- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (009) سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد:
الآية الخمسون من سورة التوبة وهي قوله تعالى:
﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) ﴾
هذه الآية أيها الأخوة تصفوا المنافقين، علامة المنافق ؟ أنه إذا أصاب المؤمن خير، تألم، وإن أصابته مصيبة فرح، ويمكن لكل مؤمنٍ، أن يقيس إيمانه بهذه الآية، فهل إذا أصاب المؤمنين مكروه يفرح ؟ أم هل إذا أصابهم خير يحزن؟
آية أخرى تؤكد هذه الآية وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا﴾
العذاب الأليم: لا على معصيةٍ ارتكبوها، بل على تمنياته.
﴿أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾
يعني أنت تعرف نفسك، لك أخ مؤمن، أصابه خير، نال مرتبه اشترى بيت، تزوج، أسس مشروع نال شهادة عالية، علامة إيمانك أن تفرح له، علامة النفاق أن تتألم مقياس دقيق جداً، ما في أخ إلا ما في حوله إخوان، أصدقاء، جيران مؤمنين طبعاً، فإن أصابهم الخير يجب أن تفرح، وكأن هذا الخير إليك، إن أصابهم مكروه يجب أن تحزن، وكأن هذا المكروه قد أصابك
لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾
لم يقل ولا تأكلوا أموال إخوانكم، لأن الله عز وجل عدا المؤمنين أسرةً واحدة، فمال أخيك مالك، من زاوية أن تحافظ عليه، وأن تتمنى نمائه، وأن تتألم إذا زال هذا المال، هذه الآية سقتها تمهيداً للآيتين.
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية السابعة والستين والثامنة والستين من سورة التوبة:
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)﴾
ذكرت الآية الأولى من أجل أن تعرف من هو المنافق ؟ المنافق هو الذي يفرح بمصيبةٍ قد نزلت للمؤمن، ويتألم لخيرٍ أصاب المؤمن.
هل هناك أمٌ على وجه الأرض تتمنى لأبنتها الشر ؟ فإذا تمنت إذاً هذه ليست ابنتها، ليست ابنتها، ليست قضية تمني أو عدم تمني قضية موقع، حينما تتمنى الشر للمؤمنين، فأنت في موقع المنافقين وحينما ترجو الخير للمؤمنين، فأنت معهم في خندقٍ واحد.
إذاً التمني والفرح له نتائج خطيرة.
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
دققوا في الآية الثانية:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
فرقٌ كبير.
﴿بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
من جنس عاطل واحد، لكن:
﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
ينصحون بعضهم بعضا يحبون بعضهم بعضا في ولاية، كل مؤمن يرى أنه ولي أخيه المؤمن ينصحه، يعاونه، بيستره، ينصره، يؤيده، يدافع عنه، يتعاون معه هي علامة المؤمنين، المؤمنون بعضهم لبعضٍ، نصحةٌ متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعضٍ، غششتنٌ متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
الآية دقيقة:
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
ما قال أولياء بعض، من جنس واحد عاطل.
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾
بُخلاء.
﴿نَسُوا اللَّهَ﴾
الله عز وجل، لم ينسهم، لكن نسيانهم لله أنساهم أنفسهم، دقة الآية، نسيانهم لله، فاعل فنسيهم، نسيانهم لله جعلهم ينسون أنفسهم.
تعريف ثاني:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)﴾
بالآية الأولى، الذي يتمنى الشر لأخيه المؤمن منافق، الذي يتألم للخير منافق.
الآن المنافق هنا هو الفاسق، والفاسق هو الذي خرج عن أمر الله.
﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾
في منهج خرجت عنه، أُمرت بغض البصر، أطلقت البصر فهذا فسق، أُمرت بالكسب الحلال، الكسب حرام، هذا فسق، أُمرت بأداء الزكاة، لم تؤدي الزكاة فهذا فسق، الخروج عن منهج الله، الخروج عن أمر الله كما لو أن تمرةً ناضجةً جداً، ضغطها فخرجت وبقية جلدتها بيدك أيام في بعض الفواكه، تضغطها يخرج اللب من الجلد، هذا هو الفسق في أصل اللغة، خرج من أصله، خرج عن منهج الله.
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)﴾
اسمعوا المؤمنين:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
في نصيحة، في محبة، في معاونة، في تضحية، في إيثار، في ود.
﴿َيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾
في كل تفاصيل حياتهم، هي شاملة والباقي، في بقية شؤون الحياة يطيعون الله ورسوله، في كل شيء.
﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾
شوف كلمة:
﴿سَيَرْحَمُهُمُ﴾
الدقة في السين، سين استقبال، يعني إذا المؤمن الآن معذب شوي، مغلب، متضايق، أموره ليست على ما يرام، بكون في طور المعالجة، لكن إطمئن حالك أيها المؤمن.
﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾
سين للاستقبال.
﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾
بالمقابل:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)﴾
الآيتين مع بعضهن، وتعريف المنافقين، يأمر بالمنكر، ينهى عن المعروف، يمنع الخير، يتمنى للمؤمنين الشر، يتألم إذا أصابهم خير، تعريفات بالقرآن الكريم، هذا منافق.
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
من جنس واحد، وعدهم الله نار جهنم، أما المؤمنون:
﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾
أختم الدرس بمثل، قد يقول قائل المؤمن يصيبه ما يصيب الناس، يعاني الأزمات نفسها، فأين رحمة الله للمؤمن ؟ الآية هنا:
﴿سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾
ضربت مرة مثل، لو أن واحد دخله 1800 ليرة في هذه الأيام، عنده خمس أولاد، بيته بالأجرة، عليه دعوة إخلاء، شو هذه الحياة هي، له عم يحكي بخمسمائة مليون، ما عنده أولاد مات بحادث، فكل هذا المبلغ، صار إليه بثانية واحدة، لكن حتى قبضه لبعد سنة، براءة ذمة، وإخراج قيد، لماذا في هذا العام هو أسعد الناس ؟ ما قبض ليرة واحدة، ولا غير بيته، ولا حسن أكله، ولا غير ثيابه، لماذا هذا الإنسان الذي وعد بخمسمائة مليون ؟ بس حتماً وعد قطعي، بس قضية زمن، إجراء معاملات، وبراءة ذمة وروتين.
قال:
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾
إذاً:
﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾
يعني طول بالك.
الخير كله لك في المستقبل، والعاقبة للمؤمنين، والجنة فيها مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حال المؤمن مع الله في العناية المشددة، وحال الكافر مرضه خبيث ما منه أمل، قال له كل ما شئت ما منه أمل كل ما شئت، أما يلي عنده التهاب معدة، الطبيب بقيم قيامته لو أكل أكلة خلاف الأصول، فإذا المؤمن في خير ضمن العناية المشددة، مقطوع الأمل منه يعطى الدنيا كما يشتهي.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
احفظوا صفات المنافقين، واحفظوا هالآيتين المتقابلتين والواحد يراقب نفسه باستمرار، إذا كان أخوه الله أكرمه بأي شيء بمال، بمرتبة، بعلم بعمل، لازم يفرح، علامة إيمانه، إذا ما فرح يشتغل بحاله، معناها بينه وبين الإيمان مراحل فسيحة.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.