وضع داكن
29-03-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 34 - آداب الأنبياء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الأدب مع الله :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ متصلٍ اتصالاً شديداً بـ:"سبل الوصول وعلامات القبول"، ألا وهو "الأدب مع الله"، وقد بينت لكم من قبل أن في الدين عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب، وبالأدب يكمل الإيمان، وفي الدين عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب، وهذا الدرس يندرج مع الآداب، جاء في الأثر: أن من حملة العرش ملكان يقولان: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، الله عز وجل:

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

[ سورة غافر ]

ومع ذلك هو حليمٌ على عباده، يرزقهم، ويعافيهم، وملكان آخران يقولان: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، دقق، حلمٌ مع العلم، وعفوٌ مع القدرة، فالمؤمن الصادق يتخلق بهذا الكمال الإلهي، حلمٌ بعد علم، وعفوٌ بعد قدرة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾

[ سورة الحج ]

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء ]

النبي عليه الصلاة والسلام سئل ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

أي الكمال البشري متمثل في رسول الله، وكنت أقول دائماً: الكون قرآنٌ صامت، والقرآن كونٌ ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي.
وحينما سئلت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "كان خلقه القرآن".

 

بطولة المؤمن أن يكون في أعلى درجات الخلق في البيت :

مرةً ثانية: من السهل جداً أن تنضبط في علاقاتك مع الآخرين، وهذا ينبع من حرصك على مكانتك، ولكن الانضباط الحقيقي، ولكن الخلق الأصيل ما كان في بيتك، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[ أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]

وكان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، وكان يقول عن النساء:

(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))

[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عقبة بن عامر ]

وبطولة المؤمن أن يكون في أعلى درجات الخلق في البيت، شكاوى لا تعد ولا تحصى مفادها أنه من ألطف الناس مع الآخرين، ومن أقساهم في بيته، ودائماً وأبداً أؤكد لكم أن بطولتك أيها المؤمن أن يكون العيد إذا دخلت إلى بيتك، وهناك أناسٌ يكون العيد بخروج الزوج من البيت، فالبطولة أن يكون العيد إذا دخلت لا إذا خرجت.
ومكة التي ناصبت النبي عليه الصلاة والسلام العداء عشرين عاماً، أخرجته ونكلت بأصحابه، فلما فتحها، ودانت له هذه المدينة التي أخرجته، وهي مدينته، وسأل أهل مكة:

(( ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء))

[ السيرة النبوية]

بل إن عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر كلمةً من فمه الشريف، ودائماً الأقوياء يبيدون المدن.

 

أحمق إنسان من لا يدخل الله عز وجل في حساباته :

يروى أن إنساناً يطوف حول الكعبة، ويدعو ويقول: ربي اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل، مشى وراءه إنسان، سمع هذا الكلام، فقال له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله؟ قال له: ذنبي عظيم، قال له: ما ذنبك؟ قال له: كنت جندياً في قمع فتنةٍ في مدينة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، قال: دخلت أحد البيوت، وجدت فيها رجلاً وامرأةً وولدين، قتلت الرجل وقلت لامرأته: أعطني كل ما عندك، أعطتني كل ما عندها فقتلت ولدها الأول، فلما رأتني جاداً في قتل الثاني، أعطتني درعاً مذهباً، أعجبتني، فإذا عليها بيتان من الشعر، قرأتهما، فوقعت مغشياً علي:

إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *

أخوتنا الكرام، الذي لا يدخل الله في حساباته هو من أغبى الأغبياء، ومن أحمق الحمقى.

فــويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لقاضي الأرض مـن قاضي السماء
* * *

طبعاً حينما بالغ أهل الطائف في الإساءة إلى النبي، حينما كذبوه، وحينما سخروا منه، بل حينما أغروا صبيانهم أن يضربوه وضربوه، وسال الدم من قدمه الشريف، جاءه ملك الجبال:

(( قال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين ـ أي الجبلين ـ قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ـ هل فوق هذا الأدب من أدب مع الله؟ ـ اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[متفق عليه عن عائشة]

ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

أدب الأنبياء :

في هذا اللقاء الطيب الحديث عن أدب الأنبياء، الأنبياء قممٌ في الكمال، كان سيدنا حنظلة يبكي في الطريق، مرّ به الصديق فقال له: ما بك يا حنظلة تبكي؟ قال: نافق حنظلة، قال: ولِمَ يا أخي؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، قال: أنا كذلك يا أخي ـ من تواضع الصديقـ انطلق بنا إلى النبي الكريم، فلما التقيا بالنبي عليه الصلاة والسلام حدثاه بهذا الحال، فقال: نحن معاشر الأنبياء، تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعةٌ وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم.
معنى ذلك أن أحوال الأنبياء اتصال دائم مع الله، أما نحن فساعة وساعة، وأنا أتمنى عليكم من أعماق قلبي ألا تفهموا ساعة وساعة، ساعة معصية، وساعة استقامة، لا أبداً، ساعة تألق وساعة فتور فقط ، المؤمن ساعة تألق، وساعة فتور، مؤمنو الجن ماذا قالوا؟ قالوا:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ﴾

[ سورة الجن ]

ما قالوا: وأنا لا ندري أشرٌ أراد الله بهم، الله عز وجل كماله مطلق، كلام لطيف جداً:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ﴾

سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ماذا قال؟:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾

[ سورة المائدة الآية: 116 ]

لو أنه قال: لم أقل ذلك.

﴿ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

[ سورة المائدة ]

أي أدب الأنبياء شيء مذهل، هم قدوةٌ لنا.

 

ما جاء به الأنبياء من منهجٍ أخلاقي جميع البشر مكلفون أن يطبقوا هذا المنهج:

الذي يلفت النظر كأن الإنسان إذا قرأ عن كمالات الأنبياء يقول: هذا نبي، هو نبيٌ، وأنت لست بنبي، لكنك مكلفٌ أن تقلد النبي والدليل:

(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

أوضح لكم هذه الحقيقة: أعلى جراح قلب، وأدنى ممرض، حينما يعطون حقنة لابد من تعقيمها، يستوي أكبر جراح مع أدنى ممرض في تعقيم الحقنة.
فلذلك ما جاء به الأنبياء من منهجٍ أخلاقي، جميع البشر مكلفون أن يطبقوا هذا المنهج، قيادة المركبة، يستوي أعلى إنسان لو أنه ملك قاد مركبة، وخفير صغير قاد مركبة، لابد من اتباع تعليمات موحدة، أي إذا قلت: إن النبي نبي، نعم هو نبي، وأنت لست بنبي لكنك مكلفٌ أن تكون مطبقاً لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، سيدنا موسى، قال:

﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

[ سورة القصص ]

فقير إلى ماذا؟ يا الله! فقير إلى العمل الصالح، لما سقى للفتاتين،

﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح، والغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، أما بمقياس الناس الغنى الحقيقي بحجمك المالي، والفقر الحقيقي عند الناس بقلة المال الذي بين يديك.
لذلك ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه: "الغنى والفقر بعد العرض على الله"، لا يسمى الغني غنياً في الدنيا إلا إذا أنفق هذا المال في طاعة الله، ولا يسمى الفقير فقيراً في الدنيا إذا كان محسناً، وله أعمالٌ صالحة كبيرة جداً،

﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

أسعد لحظات المؤمن عند مناجاة الله عز وجل :

أيها الأخوة، سيدنا آدم، أنا أتيكم بمواقف الأنبياء في الأدب، سيدنا آدم قال:

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف ]

المؤمن له مناجاة مع الله عز وجل، وهو في أسعد لحظاته حين يناجي ربه، أي أنت حينما تتعامل مع الله هو معك، يسمعك، ويراك، بالمناسبة إن تكلمت فهو يسمعك، ألم تقل في الصلاة: سمع الله لمن حمده؟ هو الآن يسمعك، حتى إن بعضهم قالوا: إن أردت أن تناجي الله فادعه، الدعاء مناجاة، إن أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن:

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾

[ سورة الإسراء ]

أنت حينما تقرأ القرآن كأن الله يخاطبك، وحينما تريد أن تناجي ربك ادعه، فأنت بالدعاء تناجي، وبتلاوة القرآن يناجيك الله عز وجل،

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

ورد في بعض الأثر: أن شاباً له شيخ، قال له: يا بني، إن لكل حسنةٍ ثواباً، وإن لكل سيئةٍ عقاباً، يبدو أن هذا الشاب زلت قدمه، فارتكب مخالفة، بحسب كلام شيخه لابد من عقابٍ سوف يقع به، فانتظر، فهذا الشاب انتظر المصيبة، مرّ أسبوع، أسبوعان، ثلاثة أسابيع، لم يحصل شيء، بصحته، ببيته، بمركبته، الآن كله تمام، فناجى ربه، قال: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني، قال: فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ ألا تكفِك هذه؟

 

أكبر عقاب يصيب المؤمن أن يحجب عن الله عز وجل :

أخواننا الكرام، الذين لهم أذواق عالية جداً، أكبر عقاب يعاقب به الإنسان أن الله يحجبه عنه فقط، لا تكفيك هذه؟ إذا ابن تربيته عالية جداً، ما من داع لأن يضربه الأب إطلاقاً، يكفي أن يعرض عنه، فيحترق، كلما ارتقى مقامك تتأثر لا بالضرب، تتأثر بالإعراض.
لذلك أكبر عقاب يصيب المؤمنين، لا مصائب، ولا شيء، مكانته، صحته، بيته كله تمام، لكن الله يعاقبه بحجبه، والدليل:

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين ]

هذا الحجاب أكبر عقاب،

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

سيدنا أيوب قال الله عنه:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 83 ]

بربكم هؤلاء الأنبياء يخاطبون ربهم، هل خطر ببالك أن تناجي ربك؟ عندما تلعب رياضة، ناجِ ربك، تقود مركبتك، ناجِ ربك، اطلب منه العفو، استسمحه، استغفره، عبر عن محبتك له، شيء رائع جداًَ أن تناجي ربك:

 

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 83 ]

قال:

﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾

هناك إنسان يقول: أنت ابتليتني يا رب:

﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء ]

الله عز وجل إن حدثته فهو سميع، وإن تحركت فهو بصير، وإن ناجيته فهو سميع، وإن تحركت فهو بصير، وإن أضمرت شيئاً فهو عليم، أنت في قبضته.

 

سيدنا يوسف عليه السلام قمة في الأدب :

من قمم الآداب سيدنا يوسف، هذا الطفل الصغير، الوديع، الذي وضعه أخوته في الجب، وضعوه في الجب ليموت، والقصة تعرفونها جميعاً، كيف أن سيارةً مرت بهذا البئر، أدلوا دلوهم، فخرج هذا الطفل الصغير:

﴿ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ﴾

[ سورة يوسف الآية: 19 ]

الآن بعد أن التقى بإخوته، وهو عزيز مصر، في أعلى مقام، قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

[ سورة يوسف الآية: 100 ]

بربكم، أيهما أخطر السجن أم الجب؟ لم يقل: إذ أخرجني من الجب، لئلا يُذكّر أخوته بجريمتهم، قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

ثم يقول:

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

[ سورة يوسف ]

لم يقل: تآمروا علي، عزا الأمر إلى الشيطان، هو وأخوته سواء، والشيطان دخل بينهما، هذا كله نحتاجه في علاقاتنا،

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

على الإنسان أن يلزم الأدب ظاهراً و باطناً :

قال بعض العلماء: الزم الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحدٌ الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً، وما أساء أحدٌ الأدب باطناً إلا عُوقب باطناً، بالظاهر أساء الأدب، هناك من يسيء إليه بالباطن، يحجب عن الله، عقاب الظاهر بالظاهر، وعقاب الباطن بالباطن

بعضهم قال: إذا صليت فلم تشعر بشيء، وإذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، وإذا ذكرت الله فلم تشعر بشيء، فهناك مشكلةٌ كبيرة في علاقاتك مع الله، معنى هذا أنت محجوب، و هذه مشكلة كبيرة، وبعضهم قال: اعلم أنه لا قلب لك، لا يوجد خشوع إطلاقاً، لا تبكي أبداً، لا تضطرب أبداً، هناك مشكلة، قال تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة المطففين ]

قال بعضهم: الأدب في العمل من علامات قبول العمل، هناك عمل أديته بأدب، من علامات قبوله أنك توجته بالأدب، والأدب كما قلت قبل قليل: كمال العمل الصالح، وكمال العبادة، حتى إن بعض الكتاب المعاصرين له كلمة أعجبتني قال:

رقصت الفضيلة تيــهاً بفضلها فانكشفت عورتها
***

أي هناك عمل صالح كبير، إن تكلمت عنه مرة، مرتين، ثلاثة، فقد قيمته، اجعله بينك وبين الله، فالعمل الطيب إذا اقترن بالمن والأذى والفخر هذا العمل الطيب تاه صاحبه به، فذهبت قيمته.
وقال بعضهم: حقيقة الأدب استعمال الخلق الحسن، وقال بعضهم: الأدب استخراج ما في الحياة من الكمال، من القوة إلى الفعل:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

[ سورة الشمس ]

أعظم عملٍ على الإطلاق أن يزكي الإنسان نفسه :

أخواننا الكرام، الإنسان عندما يجهد ليكون كاملاً هو قريب من الله عز وجل لأن:

(( إن الله طيِّب، لا يقبلُ إلا طيباً، وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

فهذه الآداب التي تأدب بها أنبياء الله عز وجل ينبغي أن نأخذ بها نحن في علاقاتنا، لذلك أيها الأخوة، أعظم عملٍ على الإطلاق أن تزكي نفسك:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس ]

بل إن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب الآية: 72 ]

ما الأمانة؟ نفسك التي بين جنبيك، أودعها الله عندك أمانة، فإما أن تُعرفها بربها، وإما أن تحملها على طاعته، وإما أنها تقبل عليه فتزكو، وزكاة النفس ثمن الحنة،

﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾

بالقرآن أعتقد آيتان أو ثلاثة فقط:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾

[ سورة الأعلى ]

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس ]

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون ]

إذاً تنجح، وتفلح، وترقى، وتنجو، وتتفوق، وتكون عاقلاً، وذكياً، وحكيماً حينما تزكي نفسك، لأنها رأسمالك، لأن هذه النفس إذا زكيتها استحقت جنة ربها.

 

الأدب كمال العبادة :

صدقوا أيها الأخوة،

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

من أخطر آيات القرآن الكريم، الفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والتفوق كل التفوق، والذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل، أن تزكي نفسك، أي أن تطهرها من الأدران، وأن تصلها بالواحد الديان، هذا هو الذكاء والفلاح، وهذا لا نعرف قيمته إلا حينما نقابل الله عز وجل، فالمؤمن في روضات الجنات، المؤمن يرى مقامه عند الله حينما يأتيه ملك الموت:

(( يقول: لم أرَ شراً قط، وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن، وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئةٍ كان عملها، سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله، أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر فإذا بقي عليه شيء، شددت عليه سكرات الموت، حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))

[ورد في الأثر]

أي إذا أتيح لنا إن شاء الله أن نصل إلى القبر ونحن طاهرون، والله فاز الإنسان بكل شيء، تحمل بعض العلاج الإلهي في الدنيا، تحمل بعض المشكلات.

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن، وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئةٍ كان عملها، سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله، أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر فإذا بقي عليه شيء، شددت عليه سكرات الموت، حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ))

من خلال هذه النصوص والآداب التي تخلق بها الأنبياء يتبين أن الأدب كمال العبادة. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور