- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (009) سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
في سورة التوبة وفي الآية الرابعة والعشرين وهي قوله تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾
أيها الأخوة:
هذه الآية، من أدق الآيات ! يعني إذا أردت أن تذهب إلى مدينة، وعلمت أن هذا الطريق مغلق، فما جدوى الحركة في هذا الطريق ؟ لو أن الإغلاق في آخر الطريق، فهذا جهد ضائع، فربنا عز وجل قال:
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾
يعني مكانكم، يعني الطريق إلي ليس سالكاً قل:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾
ما معنى أن يكون الأب أحب إلى الإنسان من الله بالضبط.
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾
ما في شيء يؤلم التاجر، كأن يرى البضاعة مكدسةً لا رواج لها ولا أحد يسأله ماذا عندك ؟ ربنا عز وجل هو الخلاق العليم، يعرف ماذا يؤلم التاجر.
﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾
بقلك، أربع مائة متر، قبلي، شرقي، غربي، شي جميل.
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ ﴾
أنا هنا أريد، ما معنى:
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ ﴾
ما معنى أن يكون الأب أحب إلينا من الله ؟ ما معنى أن يكون الابن أحب إلينا من الله ؟ ما معنى أن يكون الأخ أحب إلينا من الله ؟ ما معنى أن تكون الزوجة أحب إلينا من الله ؟ ما معنى أن تكون التجارة أحب إلينا من الله ؟ ما معنى أن يكوم المنزل المريح أحب إلينا من الله ؟ قال:
﴿وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾
يعني مكانكم لا ترقون إليّ أبد.
﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾
مفتاح الآية:
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
يعني إذا حملتك محبتك لزوجتك على أن تفسق، وأن ترى أن إرضائها أكبر عندك من إرضاء الله، فالطريق إلى الله ليس سالكاً إذا الإنسان آثر أن يرضي أباه، في معصيةٍ، معنى ذلك أن إرضاء أبيه، أكبر عنده من إرضاء الله، إرضاء أبيه أحب إليه من إرضاء الله، ساكن ببيت، هذا البيت تغتصبه لا سمح الله، بيت مريح موقع مريح، أجرته مائة ليرة بالشهر، هذا البيت أحب إليك، من أن تطيع الله عز وجل، وتؤدي الحق إلى أصحابه، لك تجارة مشبوها إما في نوع البضاعة، أو في طريقة التعامل، لكن لها دخلاً وفيراً مطعم بس في مشروب مثلاً، شركة تتعامل بمادة محرمة، طريقها في البيع والشراء خلاف الشرع، إذا كانت هذه التجارة، تدر عليك أرباحاً طائلة، هي أحب إليك من طاعة الله، وإذا كان هذا البيت المغتصب المريح الواسع، في الموقع الإستراتيجي، تسكنه وترتاح في السكنة فيه وبقائك فيه مخالفٌ للشرع، لكن هذا البيت أحب إليك من طاعة الله وأداء الحقوق لأصحابها، وهذه الزوجة تطيعها وترى أن إرضائها أحب إليك من إرضاء الله عز وجل.
قال: إذا كنت كذلك، فاالله سبحانه وتعالى أعظم، وأعز من أن تنال منه شيئاً، لأنك أثرت شهوةً على طاعة الله عز وجل، وما عرفت الله وما قدرته حق قدره.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
هي الآية خطيرة جداً.
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾
أخي أبي بدو، أبي أمرني طلق زوجتي، ليش أبوك مشرع ! زوجتك، بقلي والله مالا عاملة شي، والله آدمية، وأنا والله ظلمتها، بس هي أبي بدو، أنت معنى ذلك أطعت أباك وعصيت الله عز وجل، أو أبوك ألزمك بتجارة محرمة، جلست عنده بالمحل، بيع، اشتري، ما بقدر أبي.
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾
ابني، ابنك بدو يعمل مشروع لا يرضي الله، بدو يعمل سفرة لا ترضي الله، بدو تنفق عليه بسفر في معصية، أخي لا أريد أن أحرجه هذا ابني مالي غيره.
﴿وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾
أنت مثل ما قال الشاعر:
ما أنا إلا من غزيــــة إن غوت غويت وإن ترشــــد غزيـــة أرشـــــــد
***
أنت مع إخوانك، على الباطل، أو على الحق، معهن معهن، عليهن عليهن، هذا انتماء عصبي، انتماء عصبي هذا مآخذ عليه الإنسان.
