وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الإنسان - تفسير الآيات 4-10 الإخلاص في العمل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام مع الدرس الثاني من سورة الإنسان، ومع الآية الرابعة وهي قوله تعالى:

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (4)﴾

خلق الإنسان ليس عبثاً:

أيها الأخوة الكرام: أن يتوهم الإنسان أن هذه الدنيا تنقضي وينقضي معها كل شيء هذا جهل كبير، إن الله عز وجل يقول:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾

( سورة المؤمنون )

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

( سورة القيامة )

يعني تتحرك وتستعلي، وتأخذ ما ليس لك، وتعتدي، وتتبجح، وتقول أنا وأنا، وتنتهي الحياة، وينتهي معها كل شيء، هل تقبل أن يعيش إنسان في أعلى درجات الخوف، وإنسان ثاني في أعلى درجات الطمأنينة، وتنتهي الحياة هكذا، من تصفية حسابات، إنسان يعاني من أشد أنواع الفقر، وإنسان يكاد لا يعقل كم ينفق من الأموال وتنتهي الحياة بلا تصفية حسابات ؟ إنسان مغتصب لأموال الآخرين وإنسان مقهور وتنتهي الحياة بلا تصفية حسابات ؟ هذا هو العبث بعينه لابد من يوم آخر تسوى فيه الحسابات، لابد من يوم آخر ينتصر فيه المظلوم، لابد من يوم آخر ينتصر فيه الفقير، لابد من يوم آخر ينتصر فيه المستغل، أن تأتي إلى الدنيا وتكذب على الناس وتحتال عليهم وتقتنص أموالهم بقوة منك، أو بحيلة منك، أو بمركز منك، وتنتهي الحياة هكذا لا شيء بعد الموت، هذا هو الجهل بعينه.

تسوية الحساب يوم القيامة:

الحياة الدنيا تعقبها الحياة الآخرة، يعقبها يوم تسوى فيه الحسابات، يعقبها يوم يحاسب فيه الظالمون. 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾ 

( سورة إبراهيم )

لذلك قمة العقل، وقمة الذكاء، وقمة الفلاح، وقمة النجاح، أن تدخل هذا اليوم في حساباتك اليومية، بل في حساباتك الساعية، بل في كل حركاتك و سكناتك، كلما تقف موقفاً هذا الموقف هل أحاسب عليه ؟ هذا الموقف هل يرضي الله ؟ هل أدفع الثمن باهظاً يوم القيامة ؟ هل أستحق النار من أجله ؟.

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ له ]

فإذا كانت امرأة استحقت النار في هرة، فما قولك فيما فوق الهرة ؟
لذلك أيها الأخوة: أقل ذرات العقل، أقل إدراك عقلي صحيح العبثية تتناقض مع وجود الله

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

مستحيل،

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾

مستحيل، لابد من يوم يحاسب فيه الإنسان حساباً دقيقاً.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

( سورة الحجر )

عذاب الكافر يوم القيامة:

الآية الأولى في هذا الدرس:

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ ﴾

تقيد بها أرجلهم

﴿ وَأَغْلَالاً ﴾

تقيد بها أيديهم، ثم يقذفون في النار

﴿ وَسَعِيراً (4) ﴾

هذا كلام خالق الكون، وكلما ارتقى إيمانك ارتقى تصديقك لكلام الله، تقول أنت صدق الله العظيم، هذا كلام خالق الكون.
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، مرة خاطب نفسه قال: يا نفس لو أن طبيباً حذرك من أكلة تحبينها، لا شك أنك تمتنعين ـ وأنتم جميعاً وأنا معك لو قال الطبيب دع الملح، وطعم الطعام لا يطيب إلا بالملح، تترك الملح حفاظاً على ضغطك ـ يا نفس لو أن طبيباً حذرك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين عنها ـ دقق ـ أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً فما أكفرك، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أجهلك، الذي يعصي الله مدموغ بالكفر والجهل، أما خالق الكون وسوف تقف بين يديه، وسوف يسألك.

محاسبة الإنسان لنفسه:

لو أن إنساناً اصطاد عصفوراً لغير مأكله، عصفور صغير، قتله ما أكله، يأتي يوم القيامة وله دويٌ تحت العرش، يقول يا رب سله لما قتلني ؟ فإذا المرأة قالت لله عز وجل سله لما طلقني ؟ لما ظلمني ؟ لما حرمني الطعام ؟ لما طردني في منتصف الليل وأنا أخدمه وأرعى شؤونه ؟ وإذا قال الشريك يا رب لما أخرجني شريكي خارج المحل وأنا أسست هذه الشركة ؟ لما جعلني أموت جوعاً أنا وأولادي ؟ من أجل أن يستأثر بحظه من هذه الشركة، إذا أيقنت أن كل مظلوم سوف يقف بين يدي الله عز وجل ليأخذ منك حقك حتى الغيبة والنميمة التي قد يقول الإنسان ما عملنا شيئاً فقط تكلمنا.
قال أحد العلماء الكبار التقيت برجل، فقلت له: بلغني أنك اغتبتني قال له: ومن أنت حتى أغتابك، لو أنني مغتاب أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهم أولى بحسناتي منك ؟ كلام دقيق، لو أنني مغتاب أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهما أولى بحسناتي منك، أنت تظن القضية هكذا تتحدث عن إنسان كلاماً غير صحيح، في افتراء و في كذب وأنت مرتاح، ما في شيء، هكذا الأمور تمشي.
أعرابي لم يدرس شريعة ولا فقه ولا أصول ولا حديث ولا عقيدة ولا تفسير، قال للنبي الكريم عظني ولا تطل، قال له:

(( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره فقال له كفيت))

هذه تكفي، القرآن الكريم ستمائة صفحة، آية واحد كفت هذا الأعرابي، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( فقه الرجل.))

وَاللَّهِ أيها الأخوة هناك آلاف الآيات و كل آية وحدها تكفينا، وحدها لو لم تعلم من الدين كله إلا هذه الآية لكفت.

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾

( سورة النساء )

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾

( سورة غافر )

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾

( سورة الحاقة )

آية وحدة لو تدبرناها وعقلنها لكفتنا.
كان الأمام الشافعي يقول: في القرآن سورة لو تدبرها الناس لكفتهم.

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾

( سورة العصر )

الموت و الحساب نهاية الدنيا:

يعني اليوم الذي لا تزداد به علماً بالله عز وجل يوم خاسر، لو غلة المحل مئة ألف، خمسمئة ألف، بعت بمائة مليون، اليوم الذي لا تزداد به علماً بالله عز وجل يوم خاسر، اليوم الذي لا تزداد فيه قرباً من الله عز وجل يوم خاسر، ورد في بعض الأدعية، لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً، فلذلك أن الحياة فيها الغني والفقير، فيها القوي والضعيف، فيها الظالم والمظلوم، فيها المستغل والمُستغل، فيها المُعتدي والمعتدى عليه، فيها المغتصب والمغُتصب، وتنتهي الحياة هكذا ؟! ما في شيء بعد الحياة ؟! هذا هو الجهل بعينه.

الوقوف بين يدي الله عز وجل:

قال تعالى:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ(116)﴾

( سورة المؤمنون )

فتعالى الله أن يفعل هذا.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

( سورة الحجر )

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾

( سورة الزلزلة )

اقرؤوا القرآن أيها الأخوة:

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾

( سورة الحاقة )

يوجد حساب، هناك وقفة بين يدي الله عز وجل، سمعت قصة وقعت في الشام إنسان مضطر إلى ثلاثمئة ألف ليرة، لم يجد أحداً يقرضه إياها، عرض على أحد الأغنياء أن يكتب له مزرعة يملكها كرهن مقابل هذا القرض، فقبل، كتبت هذا المزرعة في السجلات الرسمية باسم هذا المقرض، وبعد سنوات، توافر المبلغ الذي اقترضه فذهب إليه ليعطيه المبلغ، قال له: لا، كل واحد حقه معه، مزرعة ثمنها ملايين، قال له كل واحد حقه معه، من شدة الألم أصيب بأزمة قلبية وقارب أن يموت، فكلف ابنه وهو على فراش الموت أن يكتب رسالة قال له فيها: أنا ذاهب إلى دار الحق، وسأقاضيك هناك، فإن كنت بطلاً فلا تلحق بي، قال له امشِ بالجنازة إلى دكان هذا الرجل ( محله التجاري ) قد يكون بطرف المدينة، سر بالجنازة إلى أمام دكانه وقِفوا قليلاً وناوله هذه الرسالة وأنا في النعش، يروى أن هذا الإنسان الغني لما قرأ الرسالة في اليوم الثاني أرجعها إلى الورثة.
يوجد حساب دقيق، سوف تقف بين يدي الله عز وجل، لتسأل عن أقل الأشياء، لما اغتصبتها ؟ لما أكلتها ؟ لما غششت الناس ؟ لما غششت المسلمين في طعامهم وشرابهم ؟ قدمت لهم طعاماً فاسداً ؟ وضعت في الطعام مواداً تؤذي صحتهم ؟ من أجل أن تحقق أرباحاً طائلة ؟

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

ازدياد علم الإنسان يؤدي لازدياد خوفه:

كلما ازداد علمك ازداد خوفك من الله، وأشد الناس خوفاً من الله عز وجل هو رسول الله، قالوا يا رسول الله مثل بهم هؤلاء الذين مثلوا بعمك حمزة ؟ قال و الله لا أمثل بهم كي لا يمثل الله بي ولو كنت نبياً، لولا أني خشيت القصاص لأوجعتك بهذا السواك، فكلما ازداد علمك ازداد خوفك

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (4) ﴾ 

 

أوصاف أهل النار:

 

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) ﴾

( سورة الحاقة )

هذه أوصاف أهل النار، شيء ينخلع له القلب، إياك أن تظن أنه كلام، هذا كلام رب العالمين، زوال الكون أوهن على الله من ألا يقع كلام رب العالمين

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ﴾

لمن كفر بالله، لمن ابتعد عنه، لمن تبع شهوته، لمن بنى مجده على أنقاض الناس، لمن بنى غناه على فقرهم، لمن بنى حياته على موتهم، لمن بنى أمنه على خوفهم

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (4) ﴾

قال بعض علماء التفسير السورة في مجملها تتحدث عن أهل الجنة، فلذلك جاء الحديث عن أهل النار موجزاً، آية وحدة

﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً(4)﴾

من هم الأبرار ؟

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5)﴾

من هم الأبرار ؟ الأبرار جمع البر.
من هو البر ؟ الذي أطاع الله عز وجل، في أدق التفاسير، البر هو الذي عرف ربه فأطاعه

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ ﴾

هؤلاء الناس، هؤلاء المؤمنون الذين جاءوا إلى الدنيا وتفكروا في خلق السماوات والأرض، وعرفوا أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، إلهاً واحداً، إله كاملاً، وهذا الإله له حق عليهم أن يعبدوه.

حاجات الإنسان الدنيا و العليا:

هؤلاء المؤمنون الذين جاءوا إلى الدنيا، وطلبوا العلم، لبوا حاجاتهم العليا، المعرفة، معظم الناس يلبون حاجاتهم الدنيا، الطعام، والشراب، والنساء، المؤمنون الصادقون يلبون الحاجات العليا ( المعرفة ) معرفة الله، معرفة منهجه، التقرب إليه، بطاعته، قال:

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ ﴾

هؤلاء في نعيم مقيم، هؤلاء في جنة عرضها السماوات والأرض، هؤلاء في جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر إلى أبد الآبدين.
الحياة الدنيا أيها الأخوة اسم على مسمى دنيا، يعني إذا أخذت راحتك في الطعام تحتاج إلى نظام قاسٍ جداً يحرمك كل لذائذ الحياة، وخط الإنسان البياني يصعد، ثم يستقر، ثم ينزل، ثم يرد إلى أرذل العمر، الإنسان يشيب شعره، يضعف بصره، تفسد أسنانه، تؤلمه مفاصله، ينحي ظهره، يشكو من تعب شديد، تضطرب معايير جسمه، هي الحياة يعني الإنسان كائن غالٍ على الله، إلا أنه سريع العطب، يعني ما في إنسان خالي من علة في جسمه، هذه العلة لحكمة بالغة أرادها الله من أجل ألا تطمئن إلى الحياة الدنيا، ألا تجعلها منتهى طموحك، محط رحالك، منتهى آمالك، هذا الدنيا تغر وتضر وتمر، والإنسان لا يستسهل هذه الحياة.
حتى يحقق الإنسان مصالحه المادية يكون في الأربعين و معترك المنايا بين الخمسين والستين، الآن معظم الناس، كلما مات إنسان اسأل عن عمره، يقول لك ثمانية وخمسون، سبعة وخمسون، واحد وخمسون، و الله صغير، تسعة وأربعون، خمسة وأربعون، يعني الإعداد أربعين سنة لعشر سنوات فقط، أنضيع الآخرة كلها من أجل سنوات معدودة ؟!

مقياس أهل الدنيا: المال و الصحة و الوقت:

سأذكر حقيقة ما لها علاقة بالمؤمنين هي لأهل الدنيا يعني لذائذهم وسعادتهم في مقاييسهم، تحتاج إلى ثلاثة عناصر، تحتاج إلى صحة، وإلى مال، وإلى وقت، والإنسان بكل مراحل حياته تنقصه واحدة دائماً، ففي أول حياته الصحة جيدة جداً والوقت مديد، لكن لا يوجد مال، المال مادة الشهوات، في منتصف حياته أسس مشروعاً المال متوافر، والصحة متوافرة لكن لا يوجد وقت، عمل دائماً عشرين ساعة باليوم، في خريف عمره يوجد وقت سلم أولاده كل شيء، يوجد وقت ومال وفير لكن لا يوجد صحة، كل ممنوع عنه، هكذا الحياة تغر وتضر وتمر. 

معرفة المؤمن لربه تكون في مقتبل حياته:

أما المؤمن و الله له شأن آخر، و الله المؤمن لا علاقة له بهذا المثل إطلاقاً عرف الله في مقتبل حياته. 

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ 

( سورة الأنعام )

سعيد بقربه من الله، لأن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، هي جنة القرب، ماذا يفعل أعدائي بي ؟
تجد شخصاً هو في بيت فخم، معه دخل وفير، والشهوات كلها أمامه، يقول لك أنا مللت من هذه الحياة، لا يوجد فيها شيء، المؤمن وهو في أصعب الحالات سعيد، المؤمن وهو في أصعب حالاته هو قمة السعادة.

سعادة المؤمن:

تصور إنساناً على وشك أن يصلب، سيدنا خبيب، تقدم منه أبو سفيان، ماذا بقي له ؟ بقي له من حياته ساعة، سيصلب، قال له أبو سفيان أتحب أن يكون محمد مكانك؟ ـ و الله أنا لا أشبع من ترداد جوابه ـ قال له: و الله ما أحب أن أكون في أهل وولدي ـ في بيته مع زوجته وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها، العافية ما في مرض، ما في جوع، ونعيمها.
أحياناً الإنسان يضع باقة ورد أمامه، ويشتري مكيف، يتفنن بأنواع الفاكهة هي نعيمه، عندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة، ما هذه السعادة ؟
النبي عليه الصلاة والسلام تفقد أحد الصحابة ما وجده، سعد بن الربيع فكلف أحد أصحابه يتفقده بأرض المعركة، ذهب إلى أرض المعركة فإذا هو بين القتلى، لكن لم يمت بعد هو بالنزع الأخير، قال له: يا سعد هل أنت مع الأموات أو مع الأحياء ؟ قال له مع الأموات، قال له: إن النبي الكريم أرسلني إليك و يقرئك السلام، قال له: قل له ( تصور إنساناً على وشك الموت )،جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، هو يموت، معنى ذلك أنه في قمة السعادة، قال له: وقل لأصحابه لا عذر لكم عند الله إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، ما هذه السعادة وهو على فراش الموت ؟

طلب العلم فريضة على كل مسلم:

سألت أحد أخوانا الكرام (طبيب) قلت له: صف لنا حالة إنسان وهو يموت ؟ قال لي: أهل الدنيا يضربون وجوههم، يلومون أنفسهم، يبكون كالصغار تماماً ؛ لأن الموت عندهم مصيبة كبيرة جداً، من كل شيء، يا ليت إلى لا شيء، إلى كل شيء من العذاب، تعرض على الإنسان عند نزاعه الأخير أعماله كلها، عملاً، عملاً، وسيواجه الله عز وجل بكل أعماله، أما المؤمن ينتظر رحمة الله عز وجل.
لذلك عندما يطلب الإنسان العلم يعرف موضعه، لا شيء يعلو على طلب العلم أنت بالعلم تعرف من أنت ؟ وأين أنت ؟ من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فالعلم يقدم لك حراسة بالغة، العلم يحرسك و أنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. 

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ ﴾

الذين بروا ربهم أي أطاعوه، هنا بمعنى عرفوه فأطاعوه، وتقربوا إليه.

 

حال أهل الجنة:

 

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) ﴾

بالمناسبة أيها الأخوة لا أحد يعلم حال أهل الجنة، إلا ما جاءنا في هذا القرآن الكريم، وربنا عز وجل يصف لنا الجنة: فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكن نحن في الدنيا، الله عز وجل خلق جمال، خلق بساتين، أشجار، مروج خضراء، جبال خضراء، سواحل بحار، ورد جميل، أطفال لهم صورة حسنة، هذا الجمال الذي أودعه الله في بعض مخلوقاته نموذجاً ليقرب لأذهاننا ما في الجنة من نعيم مقيم، قال:

﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)﴾

(سورة آل عمران )

وصف جمال الجنة:

لكن الجنة في الآخرة غير كل ما في الدنيا من جمال، ليس بين الشيئين إلا الاسم المشترك، قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)﴾

( سورة محمد )

قال لك: أنهار من عسل مصفى، عسل الجنة غير عسل الدنيا.
قال لك: من لبن لم يتغير طعمه، لبن الجنة غير لبن الدنيا.
ليس من شيء يجمع بينهما إلا الاسم فقط للتقريب، لأنه لو لم يكن في الدنيا مظاهر جمالية، كلمة الجنة لا معنى لها، فربنا عز وجل جعل أشياء بالأرض جميلة، وحدثنا عن هذه الجنة العظيمة بكلمات نفهمها نحن، أي العرب كانوا في الجاهلية يشربون الخمر ويمزجونه بالكافور، من أجل نكهة طيبة، تقريباً لأذهانهم قال:

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) ﴾

يعني أعلى أنواع الشراب.
أحياناً الإنسان يشعر بعطش شديد والجو حار، يقدم له كأس شراب طبيعي، عصير فاكهة من الدرجة الأولى، طبعاً لا يوجد شيء يعلو عليه إطلاقاً، بارد محلى ونكهة الفواكه الطبيعية، فلذلك تقريباً للأذهان قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) كافوراً ﴾

يعني أعلى أنواع الشراب.

جزاء أهل الجنة:

﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6)﴾

قال علماء التفسير: يشرب بها أي يشرب منها

﴿ عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا ﴾

وفي بعض التفاسير أن هذه المياه العذبة الباردة المنعشة تدور معهم أينما داروا.
أحياناً يقول لك أحدهم هناك مشاريع مذهلة فالحجاج عندما ينتقلون من مكة إلى منى المياه كلها تنتقل معهم، وصلوا إلى عرفات فالمياه تنتقل معهم، يعني تركيبات دقيقة جداً، بحيث أن كل المياه التي هم بحاجة إليها تتنقل معهم من مكان إلى مكان، هذا حال أهل الجنة، يعني أينما ذهبت، عين الماء العذب السلسبيل إلى جانبك

﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾

عباد الله الصالحين، الذين صلحت نفوسهم واستحقوا جنة ربهم

﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6)﴾

الوفاء بالنذر:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)﴾

النذر: ما أوجب الإنسان على نفسه ـ هذا هو النذر ـ فإذا كان موفياً بما أوجبه على نفسه، فلأن يكون موفياً بما أوجبه الله عليه من باب أولى، فالله أوجب علينا الاستقامة، أوجب علينا الصدق، أوجب علينا الأمانة، أوجب علينا العفة، أوجب علينا الإخلاص، أوجب علينا أن نصلي، أن نصوم، أن نحج، أن نعتمر، فإذا كان هؤلاء المؤمنون يوفون بالنذر ما أوجبوه على أنفسهم، فكيف بالذي أوجبه الله عليهم ؟ هو من باب أولى، يعني هذا المؤمن صفته أنه يوفي ما عاهد الله عليه، لذلك هذه الآية من أدق الآيات:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾

الآن أكثر الحجاج أثناء الطواف إذا حاذوا الحجر الأسعد أو الأسود يقفون أمامه ويشيرون له بأيديهم ويقولون بسم الله الله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنة نبيك، وعهد على طاعتك، يعودون إلى بلدهم، الحاج الحقيقي هذا العهد ينبغي ألا يغيب عن ذهنه ولا لحظة، أنت عاهدت الله.
فالنبي عليه الصلاة و السلام جاءه صحابي جليل مهاجر قال له: في أثناء الطريق ألقي القبض عليّ من قبل المشركين فعاهدتهم إن أطلقوني ألا أقاتلهم، فرح به النبي عليه الصلاة والسلام، بعد سنة أو سنتين كان هناك غزوة فهذا الصحابي نسي العهد، فرح بالجهاد مع رسول الله فانخلط مع أصحابه، قال له:

(( أنت ارجع، ألم تعاهدهم ؟ ))

إن العهد كان مسؤولاً، فهؤلاء المؤمنون الذين استحقوا جنة الله عز وجل

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾

أي هم يوفون ما أوجبوه على أنفسهم، ومن باب أولى ما أوجبه الله عليهم، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)﴾

( سورة الأعراف: 102 )

أما المؤمن كما قال عز وجل عن سيدنا إبراهيم:

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)﴾

(سورة النجم )

أي أشرف موقف أن تكون عند عهدك مع الله عز وجل.

 

الوفاء بالعهد:

الإنسان لأن يسقط من السماء إلى الأرض فتتحطم أعضاءه، أهون من أن يسقط من عين الله، قد تكون فقيراً ـ والفقر ليس وصمة عار بالإنسان أبداً ـ قد تكون مريضاً، فالفقر ليس بمشكلة و المرض أيضاً ليس بمشكلة، لكن أن تسقط من عين الله هي المشكلة، أن تخون أمانتك، ألا توفي بما عاهدت الله عليه، ألا تكون عند عهدك لله عز وجل بطاعته فلذلك:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

( سورة الصف )

بني إسرائيل قالوا:

﴿ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾

( سورة البقرة: 93 )

أما المؤمنون الصادقون:

﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)﴾

(سورة البقرة: 285 )

محاسبة الإنسان يوم القيامة:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) ﴾

الشر المستطير ؛ المنتشر، المتفجر، أي يوجد مشكلات بالحياة الدنيا ينشأ عنها مشكلات، مشكلة متفجرة، يوجد مشكلات محدودة، تحاط، تطوق، تحدد، أما في مشكلة تتفجر، فهذا اليوم يحاسب الإنسان فيه عن كل شيء، تراجع كل الحسابات، تراجع كل القوائم، كل شيء فعله يراجع به، هذا اليوم يوم عصيب.

﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾

( سورة المدثر )

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾

( سورة الإنسان )

﴿ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾

قال:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) ﴾

يعني أخ كريم، قال لي اشتريت محضراً وأخذناه بالمزاد أي بطريقة أو بأخرى، أخذه بثلثي ثمنه، يعني دخل بالمزاد أشخاص خلبيون، رفعوا السعر قليلاً قليلاً، هذا الأخ قال لي ثم عرفت أن أصحاب هذا المحضر بعضهم أيتام، كيف أواجه الله يوم القيامة ؟ قال لي بماذا تنصحني ؟ قلت له إما أن تنسحب، وإما أن تعطي أصحابه الثمن الكامل، ولا تعبأ بهذه المزاودة أو المناقصة، وهذا الذي فعله، في قبر، أحياناً يكون القانون معك مائة بالمائة لكن بالقبر لا يوجد قانون، بالقبر يوجد شرع، القضية تحل معك هكذا.

جوهر الدين معرفة الحلال و الحرام:

قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال له: هي ليست لي، قال له: قل لصاحبه ماتت، قال له: ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال له:و الله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها مات أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادق آمين، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين.
لو عندك مكتبة وعندك ألف شريط تسجيل وعندك إطلاع، وعندك ثقافة إسلامية واسعة وعندك، وعندك، وأكلت درهماً من حرام فأنت لا تعرف شيئاً، لا تقل أبالغ و الله لا أبالغ، قالت السيدة عائشة عن رجل خالف الشرع قولوا له إنه أبطل جهاده مع رسول الله لما ؟ في أكل مال حرام، في كذب، وفي غش واحتيال وعدوان، ضع صلاتك وصيامك وحجك في الحاوية وأنت مطمئن. 

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ(54)﴾ 

( سورة التوبة )

يصلي وينفق وهو عند الله كافر.
الصوم: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
الصلاة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً
الحج: إذا إنسان حج بمال حرام وقال: لبيك اللهم لبيك، يناديه منادي بالسماء لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك.
فالحج لا يفيد، و العمرة لا تفيد، و إنفاق المال لا يفيد مع المعصية، و الصلاة لا تفيد، و الصيام لا يفيد، يفيدك أن تطيع الله أولاً، عندئذ كل هذه العبادات ترقى بها، أما إذا كنت مقيماً على المعاصي أي بيتك إسلامي، وعملك إسلامي، الآن الصلاة تتوج بها هذه الاستقامة، أما إذا في مخالفات كبيرة جداً، هذه العبادات لا تقدم ولا تؤخر، هي فرض لا بد منها، ولكن لا تقدم ولا تؤخر.

أفضل الأعمال الصالحة:

1 ـ الوفاء بالنذر:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)﴾

2 ـ إطعام الطعام:

إطعام الطعام، النبي الكريم سئل أي الإسلام أفضل ؟ قال: إطعام الطعام، إطعام الطعام يؤلف القلوب، يجمع النفوس، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يجيب المتباريين يعني إذا الوليمة من أجل أن تفتخر، أن تعلو بها على الناس، هذه وليمة أريد بها الشيطان.

معاني إطعام الطعام:

أما إطعام الطعام من أعظم الأعمال الصالحة:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾

العلماء قالوا: هناك معنيان:

1 ـ إطعام عباد الله بدافع حبهم لله:

إما أنهم محتاجون إلى هذا الطعام ويحبونه، والوضع عصيب جداً، آثروا به الفقير هذا معنى، أو على حب الله عز وجل، الإطعام بسبب حبهم لله عز وجل

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً﴾

عاجزاً عن العمل،

﴿ وَيَتِيماً ﴾

لا يمكنه أن يكسب المال

﴿ وَأَسِيراً (8)﴾

ولو كان مشركاً واقع بالأسر.

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9)﴾

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾

أي حباً بالله عز وجل، بدافع حبهم لله، هؤلاء عباده الجائعون، بدافع حبهم لخالقهم يطعمون عباده، هذا المعنى الأول.

2 ـ إيثار إخوانهم على أنفسهم على الرغم من فقرهم:

المعنى الثاني: يؤثرون على أنفسهم ولو كان به خصاصة، هم في أشد الحاجة إلى هذا الطعام، لكنهم آثروا عليهم إخوانهم، على حبهم لهذا الطعام، وشدة حاجتهم إليه، يطعمونه

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ﴾

أي العاجز عن العمل،

﴿ وَيَتِيماً ﴾

أي الصغير الذي ليس له أب يغتني بغناه،

﴿ وَأَسِيراً (8) ﴾

الذي أسر ولو كان مشركاً، إلا أن الأسير المشرك لا يعطى من الزكاة، يعطى من الصدقة لأن الزكاة تأخذ من الأغنياء المسلمين وترد على فقرائهم.
أما الصدقة يمكن أن ينفق منها لغير المسلمين:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ﴾

لذلك الإخلاص ينفع معه قليل العمل و كثيره، أما عدم الإخلاص لا ينفع معه لا قليل العمل ولا كثيره.
الإخلاص لا يعلمه إلا الله، حتى الملك الذي على كتفك لا يعلم إخلاصك هذا بينك وبين الله

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ﴾

ابتغاء مرضاته،

﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾

لا نريد استحساناً ولا مدحاً ولا ثناء ولا أي شيء من هذا القبيل.
بعض المسلمين ـ أصلحهم الله ـ لا يدفعون إلا إذا وضعت على الجدار قطعة رخام عليه اسمهم، فأنت حينما قدمت هذا لله عز وجل، الله عز وجل يعلم كل أعمالك الصالحة.

الإخلاص ثمنه الجنة:

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)﴾

(سورة آل عمران )

هو يعلمه، وسيعوض عليك أضعافاً مضاعفة، كن غنياً عن أن يقول الناس عنك أنك محسن كبير، كن غنياً عن ذلك، لأن هذا تقترب به إلى الإخلاص، والإنسان إذا نازعته نفسه حول إذا ما كان مخلصاً أو غير مخلص ليكتم عمله الطيب عن الناس، ليصلي في جوف الليل دون أن يقول لأحد، ليدفع صدقة لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، بهذا تنتصر على الشيطان، إذا قال: أنت تريد مديحاً، ثناء، ردّ عليه بهذه الطريقة

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾

المؤمنون كثيرون لهم أعمال كالجبال، لا يعلمها أحد، فيما بينهم وبين الله عز وجل، وكلما كانت عامرة فيما بينك وبين الله استغنيت عن استلذاء المديح، استلذاء المديح مرض نفسي، بضعف الإخلاص تستلذي مديح الناس، تذكرهم بعملك، من أجل أن يمدحوك تذكرهم بفضل، بإحسانك، تذكرهم بطريقة أو بأخرى، من أجل أن يثنوا عليك، لأن ثناءهم عليك هو جزاؤك من هذا العمل، أما المؤمن يبتغي وجه الله، لذلك لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.

أعمال المؤمن الصادق:

سيدنا الصديق رَضِي اللَّه عَنْه يعني له أعمال عظيمة لا يعلم بها أحد، له جيران ضعاف، فكان يحلب لهم الشياه، فلما صار خليفة المسلمين دخل الحزن على هؤلاء الجيران ـ مستحيل يتابع هذه الخدمة ـ في صبيحة اليوم الأول عندما تسلم منصب الخلافة، طرق باب أحد الجيران، قالت الأم لابنتها: افتحي الباب يا بنية، فلما رجعت قالت من الطارق ؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أماه، وهو في قمة المجتمع الإسلامي، يحلب الشياه لجيرانه الضعاف، المؤمن الصادق له أعمال لا يعلمها إلا الله له أعمال جليلة بينه وبين الله، ولا يستطيع الشيطان أن يقول له: إنما تفعل هذا رياء الناس أبداً، الدليل: ما تكلم بها فيما بينه وبين الله.

إعلان الأعمال الصالحة إذا كان ذلك يشجع الآخرين:

أما إذا كنت واثقاً من نفسك والكلام عن الأعمال الصالح يشجع الآخرين لا يوجد مانع: 

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)﴾ 

( سورة البقرة )

﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)﴾

يوم القيامة يوم مخيف، هم:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) ﴾

وهم مخلصون بهذا العمل

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾

لأننا:

﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) ﴾

الدعاء:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا الشوق إلى لقائك ولذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور