وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 16 - سورة التوبة - تفسير الآيتان 117 - 118 ، هللك المسوفون.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
 أيها الأخوة الكرام:
 وعدتكم قبل أسبوع، أن أتحدث عن قصة هذه الآية، لقد قال الله عز وجل في الآية السابعة عشر بعد المائة من سورة التوبة:

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) ﴾

 أحد هؤلاء الثلاثة، الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك، سيدنا كعب، فقال هذا الصحابي الجليل كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوةٍ غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير إني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدٌ تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة، حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر. ويقول: وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
 أيها الأخوة: هذه القصة تعلمنا أشياء كثيرة، لكن أكثر درس تعلمنا إياه الصدق.
 قال: وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قطُ أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في هذه الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في هذه الغزوة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوةً يغزوها إلا وراء بغيرها لحكمةٍ أرادها، حتى كانت تلك الغزوة، فكان الغزو في وقت حرٍ شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفاوذ يعني صحارى، واستقبل عدواً كثيراً، لذلك هذه المرة، جل النبي للمسلمين أمرهم، ليتأهبوا أهبة عدوهم، أول مرة بصرح النبي بجهته أنا سأتجه إلى تبوك، صحارى شاسعة، مسافة طويلة، عدو كثير العدد، والعُدد، وقتٌ حار، فجل النبي للمسلمين أمرهم، ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير لا يجمعهم كتاب حافز ما في ديوان، أسماء تفقد.
 قال كعب: فقل رجلٌ يريد أن يتغيب، إلا ظن أن ذلك سيخفى على رسول الله، يعني ما دام ما في تسجيل، ما في تفقد، ما في ميمات، ونحن كثر كثيرون جداً، فإذا تغيب واحد، يعني أغلب الظن أن النبي لا ينتبه إليه، ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله عز وجل، إلا بهذه الحالة هي، وغزى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة، حين طابت الثمار، وطابت الظلال، وأنا إليها أميل.
 يعني وقت فواكه وظلال، وثمار، والسفر بعيد، والحر شديد والمفاوذ شاسعة.
 فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون معه فطففت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضي من جهازي شيئاً فأقول لنفسي أنا قادرٌ على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي وفي قول يقول هلك المسوفون: والمسوف الذي يرجئ عمل اليوم إلى الغد، هو للآن ما في نية ما يكون مع رسول الله، لكن أنا قادر في أية لحظة على أن أجهز نفسي، يغدو، ويعود، دون أن يجهز نفسه قال: فأرجع ولم أقضي من جهازي شيئاً، فأقول لنفسي أنا قادرٌ ذلك إن أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً، والمسلمون معه، ولم أقضي من جهازي شيئاً، وقلت أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد لأتجهز، فرجعت ولم أقضي شيئاً.
 فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل لألحقهم، وليتني فعلت، ثم لم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت للناس، في المدينة، بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموسا عليه في النفاق، أو رجلاً مما عزره الله عز وجل، طبعاً ما رأى غير المنافقين المنافقون لم يذهبوا مع رسول الله، والمقعدون، والمرض، والعجزة والمعذرون.
 النبي عليه الصلاة والسلام، في هذه الغزوة، قال لم يذكرني حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس مع القوم في تبوك: ما فعل كعب بن مالك ؟ شدة اهتمام النبي بأصحابه.
 قال ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجلٌ من بني سلمة، حبسه يا رسول الله برداه، يعني أحب أن يبقى في المدينة، ويتبختر في مشيته والرطب والفواكه، والظل الظليل، وبستانه هو الذي حبسه.
 فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً.
 فسكت النبي صلى الله عليه وسلم.
 قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، هم بدل هم، ماذا سأقول له ؟ وطففت أتذكر الكذب، وأقول بما أخرج من سخطه غداً، وأستعين على ذلك بكل ذي رأيٍ من أهلي، فلم قيل لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أظل قادماً، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنجو منه بشيء أبداً فأجمعت صدقاً.
 فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا قدم من سفرٍ فبدأ بالمسجد فصلى ركعتين، ثم جلس للناس فلما فعل ذلك، جاء المتخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً.
 كل واحد ركز قصة، هذا زوجته مريضة، وهذا في عنده مشكلة، فيقبل النبي منهم عذرهم، وعلانيتهم، ويستغفر لهم، و يكل سرائرهم إلى الله، كلهم كذابين كانوا.
 حتى جئت فلما سلمت عليه، تبسَم تبسُم المغضب، هون وضع ثاني، هذا صار صادق هذا، ليش ما كنت معنا ؟
 ثم قال لي تعال: فجئت أمشي حتى جلست بين يديه.
 فقال لي ما خلفك: ألم تكن قد اشتريت ظهراً ؟ ما معك أنت ناقة ؟
 قلت يا رسول الله: هون بقى، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، عنده لسان طليق، وحجه قوية، بس لو كان غيرك، كنت كذبت عليه، أما أنت في وحي، ما بقدر، والله لقد علمت لأن حدثتك اليوم بحديثٍ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، شاف أنه إرضاء النبي إرضاء لله، اسخاط للنبي اسخاط لله، لو حدثتك بحديثٍ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك بحديث صدقٍ تجد فيه علي، تزعل مني، إني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل، والله يا رسول الله، ما كان ليّ عذرٌ أبداً، والله يا رسول الله، ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني، حين تخلفت عنك يعني في أعلى درجات القوة، والنشاط والغنى بس ما في عذر أبداً. فقال عليه الصلاة والسلام: اسمعوا ماذا قال ؟ قال أما هذا فقد صدق: سمعان خمس وثمانين رواية، من المنافقين، ما حكى شي قبل منهم عذرهم، وقبل علانيتهم، ووكل أمرهم إلى الله، فلما تكلم هذا صادقاً، قال أما هذا فقد صدق، معنى السابقين كلهم كذابين، قم حتى يقضي الله فيك، فقمت وقام إليّ رجال من بني سلمة، واتبعوني وقالوا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى النبي، حين اعتذر المخلفون، كنت دبر حالك بشي قصة احكي له إياها، فقد كان كافيك لذنبك استغفار النبي لك.
 فقال والله مازالوا يؤنبونني، حتى أردت أن أرجع فأكذب على النبي، قد ما لاموني دبر حالك بشي كذبة، بشي قصة، زعل منك، مثل ما دبروا حالهن هدنة.
 ثم قلت لهم، هل لقي معي أحدٌ.
 قالوا نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت تماماً، ما كذبوا وقيل لهما مثل ما قيل لك.
 قال فمن هما ؟
 قال مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا إليّ رجلين صالحين، قد شهدا بدراً لي فيهما أسوةٌ حسنة قال: فمضيت حين ذكروهما لي.
 الآن: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن الثلاثة عن كلامنا، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي نفسي في الأرض، فما هي بالأرض، التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، وسوف نتابع القصة غداً إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور