- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... حديث اليوم: عن أم المؤمنين صفية بنت حُيَيّ رضي الله عنها، قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلَّم معتكفاً في رمضان فأتيته أزوره ليلاً ـ المتكلمة السيدة صفية ـ فحدثته، ثم قمت لأنقلب إلى بيتي فقام معي ليردني إلى البيت، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام أسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( على رسلكما ـ أي انتظرا ـ هذه صفية بنت حُيَيّ زوجتي ))
ـ فقالا: سبحان الله يا رسول الله !!
ـ فقال عليه الصلاة والسلام
" ((. إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو شيئاً ))
هذا الحديث تعرفونه جميعاً، وأنا كثيراً ما أسترشد به، ولكن لي وقفة تحليلية أستنبط منه بفضل الله تعالى أحكاماً كثيرة.
قبل أن أشرع في شرح الحديث، بادئ ذي بدء النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((الزكاة في الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب))
نص الحديث يوحي أنه لا زكاة فيما سوى هذه المحاصيل
((الزكاة في الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب ))
الآن، في سؤال: الإنسان الذي يملك مزرعة حمضيَّات، وضمنها بمليون، ليس عليه زكاة ؟ والذي عنده مزرعة كرز، أو مزرعة تفاح، والذي عنده أعشاش عسل بكميات تجارية كبيرة، ألا تجب عليه الزكاة ؟ كيف نوفق بين نص الحديث وبين الأحكام الفقهية ؟ مَن يعرف الجواب ؟
الجواب الفقهي أن الفقهاء قالوا: لا تجب الزكاة في عينها بل في علتها، علتها أنها محصولٌ أساسي، محصولٌ ذو قيمةٍ كبيرة، إذاً من هذا يستنبط أن كلام النبي عليه الصلاة والسلام واسع الدلالة، هو ضرب مثلاً وذكر شيئاً، ويستنبط من هذا الشيء أشياء ن فتجب الزكاة لا في هذه المحاصيل الأربع، بل في علتها، وعلتها أنها محصول يدر على صاحبه دخلاً كبيراً، فالعلة واحدة في محصول الحمضيات، محصول العنب، التفاح، محصول القمح والشعير.
هذا ينقلنا إلى حديثٍ آخر، حينما قال عليه الصلاة والسلام:
((.والله ما آمن بي))
فقال أصحاب النبي عليهم رضوان الله: خاب وخسر ـ مَن هو ؟
قال:
((.من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم))
وقد يقول قائل: أنا لا أعلم. نقول له: مَن لم يتفقد شؤون المسلمين فليس منهم، لكن فقط الجائع ؟ هل الجوع مثل الطعام والشراب ؟ إذا كان هناك حاجة إلى مأوى، حاجة إلى مسكن، حاجة إلى ملبس، حاجة إلى عمل. فأحياناً نعبر عن شدة الحاجة إلى هذا الشيء بالجوع، فنقول: فلان جائع إلى طلب العلم، مثلاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( والله ما آمن بي))
فقال أصحاب النبي عليهم رضوان الله: خاب وخسر ـ مَن هو ؟ قال:
((".من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم))
فإذا قسنا هذا الحديث الثاني على الحديث الأول، بأن المقصود ليس الشيء ذاته بل المقصود علته، إذاً حينما تجد جارك المسلم في حاجةٍ ماسةٍ إلى أي شيء، وأنت يتوافر عندك هذا الشيء، وحرمته منه، فو الله ما آمنت، فو الله ما آمنت، فو الله ما آمنت.
أردت من هذين الحديثين أن أنقلكما نقلةً خفيفة، من نص الحديث إلى مضمونه، من ظاهر كلماته إلى فحواها، من المنطوق إلى المفهوم، فحينما قال الله عز وجل:
﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾
المنطوق ؛ منطوق هذه الآية نهيٌ عن أن تقول كلمة (أف) لأمك ولأبيك، لكن المفهوم أن كل تصرفٍ فيه إيذاءٌ للوالدين منهيٌ عنه، أن تشد نظرك إليه كقولك ( أف )، أن تغلق الباب، أن تغلق سماعة الهاتف مثلاً، أن تحدَّ النظر إليهما، هذا كله مما يفهم من قوله تعالى:
﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23)﴾
من هذه الأحاديث حديث:
(( الزكاة في الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب "))
والعلماء قالوا: لا تجب في عينها بل في علَّتها، وحديث النبي عليه الصلاة والسلام:
((والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ))
مفهوم هذا الحديث أوسع بكثيرٍ جداً من مدلوله المحدود، أوسع من منطوقه، مفهوم هذا الحديث ؛ إذا كان أخوك المسلم بحاجةٍ إلى شيءٍ، وأنت يتوافر هذا الشيء لديك، ومنعته عنه، فلست مؤمناً، فلست مؤمناً، فلست مؤمناً.
لذلك حينما اخترت هذا الحديث، الذي تعرفونه جميعاً، وأنا كثيراً ما أردده، أردت أن نتوسع في فهم معناه، عن أم المؤمنين صفية بنت حُيَيّ رضي الله عنها قالت
((: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً في المسجد في رمضان فأتيته أزوره ليلاً ـ وفي بعض الروايات: أتيت أجلب له طعاماً ـ فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليردني إلى البيت ))
الاستنباط الأول: لا ينبغي أن تتحرك المرأة وحدها، فيجب أن تكون معها، والدليل: حينما خرجت بنتا سيدنا شعيب ولقيهما سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وقال:
﴿مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾
أي نحن لا نزاحم الرجال، هذا استنباط أيضاً، امرأة تدخل في ازدحام، تدخل في مركبة الازدحام لا يحتمل، والله لأن تمشي على قدميها ولأن تتعب أفضل عند الله ألف مرة من أن تدخل بين الرجال في مركبةٍ عامة..
﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)﴾
يعني علة وجودنا هنا أن أبانا شيخ كبير، ولولا أن أبانا شيخٌ كبير لما كان من المعقول أن تجدنا في الطريق.
فيستنبط من هذا الحديث الاعتكاف في رمضان، يستنبط وفاء الزوجة، خدمة الزوجة للزوج، يستنبط صون الزوجة من أن تكون وحدها في الطريق، من أن تتحرك في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، من أن تنطلق وهي شابة وحدها إلى بيت أهلها.
فقالت السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها وهي أم المؤمنين
(( فقام معي ليردَّني، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا.))
وهذا من أدب أصحاب رسول الله، أي:
(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))
من هذه التي معه ؟ دائماً في أسئلة فيها فضول، في أسئلة حشرية، كم المهر ؟ ماذا قدم لها في العُرس ؟ ماذا ألبسها من الذهب؟ كم دخلك أنت ؟ كم تتقاضى على هذه الوظيفة ؟ هذا البيت اشتريته، أم هو مستأجر ؟ أسئلةٌ كثيرةٌ، كم ربحتم هذا العام ؟ أنت ليس لك علاقة بذلك. هو حر، يريد أن يعرف كم تربح، وأين تسهر، وهذا البيت ما وضعه، ووبكم استأجرته، ومتى استأجرته، ولماذا أنت فيه، وهل اشتريته ؟؟
(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))
و..
(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))
فهذان الصحابيان الأنصاريان حينما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام أسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( على رسلكما ـ أي تمهَّلا ـ إنها ـ هناك روايات كثيرة ـ إنها صفية بنت حُيَيّ زوجتي، وإنها أمكم صفية ))
فقال
(( سبحان الله يا رسول الله ))
أي أنهما ذابا من الخجل. أي اتهمك يا رسول الله، معاذ الله !! ـ فقال عليه الصلاة والسلام:
((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يخرج في قلوبكما شراً ـ أو قال ـ شيئاً ))
إذا أردنا أن نطبق هذا الحديث على القاعدة السابقة، أن كلام النبي عليه الصلاة والسلام له مفهومٌ وله منطوق، له معنى محدود بنص الحديث وله معنى واسع، فكيف نستنبط من هذا الحديث أحكاماً فقهيةً أخرى ؟ من عنده جواب ؟
شخص أعطاك مثلاً مبلغاً من المال قال لك: اشتري به لي هذه الحاجات، بعدما اشتريتها له وأنت في أعلى درجات الأمانة، قال لك: كم الثمن ؟ قلت له: طلعنا خلاص. لا يشك في أمانتك، لكن يا ترى كم الأسعار ؟ كم ثمن هذه الحاجة ؟ أنت أوقعت الشك في قلبه، أنت بريء، هنا النقطة الدقيقة أنك قد تكون في أعلى درجات النزاهة، وفي أعلى درجات الأمانة، وفي أعلى درجات الطُهر، وفي أعلى درجات الإخلاص، ومع ذلك ليس هذا هو المقصود، المقصود انطباع الناس عنك، فلو سلكت امرأةٌ عفيفةٌ سلوكاً يجر لها التهمة، واتهمها الناس بالفاحشة، لو إنها بريئة ؛ جلبت لنفسها متاعب لا تحصى، إذاً ليس المقصود أن تكون بريئة أو غير بريئة، المقصود أن تَجُبَّ المغيبة عن نفسها، وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
((.رحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه))
لذلك، البطولة إذا أردت أن تتحرك، أو أن تتصرف، أو أن تسلك سلوكاً معيناً، دقق، هذا السلوك كم تفسير له ؟ إن كان له تفسير واحد هذا من أرقى أنواع السلوك، لا يستطيع خصومك، ولا أعداؤك، ولا حُسَّادك أن يجرِّحوا فيك. أما السلوك الذي يحتمل له تفسيران، يجب أن تبادر إلى توضيح التفسير الثاني.
يعني إنسان له محل تجاري بسوق مغلق، واضطر إلى أن يسافر في اليوم الثاني باكراً، ويحتاج إلى دفتر من هذا المحل، وجاء إلى السوق ليلاً، وفي للسوق حارس، ينبغي أن يوضح لهذا الحارس الذي لا علاقة له بهذا الموضوع: أنني جئت لآخذ هذا الدفتر من المحل فأنا في الغد مسافر، لأنه لو دخل دكانه ليلاً وله شريك، فهذا الدخول في الليل يثير الشبهات.
فأي عملٍ يمكن أن يفسَّر تفسيراً آخر، كأن تكون في محل تجاري، ودخلت عليك امرأة، فاستقبلتها استقبالاً حاراً، ولك أخ بالطرف الثاني قل له: هذه أختي. وإلا يسيء الظن بك، فإذا في استقبال غير استقبال الإنسانة العادية فلابد من التوضيح، وقد قيل: البيان يطرد الشيطان.
فدائماً المؤمن ليس شاكاً في نفسه بل هو يعرف نفسه علم اليقين، يعلم طهارته، ونبله، لكن المشكلة ما يأخذ الناس عنك من انطباعات، فلو سلكت سلوكاً شائناً، أو سلوكاً صحيحاً لكن يفسَّر تفسيراً آخر، يعني أنت كلَّفت أخو زوجتك بغيابك بالسفر أن يأتي إلى البيت ليتفقد أحوال أختك ـ زوجتك ـ ولك جيران، فإذا أعلمتهم أنني كلفت أخا زوجتي أن يتفقد أخته، هذا من الضروري، لأنهم إذا رأوا رجلاً لا يعرفونه دخل إلى بيتك في سفرك، ماذا يقولون؟ لو أنهم أخلاقيون لوقعوا في شك، لو أنهم غير أخلاقيين للاكتك الألسنة، ففي كل حركةٍ، في كل سكنةٍ، في كل تصرف بيّن الحساب، بيّن من هذا الذي تحدثه سراً، بيِّن من هذه التي رحبت بها، كلما بيَّنت أبعدت عن نفسك التُهَم، ومَن وضع نفسه موضع التهمة واتهمه الناس، فلا يلومن إلا نفسه.
أنت جالس عند صديقك بالمحل التجاري، ووراء الطاولة، ودرج الغلَّة مفتوح، ويلزمك صرف مائة ليرة، يمكن تضع المائة ليرة ثم تأخذ ما يقابلها، قد يراك أحدهم تأخذ من الدرج مبلغاً من المال، استئذنه: أتسمح لي أن أصرف مائة ليرة، أنت بريء مائة في المائة، ألف بالمائة، لكن حينما تفتح درج المال وتأخذ من هذا الدرج، ويراك إنسان أخذت ولم يرك قد وضعت، فأنت وضعت نفسك موضع التهمة، تريد أن تتصل بالهاتف قل له: أتسمح لي، لعل هي مخابرة خارجية، تصير، أريد أن أخبر فلان، أنت دقيت طلعوا ثمانية أو تسعة أرقام بدلاً من ستة، أنت الرقم ما ظبت فأعدته مرة ثانية، فظنها مخابرة خارجية، قل له: سأخبر فلان في الحي الفلاني.
((فدائماً وأبداً حينما تطبِّق سنة النبي عليه الصلاة والسلام ))
((على رسلكما هذه زوجتي فلانة. ))
وانتهى الأمر، كن واضحاً، هذا ابني، هذا الشيء اشتريته أنا. أحياناً تدخل على محل تجاري ومعك بضاعة ليست من بضاعة هذا المحل، حينما تريد أن تأخذها وتخرج، يقال لك: إلى أين آخذها، ما دفعت ثمنها ؟ هذه ليست من هنا، فتجبه: هذه أنا اشتريتها، فإذا دخلت قل: هذه ليس من عندك. هذا يحدث.
أحياناً تدخل على محل ومعك بضاعة من نوع بضاعة المحل، فإذا حملتها وخرجت، وكان لك هيبة، واستحيا صاحب المحل التجاري أن يقول لك: لم تدفع ثمنها، وهذه ليست من عنده. دائماً فكر: هل موقفي له تفسير آخر ؟ هل أنا متهم بهذا التفسير ؟
فهذه صفية التي حدَّث النبي عنها فقال:
((هذه صفية بنت حُيَيّ زوجتي ))
قالوا: سبحان الله يا رسول الله !! النبي عليه الصلاة والسلام يعلم علم اليقين أنه أنقى من ماء الثلج، ويعلم علم اليقين أنه أطهر من الملائكة، ويعلم علم اليقين أنه معصوم، ومع ذلك خاف على أصحابه.
وأنت أيضاً أيها الأخ، لك معاش محدود، جاءك مبلغ من مال من طريق الإرث، غيَّرت مصروفك، وغيرت، فظن الناس أن لك دخلاً غير مشروع، فبيِّن: أنا والله الله عزَّ وجل أكرمني بمبلغ من المال ورثته عن فلان، فإذا غيرت فرش البيت، أو أي شيء سيسألون: من أين أتى به هذا معاشه محدود ؟ دائماً بيِّن، البيان يطرد الشيطان، ولاسيما ومع الشركاء، ولاسيما مع الأقرباء.
قال: هذه صفية بنت حيي، كان النبي عليه الصلاة والسلام يرحم ضعفها، ويقوم لها مقام الأب الحنون والولد البار، والزوج الكريم، كانت معه في حجة الوداع، وقد علم أنها لم تطف طواف الإفاضة، وكانت في الحيض، فكاد يؤخِّر المسلمين جميعاً من أجل طوافها، تكريماً لها، وعطفاً عليها.
وقد تطاول عليها بعض نسائه، وتِهْنَ عليها بشرفهن ونسبهن، فعلَّمها عليه الصلاة والسلام أنه إذا تطاول عليها أحد من زوجاته أن تقول له
((أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد ))
((. قال لها هكذا قولي لهن، وهي بنت حيي بن أخطب. فحينما تتيه عليها ضُرَّاتها كان عليه الصلاة والسلام يعلمها أن تقول لهن: قولي لهن ))
(( أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد.))
مرةً في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم، كانت صفية تعاني من ألمٍ شديد لما ألمَّ بالنبي، فقالت له ببراءةٍ وبحبٍ وبإخلاصٍ: لو أن الذي تشكو منه كان بي يا رسول الله. أي أتمنى أن يكون هذا الوجع بي وليس بك، ضرَّاتها سمعن قولها، فتغامزن عليها، فعليه الصلاة والسلام،
((أمرهن أن يتمضمضن من قولهن فيها ))
أي تكلمتن كلاماً فأغسلوا فمكم منه.
والكلمة التي قلتها البارحة حينما قالت السيدة عائشة: إنها قصيرة، فقال:
(( يا عائشة لقد قلت كلمةٍ لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
إذاً هذه زوجة النبي عليه الصلاة والسلام.
الشيء الآخر الذي يستنبط: أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التجسس ونهى عن التحسس.
(( إياكم وسوء الظن فإنه أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ))
فالتجسس تتبع الأخبار السيِّئة، والتحسس تتبع الأخبار الطيبة، وأنت يجب أن تنصرف عن تتبع الأخبار كلها
(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))
و..
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".))
الآن نريد أن نأخذ أمثلة مما يشير إليه هذا الحديث الشريف، أي أن النبي الكريم ما أراد من هذين الصحابيين الجليلين الأنصاريين أن يقعا في سوء ظن، فأوقفهما، وأخبرهما بأنها زوجته، لكن هل هناك موقف يدعو للتهمة، وقد تكون أنت بريئاً جداً يفيدنا فيه هذا الحديث ؟
(( الخلوة بامرأةٍ أجنبية.))
أي إذا دخلت على بيت وليس فيه الزوج، ودخلت إلى غرفة الضيوف وقيل لك: انتظره هنا، وليس في البيت إلا أنت وهي، وأنت أطهر من ماء السماء وأنقى من الثلج، لو نجوت من فتنة الخلوة لا تنجو من سوء الظن بك، فلذلك مما يستنبط من هذا الحديث الشريف الذي قال فيه النبي
عليه الصلاة والسلام
((على رسلكما هذه زوجتي صفيَّة بنت حيي))
أنه لا يجوز أن تخلو بامرأةٍ أجنبيَّة، طبعاً لا يجوز لأنه لا يجوز، لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهاك عن أن تخلو بامرأةٍ أجنبية.
فلو أنت في البيت وحدك، طرق الباب، جاءت أخت زوجتك، أنت في المهاجرين وهي قد أتت من الميدان، تفضلي والله غير موجودة، تفضلي، وأنت أنقى من ماء السماء، وأنت أنقى من ماء الثلج، إذا قلت لها: تفضلي، وبقيت في البيت وهي أخت زوجتك ؛ لا تحل لك، ولا أن تنظر إليها، ولا أن تجلس معها، ولا أن تكلمها فضلاً عن أن تخلو بها، فإذا قلت: والله استحييت، فإذا كان الأمر ضروري فقل: تفضلي واخرج أنت من البيت، ما في مانع، رأساً قال لها: تفضلي وأنا سأخرج، هذا استنباط.. النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((. إياكم والدخول على النساء ))
والمقصود من هذا الحديث الخلوة بهن، وأكرر بشكلٍ دقيق: إذا نجوت من فتنة الخلوة بها لا تنجو من سوء الظن بك، و..
((رحم الله عبداً جبَّ المغيبة عن نفسه ))
يقابلها بالمصعد. وقف المصعد وفيه امرأة وحدها، الأكمل لأنك مؤمن أن لا تخلو بها في المصعد، إن نجوت من الفتنة لا تنجو من سوء الظن، هذا يستنبط من على رسلكم
(( هذه زوجتي ..))
((" وضِّح.))
والحقيقة الشيء الذي يلفت النظر: أنه إذا خلوت بامرأةٍ من أحمائك، أي أخت زوجتك، هذه الخلوة مألوفة عند الناس أن هذه أخت زوجته، وابنة حماه، والمألوف عند الناس ما فيها شيء، فقال عليه الصلاة والسلام
((الحمو الموت ))
وسأريكم الحديث، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحَمْوَ ؟ ـ أي بنت حماي ـ فقال: الحمو الموت " ))
والفاحشة التي وقعت في هذه البلدة بسبب التهاون بهذا الحكم، وقعت الفاحشة بين الأحماء بسبب التهاون بهذا الحكم.
وفي حديثٍ آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إياك والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجلاً بامرأةٍ إلا ودخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجلٌ خنزيراً متلطخاً بطينٍ أو حمأةٍ خيرٍ له من أن يزحم بمنكبه امرأةً لا تحل له ))
أعيد عليكم نصَّ الحديث:
(( إياك والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجلاً بامرأةٍ إلا ودخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجلٌ خنزيراً متلطخاً بطينٍ أو حمأةٍ خيرٍ له من أن يزحم بمنكبه امرأةً لا تحل له ))
مركز ضعف الرجل المرأة والمال، فإذا تحصَّن من أن يأكل مالاً حراماً، ومن أن يلتقي بامرأة لا تحل له، فقد تحصَّن من كل الجوانب، وأساساً خصوم الإنسان لا يستطيعون أن يصلوا إليه إلا من هذين البندين ؛ المرأة والمال.
في كتب الفقهاء من باب نظر الرجل إلى المرأة قولهم: يجوز نظر الطبيب إلى ما يحتاج إليه من المرأة الأجنبيَّة وقت علاجها، بشرط أن يكون معها زوجٌ أو ذو محرم، وبشرط ألا تكون ثمَّة امرأةٌ طبيبةٌ تحسن من العلاج ما يحسنه الرجل، مادام هناك طبيبة بمستوى الطبيب فالأولى الطبيبة، والأولى أن يكون الزوج مع زوجته، أو معها ابنها، أو أخوها، أو أبوها حينما يخلو بها الطبيب.
