وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 44 - سورة البقرة - تفسير الآيات 125 - 128، مقام إبراهيم عليه السلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة البقرة.

ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها اتخذ بيتاً له هو البيت الحرام:

 مع الآية الخامسة والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى :

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) ﴾

 أيها الأخوة الكرام ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها اتخذ بيتاً له هو البيت الحرام، ومن قصد هذا البيت ابتغاء وجه الله يلقى فيه شعوراً لا يعرفه إلا من ذاقه، هذا الشعور المُسعد يجعله يتمنَّى أن يعود إليه، ما معنى ثاب ؟ أي رجع، ما من إنسانٍ زار بيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً، لأنه قصد وجه الله، وزار بيت الله، وأراد أن يلبِّي دعوة الله، لأنه آثر أن يلبي دعوة الله على البقاء في بلده، وعلى مصالحه، وعلى بيته، وعلى زوجته، وعلى أولاده، لأنه آثر أن يلبي دعوة الله على دنياه فقصد البيت الحرام حاجاً أو معتمراً، لأنه تفرَّغ لهذه العبادة البدنية، المالية، الشعائرية التي لا تؤدَّى إلا في مكانٍ خاص، وفي زمانٍ خاص، وبمناسك خاصة، لذلك ربنا عزَّ وجل بشكلٍ استثنائي يلقي في قلب الحاج أو المعتمر سعادةً وسكينةً وأمناً ورضاً لا يعرفه إلا من ذاقه، وإلا من زار هذا البيت مخلصاً.

 

معنى قول الحاج لبيك اللهم لبيك:

 وإذا أراد الإنسان أن يحج بيت الله الحرام ولم يكن مستقيماً، وكان ماله حراماً وقال: لبيك اللهم لبيك . يناديه منادٍ: أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردودٌ عليك . ولكن من يلبي هذه الدعوة مخلصاً لا يبتغي الرياء ولا السمعة، يبتغي وجه الله الكريم، يلقي الله في قلبه من السعادة ما يحمله على أن يعود إليه مرة ثانية .

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً (125) ﴾

 إذا زار الإنسان مكاناً جميلاً جداً وسعد في هذا المكان أيَّما سعادة يقول: إن شاء الله نعيد الكرَّة في العام القادم . وهذه قاعدة، فكلمة مثابةً أي أن هذا البيت لما يلقي الله في قلب حاجِّه ومعتمره من السعادة يتمنى أن يعود إليه دائماً، والإنسان دائماً يصلي في بلده ويصوم، وفي البلد متاعب وأعمال ومشاغل ومشكلات، أما حينما يترك بيته، ومكتبه، وعمله، وتجارته، ويدفع الأموال، ويمشي في الطرقات، ويركب السيارات، ويتحمل المشاق، ووعثاء السفر، يبتغي وجه الله، فلا يعقل إلا أن يكرمه الله إكراماً لا يعرفه إلا من ذاقه:

(( إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها فطوبى لعبدٍ تطهر في بيته ثم زارني وحق على المزور أن يكرم الزائر .))

[أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود]

 إذا زار الإنسان بيت الله في بلده يلقي الله في قلبه من الطمأنينة والسكينة والشعور بالأمن ما لا يعلمه إلا الله، ولذلك التجلي الإلهي في بيت الله الحرام تجلٍ مركَّز جداً، فعندما فرَّغ الإنسان نفسه لهذه العبادة يتولى الله تفريغ قلبه ـ نقطة دقيقة ـ هو فرَّغ قلبه مادياً ؛ ترك بيته، ووطنه، ومكتبه، وتجارته، وزوجته، وأولاده . أنت حينما تفرِّغ جسمك ونفسك من متاعب الدنيا يتولى الله تفريغ قلبك من سواه، واسأل أي حاجٍ أو معتمر كان مخلصاً في حجَّته أو عمرته يقول لك: والله وأنا هناك ما ذكرت شيئاً من هموم دنياي كلها لأنها نُزعت مني . أنت فرَّغت نفسك لطاعتنا ونحن نفرغ قلبك لمشاهدة كمالنا .
 وهذا معنى قول الحاج: لبيك اللهم لبيك . كأن الله يقول له: تعال يا عبدي، تعال كي تذوق طعم القُرب، تعال كي تذوق طعم الأمن، تعال كي تذوق جمال المُناجاة . فالإنسان ذاق الدنيا، ذاق طعامها وشرابها، ونساءها، وعزَّها، وسلطانها، والمناظر الجميلة، والحدائق الغناء، والبيوت الفارهة، والمركبات الأنيقة، وكأنه يُقال له: تعالَ ذق شيئاً آخر، تعالَ اتصل بأصل الجمال، تعال اتصل بأصل الكمال، تعال اتصل بأصل النوال في بيت الله الحرام، وهذا الكلام الذي أقوله وأنا أعني ما أقول الذي سعد بحجةٍ مقبولةٍ أو عمرة مقبولةٍ يعرف معنى هذا الكلام، أنت هناك في عالم آخر.

 

الحج دعوة من الله وأنت تلبي هذه الدعوة والعمرة زيارة:

 قال تعالى:

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا (125) ﴾

 كيف أن الله عزَّ وجل جعل بين الزوجين المودة والرحمة ؟ وكيف أن الله عزَّ وجل جعل بين المؤمنين هذا الود:

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (63).﴾

( سورة الأنفال.)

 هذا الود بين المؤمنين، وتلك المودة بين الزوجين من خلق الله عزَّ وجل، وهذه السعادة التي تعمر قلب الحاج والمعتمر من خلق الله عزَّ وجل، أما حينما يحج الناس للسمعة والرياء والتجارة والمصالح والتباهي والتسوّق فقط، فهذا لا يذوق طعم الحج، لذلك الحج دعوة من الله وأنت تلبي هذه الدعوة، والعمرة زيارة، الله عزَّ وجل في الحج دعاك وأنت في العمرة زرته .

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً (125) ﴾

 هذا الأمن أيها الأخوة قد يفقده أغنى الأغنياء، وقد يفقده أقوى الأقوياء، ولكنه عطاءٌ إلهي خاصٌ بالمؤمن .

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

( سورة الأنعام )

المشرك من شأنه الخوف والقلق والمؤمن من شأنه الأمن والاطمئنان :

 بالمناسبة فالله عزَّ وجل قادر أن يخلق الأمن في أخطر الظروف ؛ وقادر أن يخلق الخوف في آمن الظروف، فالأمن من خلق الله يلقيه في قلب المؤمن،

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 وحدهم،

﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

 ضربت مرة مثلاً للتوضيح: قد تسافر إلى بلد مضطراً في وقت مبكر، والعجلة الاحتياطية معطوبة، تسير ساعتين وأنت في أشد حالات القلق، لأنه لو عطبت عجلة من إحدى العجلات الأربع لوقفت السيارة، فلو أن ابنك أصلح هذه العجلة المعطوبة ولم تدرِ أنت لا يوجد حينئذ عندك مبرر للقلق ولكنك تقلق، إذاً لا يوجد علاقة للقلق مع الوضع المادي، العجلة جيدة وجاهزة ولكنك لم تعلم أنها جاهزة، فكنت قلقاً جداً، والعكس صحيح لو أن العجلة معطوبة وأنت لا تدري فأنت في راحة كبيرة، فمن الممكن أن يخلق الله أمناً في ظرف يدعو للقلق، ويمكن أن يخلق القلق في ظرف يدعو للأمن، ومعنى هذا أن الأمن بيد الله عزَّ وجل، إنك عندما تكون معه، قد يكون هناك أخبار سيئة جداً، وقد تكون كل الطرق مغلقة، وأخطار تهدد الإنسان، وتجد أحياناً خمسين سيفاً مسلَّطاً على رقبة الإنسان، رغم هذه الظروف الصعبة جداً يخلق الله عزَّ وجل أمناً في قلبك تسعد به، وأحياناً تكون قوياً جداً ومعك ملايين مملينة، وقوياً جداً من نواحٍ أخرى وصحتك بأعلى درجة، والقلب فارغ من الأمن .

﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43) ﴾

(سورة إبراهيم.)

 فالله يخلق الأمن:

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ (154) ﴾

( سورة آل عمران .)

 أحياناً يلقي الله في قلب الإنسان الخوف، أما القانون: أنه لمجرد أن يشرك الإنسان بالله يلقي الله في قلبه الخوف، يقذف الله الرعب في كل قلبٍ أشرك به . فالمشرك من شأنه الخوف والقلق ؛ والمؤمن من شأنه الأمن والاطمئنان .

التوحيد هو الذي يحمل على الأمن والاستقرار والتوازن والسعادة:

 في الجسم جهاز مناعة ـ أي جهاز المناعة المكتسب وهو أخطر جهاز في الجسم مع أنه ليس له مركز قيادي ـ فجهاز الدوران قائده القلب، وجهاز الأعصاب قائده الدماغ، وجهاز التصفية قائده الكلية، بينما جهاز المناعة المكتسب ليس له قيادةٌ داخل الجسم، له رعايا أي الكريات البيض، فهذه الكريات بعضها استطلاعي، وبعضها تصنيعي، وبعضها قتالي، وبعضها خدمي، مهمة بعض هذه الكريات البيض أن تستطلع بنية الجرثومة الداخلة، تأخذ شفرتها الكيماوية، وتعود بها إلى مركز العُقَد الليمفاوية كي يصنع المصل المضاد لهذه الجرثومة، وبعضها يحمل هذا السلاح ويقاتل، وبعضها ينظِّف أرض العركة من الجثث .
 إذاً هناك عنصر استطلاعي، وعنصر تصنيعي ـ معامل الدفاع ـ وعنصر قتالي، وعنصر خدمات، وسلاح الهندسة، الهندسة خدمات، القيادة ليست في داخل الجسم، هذا كتاب أُلِّف عن هذا الجهاز الخطير، وذكر المؤلف هذه الحقيقة لكن ماذا يقول المؤمن ؟ قيادة هذا الجهاز بيد الله . أي إذا أراد الله أن يشفيك من مرضٍ ما، قوَّى هذا الجهاز، وإذا أراد أن يصاب الإنسان بمرض، ضعَّف هذا الجهاز، ما الذي يقوي هذا الجهاز ؟ الأمن، والطمأنينة، والاستقرار، والتوازن، والسعادة . وما الذي يحمل على الأمن والاستقرار والتوازن والسعادة ؟ التوحيد .

