وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة النساء - تفسير الآية 26 ، سر وجود الإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الإخوة الكرام:
 أناس كثيرون يشككون في كل شيء، يقولون لك لا ندري، لا نعلم، الله أعلم، لماذا خلقنا ؟ كأننا خلقنا لنعذب، لا أحد مرتاح، كلما عرضت عليهم حقيقة، أو آية، ردوا عليك بأنهم لا يعلمون، ولا يفهمون سر الوجود.
 الله جل جلاله، يقول في سورة النساء وفي الآية السادسة والعشرين:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28) ﴾

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾

 وقال سبحانه:

 

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

 

( سورة هود: 119 )

 يعني يا عبادي خلقتكم لأرحمكم.

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

( سورة الذاريات: 56 )

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾

( سورة النساء: 77 )

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(5)﴾

( سورة فاطر: 5 )

 لو قرأت القرآن الكريم، لوجدته كله يبيِّن لهذا الإنسان سرّ وجوده، لماذا جيء به إلى الدنيا ؟ ماذا بعد الدنيا ؟ ما حكمة وجودك ؟ في حين ترى أنّ كل إنسان يشكك، يقول أحدهم: جئت، لا أعلم من أين، ولكني أتيت، هكذا قال بعض الشعراء، رأيت قدامي طريقًا فمشيت، كيف جئت، كيف أبصرت طريقي، لست أدري، ثم يقول: ولماذا لست أدري لست أدري، هذا الذي يشكك، له مِن وراء التشكيك غاية.
 الإنسان المنحرف يريد ألا يعلم، لأنه لو علم، لأصبح مسؤولاً، والدليل:

 

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾

 يا محمد:

 

﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

( سورة القصص: 50 )

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾

( سورة الماعون: 1- 2 )

 هو نفسه.

 

﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)﴾

 

( سورة الماعون: 3 )

 إذاً الإنسان حينما يريد ألا يعلم، معنى ذلك أنه منحرف، وأنه مقيم على المعاصي، وأنه يتبع شهواته، فإذا علم أصبح مسؤولاً، هو أميَل إلى ألاّ يعلم، إلى أن يشكك، إلى أن يقول: لا نعرف، ففي الحياة في أسرار، وكأنّ كلّ الأسرار عنده، قل له: فُكَّ سراً واحداً، يقول لك: لا أقدر، هذا القرآن كلما غُصتَ فيه غرقتَ، أعوذ بالله، كلام الله، نزل هذا القرآن من لدن حكيم عليم لنفهمه، لنقرأه، لنتدبر آياته، انظر في الآية الكريمة:

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾

 لقد بيّن لك، بيّن لك لماذا خلق الكون، ولماذا خلق الإنسان، ولماذا جاء بك إلى الدنيا، وماذا يقول الإنسان عند الموت.

 

﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

( سورة المؤمنون: 99 - 100 )

 إذاً سر وجودك في أنْ تعمل العمل الصالح.

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

( سورة العصر: 1 -3 )

 القرآن كله بيان، قال:

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾

 

(سورة النساء: 26 )

 الآن هؤلاء الأقوام السابقة، حينما انحرفوا ماذا حل بهم، أتريد عبرة نظرية، أتريد حقيقة نظرية، اقْرأ القرآن الكريم، أتريد حقيقة عملية، أقرأ ماذا حل بالأقوام السابقة:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3)﴾

( سورة الفيل: 1 -2 - 3 )

 وأنت أيها الإنسان، ألم تَرَ كل يوم ماذا يحل بالمنحرفين.

 

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾

 

(سورة النحل 112 )

 ألا ترى كل يوم فيما حولنا من البلاد الفلانية ؛ هنا حرب أهلية، هنا فيضان، هنا زلزال، هنا صواعق، هنا براكين، إن أردت الحقيقة مجردة، فاقرأ القرآن، وإن أردت الحقيقة مطبقة على أقوام، قال سبحان:

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 من أجل ماذا قال: ليتوب عليكم ؟ من أجل أن:

 

 

﴿َيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)﴾

 أمّا الآية التي بعدها:

 

 

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 هذه مشيئته.
 لذلك إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد، فشيء مخيف.

 

 

﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾

 

( سورة التوبة: 118 )

 وفي آية:
 تابوا فتاب الله عليهم.
 ما معنى توبة الله قبل توبة العبد ؟
 ما معنى توبة الله بعد توبة العبد ؟

 

﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾

 

(سورة التوبة (118))

 تابوا فتاب الله عليهم...
 العلماء قالوا:
 إذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد، فهي قبول التوبة.
 أما إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد، أي هي الشدائد، التي يسوقها الله لهذا الإنسان ليحمله على التوبة، أيْ تَوَّبَهُ، تَوَّبَهُ، فلما ربنا يقول:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 يعني كل هذه المصائب، كل هذه المتاعب، الفقر، الفرج، القهر، الذل، الخوف، القلق.

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

 

( سورة الشورى: 30 )

 ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفوا الله أكثر.

 

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 

 إذاً الشر المطلق ليس له وجود في الكون، الشر الهادف، والشر بنظر الإنسان شر، في نظر الواحد الديان مطلق الخير.

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

 ثم قال:

﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)﴾

(سورة النساء)

 إذاً أنت محاط بناس لا دين لهم، فَسَقَة، يحبون الشهوات، مشكلة الإنسان أنه يعيش معهم، دائما يريدون منك أن تميل ميلاً عظيما، يجرونك إلى الربا، إلى الاختلاط، يجرونك لتزويج ابنتك من شاب غني فقط، يقول بعضهم: الدراهم كالمراهم، ماذا تستفيد من الفقير المعترِّ.
 إذا كان الذين حولك دين لهم، فإنهم يجرونك لاتّباع الشهوات والميل عن الحق، فهذه الآية دقيقة.

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)﴾

 عن الحق، لذلك:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

 

( سورة الكهف: 28 )

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾

( سورة لقمان: 15 )

 إذا استشرتَ فاستشِر إنسانًا مؤمنًا، صادقًا، استشِر إنسانًا واثقًا من ورعه، من علمه، أما أنْ تسأل واحدًا لا دين له ؟ فإنّه يغرقك، لماذا يريد الله أن يتوب عليكم؟ قال:

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾

 

(سورة النساء: 27 )

 أنت تحمِّل نفسك مالا تطيق، لماذا يحمل الإنسانُ نفسَه مالا تطيق في حين:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾

 لكن:

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

 أنت تقدر على معاينة المعصية عند الموت ؟ وفي أثناء الحياة تجد الناس نيامًا مخدرين، تشغلهم نزهات مختلطة، يقترفون السيئات، فهم مخدرون، والمال موجود، والصحة موجودة لا يدري أحدهم ما يعمل لغفلته، لو أن إنسانًا عاين هذه المعاصي وهو في القبر فإنه لا يتحمل ؟ يصيح صيحةً لو سمعها أهل الأرض لصعقوا منها، ولمّا يرى الإنسان مكانه في النار يصيح صيحةً لو سمعها أهل الدنيا لصعقوا بها.

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

 أربع آيات بمحور واحد، يريد الله ليبين لكم، كل هذا القرآن تبيان وإذا لم تكفِ الحقائق النظرية، فإنه يريك حالَ الأقوام السابقة التي كفرت.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾

( سورة الفيل)

 قوم عاد، قوم ثمود، قوم فرعون، قوم نوح، انظر إلى هؤلاء القدامى، أمّا حال المعاصرين، فانظر حولك، كم من حرب أهلية ؟ كم زلزال صار ؟ كم فيضان ؟ يقولون: إعصار ؛ خسارة البلاد بسببه تقدَّر بثلاثين مليارًا، إعصار واحد في نصف ساعة، ما لنا لا نرى ولا نبصر ؟ المصائب التي تأتي، بساعة أعاصير، بساعة زلازل، بساعة فيضانات، بساعة حروب أهلية، واللهُ ماذا قال:

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ﴾

( سورة الأنعام: 65 )

 هذه الصواعق قديماً وحديثاً، والصواريخ،حديثا مِن فوقكم:

 

﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾

 الزلازل والألغام،

 

 

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾

 الحروب الأهلية.

 

 

﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾

 

 قبل أسبوع تحاربت بإفريقيا دولتان، عشرة آلاف قتيل في يومين، عشرة آلاف، هذا من فعل الله عز وجل، من تأديب الله عز وجل لعباده، فلذلك، يريد الله ليبين لكم أتحب بيانًا عمليًا، فهؤلاء القتلى بيانٌ عملي صارخ " ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، لذلك، واتبعْ سبيل من أناب إليَ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.
 وبعد ؛ لماذا كل هذا ؟ قال:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

(سورة النساء)

 يريد أن يبين، ببيان نظري، يريد أن يبين، ببيان عملي، يريد أن يخفف عنكم، يريد أن يتوب عليكم.
 لذلك هذه الآيات في سورة النساء جاءت متتابعة، ثلاث آيات تبدأ بكلمة:والله يريد، إذا قلت: أنا لا أعرف لماذا خُلِقت، والله هذا منتهى الحمق ! كتاب الله معجز، وهو بين يديك، يبين لك خالق الكون لماذا خلقك.

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

(سورة هود: 119 )

 يقولون: أريد تفسيرَ الآية، لا أريد تفسير الزمخشري، ولا الجلالين ولا الطبري ولا القرطبي، بل أريد شيئًا واضحًا مثل الشمس، فإليك الجواب في الآية:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

 خلقك ليرحمك.

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

(سورة الذاريات)

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ﴾

(سورة آل عمران)

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

(سورة النساء: 77)

﴿َالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾

(سورة الأعلى)

 اقرأ القرآن فإذا قلت: لا أدري فهذا جوابه:

 

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

 

(سورة القصص: 50)

تحميل النص

إخفاء الصور