﴿وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾
والزوجة، طبعاً مظنة، إرضائها إرضاء للشهوة.
﴿وَعَشِيرَتُكُمْ﴾
لذلك، قال:
﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ﴾
قال العلماء هذه عداوة مآل، لا عداوة حال، الآن ليس عدوة، تحبها حباً جما، لكن يوم القيامة، حينما ترى أنك ضيعت الآخرة كلها من أجلها عندئذٍ تنشأ عداوة كبيرة.
مثل إذا كان شريكين، اتفقوا يشتغلوا تجارة مهربة، فالثاني لان ثم ضبطوا وأودعوا في السجن، الآن ينشأ بين الشريكين عداوة كبيرة، أنت السبب، أنا ما كنت بدي أعمل تجارة.
﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ﴾
لما الإنسان، بطيع زوجته ويعصي ربه، بطيع ابنه ويعصي ربه، تنشأ عداوة المآل، في النهاية عداوة كبيرة جداً، لولا أنتم لكنا من الناجين.
لذلك بقول الابن يوم القيامة: لرب العزة، يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه كان هو السبب.
﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾
هذا المال كيف اكتسبته ؟ بأي طريق، في تدليس في كذب، في غش في احتكار، في استغلال، في إيهام، في احتيال.
﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾
يا ما ناس، بيت آخذينه من سنوات طويلة مو لازمه، وتاركه، وآفلو، بقلك أنا مستأجر، له أصحاب صاحبه له أولاد، أنت ساكن ببيت فخم، أعرف أناس ساكنين ببيوت فخمة، وحاجزين بيوت مستأجرة مقفلة، وتاركينا، احتياط تاركينا وأصحابها يتلوون على بيت يزوجون فيه أبنائهم، جاءت الآية:
﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾
لا تغلبوا حالكم لن أقبل عليكم، لن أتجلى على قلوبكم، لن أسمح لكم أن تتصلوا بي لأنكم معتدون، لأنكم آثرتم شهوة الدنيا على مرضاتي.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
مفتاح الآية بكلمة فاسقين. ملخص الآية، يعني، إذا حملتك طاعتك لزوجتك على الفسق فأنت قولاً واحداً تحبها أكثر من الله، قلت مرة في خطبة، من أطاع مخلوقٌ كائنٌ من كان، وعصى خالقه، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما أطاع الأقوى في تصوره، ومن لم يكن الإسلام في بيته إرضاءاً لأهله، ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما فضل أن يرضي أهله على إرضاء الله عز وجل، فهم عنده أكبر من الله.
ومن كسب مالاً حراماً، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما رأى مال أكبر أو أحب، آية اليوم، عنده من مرضاة الله وطاعته.
فهي أمور بديهيات بالدين، حتى الإنسان ما يتوهم أن الدين، ركعتين صليناهن، وليرتين دفعناهن، وعملنا حج، وعملنا عمرة، وانتهى الأمر، لا، الدين أعظم من هذا، الدين منهج كامل.
إن فلانة تذكر أنها تكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في النار، عليه الصلاة والسلام:
(( ودخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.))
فالإسلام منهج، الإسلام قيم، الإسلام صدق، الإسلام أمانة هذا هو الدين، إن كنت كذلك، عندئذٍ ترى الطريق إلى الله سالكاً.
يعني بتلاقي تجلي، بتلاقي في طعم للصلاة، بتلاقي حالك قريب من الله عز وجل، أما إذا في عدوان، التجارة أغلى عليك من الله، والبيت أغلى عليك، والزوجة أغلى عليك، والابن أغلى عليك والأب أغلى عليك، والأخ أغلى عليك، وشو بقى في عند الله عز وجل لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص في ملكي شيئاً.
فالقضية قضية أن تقدر الله حق قدره، إذا قدرته حق قدره آثرت طاعته على أي طاعة، ومحبته على أي محبة، والالتزام بأمره على أي التزام.
وهذه الآية، أقول لكم مرة ثانية، مفصلية، يعني أساسية بالدين، الطريق صار مغلق، من وقف ليصلي ولم يشعر بشيء، قرأ القرآن ما شعر بشيء، ذكر الله ما شعر بشيء، معناه في علة خطيرة في حجاب، هذا الحجاب قد يكون، ابنه، أو زوجته، أو أبوه، أو أخوه أو تجارته، أو ماله، أو مسكنه.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾
النتيجة:
﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
يعني إذا حملك حبك لزيد على أن تفسق، إذاً تحبه أكثر من الله.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.