﴿ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213) ﴾

( سورة الشعراء.)

 أتحب أن تكون معذباً ؟ أتحب أن يكون قلبك منخلعاً من الخوف ؟ وأن تكون متشائماً سوداوي المزاج، تخاف من كل شيء ؟ سبيله الشرك، أتحب أن تكون آمناً مطمئناً واثقاً بالمستقبل، واثقاً من عطاء الله ؟ إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك ؟

حقيقة العبادة:

 أخواننا الكرام، كلمة لعلها خطيرة: هذا الذي تعبده إن لم تره قادراً على أن يحميك من كل شيء لا تعبده . يجب أن تعبد من يقدر أن يحميك من كل شيء، وهذه حقيقة العبادة، تعبد الله وتخاف غيره ؟! تعبد الله وينخلع قلبك لتهديد إنسانٍ لا يقوى على نصرة نفسه، ولا على نفع نفسه ولا ضرها ؟! هذا الذي تعبده ينبغي أن تثق أنه يحميك، الآمر ضامن .

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

( سورة الأنعام )

 أنت حينما تؤمن أن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، فما من شيء مخيف يتحرك إلا بأمر الله، ولا يوجد شيء يخيفك وهو طليق، ما معنى التوحيد ؟ ما معنى عندها لا بها ؟ كلمةٌ جامعةٌ مانعة قالها علماء التوحيد، أي لا يقع شيء إلا عند إرادة الله لا عند الشيء الفعَّال في الشيء . فالنار لا تحرق بذاتها، بل تحرق إذا أراد الله أن تحرق، والأفعى لا تلدغ بذاتها، تلدغ إذا أراد الله لها أن تلدغ، وكل شيءٍ ولو توهَّمت أن فيه قوةً فاعلة، فهذه القوة الفاعلة لا تفعل شيئاً إلا إذا أراد الله عزَّ وجل، أي لا يليق بالله عزَّ وجل أن يقع في ملكه ما لا يريد . والكافر يجب أن يعلم علم اليقين أنه لن يسبق الله، فما معنى:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)﴾

( سورة العنكبوت)

لا يمكن أن يفعل الكافر شيئاً ما أراداه الله ولا أن يتفلَّت من عقاب الله:

 وما معنى يسبقونا ؟ أي لا يمكن أن يفعل الكافر شيئاً ما أراداه الله، ولا يمكن أن يتفلَّت الكافر من عقاب الله، ولا يستطيع الكافر أن يسبق الله، لا بفعل شيءٍ ما أراده، ولا بالتفلَّت من عقاب الله، فإذا وجدت كافراً يقصف ويدمِّر، فكيف تفسِّر ذلك ؟ يجب أن تقول: إن خطة الله عزَّ وجل استوعبت خطة هذا الكافر، أي أن الله عزَّ وجل سمح له أن يفعل شيئاً لحكمةٍ أرادها، فقط، إن رأيت كافراً يفعل كما يتوهِّم هو ما يريد، هو يفعل ما يريد الله، فالله عزَّ وجل وظف له جريمته، ووظف له شره، وقسوة قلبه في الخير المُطلق، لذلك الآية الكريمة:

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

( سورة الأنعام.)

(( الظالم عدل الله في الأرض، ينتقم به ثم ينتقم منه ))

[الطبراني في الأوسط عن جابر رضي الله عنه.]

 والإنسان مخيَّر أن يفعل ما يشاء لكن لا على من يشاء هو بل على من يشاؤه الله، فالإنسان حينما يريد أن يأخذ مالاً بغير حق، يُسَلَّط على إنسانٍ يأخذ ماله لحكمةٍ أرادها الله .
 مثل يوضح ذلك: أرادت امرأة غير ملتزمة أن تتوظف، فطُلِب منها شهادة صحية، فذهبت كي تصور صدرها، فإذا بالنتيجة أنها مصابةٌ بمرض السُل، بكت وأبكت، ويئست، إلى أن تابت إلى الله وتحجَّبت وصلَّت، ثم ذهب أخوها إلى المستشفى كي يتأكد من هذه النتيجة فإذا هي قد أعطيت خطأً لها، فخطأ الموظف وظَّفه الله لتوبة هذه المرأة .
 سمعت عن امرأة مختصة بالرياضيات، ألزمتها مديرة مدرسةٍ في إحدى دول الخليج أن تدرِّس مادة التربية الإسلامية لعدم وجود شواغر وهي لا تفقه من الدين شيئاً، وهذه المديرة ألزمتها إلزاماً فإن لم تستجب ألغت عقدها، فاستجابت، فتحت كتاب التربية الدينية أول صفحة آيات الحجاب، فلما قرأتها بكت، وكانت توبتها عن طريق هذه الآيات التي ألزمتها بها المديرة التي لا تعرف من أمر التربية شيئاً، أيعقل أن تكلِّف مديرة امرأة تحمل ليسانس رياضيات لتدريس التربية الدينية ؟‍‍! هكذا كان.

 

آيات من القرآن تؤكد أن كل مخلوقٍ بيد الله:

 أنت مخير أن تفعل ما تشاء لكن لا على من تشاء، بل على من يشاؤه الله عزَّ وجل، اطمئن فهذا أكبر باعث للطمأنينة والأمن، لا يوجد أحد متفلت بل كل مخلوقٍ بيد الله.

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62) ﴾

( سورة الزمر.)

 وقال:

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾

( سورة الأعراف الآية: 54.)

 وقال:

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف.)

 وقال:

﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِك فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) ﴾

( سورة فاطر.)

حينما لا تملك علماً كعلم الله ينبغي أن تعلم أن الله عادل:

 يجب أن ترى أن يد الله تعمل وحدها في الخفاء، فحينما ترى أن كل شيءٍ تسمعه هو من فعل الله عزَّ وجل:

﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً(49)﴾

( سورة الكهف)

 من الصعب أن تصل إلى إثبات عدالة الله بعقلك إلا في حالة واحدةً مستحيلة: أن يكون لك علمٌ كعلم الله، وهذا مستحيل، أما حينما لا تملك علماً كعلم الله ينبغي أن تعلم أن الله عادل . ففي قصة سيدنا موسى مع الخضر شواهد على ذلك، فهذه السفينة التي خُرقت ظلماً، خرقت لتنجو من المُصادرة، وهذا الجدار الذي بُني مجاناً بما يبدو أنه حُمق، لكنه بني ليحفظ ثروة طفل يتيمٍ كان أبوه صالحاً، وهذا الطفل الذي قُتل مبكِّراً قتل ليرحم الله أبويه لأنه سيكون شقياً، فالأب يشقى بشقاء ابنه، الله عزَّ وجل علمك أن هناك شيئاً ظاهراً وشيئاً باطناً، نعم الله عزَّ وجل طائفتان ؛ طائفةٌ من النعم الظاهرة وطائفةٌ من النعم الباطنة وهي المصائب.

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125) ﴾

 طبعاً هذه الآية تفهم فهماً بسيطاً أن سيدنا إبراهيم صلى في هذا المكان فصلوا أنتم في هذا المكان، تجد في الحج ازدحاماً غير معقول، أثناء الطواف المنسجم، لأن أُناساً يصرون على أن يصلوا في مقام سيدنا إبراهيم، مما يعرقل السير، ويؤذي المسلمين إيذاءً شديداً، مع أن كل مسلمٍ يحج بيت الله الحرام أو يعتمر في هذا البيت، بإمكانه أن يصلي هاتين الركعتين في أي مكانٍ من الحرم، ولكن عدم التفقُّه في الدين جعله يزعج هؤلاء المسلمين، المعنى الأبعد:

﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125) ﴾

 بماذا قام إبراهيم ؟ قام بالإخلاص، اجعل من الإخلاص سبباً لاتصالك بالله.

 

الإخلاص هو أحد خصائص النبي إبراهيم عليه السلام :

 ماذا فعل سيدنا إبراهيم ؟ بنى البيت، اجعل من عملك ..

﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً (79)﴾

( سورة الأنعام)

 وقال:

﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 162.)

 فهذا الإخلاص هو أحد خصائص هذا النبي الكريم، تتخذ من الإخلاص سبب اتصالٍ لك بالله عزَّ وجل، بنى البيت، فبناؤه للبيت عمل شاق يبتغي به وجه الله، فاجعل من عملك الصالح سبباً لاتصالك بالله عزَّ وجل، سيدنا إبراهيم عبد الله عبادة مطلقة، فأكثر الأوامر معقولة، إذا قال لك الله عزَّ وجل: اصدق، فالصدق لمصلحتك، وكن أميناً وعفيفاً ومتقناً، فكل أمر إلهي يعود نفعه عليك بشكلٍ واضح، إلا أن يقول الله لإنسان: اذبح ابنك وابنه نبي . هذه غير واضحة، وغير مقبولة، ولا تنسجم لا مع الرحمة، ولا مع العدل، ولا مع المنطق، لكن هذا النبي الكريم تلقى هذا الأمر بالانقياد لثقته المطلقة بحكمة الله .

﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102) ﴾

( سورة الصافات.)

 مما يدعو إلى الإعجاب بهذا الأب العظيم، النبي الكريم، أبو الأنبياء، المستسلم لأمر الله، والذي لا يقل عن هذا إعجاباً قول ابنه:

﴿فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) ﴾

(سورة الصافات.)

 الله عزَّ وجل يقول لك: اصدق، فلا تصدق، كن أميناً، لا تكون كذلك، صل . أمره بذبح ابنه وهذه أعلى درجة في العبودية .

 

لن يكون الإنسان عبداً لله عزَّ وجل إلا إذا رضي بقضاء الله وقدره:

 بالمناسبة أيها الأخوة كلما اتضح الأمر ضعفت فيه قيمة العبودية، وكلما غمُض الأمر ارتقت فيه قيمة العبودية، فإذا قال أب لابنه: نظف أسنانك، إنها قوام وجهك وابتسامتك، وأسنانك الطبيعية لا يعدلها شيء . فهذا الأمر واضح جداً، يا بني لا تتأخر عن عملك يصغر حجمك، تُلام وتوبخ، أعطى الأب ابنه آلاف الأوامر كلها منطقية ومعقولة، لكن قال أب لابنه مرة: لا تأكل معنا، والابن جائع والطعام لذيذ، وطعام والده طعام طيب، والطعام لوالده والابن ابن، وهو جائع، فلثقة هذا الابن بأبيه المطلقة قال له: سمعاً وطاعةً يا أبي، حاضر . هذا دليل الثقة .
 ألا يحق لله عزَّ وجل ـ في التعبير الدارج ـ أن يسوق لك شيئاً أو أن يعطيك أمراً وأنت لا تفهم حكمته ؟ أنت مستقيم وطاهر ولكن حصلت مشكلة، اقبلها من الله، فهذه المصيبة مصيبة العبودية لله عزَّ وجل، أيعقل أن يُعذب النبي في الطائف، وأن يُسخر منه، ويُكذَّب ؟ وقيل: إنه ضُرب، قال:

(( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك، أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ))

[رواه ابن هشام في السيرة النبوية عن ابن إسحاق]

 أنت لن تكون عبداً لله عزَّ وجل إلا إذا رضيت بقضاء الله وقدره، وقد كان رجل يطوف حول الكعبة وهو يدعو: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي فقال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال: يا سبحان الله كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه ! قال: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
 أي أن بطولتك أن ترضى عن الله وأنت بالفقر أو بالمرض لا سمح الله، وقد حدث مشكلة، فهذه المشكلة هي امتحان، فإنسان يحضر مجالس علم من عشرين سنة مات ابنه فترك الصلاة، لم يرض عن الله، لكن العظمة أن تكون في المصيبة وأنت راضٍ عن الله: يا رب لك الحمد.

مرتبة الصبر هي أعلى المراتب:

 لي صديق توفي رحمه الله، أصيب بمرض عضال سنتين، تقول زوجته: والله ما سمعت منه إلا يا رب لك الحمد على ما ابتليت . وتوفي على هذا الحال، فمرتبة الصبر لا تعدِلها مرتبة .

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

( سورة الزمر )

 هنا :

 

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125) ﴾

 المعنى العميق اتخذ من هذا النبي قدوةً لك، واجعله قدوةً لك بإخلاصه وتوحيده:

 

﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً (81)﴾

( سورة الأنعام )

 هذا كلام سيدنا إبراهيم، كان موحداً، كان مخلصاً، كان له عمل طيب وشاق، بنى البيت الحرام وصبر على حكم الله:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (48) ﴾

( سورة الطور)

إن أردت أن تصل إلى الله فاجعل من خصائص النبي إبراهيم عليه السلام سبباً إلى الله :

 توكل سيدنا إبراهيم توكلاً مطلقاً، عندما يسافر الإنسان يهيئ في البيت كل شيء، وكل ما لذ وطاب موجود، والهاتف موجود، والأعوان موجودون، ويقول: يا رب توكلت عليك . هذا جيِّد، ولكن سيدنا إبراهيم أُمر أن يضع زوجته وابنه في وادٍ غير ذي زرع . قالت: يا إبراهيم إلى من تدعنا ؟ ألله أمرك بهذا ؟ قال: نعم . قالت: إذاً فلن ينسانا . هل لديك إمكانية أن تضع زوجة وابناً في العراء لا ماء ولا طعام ولا شراب ولا نبات ولا ظل، وتمشي ؟ إلى أين أنت ذاهب، توكل إبراهيم عليه الصلاة والسلام التوكل المطلق، وعبد الله العبادة المطلقة، فإن أردت أن تصل إلى الله فاجعل من هذا النبي الكريم، ومن إخلاصه، وأعماله، وتوكله، وتعبُّده، وصدقه طريقاً إليه .
 فكر سيدنا إبراهيم في الكون، فرأى النجم أولاً فلما أفل قال: لا أحب الآفلين . ورأى القمر بازغاً فقال: هذا ربي . ورأى الشمس، ثم قال :

﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) ﴾

( سورة الأنعام)

 مقام إبراهيم تعبُّده لله عزَّ وجل، ومقام إبراهيم توكُّله، وتفكُّره، وعمله الصالح، فإن أردت أن تصل إلى الله فاجعل من خصائص هذا النبي سبباً إلى الله عزَّ وجل .

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) ﴾

 الطائفين الإنسان يطوف، فعندما يصل إلى بغيته يعكف، فلما عرف عظمة الله عزَّ وجل ركع له وسجد، فالطواف ثم العكوف ثم الركوع والسجود هذه أحوال السالكين إلى الله عزَّ وجل، يطوف حول كماليات الله، ثم يستقر على تعظيم الله وعبادته، ثم يرى في النهاية أنه يجب أن يخضع وأن يستعين به، إياك نعبد وإياك نستعين، والقرآن كله جُمع في الفاتحة، والفاتحة جُمعت في إياك نعبد وإياك نستعين، بالنهاية يجب أن نعبده، ويجب أن نستعين به على عبادته.

 

فضل خدمة بيوت الله:

 قصة جانبية عن أحد الأخوة الذين يخدمون بيوت الله ـ توفي رحمه الله من عشر سنوات ـ ما رأيت في الشام كلها مسجداً بنظافة المسجد الذي يقوم عليه، أتحدَّى أن يكون في بيوت الشام كلها بيت أنظف من هذا المسجد، شيء عجيب ؛ نظافة السجاد، المرافق، الرخام كأنه قد رُكِّبَ حديثاً، قال لي هذا الإنسان الذي يخدم هذا البيت بيت الله عزَّ وجل: أنا شعاري هذه الآية:

﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ (125) ﴾

 هؤلاء الذين يقومون على خدمة بيوت الله هذا عمل عظيم، أنتم قد لا تنتبهون ترون السجاد نظيفاً، الأرض نظيفة، الجدران نظيفة، البلور ممسوحاً، المرافق العامة جميلة، هناك جنود مجهولون يخدمون هذا البيت، خدمة من أعلى مستوى لوجه الله تعالى، هؤلاء من قدوتهم ؟ هذا النبي الكريم:

﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)﴾

 إنسان قدم للمسجد شيئاً، إنسان قدَّم مظلة، إنسان قدم مرفقاً عاماً، قدم برَّاد ماء، قدم تكبير صوت، قدم مصلى مثلاً، إذا جاء إنسان لبيت الله ورأى نفسه مرتاحاً، والأمور جيدة، والمسجد مريحاً، والصوت واضحاً، التدفئة جيِّدة، التكييف جيداً، وفيه تهوية أحياناً، هذه أشياء ـ وإن كنت قد دخلت في التفاصيل ـ لها عند الله أجر كبير جداً، والدليل هذه الآية:

﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)﴾

مراحل السلوك إلى الله عزَّ وجل :

 هناك أُناسٌ لهم شأن عند الله كبير قد لا تعلمونهم أنتم، يعملون ساعاتٍ طويلة في خدمة بيوت الله، في تنظيفها، وفي ترتيبها، وفي العناية بها، فهؤلاء قدوتهم في هذا العمل هذا النبي الكريم .
 أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه تميم الداري كان في الشام فرأى قناديل جميلة جداً، فاشتراها لمسجد رسول الله، لم يعلم النبي بذلك، ركب هذه القناديل في وقت بين الصلاتين، ثم شدها بحبال وأشعلها، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام فرأى المسجد متألقاً فقال: من فعل هذا ؟ قالوا: تميم الداري، قال: نور الله قلبك يا تميم كما نوَّرت الإسلام ـ عَدَّ النبي الكريم بيت الله هو الإسلام ـ لو أن لي بنتاً لزوجتكما، فقال أحد أصحابه: أنا عندي بنت . قال له: زوجها إياه، ماذا فعل هذا الإنسان ؟ قام بخدمة لهذا المسجد، فأنا أريد من هذا الكلام أن يتحمَّس كل الناس لخدمة بيوت الله، جعلها في أعلى درجة من الراحة كي تجذب الناس إليها .
 كنت مرة عند طبيب فقال لي: والله أنا أحب سماع دروسك إلى أعلى درجة، ولكنني مرة سجدت وراء إنسان له جوارب رائحتها لا تحتمل، فتركت الدروس من أجل هذا. أنا تألمت أشد الألم، إذا لم يكن الإنسان نظيفاً، وكان معطراً، أنت تقطع إنساناً عن الله عزَّ وجل، فكل إنسان يأتي إلى بيتٍ من بيوت الله يجب أن يكون بأعلى درجة كي يجذب الناس إليه، حتى الأطفال يجب أن يكونوا مكرَّمين في بيوت الله حتى ينشأ عنده محبة للمسجد، هذا الكلام تعليق على قول الله عزَّ وجل:

 

﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ (125) ﴾

 هذا البيت نُسب إلى الله عزَّ وجل، إلى ذات الله:

﴿ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) ﴾

 طاف، وعكف، وركع، وسجد، مراحل السلوك إلى الله عزَّ وجل .

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً (126) ﴾

إذا نقضنا عهدنا مع الله ورسوله سلط علينا عدواً يأخذ ما في أيدينا :

 هنا يوجد نقطة دقيقة قال تعالى :

﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً (97)﴾

( سورة آل عمران).

 قال العلماء كلاماً رائعاً: هذه الآية ليست أمراً تكوينياً، بل هي أمرٌ تكليفي، أي أن الله عزَّ وجل أمرنا أن نجعله آمناً، قال: ينبغي أن يكون آمناً . اجعلوه آمناً يا عبادي، أوكل أمنه إلينا . فماذا يستنبط من هذا الحكم ؟ أي أن هذا بيتٌ من بيوت الله فإياك أن تفعل شيئاً تجر لهذا البيت شبهة، أو استفهام، أو مشكلة، لأن هذا البيت:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً(18) ﴾

( سورة الجن.)

 لا تعمل عملاً تسبب إشكالاً لرواد المسجد، لا تثر شبهة، ولا تعمل فيه عملاً لا يرضي الله عزَّ وجل، ادخله وأنت مخلص لربك، لذلك :

 

﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً (126) ﴾

 أي مكة المكرَّمة:

 

﴿ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ (126) ﴾

 هذه دعوة سيدنا إبراهيم . إذا ذهب أحدنا إلى مكة لزيارة بيت الله الحرام ورأى ما يعرض في المحلات من أنواع الفواكه يصدِّق هذه الآية:

﴿ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ (126) ﴾

 هناك أنواع من الفواكه لا تعلم اسمها، فواكه العالم كله تساق إلى بيت الله، حتى أن هذه الثروات التي أوجدها الله في بلادهم هي من إكرام الله لحجاج بيت الله الحرام، جعلهم أغنياء ليعتنوا بالحجاج، هي مجيَّرة لصالح الحجاج، أما إذا نقض المؤمنون عهد الله وعهد رسوله عندئذٍ يسلط الله عليهم عدواً يأخذ ما في أيديهم، وهذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، إذا نقضنا عهدنا مع الله ورسوله سلط علينا عدواً يأخذ ما في أيدينا، أما هذه الثروات التي أكرمنا الله بها فهي من أجل أن نعتني بالحجاج.

وجود بلد آمن من نعم الله الكبرى:

 قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً (126) ﴾

 أعظم دعاء أن يكون البلد آمناً، الحروب مدمرة، والحروب الأهلية مُهلكة، وجود بلد آمن من نعم الله الكبرى، ولا يجوز أن تقيم في بلدٍ لا أمن فيه، هذا حكم شرعي . وكلمة أقولها لكم والله لا أبتغي بها شيئاً: لي صديق جاء بطائرة إلى دمشق، قال لي: سمعت رسالة في الطائرة باللغة الإنكليزية موجهة للركاب، تقول: إنكم قدمتم إلى أأمن بلد في العالم ـ أي سوريا ـ بإمكانك أن تتجول أنت وزوجتك إلى ساعةٍ متأخرة من الليل دون أن تخشى شيئاً . هذه النعمة نعرفها جميعاً، بلدنا آمن والحمد لله، ونرجو الله أن يديم علينا هذا الأمن .

﴿ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ (126) ﴾

 لكن سيدنا إبراهيم: يا رب هؤلاء عبادك المؤمنون، هم يستحقون هذا الإكرام:

﴿ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (126) ﴾

 المؤمنون فقط .

ليس الملك مقياساً ولا المال مقياساً المقياس أن تكون طائعاً لله:

 قال الله عزَّ وجل :

﴿ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾

 أي أنك إذا وجدت كافراً غنياً جداً، قوياً جداً، ويتمتع بصحة من أعلى درجة وهو يعصي الله، وينتهك حرمات الله ويؤذي الناس فلا يختل توازنك، هذا هو الجواب:

﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾

 أمتعه قليلاً ؛ ساعات، سنوات، بضع سنوات، أمتَّعه بها ثم أقصمه، فالله عزَّ وجل يعطي كل إنسان، لكنه لا يُقبل على قلب كل إنسان، يعطي كل إنسان ولكن الله يحب المؤمنين، ويرزق كل إنسان لكنه يتجلى على الصادقين، ويعطي المال لكل إنسان ولكنه يقرِّب الطائعين، فالعطاء ليس مقياساً، وأعطى الله المُلك لمن لا يحب أعطاه لفرعون، أعطى المال لمن لا يحب أعطاه لقارون، وحتى أكون دقيقاً: أعطاه لمن لا يحب ولمن يحب، سيدنا عثمان وسيدنا عبد الرحمن من أغنياء الصحابة، يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ويعطي الملك لمن يحب سيدنا سليمان، ولمن لا يحب فرعون، إذاً ليس الملك مقياساً ولا المال مقياساً، المقياس أن تكون طائعاً لله، وإن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.

 

متاع الدنيا قليل :

 قال تعالى:

 

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً (126) ﴾

 أمتِّعه أيضاً، خالق الكون يقول: قليلاً:

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ (77) ﴾

( سورة النساء.)

 ألا يوجد ملوك مثل ملوك الحديد والصلب بأمريكا، ملوك البترول، ملوك ماتوا وتركوا كل شيء، هذا المتاع القليل:

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً(77) ﴾

( سورة النساء.)

 خالق الكون يقول لك: يا عبدي متاع الدنيا قليل .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (38)﴾

( سورة التوبة)

الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له :

 دقق الآن:

﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38) ﴾

( سورة التوبة)

 أتقبل ؟ أترضى أن تأخذ من ملك الملوك درهماً واحداً ؟

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ (77) ﴾

( سورة النساء.)

 لا تعبأ بالدنيا، والله إن أسعد الناس بها أرغبهم عنها، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها، والله الذي لا إله إلا هو، الدنيا تغر، وتضر، وتمر، هي دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له . وقفت دابة ـ حمار ـ في أيام الحر الشديد في مكان فجلس إنسان لم يحتمل الحر ولا أشعة الشمس المحرقة في ظل هذا الحمار يستمتع بظله، قام ليشرب فجاء رجل فجلس مكانه، فتنازع معه قال له: هذا محلي، فأجابه الآخر: لا ليس محلك، تلاسنا، وبعد ذلك تشادّا، ثم تضاربا، ثم سار الحمار، يختصمان على ظل الحمار !
 اسأل أخواننا القضاة كم دعوى شطبت بموت أحد الطرفين ؟ استمرت الدعوى ثماني عشرة سنة، ثم مات أحد الطرفين فانتهت الدعوى، إذ لا أحد ينتبه للموت، الموت ينهي كل شيء ؛ ينهي غنى الغني، وقوة القوي، ووسامة الوسيم، وفقر الفقير، وضعف الضعيف، وقهر المقهور، كله ينتهي بالموت، ولذلك الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له، قال:

 

﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾

 

آيات من القرآن الكريم تظهر أن متاع الدنيا قليل:

 انتبه أيها الأخ:

﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ.﴾

(سورة آل عمران)

 وقال:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم.)

 وقال:

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾

( سورة إبراهيم.)

 وقال:

﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55).﴾

( سورة التوبة)

 هذا كلام ربنا، فلا يختل توازنك إذا وجدت شخصاً قوياً وكافراً، فهؤلاء الذين يقصفون العالم وهم يأخذون بنواصي الشعوب، يدمرون الشعوب، ويسلبون ثروات الشعوب، ويفقرون العالم، وهؤلاء لا يمكن أن تنجح خططهم إلى ما لا نهاية، فنجاح خططهم إلى ما لا نهاية يتناقض مع وجود الله، وما رفع الناس شيئاً إلا وضعه الله عزَّ وجل.

 

خط المؤمن البياني صاعد صعوداً مستمراً إلى الأبد عكس خط الكافر البياني :

 هناك تجارب سابقة ؛ هناك قلاع للكفر تهاوت كبيت العنكبوت، أليس كذلك ؟ فأنت كن مع الله:

كن مع الله تر الله معك  واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعـه  ثم من يعطي إذا ما منعك
* * *

 أنا أريد من أخواننا الكرام معنويات عالية:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) ﴾

( سورة آل عمران)

 أنت مع خالق الكون فلا تخشَ أحداً، ولا تخضع، ولا تيئس، ولا تخنع، فاليأس كفر، والقنوط من رحمة الله كفر، قال:

 

﴿ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾

 خط المؤمن البياني صاعد صعوداً مستمراً إلى الأبد، والموت نقطة على هذا الخط ولا يزال صاعداً ؛ أما خط الكافر البياني فصعود حاد ثم سقوط مريع، صعود وسقوط.

 

 

العبرة لا بعظم العمل بل بقبوله عند الله:

 قال تعالى:

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) ﴾

 العبرة لا بعظم العمل بل بقبوله عند الله:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23).﴾

( سورة الفرقان)

 هناك إنجازات حضارية يشيب لهولها الولدان، ومع ذلك لا قيمة لها عند الله، لأنه ما ابتغي بها وجه الله عزَّ وجل . والله أيها الأخوة هناك حديثٌ شريف يقصم الظهور :

(( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )).

[ابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه.)

 لا يوجد إخلاص، إذ له موقف معلن وموقف خاص، وله خلوة وله جلوة، وله سريرة وعلانية، وله باطن وظاهر .
 فيا أيها الأخوة: ربنا تقبل منا . العبرة بعملٍ يقبله الله، والله عزَّ وجل يقبل من الأعمال ما كان خالصاً له، أحد كبار العلماء يقول: " العمل لا يقبل إلا بشرطين ؛ إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة " . فإذا كان خالصاً ومخالفاً للسنة لا يقبل، وإذا كان موافقاً للسنة وليس خالصاً لا يقبل، ولا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، ربنا تقبل منا والعبرة بالقبول، ورب درهمٍ سبق ألف درهم، ودرهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، والعبرة بالإخلاص، ويا معاذ أخلص دينك يكفك القليل من العمل.

إنما الأعمال بالنيات:

 زيد الخيل رجل من أجمل رجال الجاهلية، كان إذا ركب الحصان اقتربت رجلاه من الأرض، طويل، صبوح الوجه، مشرق، جاء النبي عليه الصلاة والسلام مسلماً، عندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما اسمك ؟ فقال: أنا زيد الخيل، قال: بل أنت زيد الخير ))

[المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود.)

 غيَّر له اسمه، ثم دعاه إلى البيت، وأعطاه متكأً فقال: " والله لا أتكئ في حضرتك يا رسول الله " . متى تعلم الأدب ؟ إنسان أحياناً يمد رجله يجلس مرتاحاً، ويجلس جلسة فيها كبر، ويباعد بين رجليه، وله جلسات غير مقبولة إطلاقاً، وليس فيها أدب . فهذا الإنسان متى تعلم الأدب ؟ قال له: " والله لا أتكئ في حضرتك "، قال له النبي: " يا زيد ما وصف لي رجلٌ فرأيته إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت يا زيد "، قال له: " أعطني ثلاثمئة فارس لأغزو بها الروم " .  فقال عليه الصلاة والسلام: " لله درُّك أي رجل أنت ؟ " كان النبي لا يضُنَّ بالمديح على أصحابه، ثم ودع النبي، وسافر إلى بلده، وتوفي في الطريق، قضية يومين ثلاثة فقط، ما فعل شيئاً وأصبح من الصحابة الكبار، نوى أن يغزو الروم:

(( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ))

[البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.)

 وهناك رجل له مال ببلد بعيد، والمال موضوع بطريقة غير شرعية، فتناقش مع صهره مناقشة حادة استمرَّت حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، إلى أن قنع هذا الإنسان أن هذه الطريقة في كسب المال حرام، فقال له: إن شاء الله غداً أتصل بأخي أطلب منه أن يسحب هذه الأموال من هذه الجهة ـ مؤسسة في بلاد الخليج ـ اتصل صباحاً فلم يُتح له والقصة قديمة، اتصل مساءً فلم يتح له، اتصل صباحاً لم يتح، ست مرات ثم يئس، فقال: أنا أعود إلى بلدي بعد شهر وأسحب الأموال . فسافر إلى بلده بعد شهر، فاستقبله أخوه في المطار، وقال له: هذه الشركة العملاقة قد فلَّست فوقع مغشياً عليه . كل أمواله فيها، ملايين مملينة

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور