وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة النساء - تفسير الآية 59 ، طاعة الله ورسوله وأولي الأمر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ الآية التاسعة والخمسون من سورة النساء، وهي قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

 الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الشريعة.

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾

 ويخاطب المؤمنين بفروع الشريعة، فحيثما قرأت في كتاب الله.

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 فالذي آمن بالله ورسوله واليوم الآخر وملائكته وكتبه، هذا الخطاب موجَّه إليه، أما إذا خاطب الإنسان لعموم وصفه يقول:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾

 فالناس يخاطبون بأصول الشريعة، بينما المؤمنون يخاطبون بفروع الشريعة.
 هذه الآية أيها الإخوة، للإمام الشافعي شرحٌ دقيقٌ لها، كلكم يعلم إن الدين في أصله، وحيٌ من الله إلى رسوله، ونقلٌ عن رسول، فالدين وحيٌ ونقلٌ، فإذا قال الله عز وجل:

 

 

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾

 يعني أطيعوا الأمر الذي وصلكم عن طريق الوحي، يعني القرآن، كيف أطيع الله ؟ بتطبيق أوامر القرآن، وأطيعوا الرسول، وكيف أطيع الرسول ؟
 الله سبحانه وتعالى يقول:

 

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 

( سورة الحشر: 7 )

 وقال: ليبين للناس ما نزل إليهم.
 فالسنة النبوية المطهرة، نوعان أو ثلاثة أنواع.
 أولاً: نوع قولي.
 ثانياً: نوعٌ عملي.
 ثالثاً: نوعٌ إقراري.
 فإذا وقف النبي في موقف، وحَدَثَ أمامه حدثٌ، وسكت النبي، فهذه سنة، لإن سكوته يعني أنه أقره، لو لم تكن على حق لما سكت، لأنه رسول ومشرع، فهنالك سنة ٌ، أقواله سنة، وأفعاله سنة، وإقراره سنة.
 فإذا قال الله عز وجل:

 

﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

 تتلخص طاعتُه في ثلاثة أشياء ؛ الأحاديث الشريفة الصحيحة التي فيها أمرٌ ونهيٌ.
 ينبغي أن تطيعه فيها، وسيرته الصحيحة هكذا فعل، ففي بيته فعل كذا وكذا، مع إخوانه، مع أصحابه في حربه، في سلمه، في قيادته كانت أفعاله كذا وكذا.
 سنته الفعلية هي سيرته، وإقراراته، أيضاً من سنته.
 فأنت مأمور من قبل الله عز وجل، أن تطيع الأمر الذي جاءك في القرآن الكريم، وأن تطيع الأمر الذي جاء به النبي ليبين لك ما في القرآن الكريم، وأن تقلد النبي قي سلوكه، وأن تطيعه أيضاً في إقراره، وهذا كلُّه واضح.
 أطيعوا الله ؛ الأوامر القرآنية، وأطيعوا الرسول سنته القولية، والعملية، والإقرارية.
 الآن: وأولى الأمر منك.
 الإمام الشافعي قال: وأولي الأمر هم العلماء والأمراء.
 ما الفرق بينهما ؟ العلماء الذين يعرفون الأمر والنهي، والأمراء الذين ينفذونه.
 لكن لو وقع شعب مسلم تحت حكم استعماري كافر، هل هؤلاء أولو الأمر ؟ لا !!! هؤلاء الكفرة هم أولو الأمر فيكم لا منكم، فمِن للتبعيض.

 

 

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

 كلمة " من" للتبعيض.
 من هم " أولي الأمر" ؟ هم العلماء الذين يعرفون أمر الله، والأمراء الذين ينفذون أمر الله، فأنت بحسب هذه الآية.
 مكلفٌ أن تطيع الأوامر التي وردت في هذا الكتاب.
 ومكلف أن تتبع سنة النبي القولية والعملية والإقرارية.
 ومكلفٌ أن تطيع من يفتي لك وهو على علمٍ، وورعٍ وتقي، ويقول لك: الحكم الشرعي في هذا المبلغ مثلاً إنه حرام، " أولي الأمر" صار معناها: عالم مُفْتٍ، وإذا أحيل هذا الأمر إلى الدوائر التنفيذية، فلو كنتَ أمام القاضي الشرعي مثلاً، وحَكَم لك في خلاف بينك وبين زوجتك بحكم الله، فأوجب لها المهر، فهذا القاضي الشرعي من أولي الأمر، فلما أحيلت هذه القضية إلى دوائر التنفيذ، صرنا من مع "أولي الأمر" من نوع ثانٍ، وهو المنفذ.
 "أولي الأمر " نوعان، الذي يعلم، والذي ينفذ، بِشرطِ أن يكون منكم.
 الآن:

 

 

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ ﴾

 فَمَع مَنْ نتنازع.

 

 

﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

 ماذا حذف من هذه الآية ؟ هم ثلاثة فيما سبق مِن الآية:

 

 

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

 قال:

 

 

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

 هل تفهمون مَنْ حُذِف " أولي الأمر "، فالنزاع بين مَنْ ومَنْ.
 النزاع إذاً بين المسلمين وبين علمائهم، وبين أمرائهم، فإذا حصل نزاعٌ وجاءك أمر مخالف للقرآن الكريم فالحكم لله ولرسوله، والقصة التي أرويها لكم دائماً.
 أن النبي صلى الله عليه وسلم: أرسل سريةً وأمَّر عليها أنصارياً فيه دعابة، هذا الأنصاري بعد أن تسلّم القيادة أعطى أمراً أن تضرم نارٌ عظيمة، وقال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أميرهم: اقتحموها !!!
 فترددوا، بعضهم قال كيف نقتحمها ؟ وقد آمنَّا بالله ورسوله فراراً منها، وبعضهم قال: لا بد من اقتحامها، فطاعة الأمير طاعة الرسول.
 وقعت منازعةٌ بين الصحابة وبين هذا الأمير الذي أمرهم أن يقتحموا ناراً، والنبي حيٌّ يُرزق، فذهبوا إلى النبي يخبرونه، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف.))

 فالمنازعة هنا بين المسلمين وبين علمائهم أو بين أمرائهم، حول شرعية حكم يجوز أو لا يجوز، فَمَنْ هو الحَكَم في هذه المنازعة، كتاب الله وسنة رسوله، الآية أصبحت على الشكل التالي:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾

 بطاعة أوامره في القرآن الكريم، لأن هذا وحيٌ من عند الله نقله إلينا النبي عليه الصلاة والسلام.

 

 

﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

 فاللهُ مثلاً بيَّن لنا البيوع بآية واحدة، والنبي بيّن البيوع بمئتي حديث، وأمّا الزكاة:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

( سورة التوبة: 103 )

 فالنبي بيّن زكاة الزروع، وزكاة التجارة وعروض التجارة، وزكاة المواشي، وزكاة الركاز والأنصبة، ومصارف الزكاة.
فالنبي وصَّى وفَصَّل، فأنت عليك أن تطيع الله عز وجل فيما أمر، وأن تطيع النبي عليه الصلاة والسلام فيما بين بسنته القولية، وفيما فعل سنة فعلية وفيما سكت فسكوته إقرار.
 ذات مرة ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحد أصحابه وقد توفي توًّا في بيته، فسمع من خلف الستار امرأةً تقول: هنيئاً لك أبا السائب، تعني أبا السائب، لقد أكرمك الله، فلو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً، لكنه عليه الصلاة و السلام قال:

((ومن أدراكِ أن الله أكرمه، قولي: أرجو الله أن يكرمه.))

 لأن هذا تَأَلٍّ على الله، قولي أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبيٌ مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
 إذاً النبي لم يسكت فإذا سكت فما عاد نبياً، أي كلمةٍ باطلةٍ تلقى أمامه لا بد أن يصححها، فسنة النبي ؛ أقواله الصحيحة، وسنة النبي أفعاله يعني سيرته، وسنة النبي إقراره.
 وكثير مِن الأحاديث أساسها أن صحابيًا فعل كذا وكذا في حضرة النبي، والنبي ما نهى عن ذلك، إذاً هذه الواقعة أصبحت سنة، " أولى الأمر" هم العلماء العاملون، الصادقون، المخلصون، الذين يعرفون أمر الله ورسوله، والذين ينفذون هذا الأمر أيضاً هم من أولي الأمر، أما لو وقع مجتمع مسلم تحت حكم مستعمر كافر، فلا يكون هذا الكافر من أولي الأمر.

 

﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

 إذا آمنت أن الله هو المشرع، هو الذي يعلم، وهو الذي يميت، وهو الذي سيحيي، وهو الذي سيحاسب، إن آمنت بهذا، فعليك أن ترد النزاع إلى الله والرسول.

 

 

﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

 الآن عندنا سؤالان، ماذا ترون في تعلُّم سنة النبي القولية ؟ يعني يستحسن أن تتعلمها، وهنا يطالعنا سؤال ؟ يستحسن، يعني أهو مندوبٌ أن تتعلمها ؟ لا، أهو فرض كفاية أن تتعلمها ؟ لا، بل تعلُّمها فرض عين، قل لي ما الدليل في أن تعلم سنة النبي القولية فرض عين، لأن الله تعالى يقول:

 

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 فكيف تأخذ شيئاً لا تعلمه ؟ إذاً كل واحد من إخواننا الحاضرين عليه أن يعرف سنة النبي القولية، وهذا فرض عين، ولا يعفى منه أحد.
 وهذا سؤال آخر:
 أقراءة سيرة رسول الله، يعني: مستحسن، مندوب، فرض كفاية ؟ لا بل تعلُّمها فرض عين، والدليل:

 

 

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

 

( سورة الأحزاب: 21 )

 أمر إلهي هو قدوتك، كيف تقتدي به وأنت لا تعلم أحواله وأفعاله وتصرفاته، إذاً لابد من تعلم سنة النبي القولية والفعلية والإقرارية حتى تنفذ أمر الله عز وجل.

 

﴿ َأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

 هذا طيبٌ، ثم لابد من أن تستسقي العلم من أولي الأمر الذين يعرفون أمر الله.
 ابن عمر دينَك دينَك خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا، إذاً:

 

 

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

 

 العلماء والأمراء طبعاً منكم.

﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

 مثل ما صار مع الصحابة، تنازعوا مع أميرهم، قال لهم: اقتحموا النار، فلما ردوا هذه المنازعة إلى الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف.

﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59)﴾

 هذه الآية واضحة، وتلخيص للموضوع أقول:
 طاعة الله في اتباع القرآن.
 طاعة النبي في العمل سنته القولية والعملية والإقراري.
 طاعة أولي الأمر، أن تتعلم من العلماء الذين يعلمون أمر الله ورسوله، وأن تطيعهم فيما يفتون لك بشرط أن يكون من المسلمين، أما إذا وقع المسلمون تحت سيطرةٍ كافرةٍ أجنبيةٍ، عندئذٍ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
 و الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

 

نص الزوار

إخفاء الصور