وضع داكن
26-04-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 29 - الهمة وتأثيرها على أداء واجبات المسلم
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الهمة :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، هذا الموضوع اسمه: "الهمة".
هناك حالات كثيرة جداً الحق فيها واضح، والإنسان قانع جداً بهذا الحق، لكن لا يملك همة تحمله على سلوك هذا الطريق، لقاء اليوم حول هذه الهمة، لأن علو الهمة من الإيمان، إن علت همتك قويت إرادتك.
هناك حالات كثيرة يقول لي أخٌ كريم: لا أجد عزيمةً على تطبيق ما أنا قانعٌ به، فأقول له: إن كنت لا تملك إرادةً قويةً، وبالتالي لا تملك همةً عاليةً، فليس هناك أي حل لك، ما لم يملك أحدنا همةً عالية، ينتج عن هذه الهمة إرادة صلبة لتحقيق ما هو قانعٌ به، فالأمر ليس يسيراً.
حتى في شأن الطعام والشراب، حتى في شأن الحياة اليومية، حتى في شأن الدراسة، كل شيء يتفوق يحتاج إلى جهد كبير، الدنيا بنيت على الكدح.

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾

[ سورة الانشقاق ]

من أجل أن تركب مركبة، أن تنال شهادة، أن يضاف إلى اسمك حرف دال تدرس ثلاثاً وثلاثين سنة، فهذه الدنيا هكذا، فالذي لا يملك همة عالية يكون في مؤخرة الركب.

 

المسافة الشاسعة بين المتفوقين من بني البشر وبين المجرمين :

النقطة الأولى في هذا اللقاء الطيب صحن من البيض، كم هو التفاوت بين حبات البيض؟ بالغرامات فقط، الآن مجموعة من البشر، كم هو التفاوت بينها؟ يا لطيف! إنسان يخلف ثلاثاً وخمسين مليون قتيل بالحرب العالمية الثانية، وإنسان ينشر الهدى في الآفاق

أي المسافة يصعب تصورها، بين إنسان مؤمن أو إنسان نبي، وبين إنسان طاغية، المسافة بين الأنبياء والطغاة كما بين السماء والأرض، إنسان كتلة من الخير، كتلة من التواضع، كتلة من العطاء، وإنسان كتلة من الشر، كتلة من الجريمة، هذا الذي يجري في العالم شيء يصعب تصوره، الإنسان يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني حياته على قتلهم، يبني أمنه على خوفهم، يبني غناه على فقرهم، يبني عزه على ذلهم، فالمسافة بين المتفوقين من بني البشر وبين المجرمين يكاد العقل لا يتصورها.
للتقريب: أنت جائع جداً، وهناك لحم مشوي بأعلى درجة من الجودة، مع مقبلات كاملة؛ هذه حالة، ويوجد أيضاً قطعة لحم متفسخة، المسافة بينهما كما بين السماء والأرض، قطعة اللحم المتفسخة لها رائحة تكاد تخرج من جلدك منها، أحياناً يموت حيوان بالفلاة، لخمسين متراً لا تستطيع أن تواجه هذه الرائحة، هذه لحم، وهذه قطعة لحم شهية، والبشر هكذا.
لذلك يقول سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ: "رُكب الملك من عقلٍ بلا شهوة، و رُكب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل، و رُكب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان".

كلما ارتقى الإنسان رأى رؤيةً إنسانية :

نحن في دمشق، قف في شرفة بيتك لا ترى إلا أمتاراً معدودة، لو صعدت إلى هذا الجبل ترى دمشق بأكملها.
مرة هناك رحلة قريبة، الطيار كان طالباً عندي، فدعاني إلى غرفته، قبل أن ندخل القطر صدقوا أني رأيت من طرطوس إلى صيدا بنظرة واحدة.
فالإنسان كلما ارتفع مكانه اتسعت رؤيته، هذا مثل مادي، يقاس عليه مثل آخر: كلما ارتقى الإنسان يرى رؤيةً إنسانية، لذلك الأنبياء الكرام كانوا يبكون كثيراً على الكفار ومصيرهم، قال:

(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))

[ أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء ]

الإنسان أحياناً يحمل همّ أسرته، أب صالح، عنده أولاد، بعض أولاده لم يجد عملاً، عنده بنت تقدمت في السن، لم يأتِ أحدٌ ليخطبها، يتألم، هذا الإنسان حامل همّ أسرته، وهناك إنسان يحمل همّ العائلة الكبيرة، هو عميد العائلة، له أخوة، له أخوات، له أخوات عوانس، فهو متألم، هذا إنسان أرقى، لأنه حمل هماً أكبر، يأتي إنسان يحمل همّ الأسرة الواسعة جداً، همّ أمته، لكن هناك اتجاهات وطنية، يقدم لشعبه رفاهاً يفوق حدّ الخيال، ويكون سفاك دماء بحق بقية الشعوب، هذا اتجاه مرفوض، الإسلام إنساني، المسلم منهجه هذا الحديث:

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

العنصرية و الإنسانية :

علماء الأصول يقولون: المطلق على إطلاقه، أوسع مفهوم للأخوة المفهوم الإنساني، فأنت لن تؤمن حتى تحب لأي إنسان كائناً من كان، من أي جنس، من أي لون، من هنا أقول لك كلاماً دقيقاً: هذا العالم إما أن يسوده الشعور الإنساني، أو العنصري، ما معنى كلمة عنصري؟ أي إنسان يتوهم مخطئاً أن له ما ليس لغيره، أو أن يتوهم أن على غيره ما ليس عليه فهو عنصري.
مثلاً دول إن قالت: لا ألغي القرار، فهذا حق الفيتو، حق الفيتو عنصري، دول تملك مئتي رأس نووي ولا أحد يعترض، أما إذا أرادت دولة إسلامية تطوير مفاعل نووي لأغراض سلمية تقوم الدنيا لا تقعد، عنصري.
فتاة ترتدي ثياب السحاقيات، يطردها المدير، يقيم والدها دعوى على المدير، لأنه اعتدى على حريتها، يحكم لها القاضي بمبلغ فلكي، وفتاة بفرنسا وضعت خرقةً على رأسها تقوم الدنيا ولا تقعد، وضعت خرقةً، لأنها تنتمي لدين يدين به ربع سكان الأرض تقوم الدنيا ولا تقعد، عنصري.
لو أردت أن أعدد لكم التناقضات في العالم؛ كيل بمئة مكيال، مثلاً رئيس دولة عربية إسلامية صدر قرار باعتقاله، والذي قتل بغزة الأطفال والنساء بأرقى الأسلحة، والذي عمل مئات المذابح، الذي لم يمت بعد ـ أمدّ الله بعمره ـ لم يطلب أحد اعتقاله، مليون قتيل في العراق، مليون معاق، خمسة ملايين مشرد، لم يأمر أحد باعتقاله، أرأيت إلى هذا العالم الظالم؟ الكيل بمكاييل.

 

كلما ارتفع مقام الإنسان اتسعت رؤيته وسمت همته وازدادت مسؤوليته :

أقول لكم: ما دام هناك اتجاه عنصري فالعنف لا يقف في الأرض، إلى أن يحل الاتجاه الإنساني محل الاتجاه العنصري، لذلك كلما ارتقى الإنسان اتسعت رؤيته، وأصبح إنسانياً، لذلك القول النبوي الشريف:

(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ))

[ أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء ]

لأنه يتألم على بني البشر هؤلاء الذين تفننوا في تكذيبه، وفي السخرية منه، بل تفننوا في ضربه، حتى سال الدم من قدمه الشريف، الله عز وجل سوف يرينا من هو النبي، فأرسل له ملك الجبال، ملك الجبال قال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، أي مكنه الله أن ينتقم، فقال: لا يا أخي:

(( اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمونَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ]

لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده، ما تخلى عنهم، قال: قومي، ودعا لهم، واعتذر عنهم، ودعا لهم أن تكون ذريتهم صالحة، هذا مقام النبوة.
لذلك أقول لكم دائماً: الأقوياء والأنبياء، أي الطغاة والأنبياء، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، وشتان بين أن تملك رقبة الإنسان وبين أن تملك قلبه، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء يمدحون في غيبتهم، والأقوياء في حضرتهم.
أريد أن أقول لكم: كلما ارتقى الإنسان اتسعت رؤيته، وسمت همته، وازدادت مسؤوليته، قلت قبل قليل: الإنسان من مكان معين يرى أكبر مساحة، أنا رأيت على ارتفاع أربعين ألف قدم طرطوس وصيدا بنظرة واحدة، الآن كلما ارتفع مقام الإنسان، مكانة الإنسان، اتسعت رؤيته، وسمت همته، وازدادت مسؤوليته، ماذا قال سيدنا عمر؟ قال: "لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً".

 

الإسلام ينقل الإنسان من العنصرية إلى الإنسانية :

لذلك أيها الأخوة، الله جلّ جلاله لا ينظر لا إلى أشكالنا، ولا إلى صورنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا.

(( عبدي طهرت منظر الخلق سنين))

[ ورد في الأثر]

منظر الخلق: مدخل البيت، طلاء البيت، مركبتك تحتاج إلى إصلاح، هندامك، ثيابك، هذا منظر الخلق.

(( أفلا طهرت منظري ساعة ))

لأن الله ينظر إلى قلبك، يا ترى فيه حقد؟ فيه كبر؟ فيه استعلاء؟ فيه عنصرية؟ العنصرية وصلنا بها إلى حق الفيتو، نبدأ بالذي يعامل زوجة ابنه في البيت معاملةً لا يرضاها لابنته عند بيت أهل زوجها، عنصري، والذي يستهزئ بأم زوجته، فإذا تكلمت زوجته كلمة عن أمه أقام عليها الدنيا، عنصري، يمكن أن تكون أفقر إنسان وأنت عنصري، ويمكن أن تكون أضعف إنسان وأنت عنصري، الإسلام ينقلك من العنصرية إلى الإنسانية.

 

أسعد إنسان من يحمل همّ المسلمين و يسعى للدعوة إلى الله :

أيها الأخوة، الآن هناك نقطة دقيقة جداً: أنت كإنسان أنت المخلوق الأول، أنت مصمم بشكل أنه لا يسعدك إلا هدف كبير، فإذا اخترت هدفاً محدوداً، ووصلت إليه يبدأ شقاؤك، أنت مصمم لهدف كبير، فإذا اخترت هدفاً صغيراً، إنسان أراد أن يكون غنياً فقط أصبح غنياً، ألِفَ بيته، ألِفَ مركبته، أكل أطيب الطعام، سافر إلى أجمل البلاد، تزوج أجمل زوجة، يقول لك: الحياة مملة.
أحد أكبر مهندسي العالم، الذي صمم جسر اسطنبول الأول ـ هو ياباني ـ أثناء افتتاحه وقص الشريط الحريري، ألقى بنفسه في البوسفور، ذهبوا إلى غرفته بالفندق، فرأوا ورقة مكتوب فيها: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت.
حياة بلا هدف تافهة، حياة بلا رسالة تافهة، إنسان بلا رسالة حقير، همه بطنه وفرجه، وهذا معنى مسخ بعض الأقوام إلى قردة وخنازير، القرد همه بطنه، والخنزير همه فرجه، فإذا لم يكن هناك أهداف نبيلة فالإنسان لا قيمة له، تجد إنساناً فقيراً، بيته صغير، طعامه خشن، حامل همّ المسلمين، يسعى للدعوة إلى الله، فهذا أسعد إنسان، وإنسان آخر غارق بالنعيم، أشقى إنسان، فالإنسان يرقى عند الله بهمه، قل لي: ما الذي يهمك؟ هل تحمل همّ المسلمين؟ هل تبكي إذا رأيت المذابح في بلاد المسلمين؟ هل تقدم شيئاً للمسلمين؟ هل تبيع البضاعة بسعرٍ معتدل يتحمله الفقير؟ الحقيقة الإنسان عندما يعرف الله عز وجل يصبح إنساناً آخر.

 

أسعد إنسان من اختار هدفاً كبيراً و سعى لتحقيقه :

لذلك دقق لمجرد أن تختار هدفاً محدوداً، أن تكون غنياً فقط، أن تشتري بيتاً، لمجرد أن تختار هدفاً محدوداً، حينما تصل لهذا الهدف يبدأ شقاؤك، أنا أرى رؤية شخصية أن كل الانحرافات الجنسية في العالم لا لأن الذين انحرفوا إليه أمتع من الذي انحرفوا عنه، لا، من الملل، والسأم، أما لو كان للإنسان هدف، هدف كبير، فهو أسعد إنسان، المؤمن طبعاً، لهذا أقول: المؤمن شابٌ ولو كان في التسعين، لأنه اختار هدفاً كبيراً، يقول لك: لا يوجد عندي وقت، شاب وهو في التسعين.
كان هناك عالم جليل بهذه البلدة الطيبة، يقول للشاب: كنت تلميذي يا بني، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، درَّس ثمانين سنة، وكان منتصب القامة، وحاد البصر، أسنانه في فمه، يتمتع بنشاط عجيب، فإذا سُئل: يا سيدي! ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
لذلك الذي ألَّف كتاباً عن المئة الأوائل، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام على رأس المئة الأوائل، ما مقاييسه؟ اتخذ أربعة مقاييس، اتساع رقعة التأثير، أي وصلت رقعة المسلمين من مشارف باريس إلى الصين، اتساع رقعة التأثير، امتداد أمد التأثير، من ألف وأربعمئة عام وإلى ما شاء الله، هذا الإسلام يمتد في أطراف الدنيا، ثم عمق التأثير.
هناك وزير إيطالي أسلم، لأنه التقى بإنسان مسلم قدّم له خمراً، فقال له: أنا لا أشرب الخمر، من كلمة لا أشرب الخمر، لأنه محرمٌ في ديني، لا تقل: معي قرحة، لا تستحِ بدينك، لأنه قال كلمة بأدب وبصدق، قال له: أنا مسلم لا أشرب الخمر، فكان سبب إسلام هذا الوزير الإيطالي.
جاءت وزيرة نفط بريطانية إلى بلد، و هناك وزير نفط طبعاً، استقبلها في المطار، ومعه كبار موظفيه، أحد الموظفين لم يصافحها لأن هناك حكماً شرعياً في ذلك فانزعجت، أما الذي انزعج أكثر هو الوزير، فعنفه، و كان هناك دعوة على الغداء، قال له: لا تأتي، هذه الوزيرة جالسة إلى جانبه، قالت له: واحد من موظفيك الكبار لم يصافحني أين هو؟ فأصابه الحرج، قال لها: لعله اعتذر، قالت له: أنا حريصة على مقابلته، فقابلته، قالت له: لمَ لم تصافحني؟ قال لها: أنا مسلم، وفي ديني لا يجوز أن أصافح امرأةً أجنبية، وأنت امرأةٌ أجنبية، فتأملت ملياً، وقالت للوزير نظيرها: لو أن المسلمين أمثال هذا لكنا تحت حكمكم.

 

الله عز وجل ينظر إلى قلب الإنسان و عمله لا إلى شكله :

فيا أيها الأخوة، الله عز وجل ينظر إلى قلوبنا، وأعمالنا، أنت مصمم لمعرفة الله، حينما تختار هذا الهدف الكبير، أنت شاب، شاب وأنت في التسعين.
والله أيها الأخوة، قبل سنوات عدة، كرموا كبار علماء القرآن، ستة علماء أو سبعة، معظمهم فوق التسعين، فالإنسان إذا كان مؤمناً هو شابٌ حتى ولو كان شيخاً، هدفه كبير، فأنا أتمنى أن تختار هدفاً كبيراً، لا أن ترضى بدخل جيد.
الآن سيدنا عمر أدخل شاعراً السجن، لأنه قال أهجى بيت قالته العرب، ما هذا البيت؟ قال:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *

هذا البيت عدّ أهجى بيت قاله الشعراء، فدخل صاحبه السجن، هذا البيت شعار كل مسلم الآن، ما دام دخله وفيراً، وبيته جيداً، وأهله معه، يقول لك: من بعدي الطوفان.
هناك كلمات يقولها العامة، كلامٌ شيطاني، يقول لك: فخار يكسر بعضه، من أخذ أمي عمي، هذه كلها كلمات تعبر عن انسحاب الإنسان من المجتمع، فما لم تحمل همّ الأمة فلست مسلماً.
والله قبل يومين أخت كريمة محجبة مع ابنتها، طلبت مقابلتي، فأول ما دخلت بكت بكاءً شديداً، قلت لها: ما القصة يا أختي؟ قالت لي: أنا زوجّت هذه البنت من شاب، ثم تبين أن معه انفصام شخصية، فأنا بحق هذه البنت مجرمة، ابنتها معها، قالت لها: يا ماما أنا قلت لك مئة مرة أنني راغبة في أن أبقى معه، ليس له أحد غيرنا، أريد أن أتقرب إلى الله بخدمته، أريد عملاً ألقى الله به، نظرت! رأيت البنت بطلة، بنت تتقرب إلى الله برعاية زوجها، وأنا من أعماق أعماق أعماقي قلت لها: إن شاء الله، الله يشفيه لك نظير عملك.

 

من لم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس :

نحن الآن بحاجة إلى شاب مؤمن، إلى شابة مؤمنة، تتجاوز هموم الفتيات المتفلتات، أريد شاباً يتجاوز هموم الشباب المنحرفين، هذه أمة تبنى على شبابها، أمتنا كبت، هذه الكبوة المعول فيها على هؤلاء الشباب، فأنا أقول لك كلمة: لا يوجد ورقة رابحة بيدنا إلا أولادنا، الذي عنده ابن يمكن أن يصل إلى أعلى مرتبة في الجنة بتربية ابنه، لأن هؤلاء الصغار هم رجال الغد، أبطال الغد، فكل إنسان يعتني بأولاده، لا نملك إلا أولادنا، ومهما ارتقيت، مهما حصّلت من ثروات، مهما ارتقيت في سلم المراتب، مهما جمعت من أموال، مهما نلت من شهادات، إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
فأنا أقول: يجب أن تختار هدفاً كبيراً، هذا الهدف الكبير يعطيك الهمة العالية، الموضوع دقيق جداً وطويل، وإن شاء الله في درس قادم أحاول أن أتمم المعالجة، لكن القصد من هذا الموضوع أنك إذا اقتنعت بالحق، ووجدت نفسك دون المستوى، أنت بحاجة إلى إرادة، والإرادة تحتاج إلى همة، وما لم تملك هذه الهمة فلن تصل إلى شيء.
في اللقاء القادم إن شاء الله نتحدث عن وسائل امتلاك هذه الهمة العالية التي تترجم إلى إرادة قوية. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور