وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 074 - الحسد 1 توظيف الغيرة في الدنيا يحولها إلى حسد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون:

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَحَاسَدُوا ولاَ تَنَاجَشُوا ولاَ تَبَاغَضُوا ولاَ تَدَابَرُوا ولاَ يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ولاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَسْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))

 أيها الأخوة الكرام قد يكون هذا الحديث من أروع أحاديث رسول الله في العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين، ولو كان هذا الحديث في أذهاننا وفي قلوبنا وفي حياتنا لأغلقت المحاكم أبوابها، وهذا الحديث أصلٌ في العلاقات بين المؤمنين، أيها الأخوة الكرام لا شك أنكم سمعتموه كثيراً ولكن يبدو لي أن أحد أكبر أسباب المشكلات بين الناس تقصيرهم في تطبيق هذا الحديث، سأقول لكم كلمة الله جل جلاله حينما يقول في كتابه الكريم:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

( سورة الشعراء )

 لا مالك ولا أولادك ولا بيتك ولا أملاكك ولا أي شيء في الدنيا ينفعك إن لم تأتِ الله بقلب سليم، والقلب السليم هو القلب الذي سلِم من الحسد ومن النجش ومن التباغض ومن التدابر ومن كل ألوان الحيلة والخداع والإيذاء، أيها الأخوة لعل الفرق الذي يبدو صارخاً بين أصحاب رسول الله الذين فتحوا العالَم وبين المؤمنين في آخر الزمان والذين قد يزيدون عن المليار والمئتي مليون لعل الفرق الصارخ بين هؤلاء وهؤلاء ذاك القلب السليم الذي كان صدور أصحاب رسول الله، وذاك القلب الممتلئ بالحسد والضغن والتنافس والتدابر والتقاطع والبغضاء فالعبرة في تربية النفوس التي ربى بها النبي أصحابه الكرام، يا أيها الأخوة الكرام، قد يسألني سائل هذا الحسد من أين جاءنا ؟ ما مصدره ؟ هل هو مركب في أصل طباعنا ؟ وإن كان مركباً فمن ركّبه ؟ ولماذا ركّبه ؟ الحقيقة أنّ الله ركّب الغيرة، فالغيرة مع المؤمن أداة سبق، ومع الكافر تنقلب إلى حسد، الغيرة مركبة في أصل طباعنا، وهذه لصالحنا، لأنّ الإنسان حينما يغار ينطلق، حينما يغار يتسابق مع أخيه، قال الله تعالى:

 

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾

 

( سورة المطففين )

 أي وضع في كيان الإنسان الغيرة وأعطاه حلبة السبق، تسابق مع أخيك في طريق الإيمان، تسابق مع أخيك في حفظ القرآن، تسابق مع أخيك في التمسك بأهداف الدين، تسابق مع أخيك في الدعوة إلى الله، في خدمة الخلق، في نصح المسلمين، تسابق مع أخيك في نيل درجات الآخرة، تكاد تكون هذه الغيرة مركبة في طبع كل إنسان، إلا أنّها حيادية، فإما أن توظف هذه الغيرة في مجال الآخرة فتغدو أحد البواعث القوية لسيرك إلى الله، وإما أن توظف في الدنيا فتصبح حسداً، فالغيرة التي ركّبها الله في كيان الإنسان إذا تحركت في طريق الآخرة أصبحت غيرة محمودة أو غبطة كما سماها النبي، أما إذا وُظفت في الدنيا أصبحت حسداً، أقل مراتب الحسد أن تتمنى أن تتحول النعمة التي على أخيك إليك، هذه أقل المراتب، مرتبة أشد أو نقيصة أشد أن تتمنى أن تتحول النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك، أول مرتبة تمنيت هذه النعمة لك، ولو حوِّلت عن أخيك، أما لو كنت عالماً لقلت: الذي أعطاه يعطيني، والذي أكرمه يكرمني، والذي رفعه يرفعني، هناك بيت شعر يقول:
ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب
ولكني أجريت عليه تعديلاً طفيفاً:
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
 كلنا عباد الله، الذي أعطاه يعطيني، والذي أكرمه يكرمني، والذي رفعه يرفعني، والذي مكّنه من العمل الصالح يمكّنني، والذي رزقه يرزقني، لو كان إيمانك صحيح فلن تحسد أبداً، إذا آمنت أنّ الله عطاؤه يشمل كل خلقه وأنّ الخلق جميعاً أمام الله سواسية، يتفاوتون بالطاعة وأنه كما قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