فيما يبدو أن العلاقات المالية تحتاج إلى توضيح، بيِّن الحساب، بين التفاصيل، هذه ثمن المواد، وهذه الأجرة، طلب منك رقم كبير، يا ترى أنت ببالك الأجرة ألف فظهر أنها بثلاثة آلاف الأجرة، المواد سألت عنها فرأيتها رخيصة جداً، وهنا غالية كثيراً، بين المواد والأجرة، بين التكاليف، أما كل حساب تأخذه خفيةً ولو كنت مُحِقَّاً به، وما بينت، ربما يسبب هذا أن تتهم في أمانتك، فيبدو أن الإنسان في أكثر الحالات التي ينطبق عليها هذا الحديث ؛ العلاقات المالية، والعلاقات الاجتماعية ، فإذا كنت منزَّهاً، وهذه المشكلة.
درسنا اليوم نحن فيه لا نتحدث عن إنسان يعصي، ولا عن إنسان يعتدي على عرض الآخرين، ولا على إنسان يأكل أموال الناس أبداً، ليس هذا موضوع الدرس، موضوع الدرس المؤمن المستقيم، النظيف، المخلص، التقي، النقي، هذا إذا لم يبيِّن جرَّ لنفسه سوء الظن، مَن أنت؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام الذي هو فوق الشبهات، وفوق التُهَم، وفوق الظن، وهو في أعلى عليين، وهو ذو الخلق العظيم، وهو العفيف، وهو الشريف، وهو ذو النسب، ومع ذلك قال لهما:
((هذه زوجتي "))
فالإنسان أحياناً يكون معه زوجته ويحدثها، فليسلك سلوك النبي، في ظروف الإنسان دخل هذا ابني مثلاً، هذه ابنتي مثلاً، وضِّح في العلاقات النسائية وفي العلاقات المالية، كل شيء وضحه، طبعاً لو كان ممكن تأكل مال حرام فهذه مشكلة، لكنني أنا أتحدث عن المؤمنين، أنا أتحدث عن المستقيمين، أنا أتحدث عن الأنقياء، عن الأتقياء هؤلاء مكلَّفون أن يفعلوا ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
فمثلاً أنا كلَّفني صاحب العمل أشتري المواد الأولية، سأضيف له على الفاتورة عطلتي، لكن سأدخلها مع المواد، لا، اكتب ثمن المواد واكتب أجرة جلب هذه المواد، لو سأل ووجد السعر أقل اتهمك بقلة الأمانة، أنت أضفت الأجرة، تضيفها مع الفاتورة ببند مستقل، ولا تضيفها مع المواد، كن صريح، ما عجبه لا يعجه، فالرزق على الله عزَّ وجل، أنا سأعطل يوم لتأمين حاجاتك، أنا يومي بمائة ليرة، أنا سأأمّن لك أفضل الحاجات بأرخص الأسعار. اتفق معه، كلما كنت صريحاً وواضحاً، أي اعمل تحت ضوء النهار ولا تعمل في الظلام ؛ لا خفيةً، ولا موارباً، ولا هارباً، ولا معتماً، ولا ضبابياً، بل كن صريحاً واضحاً.
((إياكم وسوء الظن فإنه أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا))
والتحسس تتبع الأخبار الطيبة، لكن لا شأن لك بها، والتجسس تتبع الأخبار السيئة، ومن كمال الإنسان عدم تتبعه للأخبار الطيبة وللأخبار السيئة في وقتٍ واحد.
أحياناً يكون الطريق مزدحم بالنساء في وقت العصر، ويكون الطريق كله يبيعون حاجات النساء، فإذا سرت من هذا الطريق، أيضاً جلبت لنفسك سوء ظنٍ بك، إذا كنت مضطراً أن تصل إلى أحد محلات هذا الطريق خذه عرضاً ولا تمشِ به طولاً، أيضاً تبرئةً لسمعتك، فهناك أماكن مشبوهة، ذات مرة واحد قال لشخص في بائع أحذية ممتاز في مدخل سينما، قال له: والله أستغني عن ألف حذاء ولا أدخل هذا المدخل أمام طلابي. فإذا دخل، هو دخل يشتري حذاء لكن ماذا يقول طلابه لو رأوه ؟
يعني مثلاً دائماً هذه النقطة مهمة جداً، وأتمنى على الله سبحانه وتعالى أن ينظر الإنسان في هذا الموضوع جليلاً، لأن أكثر التهم، والأراجيل، والأقوال السيئة، ما في إنسان ما له خصوم، ما في إنسان ما له حسَّاد، ما في إنسان ما له أعداء، ودائماً أعداء الدين يسلطون الأضواء الكاشفة على المؤمن، فإذا زلَّت قدمه، إذا وقع في غلطٍ طفيف، نشروا هذا الخطأ، وكبَّروه، وروَّجوه، وأرجفوا به، حتى يشوهوا سمعة المؤمنين، لذلك الله عزَّ وجل قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
يعني يحب أن تشيع الفاحشة، فأنت ممكن تمنع خصومك وحسَّادك وأعداءك من أن ينالوا منك بتطبيق السنة، وممكن تتساهل قليلاً، فتتهم بتهمٍ أنت غنيٌ عنها.
(( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ))
كل إنسان معه قرين من الشيطان، ففي ساعة غفلة يأتي الشيطان ويوسوس له، هذا الذي ينصحك أنظر ماذا يفعل !! فأنت إذا نصحت الناس كن دقيق جداً، كن ورع جداً، كن فوق الشبهات حتى لا تخلق عند المستمع اختلال توازن، فأصعب شيء بالحياة أن يختل عندك المثل الأعلى، اهتزاز المثل الأعلى من أصعب مِحَن الإنسان، تكون أنت ظانن بهذا الإنسان خير، ويهتز هذا المثل، هو قد لا يهتز لكن يهتز لو أن هذا المثل ما طبَّق سنة رسول الله.
وأعيد وأكرر: أكثر ما نحتاج إلى هذا الحديث في النواحي المالية، وفي النواحي النسائية، ومادمت قانعاً بهذا الدخل، ومادمت تأخذ حقك الثابت، لا تستحي بحقك، سجله وأبلغه وأعطيه، أما الحسابات غير الواضحة، غير الدقيقة، المعمَّاة، المغطَّاة، سيدي طلعنا خلاص، ماشي الحال، خير إن شاء الله هذا كله كلام عام، هو دافع لك ثمن الحاجة قل له: هذه كلفت هكذا، فيها حاجات كذا، واضح، كن واضحاً ونم على ريش النعام ـ كما يقولون ـ
أكثر نقطة أتمنى على الإخوان الكرام أن يعقلونها في هذا الحديث: أن كلام النبي عليه الصلاة والسلام فيه إشارات، وفيه دلائل واسعة جداً، فأنت ليس من العقل، ولا من الحكمة أن تفهم الحديث فهماً محدوداً، أي إذا قال لك:
(( واللهِ ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن. من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ))
معنى ذلك أنه أي إنسان مسلم بحاجة إلى الشيء، وهذا الشيء متوافر لديك، يجب أن تبذله له، لتكون مؤمناً، أما أن تَقْصُرَهُ على الطعام فقط !! أعرف أباً عنده بيوت كثيرة، وابنه يتضور، يتلوَّى على غرفةٍ يسكنها، فو الله ما آمن، لو صلَّى هذا الأب، بيوت فارغة وابنه من صلبه، لو أنه صلى وصام وزعم أنه مسلم.
(( واللهِ ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن. من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع )
فهمنا هذا الحديث فهماً موسعاً، كما فهمنا أن الزكاة تجب في الشعير والقمح والزبيب والتمر، والعلماء قالوا: تجب في علتها لا في عينها، فأي محصول زراعي في عليه زكاة، وأي إنسان بحاجة لشيء في عليه زكاة، وأي شبهة يمكن أن تنسحب عليك وضِّحها وبينها، ولا تنسوا هذا القول الدقيق: البيان يطرد الشيطان.
في إنسان طبعه سكوتي، وهذا السكوتي يُتَّهم كثيراً، حركاته كلها بدون توضيح، تصرفاته كلها بدون توضيح، فمثل هذا الإنسان تأتيه متاعب كثيرة جداً من سكوته، في موطن السكوت سكوت شيطان، وفي موطن التكلم تكلم شيطان، فالحكيم مَن يحسن الكلام في موطن الكلام، والسكوت في موطن السكوت.
والشيء الثاني: أي موضوع الخلوة بالمرأة الأجنبية موضوع له علاقة ماسَّة بهذا الحديث، فإذا نجوت من فتنة الخلوة، لا تنجو من فتنة سوء الظن، والحمو.
(( الحمو الموت))
أي لا نسمح للزوجة أن تلتقي مع إخوة زوجها، ولا للزوج أن يلتقي مع إخوة زوجته، لأن طبيعة القرابة تسبب، أو تتيح للإنسان التكلُّم، والنظر، والمزاح، وكما قال النبي
((الحمو الموت. ))
والإنسان بعد ذلك يقول لك: والله أستحي، مع النساء الأجنبيات إذا كان موقفك هكذا قاسي أو جاف أكمل، امرأة فإذا ابتسمت لها، وإذا سألتها عن صحتها، وعن أهلها، صار في حديث، صار في مشاعر مشتركة وأنت لا تملك قلبك، هنا ما في لباقة، اللباقة معه الرجال، لكن المرأة الأجنبية لا تحل لك، سؤال وجواب، ما في كلمة أروع من كلمة سيدنا موسى..
﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾
قبل ذلك، لما رأى امرأتين تزودان ماذا يقول لهما ؟..
﴿مَا خَطْبُكُمَا ﴾
لو درست اللغة العربية كلها، أو أية لغة، ما وجدت كلمةً أشد إيجازاً، وأشد جديةً، وأشد وضوحاً، وأشد اختصاراً وإيجازاً من هذه الكلمة، من الآنستين مثلاً ؟ صار في..
﴿مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾
هي لما جاءت قالت:
﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ﴾
انظر لدقة الآية..
﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾
لماذا لم تقسِّم الكلام ؟ والله إن أبي يدعوك، فيقول هو: خير إن شاء الله، ما المناسبة؟ ما أتاحت له أن يسألها وأن يجيبها..
﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾
هذا الكلام للنساء إذا اشترين من البائعين لا يجب أن يقلن: راعينا، وجيرانك، وزبائنك، وقلبك قاسي علينا، هذا لا يجوز..
﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
فهذا الكلام اللطيف، وتكسر الكلمات، والاسترحام، والاستعطاف بين رجل وامرأةٍ أجنبية هذه فتنة كبيرة جداً، فالمؤمن ما في عنده كلام لين زائد، وكذلك ليس جفص، يتكلم كلام معروف لا يعني شيئاً من كلامه.
فموضوع العلاقات المالية، والعلاقات مع النساء، والخلوة بالمرأة الأجنبية، والحمو، هذه كلها حالات تنسحب على قول النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تنسوا أن هذا الحديث يستنبط منه الاعتكاف، وخدمة الزوجة، ورعاية الزوجة، وعدم السؤال عما لا يعني، فمرَّ أنصاريان، فلما رأيا النبي أسرعا، والنبي وضَّح وبيَّن، وهو يعلم أنه معصومٌ ونقيٌ، لكن لئلا يتيح للشيطان أن يأتي هذين الصحابيين فيلقي فيهما شيئاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، و.. " رحم الله عبداً جبَّ المغيبة عن نفسه ".. والبيان يطرد الشيطان. وهذا الحديث له نص وله فحوى، فحواه أن توسِّعه على كل شيء.
يعني ملخَّص الدرس: إياك أن تسلك سلوكاً له تفسيران، التفسير الأول طيب، أما التفسير الثاني سيئ، فأعداؤك، وخصومك، وحسادك يختارون التفسير الثاني، فإذا كنت بطلاً لا تسمح لأعمالك، وأفعالك، وتصرُّفاتك أن تفسَّر غير التفسير الذي هو واقع فعلاً، وطبعاً فهمكم كفاية. ضربت مثل واثنين وثلاثة وخمسة، لكن أنت ممكن أن تطبق الحديث على آلاف الحالات.
قلت لكم هذه النقطة: أنت تريد أن تصرف مائة ليرة من عند صديقك قل له: اصرفها لي، ولا تفتح الدرج لوحدك، قال لك: اجلس في المحل، وهذا المحل يمكن يكون له شريك سيئ الظن فلا ترضى، دائماً ممكن يسيئوا الظن فيك ؟ إذا ممكن لا ترضى، ابقى أنقى من ماء السماء، وقلنا لكم كلمة: ليست العبرة أن تكون أنت نقياً، ليست هنا المشكلة، الحديث عن المؤمنين، العبرة ألا تؤخذ عنك فكرة سيئة، لأن أنت رأس مالك سمعتك، هذا هو عرض الإنسان، عرض الإنسان موضع المدح والذم فيه، فإذا هو تساهل في هذه النقطة، سبب للمسلم، أنا والله لا أبالغ آلاف القصص سمعتها لا أصل لها، لكن سببها أن أخاً كريماً تصرف تصرفاً من دون دقة، فخصومه وأعداؤه فهموا الجانب الآخر، فروجوا بين الناس. أنا الآن لو أردت أن آتي بقصص كثيرة جداً، ولكن اخترت ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، دائماً كن في الدرجة الأولى من النزاهة والنقاء