- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التعليم من أشرف المهن لأنه يتصل بصنعة الأنبياء:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولازلنا في التربية الاجتماعية، ومع موضوع جديد ألا وهو توقير الكبار والمعلمين.
بادئ ذي بدء: قال عليه الصلاة والسلام:
(( وإنما بعثت معلماً ))
فالتعليم من أشرف المهن، إنها تتصل بصنعة الأنبياء.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
ولعل الانضباط الأخلاقي الذي يذكره السلف الصالح فيما مضى بسبب المعلم الذي يحمل رسالة.
مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة قال: إن أرت أن أدعو على إنسان بالشقاء أدعو عليه أن يكون معلماً، وإن أردت أن أدعو لإنسان بالسعادة أدعو له أن يكون معلماً.
كيف نوفق بين القولين ؟ نوفق بينهما، المعلم الذي يحمل رسالة هو أسعد الناس، أما الذي لا يحمل رسالة هو أشقى الناس.
من لم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس:
لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
الآية واضحة جداً ؛ ليس في أهل الأرض من هو أفضل عند الله ممن دعا إلى الله:
﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
فلذلك: ليس من صالح الأمة، ولا من صالح الأجيال، ولا من صالح التقدم بالمصطلح الحديث أن تضعضع مكانة المعلم، إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما، أي الأب المربي، الأب الحكيم، الأب المؤمن يربي ابنه على احترام المعلم، لأن الأمة لا يمكن أن تبنى إلا من خلال المعلمين.
مرة في لقاء، في ندوة فضائية، سألني المحاور: كيف السبيل إلى قوة الأمة ؟ قلت له: نبدأ بالصغار، هذا الجيل الذي يعني المستقبل، الكهول هم الحاضر، والشيوخ هم الماضي، والصغار هم المستقبل، ولا أبالغ إذا قلت لكم: إن الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدي المسلمين أولادهم، وما لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لأنه امتداد لك، لأنه استمرار لك، تمشي في الطريق ترى شباناً ثلاثة يدخنون، الأول ابنك فتفور و تغلي، الثاني ابن أخيك أقل غلياناً، الثالث صديق ابن أخيك لا تتأثر له، ابنك يعني أنت، ابنك استمرارك، ابنك جزء من كيانك.
أقسم لكم بالله أحياناً تتصل بي أخت كريمة ابنها تفلت من منهج الله، يأتي الساعة الثانية ليلاً لا تعرف مع من، ولا يجيبها بكلمة، بل يتطاول عليها، أقسم لكم بالله تكاد تموت من الألم.
أنت حينما تعتني بأولادك تعتني بنفسك، أنت حينما تربي أولادك تصطلح مع نفسك، أنت حينما تربي أولادك تجلب سعادة لا توصف، ذُكرتْ في القرآن الكريم:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
احترام المعلم حضارة و تقدم:
قلت للمحاور: نبدأ من الصغار، إن أردت بناء أمة قوية، أمة منضبطة، أمة تستعيد دور الأمم السابقة في قيادة الأمم، إن أردت أمة تقود الأمم ينبغي أن تبدأ بالصغار، وكيف نبدأ بالصغار ؟ نبدأ بالمعلمين، الأداة الوحيدة لنهوض الأمة المعلم، الطبيب مع المريض، مع الاحترام الكامل والتوقير العالي للطبيب، هو مع المرضى، والمحامي مع أصحاب المشكلات، والنجار مع الخشب، والحداد مع الحديد، لكن المعلم مع فلذات أكبادنا، المعلم مع أطهر فئة في المجتمع، المعلم مع من هم استمرار لنا، فلذلك ليس من صالح الأمة، ولا من صالح الأسرة أن تضعضع مكانة المعلم، لا تُسمع ابنك كلاماً قاسياً على معلمه، ولو أخطأ، عود ابنك أن يحترم المعلم، لأن الذي يحترم معلمه يأخذ منه الكثير.
أيها الأخوة، أنا أقول لكم: احترام المعلم حضارة، وعدم احترامه تخلف، سمعت في بلد كألمانيا أن أفضل بيت في القرية هو بيت المعلم، و في أي حفل رسمي يُقدّم المعلم على رئيس الجمهورية، هذه التقاليد عندهم.
هذا الذي يتولى تربية الأجيال، لكن مع الأسف الشديد الأوائل في الشهادة الثانوية يذهبون للتسجيل في كلية الطب كما في بلدنا، في بلاد أخرى الأوائل في الشهادة الثانوية إلى كلية الحقوق، لأنهم تصوروا أن الذي يحمل لسانس في كلية الحقوق سيكون محافظاً أو وزيراً، أناس يوكل إليهم أمور الأمة، ينبغي أن يكونوا على مستوى عالٍ من الذكاء، في بلاد أخرى يؤخذون إلى جهات حساسة جداً تحتاجهم الدولة، لكنني أرى أن هذا الذي بيده الأجيال الصاعدة هذه الأمة ما مستقبلها ؟ مستقبلها منوط بأولادها.
إذا إنسان محبط، دخله لا يكفيه خمسة أيام، ثقافته أقل مما ينبغي، ليس معه ثمن كتاب، يعمل بأجر لا يكفيه أياماً، كيف ينشئ جيلاً ؟ كيف يلقي علماً ؟ كيف يكسب تربية ؟ كيف يكون قدوة ؟ كيف يكون مثلاً ؟ أنا أتمنى وعندي معلومات دقيقة عن بعض البلاد القوية جداً أن الذين يعلمون الصغار هم نخبة الأمة، ابنك كيف تعلمه ألا يكذب ؟ ألا يهمل ؟ كيف تعلمه أن يحترم الكبير ؟ أن يوقر العالم ؟ أن يدير وقته ؟ أن يصلح شأنه ؟ أن يحسن علاقاته مع الآخرين ؟ أن يرسم لنفسه هدفاً ؟ عن طريق المعلم، فهذا الذي يتولى تربية ابنك، إن كان صالحاً صلح ابنك، وإن كان محبطاً فسد ابنك.
بناء الأمة يبدأ من التعليم:
أيها الأخوة، مرة ثانية: بناء الأمة يبدأ من التعليم، واسألوا أقرباءكم من الجيل السابق يبقى طوال حياته يترحم على معلمه، فالمعلمون سابقاً كانوا أصحاب رسالة، يبتغون وجه الله، لأن رتبة العلم أعلى الرتب، بأضخم صرح تعليمي في دمشق، و هذا معمر من السنة السادسة و الثلاثين، التجهيز الأولى في مدخلها مكتوب لوحة: رتبة العلم أعلى الرتب.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أنا أتمنى على الآباء والأمهات ألا يتكلموا كلاماً سيئاً بحق المعلمين والمعلمات، لأن هذا يضعضع ثقة الابن بمعلمه ولو أخطأ.
على كل أب ألا يضعضع مكانة المعلم أمام ابنه:
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ))
وأنا أقول لكم من بعض التوجيهات النبوية: "لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له ".
لا تصاحب إنساناً يستخف بالتعليم، صدق ولا أبالغ أنا أمضيت في التعليم أكثر من خمسة و ثلاثين عاماً، بالتعليم الجامعي والرسمي، والله في كل عام أنا أسعد من السابق، لأن أنا أمام جيل صاعد، إن كنت أمامهم مثل أعلى تعلموا مني، أبني نفوسهم، أبني عقولهم، أبني أخلاقهم، من يتاح له أن يكون بانياً لنفوس يعود خيرها على أمة بأكملها ؟ أحياناً أنت تجد موظفاً يقدم خدمات للمواطنين، يوجد بقلبه رحمة، يسعى لخدمة من حوله، منصف، أنا أقول: حتماً هذا الإنسان تلقى تربية عالية، والناس يقولون: فلان مربى، فأنت ليس من صالحك أيها الأخ الكريم أن تضعضع مكانة المعلم أمام ابنك، أنت كأب، ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تعلَّمون منه ))
نوجه أولادنا أن يحترم المعلم، أحياناً طالب يأخذ بيده باقة ورد، في يوم من أيام السنة لمعلمه ترى أن هذا الطالب يتألق، باقة ورد بسيطة لأن المعلم شعر أن هناك تقدير، هذا التقدير انعكس اهتماماً، أنا أنصح كل أم من قريباتي، أو كل أب ممن يلوذ بي، إذا شكا من معلم ابنه، أقول: اذهب إليه وطيب قلبه، وأشعره أن جهدك مشكور عندنا، حتى يهتم بالابن، لو أن الدرس موجه إلى مدراء المدارس أو مدراء التربية، أقول: ينبغي أن تؤمن للمعلم راحته وكرامته، وعندئذٍ يعطي.
الراحة و الكرامة شيئان أساسيان عند كل إنسان:
بل أقول لكم دائماً: أعطِ الإنسان حاجته وكرامته، وخذ منه كل شيء، أعطِ الإنسان حاجته وكرامته، على مستوى شركة، أعطِ الموظف حاجته التي تليق بكرامته، أعطِه كرامته، خذ منه كل شيء، وهذا يدخل في إدارة الأعمال، هذا الذي أمامك إن أعطيته الحاجة التي يحتاجها أعطيته الكرامة التي يسعى إليها، ملكته، عندئذٍ أعطاك كل شيء.
وأنا أقول هذه الكلمة أردده كثيراً: أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته، وخذ منه كل شيء، وبأي عمل إداري، أعطِ من حولك حاجتهم وكرامتهم وخذ منهم كل شيء، ولعلي أتمنى أن تدار بحوث جامعية حول إدارة الأعمال في الإسلام، كيف تستطيع من هذا الإنسان أن يعطيك كل شيء ؟.
لعلي ذكرت لكم أنني زرت معملاً في بلدة في هذا البلد الطيب، فأبلغني صاحب هذا المعمل أن إنتاجه مباع لستة أشهر، وقد دُفع ثمنه كاملاً، السبب إتقان العمل، والإتقان من أين جاء ؟ لأنه يعطي رواتب عالية جداً للموظفين الذين عنده، هؤلاء أعطوا خدمة للمصلحة العامة.
بطولة الإنسان أن يؤمّن لمن حوله ما يريدون كي يتفانوا في خدمته:
مرة ثانية: أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء، فإن أعطينا المعلم حاجته وكرامته أعناه على أن يثقف نفسه، أن يطالع، أن يشتري كتباً، أعطيناه راتباً يغطي حاجته ويحقق كرامته أخذنا منه كل شيء.
أنا العبد الفقير أدرت قديماً ثانوية من أربعين سنة، هيأت للمدرسين برنامجاً مريحاً جداً، هيأت لهم كرامتهم، أي طالب تجاوز حده يُفصل بطلب من المدرس، صدقوا ولا أبالغ نسبة النجاح كانت في الشهادة الثانوية تسعة و تسعين بالمئة، ماذا تريد ؟ أنا بالأساس كنت مدرساً أعرف ماذا يتمنى المدرس، أعطِه راحته وكرامته وخذ منه كل شيء، هذه تنطبق بالأعمال، بالتجارة، في المؤسسات، في المستشفيات، في المدارس، في الجامعات، في البيوت، هذا الابن يحتاج إلى شيء، الأب الموفق يعطي ابنه حاجاته المشروعة، ويعطيه كرامته في البيت، تجد أن الانضباط تحقق، و لم يعد هناك أي تطاول أبداً.
حدثني أب قال لي: والله يقف أبنائي أمامي كأنهم جنود، لأنه أمن لهم مستقبلهم، عندما الأب يهتم بأولاده، يعطيهم حاجتهم، يريحهم، يعطيهم كرامتهم في البيت، يتفانون في خدمته.
أنا أقول دائماً يا أخوان: بطولتك أن تتأكد أن هل من أولادك من يتمنى وفاتك أم هناك من يتمنى بقاءك ؟ الأب الصالح يتمنى أولاده حياته وبقاءه، والأب البخيل يتمنى أولاد وفاته، طبعاً لا يتكلمون هذا الكلام هذا شيء داخلي، أما لو أصابته وعكة و جاء طبيب وقال: عرضية ينزعجون كثيراً، كيف عرضية ؟ يا ليتها كانت القاضية.
بطولة الأب لا أن يكون محترماً بل أن يكون محبوباً والحب ثمنه الإحسان:
لي كلمة أرددها كثيراً وسامحوني بها: نحن بالثقافة الإسلامية الأب محترم جداً، لكن البطولة لا أن تكون محترماً أن تكون محبوباً، بثقافتنا الدينية الإسلامية الأب محترم، لكن بطولة الأب لا أن يكون محترماً أن يكون محبوباً، والحب ثمنه الإحسان، وفي بعض الأحاديث الشريفة:
(( ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط ))
أي قاضٍ مستقيم، مدير ناحية مستقيم، رئيس بلدية مستقيم، إمام يحتل منصباً معيناً، يعامل من حوله بالعدل، ولا يظلم أحداً، الذي لا يحترمه هو المنافق، ذو علم، إنسان يحمل شهادة عليا، امتهن العلم والتعليم، فالذي يستخف به يعد منافقاً.
(( ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط ))
وفي بعض الأحاديث الشريفة أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا بهذا الدعاء فقال:
(( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العلم ولا يستحيون من الحليم ))
وهذا يذكرني بحديث آخر:
(( إذا كانَت أُمراؤُكم خيارَكم، وأغنياؤُكم سُمحاءَكم، وأمورُكم شورَى بينكم فَظَهْرُ الأَرضِ خَير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤُكم شِرارَكم، وأغنياؤُكم بُخَلاءَكم وأُمورُكم إلى نسائكم، فبطنُ الأَرض خير لكم من ظهرها ))
سيدنا علي بن أبي طالب كان يجلس إلى جنب النبي عليه الصلاة والسلام دخل سيدنا الصديق، فقام له، فالنبي بكلمة رائعة أثنى عليهما معاً، فقال:" لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ".
لا يُنال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع:
عود ابنك أن يحترم الضيف، يحترم الكبير، يحترم ذي الشيبة المسلم، يحترم المعلم، يحترم المدرس، أنا أتمنى ألا يسمح الأب لأولاده أن يقلدوا المعلمين في البيت، هذا استخفاف، والذي يحاكي يُعاقب، وهناك أحاديث كثيرة على أن المحاكاة أي التقليد معصية، الأب يضحك من أن ابنه يقلد المعلم مستخفاً به، هذا ليس من صالح الأب ولا من صالح الابن.
في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المعارك أمر أن يدفن الرجلان في قبر واحد، فكان يسأل:
(( أيهما كان أكثر أخذاً للقرآن ؟ ))
يضعه قبل أخيه، رجح قيمة العلم، حتى في الدفن، يضعه قبل أخيه، وقال بعض العلماء: لا يُنال العلم إلا بالتواضع، وإلقاء السمع، أنت بالتواضع تأخذ كل العلوم، بربك إنسان يطلب العلم من أربعين سنة، يحمل شهادات منوعة، قارئ كتب، كتب بحوث، له دراسات، كتلة علم، أنت بسؤال مؤدب تأخذ علمه، من استشار الرجال استعار عقولهم، بسؤال مؤدب تأخذ خبرة.
أحياناً كما قيل: من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال، لو كان من الممكن أن نقتني الكتب، ونكتفي بالكتب القضية سهلة جداً، يمكن ثاني أكبر ميزانية في الدولة ميزانية التربية والتعليم، لو كان من الممكن أن نوزع كتباً على الطلاب، وتقرأ هذه الكتب، ويكون التعليم نافعاً من دون معلم القضية سهلة جداً، ولكن هذا العلم لا يؤخذ إلا من معلم، والمعلم قدوة.
عظمة الأنبياء أنهم طبقوا ما قالوا:
هناك شيء أتمنى أن يكون واضحاً عندكم، أو ما المهمة التي أنيطت بالنبي ؟ سؤال: حينما أرسل الله هذا الإنسان ليكون نبياً ما المهمة التي أنيطت به ؟ أنا أتصور كما تتصورون أنتم جميعاً أنه البلاغ:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾
أنا أضيف إلى هذه الرسالة أي إلى رسالة التبليغ رسالة القدوة، أي إنسان يبلغك معلومات تحفظها، تلقيها على من حولك، لكن عظمة الأنبياء أنهم طبقوا ما قالوه، كما قالوا: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
وأنا أقول لكم: نحن الآن بحاجة لا إلى إسلام في الكتب، ولا إلى إسلام في الأشرطة، ولا إلى إسلام مسجل بدروس، ولا إلى مقالات، ولا إلى توصيات، نحن في أمس الحاجة إلى إنسان مسلم متحرك نراه صادقاً، نراه أميناً، نراه عفيفاً، نراه منصفاً، نراه رحيماً، نراه متواضعاً، الذي يقلب وجه الأرض من مجتمعات كافرة قاسية تسفك فيها الدماء، تنهب فيها الثروات، يُذل فيها الإنسان، إلى مجتمعات راقية لا بدّ من المعلم، من لم يأخذ هذا العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال.
من حق الأخ على أخيه الإنصات الكامل و الاحترام:
ما يروى عن الإمام الشافعي أنه كان إذا تصفح الكتاب أمام أستاذه لا يحدث صوتاً إطلاقاً، الآن هناك طالب يقلب الصفحات بصوت مزعج جداً، وهناك إنسان يقلب الصفحات بلا صوت، أحياناً بالمسجد يلقي الإنسان بحذائه من مكان مرتفع له صوت، وهناك إنسان يضعه برفق، إحداث الصوت دليل ضعف الأدب، وكلما تأدب الإنسان غض من صوته، فكان الإمام الشافعي يتصفح الكتاب أمام أستاذه من دون أن يصدر صواتاً للورق أثناء تقليب الورق، و هذا الربيع بن سليمان ـ رحمه الله ـ وهو من تلاميذ الشافعي يقول: "والله ما تجرأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلى هيبة له".
أحياناً في عقود القران لا تبتعدوا كثيراً يدعى أحد العلماء لإلقاء كلمة، توزع القهوة، توزع البوظة، توضع الصحون فوق بعضها، صوت لا يحتمل، حركة، ضجيج، ما هذا الكلام ؟!.
قالوا: لا يجتمع درس وضرس.
تجد طوال الاحتفال أثناء الإنشاد لا يوجد توزيع، و عندما يقوم الخطيب ليلقي كلمة بعقد القرآن يبدأ توزيع البوظة والصحون والملاعق.
فلذلك أنا أنصح المتكلمين ألا يتكلموا إلا إذا كان هناك إنصات كبير، لأنه من حق الأخ على أخيه أن يستمع له.
كلما تأدب الإنسان مع المعلم تفانى هذا المعلم في خدمة المتعلم:
هل تصدقون أيها الأخوة الكرام، أن النبي عليه الصلاة والسلام ما رئي ماداً رجليه قط، طبعاً هناك إنسان معه التهاب مفاصل، هذا معذور، الحديث ليس عنه إطلاقاً المعذور معذور، أما إنسان بلا عذر يمد رجله أمام معلمه، ما رئي، وهو سيد الخلق، ليس متعلماً هو معلم، ما رئي ماداً رجليه قط، أحياناً جلسة فيها أدب، وهناك سؤال في أدب، و خطاب في أدب، إنسان أحياناً يخاطب المعلم بضمير الجمع، قلتم لنا أستاذ، ألطف بكثير من قلت لنا، تكلمتم في درس سابق عن هذا الموضوع لي سؤال، فهل بالإمكان أن تجيبوني عنه، استخدم ضمير الجمع هناك أدب أكثر بمعناها.
أنا مرة إنسان حدثني عن رجل أجريت معه ندوة بفضائية ـ الفضائية متفلتة طبعاً ـ حول معركة الخندق، فلما انتهى المتكلم من الحديث عن المعركة كان هناك استخفاف ما بعده استخفاف.
إذاً هناك كلمات مؤدبة، ضمير الجمع، الاستئذان، وكلما تأدب الإنسان مع المعلم المعلم تفانى في خدمة المتعلم.
حتى إن بعضهم قال: يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك، وأنت بالأدب تنال ما تريد.
من ازداد علمه ازداد خوفه من الله تعالى:
مرة ثانية: إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما.
ربِّ ابنك على أن يحترم المعلم، لست مخطئاً في هذا أبداً، أنا أعرف أن المعلم إذا وجد طفلاً مؤدباً يتفانى في خدمته، يتفانى في العناية به، يتفانى في تعليمه، لو أن هذا الطفل المؤدب رفع يده، نعم يا بني، باهتمام، أما الطفل الغير مؤدب.
مرة طالب يدرس الحادي عشر قال لي: أنا لا أخاف من الله، قلت له: والله أنت يا بني معك حق ألا تخاف من الله، الحقيقة جوابي كان يحتاج إلى شرح، قال لي: لماذا ؟ قلت له: لأن الفلاح أحياناً يأخذ ابنه معه إلى الحصيدة، و عمر ابنه يقدر بسنتين، يضعه بين القمح، يمر ثعباناً طوله عشرة أمتار لا يخاف منه، لأنه لا يدرك بعد و لا يخاف، قلت له: الخوف يحتاج إلى إدراك، طفل صغير لا يخاف، لأنه لا يدرك.
أساساً رأس الحكمة مخافة الله، كلما ازداد علمك ازداد خوفك.
مرّ معي حادثة، دخلت لمعمل، وجدت صاحب المعمل وجهه متجهم، متألم، خير ؟ قال: تعال انظر، معمل ضخم، بناء ضخم، آلات تعمل بانتظام، كل شيء على ما يرام، أنا ما وجدت شيئاً، نظر إلى جسر في السقف كبير، فيه خط صغير، قال لي: هذا الخط جئنا بدكتور بالهندسة وجد أن الأساس منزلق بسبب المياه المالحة، فعندما انزلق الأساس صار هناك كسر بالجسر، قال لي: يحتاج ـ يمكن القصة من سنة السبعين ـ إلى خمسمئة و خمسين ألفاً كي يصلح، الآن خمسة ملايين، قلت: لو إنسان جاهل قال له: هذا يحتاج إلى معجون، الفرق بين المعجون و بين تعديل الأساس هذا هو الفرق بين العلم والجهل، فكلما ازداد علمك ازداد خوفك، و ازداد قلقك.
الطفل المؤدب بتوجيه أهله يحتمل عصبية المعلم:
إذاً نحن عندنا في الدرس القادم إن شاء الله مجموعة من الآداب تفصيلية، لكن بقي أدب واحد في هذا الدرس، أحياناً يكون المعلم عصبي المزاج، الطفل المؤدب بتوجيه أهله يحتمل عصبية المعلم، حتى إن هناك آية قرآنية سيدنا موسى كان عصبي المزاج، أخذ الألواح وألقاها:
﴿ ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾
سيدنا هارون، أحياناً هذا طبع، ونحن كما نقول دائماً:
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))
هناك مؤمن منفتح، مؤمن منكمش، مؤمن ينفق مالاً كثيراً، مؤمن إنفاقه أقل، مؤمن انعزالي، مؤمن يحب المجتمعات.
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمتابعة هذه السلسة من الدروس، فلعل الله سبحانه وتعالى يصلح بها بيوتنا وأولادنا.