 

( سورة الحجرات )

 لذلك المؤمن لا يحسد أبداً لأنّ عقيدته صحيحة، هذا الإله يحب أخي ويحبني، يحبنا إذا أطعناه، أحياناً يغفل الحاسد عن حقيقة أنّ المحسود له عمل طيب، له إنفاق، له اجتهاد في العبادة، له دعوة إلى الله، يعمل ليلاً نهاراً، يريد أن يأخذ كل ما أعطاه الله بلا ثمن، والله عز وجل يعطي بالعدل، أنا أقول: لو أنه صح إيمانك لا يمكنك أن تحسد أحداً، الله جل جلاله رب الجميع وهو يعطي الجميع، ثم إنك تؤمن وهذا شيء مهم جداً أنّ الحظوظ التي وزعها الله في الدنيا، هذه وزعها توزيع ابتلاء، امتحنك بالفقر وامتحنه بالغنى، امتحنك بحدة الذهن وامتحنه بضعف التفكير، وامتحنك بالقوة وامتحنه بالضعف، وامتحنك بالصحة وامتحنه بالمرض، هذه الحظوظ التي وزعها الله في الناس وزعها توزيع ابتلاء، وصدقوني قد لا يعني هذا التوزيع أنّك مكرم عند الله لا إذا أعطاك ولا إذا منعك، ولكن الحظوظ هذه سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء عندئذ تعني كل شيء، قد لا تعني الآن شيئاً، ألم يعطي الله المُلك لمن لا يحب، ألم يعطي الله لقارون المال وهو لا يحبه، وقد أعطاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف وهو يحبه، وأعطاه لسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبه، إذا شيء واحد أعطاه لمن لا يحب ولمن يحب معنى ذلك أن هذا ليس مقياساً، المقياس هو طاعة العبد لله عز وجل، طاعتك هي المقياس، إن قواك بالمال أعطاك حرية حركة أقوى بكثير، وسوف يحاسبك عليها، فالنقطة الأولى أنّ الإنسان إذا صحّ إيمانه لا يمكن أن يحسد أحداً، لكن متى يحسد ؟ يحسد عند ضعف إيمانه، إن صح إيمانه يوظف الغيرة التي ركبها الله في كيان كل إنسان يوظفها في طريق الحق، يتنافس مع أخيه في فهم كلام الله، في إنشاء المساجد، في إطعام الطعام وفي معرفة أحكام الفقه، يتنافس مع أخيه في إكرام الضيوف ممكن والدليل قوله تعالى:

 

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾

 

( سورة المطففين )

 قال تعالى:

 

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾

 

( سورة الصافات )

 قال تعالى:

 

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

 

(سورة يونس )

 إذاً هذا سؤال فلسفة، لماذا نحسد ومن ركّب فينا الحسد ؟ نقول أنّ الله ركّب فيك صفة نفسية حيادية هي الغيرة، هذه الصفة الحيادية يمكن أن توظف في الآخرة فتغدو غبطة وتغدو غيرة، ويمكن أن توظف في الدنيا فتغدو حسداً، أول أنواع الحسد أن تتمنى تحول النعمة عن أخيك إليك، المستوى الأكثر شراً أن تتمنى تحول النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك، البغضاء أشد الآن، أما المستوى الثالث والعياذ بالله أن تتحرك قولاً أو كتابة أو فعلاً لإيقاع الضرر وأن تحوِّل النعمة عن أخيك بيدك، بكلامك، بتقرير، هذا أشرّ أنواع الحسد، الحسد الأول نفسي، الحسد الثاني أشر، أما الثالث أصبح هناك عدواناً، طغياناً قال الله تعالى:

 

﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)﴾

 

( سورة البقرة )

 إذا أراد الإنسان أن يحملك على معصية، أراد أن يأتي بك إلى خندقه، إلى وحله، إلى سقوطه، الذي يحملك على معصية الله حتماً ينطلق من حسدٍ شديد قال تعالى:

 

﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)﴾

 

( سورة البقرة )

 يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ))

 لذلك ترى الناس جميعاً وقلوبهم شتى، متخاصمون على مستوى أمة، متخاصمون على مستوى شعب، متخاصمون على مستوى قبيلة، متخاصمون على مستوى عشيرة، على مستوى مدينة، على مستوى حي، على مستوى أسرة، في الأسرة الواحدة تجد خلافات، كل هذا من ضعف الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ))

 سبحان الله أيعقل أن تكون رذيلة كالحسد سبباً في حلق الدين، ينتهي الدين، دخل الحسد أصبح الدين شكلي، العبادات جوفاء، لا يوجد قرب من الله، ولا اتصال بالله، حدث نقص بالإيمان وبالنبل وبالفهم وبالسلوك، نقص بما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، قال الرسول الكريم:

 

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ))

 أي بصراحة إذا لم يحب المؤمن إخوانه المؤمنين، عليه أن يبكي على نفسه لأن النبي نفى عنه الإيمان كلياً، قال: أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، إلق أخاك بوجه طلق، إذا أصابه خير هنئه، اذهب إليه، إن أحببته أبلغه، مر صحابي برسول الله وأصحابه، كان في عمل، فقال أحد أصحابه: والله إني أحبه، قال: هل أعلمته ؟ قال: لا، قال: قم فأعلمْه، شيء رائع جداً أن تقول لأخيك المؤمن والله إني أحبك لله، أنا والله أفعلها، أحياناً أُعجب بأخ مؤمن أقول له والله أحبك لله، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام قال: والله يا معاذ إني أحبك، فإذا أحبّ أحد منكم أخيه لسمْتِه الحسن، لأخلاقه الرضية، لتواضعه، لأناقته، لحسن معشره، للطفه، لدماثته، للين عريكته، لأُِنسه، قل له والله إني أحبك، كان عليه الصلاة والسلام يثني على أصحابه، هذا شيء يقرب القلوب، يا فلان فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله، قال: ما هما يا رسول الله، قال: الصمت وحسن الخلق، لا تضن على أخيك بالمدح، المدح المعتدل، الواقعي الصادق، المخلص، أخوك وفي أثني على وفائه، أخوك كريم أثني على كرمه، أخوك لماح الخاطر أثني على ذكائه، أخوك طليق اللسان أثني على طلاقة لسانه، وقد ورد في الأثر أنه إذا عز أخوك فول أنت وإذا جماعة في مجلس وأخوكم انطلق في الحديث وأبدع إذن لا تقاطعه أنا لم أتكلم، كل الحديث له، هو يتكلم عن الله عز وجل هو انطلق في الحديث، الله أخذ بيده وترك أثر كبير اصمتوا، افسح له المجال، هذا المؤمن إذا عنده غيرة على الدين هذا هو الإيمان، إخواننا الكرام مع أننا نصلي كما يصلي أصحاب رسول الله ونصوم كما يصومون ونحج كما حجوا، ولكن يبدو أن البون شاسع جداً في أخلاقنا وفي نفسياتنا وفي حبنا لبعضنا، أنا أتمنى على الله أن يكون إخواننا المؤمنون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، قيل: تخلف عنك فلان يا رسول الله فقال واحد: والله يا رسول الله لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك، دافع عن أخيك التمس له عذر، برر له عمله أحسن الظن به، استفهم، اسأله قبل أن تفضحه، هذه أخلاق المؤمن يكاد يكون الإيمان كله أخلاق، يكاد يكون الدين كله أخلاق، فلذلك والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، يجب أن يخفق قلبك حباً إذا رأيت أخاك، يجب أن تشعر بوحشة في غيبته، يجب أن تشعر بشوق إليه، أما إذا زرته لا تبتغي من هذه الزيارة إلا أن تصله فالله سبحانه وتعالى يثني عليك قال الرسول الكريم:

 

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ))

 السلام عليكم كان أصحاب رسول الله إذا كان صحابيان يمشيان معاً فرقت بينهما شجرة فإذا التقيا بعدها قالا: السلام عليكم، كنا معاً في سيارة نزلنا ثم صعدنا فقلنا: السلام عليكم، شيء جميل جداً، السلام عليكم من صفات المؤمنين، سلام بطلاقة وجه، ببشاشة، بمودة، سلام بشد اليد على أخيك، سلام بابتسامة، برضى، يقول عليه الصلاة والسلام:
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، أَوْ قَالَ الْعُشْبَ."*
أين حسناتي ذهبت كلها لأنك حسود، وقال عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ))

 الهرج أي الفتن والمصائب، أيها الإخوة عندنا تعليق لطيف، قال: إذا حسد الحاسد غيره ولم يعمل بمقتضى حسده ولم يبغ على المحسود بقول ولا بفعل فأغلب الظن ونرجو من الله عز وجل ألا يأثم هذا الحاسد، فهو يغار فلما رأى نعمة على أخيه تألم ولكن لم يفعل شيء، هنأه وبش في وجهه ثم بارك له، فهناك شعور داخلي ما عبأ به، أما سلوكه الظاهري منضبط، قال: مثل هذا الإنسان نرجو من الله أن يغفر له، النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الحسد عند المؤمنين، قال:

 

 

((عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ))

 لكن العلماء أجمعوا على أن هذا الحسد هو الغبطة بعينها، أنا الآن مضطر إلى شرح هذا القول، أنّ الله عز وجل جعل الناس درجات، قال: ماذا قال ؟ قال: انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض، في حقل الطب هناك ممرض وهناك خادم في مستشفى، وهناك طبيب متمرن وهناك طبيب غير متمرن وهناك رئيس قسم، وهناك مدير مستشفى، وفي حقل التجارة، هناك بائع متجول وبائع مفرق وبائع جملة وهناك مستورد وهناك ملك الحديد وهناك رئيس غرفة التجارة، وفي الجيش هناك مجند وهناك لواء، بالتعليم هناك أستاذ في القرية وأستاذ في الجامعة، قال تعالى:

 

 

﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾

 

( سورة الإسراء )

 إخواننا الكرام درجات الدنيا لا تعني كل شيء، تعني شيئاً وليس كل شيء، وليست دائمة، لكن درجات الآخرة تعني كل شيء وهي أبدية فأين البطولة ؟ أن تحقق درجة في الآخرة، أين العقل ؟ أن يكون لك مقعد صدق عند مليك مقتدر، أين الذكاء ؟ أن تصل إلى الجنة، هذا هو الحسد، الحسد علاجه مزيد من الإيمان، المؤمن لا يحسد لأنه آمن أنّ الخلق كلهم عند الله سواسية، ولأنه آمن أن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولأنه آمن الذي أعطى أخاك يعطيك، والذي أكرمه يكرمك، والذي منحه يمنحك، والذي رفعه يرفعك والذي فتح عليه يفتح عليك به، ما عليك إلا أن تطلب، هناك قصة ذكرتها كثيراً، أب أرسل ابنه للأزهر عاد طالب علم، الأب في الخامسة والخمسين تمنى أن يكون كابنه عالماً الأب أمي، جاهل، ركب دابته وتوجه إلى القاهرة، فسأل أحد الباعة أين الأزعر ؟ وهو يقصد الأزهر، أرشدوه إلى هذا الجامع العريق العتيد فهذه قصة واقعية، واسمه زكريا الأنصاري، هذا تعلم القراءة والكتابة في الخامسة والخمسين وتعلم القرآن في هذا السن، وطلب العلم تباعاً وارتقى حتى أصبح شيخ الأزهر، وما مات في السادسة والتسعين إلا شيخ الأزهر، قبل أسبوعين أو ثلاثة طرق بابي إنسان لا أعرفه، يعرفني من بعض الأشرطة، قال لي: أنا عمري سبعون عاماً قبل أيام نلت الإجازة في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية، متى دخل الجامعة ؟ في الرابعة والستين، الباب مفتوح، لا تقل أصبحت كبيراً، العلم ليس له سن معين، هذه قبل أسابيع، قال لي أنا أخذت الإجازة باللغة العربية الآن، عمري سبعون عاماً، انتسبت للجامعة اللبنانية في الرابعة والستين، من منا وهو في الخمسين يفكر أن يأخذ شهادة، يقال لك: عند الكبرة جبة حمرا، اطلب العلم، لا تكن حسوداً بل كن غيوراً، لأن الغيور لا وقت عنده ليحسد، بدل أن يحسد يعمل، بدل أن يهدم يبني، بدل أن ينظر ما عند الناس يعمل لبناء ذاته هذا هو الحسد، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا))

 الناجش إنسان يشتري السلعة شراءً خلبياً كاذباً ليرفع السعر، وألوان النجش بحياتنا لا تعد ولا تحصى، قال لي أخ كريم: دخلنا بمناقصة أو بمزايدة لشراء محضر، قال لي: كلنا متفقين مع بعضنا، رفعنا قليلاً قليلاً، حتى رسا المحضر على سعر يقل عن سعره الحقيقي للنصف تقريباً، هذه مزايدة خلبية، هذا نجش أيضاً، أي احتيال لرفع السعر إذا أردت أن تبيع أو لخفضه إذا أردت أن تشتري، عملية احتيال زبون يشتري شيئاً وأنت جار البائع، فتقول: أنا أريدها، أريدها بثمانين، عرض عليك سبعين وتقول أنا أريدها بثمانين، ما الذي جعله يشتري هذه السلعة، إنه هذا الشراء الخلبي، التمثيلي، هناك بائع ألبسة عنده صانع متفق معه، يأتي زبون ويقول له: أريد هذه البلوزة، فيسأل معلمه: ما سعرها يا معلمي ؟ فيقول له المعلم: بتسعين، فيقول هذا الأجير بسبعين، فيشتريها الزبون بسرعة لاعتقاده أن الأجير قد سمع بشكل خاطئ، ويكون سعرها في الأصل ستين، طبعاً صاحب المحل تكلم بصوت عالٍ والاثنين قد سمعوا، ولكن الأجير يتظاهر بأن سمعه خفيف، أي طريقة من طرق الاحتيال تعد بيعاً محرماً، قال: أجمع العلماء على أن فاعل هذا البيع عاصٍ لله تعالى، يعني أي إمام، أي تدليس، أي لفت نظر، أي تزوير للماركة، أي غش أو خداع أو نجش أو بيع خلبي أو شراء خلبي أو احتيال أو اتفاق أو تآمر في البيع والشراء يعد هذا البيع نجشاً، العلماء قالوا: هذا البيع صحيح، لكنّ الذي باع بهذه الطريقة آثم أشد الإثم، البيع صحيح، أنت اشتريت حاجة بعد أن توهمت أنها سوف تفقد، أنت اشتريتها، شراؤك صحيح، لكنّ الآثم هو البائع، الإمام مالك قال: إذا علم المشتري بأن هناك ائتمار أو تلاعب هو في خيار، إما أن يمضي الشراء أو أن يطلب الإقالة، لكن العلماء قالوا: إذا كان هذا النجش في البيع رفع السعر إلى مستوى ثلاثين بالمائة من السعر الحقيقي دخلنا فيما يسمى بالغبن الفاحش، والغبن الفاحش يوجب الإقالة والفساد، أريد أن أنبه لنقطة أيها الإخوة، الإنسان إذا كان يعرف مدلول اللغة وسمع فليس منا يجب أن ترتعد فرائصه، قال النبي:

 

 

((عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَرَأَى غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا ))

 وقال أيضاً:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَغْشُوشٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ."* ))

 أول حديث من غشنا والثاني من غش، مطلق الغش، أي كل حديث فيه ليس منا يجب أن ينخلع قلبك لهذا الحديث، كلمة ليس منا، قال أيضاً:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))

 وقال أيضاً:

 

 

(( ليس منا من نهب أو أشار بالنهب ))

 وقال:

 

 

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ))

 وقال:

 

 

(( عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ))

 وقال أيضاً:

 

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لاَ يُحَاشِي مُؤْمِنًا لإِيمَانِهِ وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ))

 أي يجب إذا قرأت حديث صحيح لرسول الله وتوعد فيه من يفعل هذا الذنب بأنه ليس منا، أنا أقول لكم وهذا علمي بالله عز وجل، يجب أن ينخلع قلب المؤمن إذا وجد نفسه متلبس بمعصية توعد بها النبي صاحبها بأنه ليس منا، أي أن النبي قد طردك من الإسلام كلياً، لست من ملته، لست من هذه الملة إطلاقاً، أي أنّ هذا الذنب قد أخرجك من ملة الإسلام، الغش شيء كبير جداً، فما قولك إن كانت حياتنا أربع أخماسها غش، إذا الأسواق تسعة أعشار البيع والشراء أساسه الغش، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( المكر والخداع في النار))

 ويقول أيضاً:

 

 

((عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ ب))

 الآن عندنا مقياس آخر كلمة ملعون، الكلمة في اللغة كما نعرف إذا كثر استخدامها ضعُف مدلولها، قد نقول: لعن الله فلاناً، كلمة مألوفة جداً أما لو وقفت على معناها النظامي الشيطان ملعون، لعنه الله أي أبعده، أكبر عقاب ينزل بساحة المؤمن أن يلعنه الله، أن يبعده عن رحمته، فيقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ ب))

 دقق في البيع والشراء، دقق في المواصفات، دقق فيما يقال للشاري عن هذه البضاعة، يكون أسوء القماش والبائع يرتدي بنطالاً من هذا القماش يقول لك: نصيحة انظر، لا يتكلم، إنه يلبس منه، هو اختار أسوء لباس ولبس منه، هذه الإشارة إلى أنه يرتدي منه هذا البنطال هذا نوع من التضليل والله عز وجل هو الرزاق ذو القوة المتين، هو الكافي، قال: تدليس العيوب وكتمانها وغش المبيع الجيد بالرديء وغبن المسترسل هذا كله يدخل في بيع النجش، تدليس، فما قولك بدواء يكون مفعوله منتهياً، نمحي هذا التاريخ ونضع تاريخاً جديداً، أصبح هذا الدواء لا قيمة له، هذه سرقة، شيء منتهٍ مفعوله تبيعه على أنه فعّال هذا سرقة، أنا أرى أنّ دين الإنسان يبدو في البيع والشراء، دينك أكثر ما يبدو في دكانك، وفي مكتبك، وفي عيادتك، إن كنت محامياً في مكتب المحاماة، وإن كنت مهندساً في مكتب الهندسة، وإن كنت طبيباً ففي العيادة، دينك يبدو صارخاً ليس في المسجد وإنما في العمل لأنه كما قال الرسول:

 

 

((ترك دانق من الحرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام))

 نا والله أقسم أنّ الطبيب المؤمن لا يمكن أن توصيه بمريض، لأنه يعرف الله ويعرف أنّ هذا المريض عبد لله، لا يمكن لطبيب مؤمن أن يغش مريضاً أو يخيفه أو يبتز ماله أو يكلفه بصور لا فائدة منها، أو بتحليل لا جدوى منه لكي يقتسم مع المحلل الأجر، لا يمكن أن يفعل طبيب مؤمن هذا الشيء، يستحيل في حقه استحالة مطلقة، مستحيل على محامي مؤمن يقبل دعوة فيها ظلم، أما يقبل دعوة من موكل صحيح، مستحيل مهندس يضعضع البناء حتى يربح طن حديد، يسحب الأسلاك بعد الكشف، فديننا دين عمل ومنهج، دين بناء أمة، عندما فهم الصحابة الكرام الدين هكذا كانوا في أطراف الدنيا، ولما فهمنا الدين كصوم وصلاة فقط، عندها انتهينا كأمة، لكن عندنا استثناء واحد فقط قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَ خَدْعَةً ))

 تستطيع فقط أن تخدع عدوك، لأن أساس الحرب خدعة، والخدعة هدفها نبيل، هدفها أن تقبض عليه مأسوراً لا أن تبيده، تخدعه لتقبض عليه فلعله يهتدي إذا كان أسيراً عندك، استثناء وحيد وهو الحرب، الفقرة الثالثة من الحديث ولا تباغضوا، نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، أي لك أن تبغض أخاك إذا اقترف معصية، أو اقترف ذنباً، أو فعل شيئاً لا يليق، إن لم يتبع سبيل المؤمنين أبغضته هذا البغض لله، أما إذا أبغضته لغير الله فهذا البغض منهي عنه، الله جل جلاله جعل المسلمين إخوة، فالبغض يتناقض مع الإخوة، أي أنت على غير منهج الله، على غير التصميم الإلهي لهذا المجتمع، إذا هناك بغضاء وعداوة لغير الله طبعاً، بسبب الأهواء قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ))

 ذكرت هذا الحديث قبل قليل، الحقيقة البغض حال نفسي، والإنسان لا يملك نفسه، فما معنى الحديث لا تباغضوا ؟ لا تفعلوا شيئاً يسبب لأخيكم أن يبغضكم، لا تقترفوا أسباب البغضاء، كل شيء يؤدي إلى البغض والبغضاء لا تفعلوه، هذا معنى الحديث، أما البغض حال نفسي، عفوي يكون، لذلك الله عز وجل قال:

 

 

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾

 

( سورة المائدة )

 الخمر والميسر أحد أسباب البغضاء، وقال تعالى:

 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾

 

( سورة آل عمران )

 إذن المؤلف هو الله، وقال أيضاً:

 

﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾

 

( سورة الأنفال )

 لذلك كلمة لا تباغضوا أي لا تغتابوا إخوانكم، لا تمشوا بالنميمة لأنها توقع العداوة والبغضاء، رخص في الكذب في الإصلاح بين المؤمنين، قال تعالى:

 

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)﴾

 

( سورة النساء )

 وقال أيضاً:

 

﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9﴾

 

( سورة الحجرات )

 هذه أدق آية فأصلحوا ذات بينكم، ما هي ذات بيننا، النفس، أصلح نفسك بتعريفها بالله وحملها على طاعته وجعلها تتصل بالله كي تشفى من أمراضها هذا هو معناه، أصلح أية علاقة بينك وبين المسلمين، مع والدك، مع والدتك، مع أخيك، مع أختك، مع زوجتك، مع أولادك، مع جيرانك، مع زملائك، مع أقاربك، مع من هم دونك، مع من هم فوقك، أصلحوا ذات بينكم، المعنى الثالث أصلح أية علاقة بين اثنين، لك أخ وأخت متخاصمان أصلح بينهما، هناك أشخاص بعيدين بعداً كبيراً عن هذا المستوى، قال لي أحدهم: والله شكوت إلى أخٍ أخته وهي زوجتي فقال له: طلقها لا تريدها، هل هذا إصلاح ؟ أي هناك من يتمنى أن تُفصم العلاقات، أن تزداد الهوة بين الناس، أن يتقاتل الناس، هذا في خندق المنافقين، هذا في خندق الكفار، من يتمنى العداوة والبغضاء بين الناس، قال الرسول الكريم:

 

﴿عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا وَبَيْنَ الأَْخِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ﴾

 روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ ))

 هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، هذا حديث صحيح، أن تصلح بين الناس، فإنّ فساد ذات الدين هي الحالقة، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث غيره:

 

 

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ))

 أما إذا أبغضت لله فهو عين الإيمان، أما البغض في الله فهو من أوثق عرى الإيمان، وليس داخلاً في هذا الموضوع، لو ظهر للرجل من أخيه شرٌ فأبغضه عليه وكان الرجل معذوراً في نفس الأمر أُثيب المبغض وأعذر الذي فعل هذا الشر، أنت لمجرد أن تكره الشر تثاب عليه، إذا كرهت الكذب النفاق الغيبة النميمة هذا البغض في الله، قال أحد التابعين: لو رأيت رجلاً يظهر خيراً ويُسِر شراً فأحببته آجرك الله على هذا الحب، ولو رأيت رجلاً يظهر شراً ويسر خيراً فأبغضته آجرك الله على هذا البغض، أنت لك الظاهر، عمل عملاً شريراً أبغضته، عمل عملاً طيباً أحببته، أنت لست موكلاً بالخلق وبأسرار الخلق، لك الظاهر، أيها الأخوة المؤمن يحب في الله ويُبغض في الله، محبته لا علاقة لها بالهوى، محبته لله وبُغضه لله، فمن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، هذا الحديث الشريف حديث طويل ويحتاج إلى درس أو اثنين أخريين.

 

 

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَسْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.))

 رواه مسلم، هذا الحديث يمكن أن يُكتب وأن يعلّق في البيت كشعار، هذا منهج المسلمين، كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه.

 

إخفاء الصور