب إذا فحص مُصابًا على الأرض ، ورأى أنَّ النَّبْض معدوم ، وكذا التَّنفس والاسْتِجابة منعدمة ، معنى هذا أنّ المُصاب مُنْتَه ، قال لي فلان : فلانة سافرة ومُتَبَرِّجة ومات زوْجُها ومُوَظَّفة فكيف العدَّة بالنِّسبة لها ؟! فقلتُ له : هذه لا عُدَّة لها ، لا صلاة ولا صوم ؛ هذه مُنعدِمَة ، قال تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 فالاستِجابة حياة ، والإنسان إذا بدأ يُصَلِّي ، وغضَّ بصره ، وأنفق ماله فهذا دليل الحياة ، وأنَّ فيه نبْضاً ، أما أن تجعل القرآن للموتى فقط فهذا جَهل ، مَن دخل الأربعين فقد دَخَل أسواق الآخرة ، تجده لا يدخل المنزل إلا ليلاً ، أين كنت ؟!

النجاة من سوء الحساب مستحيلة لمن كفر بربه :

 ثمَّ قال تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 لم يُزَكِّ ماله ، ولم ينفق ، وما غضَّ بصره ، وما عَدَل ، وما حرَّر دَخْلَهُ ، قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ﴾

[سورة الرعد]

 إذا شخص له محلّ بالحمراء ؛ يقول لك : المتر بمئة وخمسين ألفاً ! لو أنَّ لك الشام كلّها ، وكل شركات الطيران ، وكل النَّفط لك ، قال تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(18)﴾

[سورة الرعد]

 أحيانًا يُكتب بالجريدة ثلاث كلمات : إنَّنا سَنَسْتَوْرِد سيارات ، تجد في اليوم التالي أنَّ أسعار السيارات نزَلَت إلى مئتي ألف ليرة ، إذا إنسان صرَّح تتغيَّر كل أسعار البلد ، وهذا إله يقول لك : لو تَمْلِك كلّ الدنيا وكل الأسواق والشركات ؛ هناك شركات ضَخمة جدًا كما في اليابان تجد الفائض من الشركات بالملايين ، الله تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

[سورة الرعد]

 أي خلِّصوني وخُذوا كلّ شيء ، لن يتخلَّص إنسان من ذلك ، هذا كلام إله وخالق الكون ، قال تعالى :

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

[سورة الرعد]

 قال تعالى :

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

[سورة الزلزلة]

 فهذه الآية تكفينا :

﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)﴾

[سورة الرعد]

 فالكافر مستعِد أن يدْفع كلّ شيء ويتدَيَّن من أجل أن ينجو من سوء الحِساب .

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 قال تعالى :

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

[سورة الحجر]

 لماذا أعْطَيْتَ ؟ لماذا مَنَعْتَ ؟ لماذا طلَّقْت ؟ لماذا صافَحْتَ ؟ والآن نحن في بَحْبوحة، ومادامت هناك حركة بالقلب فباب التَّوبة مَفتوح ، مُشكلة الإيمان أنَّ الخِيار ليس قبولاً أو رفْضاً ، قال تعالى :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾

[سورة الشعراء]

 ففِرْعَون آمن بعد فوات الأوان .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور