وضع داكن
20-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 30 - التربية الاجتماعية -11- تأديب الصغار على معرفة حق الكبير
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تأديب الصغار على معرفة حقّ الكبير:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثلاثين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، وهو تابع للتربية الاجتماعية تأديب الصغار على معرفة حق الكبير.
أيها الأخوة الكرام، ما من عمل يقترفه طفل صغير أشد من أن يتطاول على الكبير، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

(( ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويعرف لعالمنا حقه ))

[أخرجه البزار عن عبد الله بن عباس ]

(( ليس منا ))

نفى عن هذا الإنسان الانتماء إلى الإسلام، (( ليس منا )) وبالمناسبة هذه الصيغة تؤكد على عظم هذا العمل، هناك أحاديث كثيرة جداً.

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرأة على زوجها ))

[أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ]

(( لَيْسَ مِنَّا من دعا بدعوى الجاهلية ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود]

(( لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة ))

[أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم ]

أحاديث كثيرة تبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم

(( لَيْسَ مِنَّا ))

وما يأتي بعد ليس منا سيء كبير جداً.

(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ))

[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

أي يتمتع المسلمون بآداب رفيعة جداً منها تكريم الكبار، ورحمة الصغار، وأن يعلم الإنسان للعلماء حقهم.

توقير أهل العلم جزء من إيمان الإنسان:

أيها الأخوة من هو الكبير ؟، لابدّ من معرفة الكبير.
بادئ ذي بدء: الكبير الكبير في السن، الكبير في السن ينبغي أن يُحترم، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

(( ما أكرم شاب شيخا لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ))

[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

والعالم كبير، أنت حينما توقر أهل العلم هذا جزء من إيمانك، سمعت في بلد أوربي قديماً أن العالم يحتل مرتبة تكاد تكون أعلى مرتبة في المجتمع، وهذا من دوافع إقبال الناس على العلم، أما حينما لا يُقدر المعلم مثلاً يزهد الناس في هذه الحرفة. 

قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا

* * *

أنا لا أبالغ أن مقياس انضباط الأمة الأخلاقي من توقير الكبار، علماء كانوا، أو معلمين، أو كانوا كباراً في السن.
لذلك قالوا: العالم شيخ ولو كان حدثاً، ولو كان شاباً صغيراً، ما دام طلب العلم فهو كالشيخ، والجاهل حدثاً ولو كان شيخاً.
أي أحياناً يكون هناك مهندس يحمل شهادة عليا في دائرة، وحوله مساعدين وكلهم كبار في السن، تجد هذا المساعد بالستين يقول له: سيدي، هو بعمر ابنه، لكن لأنه طلب العلم فاستحق هذا المكان والتكريم.

احترام الأب و الأم من فضل الله علينا في بلاد المسلمين:


إذاً الأمة التي تكرم الكبار في السن أنا أرى أن أعظم تكريم للكبير في السن لا أن يوضع في المصحات، أو في دور العجزة

هذا أكبر إهانة لمن تقدمت به السن، وعنده أولاد، وعنده بنات، يوضع في مأوى عجزة، وهناك مأوى عجزة من مستوى خمس نجوم لكن المتقدم في السن لا يريد مكاناً في خدمات خمس نجوم، ولكن يريد أن يرى أولاده، وأحفاده أمامه.
من فضل الله علينا في بلاد المسلمين أن المتقدم في السن يبقى بين أولاده يرعونه، ويقدمون له كل الخدمات.
إنسان أخذ والده إلى بلاد بعيدة ليعالجه، فقال له الطبيب: لا يوجد أمل قضية أيام، سافرْ، فلما رآه بعد حين لمْ يسافرْ قال له: لِمَ لم تسافر ؟ قال له: لا يمكن أن أسافر، فانتبه هذا الطبيب إلى تلك القيم التي يتمتع بها أبناء المسلمين.
فمن فضل الله في بلادنا الإسلامية الأب محترم، والأم محترمة، وأصعب شيء في المجتمع أن يفقد الكبير احترامه، أو توقيره، وليس هناك من كلام أبلغ من أن يقول النبي الكريم:

(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ))

[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

من معاني الكبير:

1 ـ المتقدم في السن:

وأنا أعطيكم أقل معنى من معاني الكبير المتقدم في السن.

(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ))

[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ].

أحياناً يكون هناك مركبة عامة، والمحلات محدودة، وشاب صغير يجلس على مقعد، يصعد إنسان كبير في السن يقوم له، شيء رائع جداً، فكلما ربيت ابنك على احترام الكبير كلما كان محبوباً أكثر.
يروى مرة أن سيدنا علي كان إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء سيدنا الصديق، فقام له، وأجلسه مكانه، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))

2 ـ العالم:

من معاني الكبير: العالم.

3 ـ من كان من أهل السلطة:

من معاني الكبير إمام عالم، قرية، أو ناحية، هناك مدير ناحية، هناك مدير مستقيم يسعى لخدمة هذه البلدة، يقيم العدل بين أفرادها، يلبي حاجاتها، يحرص على سلامتها وأمنها، فهذا الإنسان مدير الناحية يجب أن يُحترم، يجب أن يُقدر، فصار الكبير من تقدمت سنه، ومن كان من أهل العلم، ومن كان من أهل السلطة، إذا كان إنساناً محسناً كريماً لابدّ من تكريمه أيضاً.

الله عز وجل ربط الأمن بالقائمين على أمن البلد:

لو إنسان دخل على محافظ يجب أن يحترمه، لأن في الأصل رعاية هذه المحافظة عليه، المؤمن أديب، ينزل الناس منزلهم، هذه الوقاحة والتطاول ليست من صفات المؤمن.
هل من كلام أبلغ من أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً إلى قيصر، ماذا قال ؟ من محمد بن عبد الله إلى عظيم الروم، هل هو عند رسول الله عظيم ؟ لكن هذه كياسة، وسياسة، وذكاء، وأدب، وأخلاق عالية.
إنسان له منصب نحترمه، يشغل منصباً إدارياً، علمياً، دينياً، نحترمه، أي احترام الكبير سواء أكان متقدماً بالسن، هذا الحد الأدنى، أو كان يشغل منصباً ما عُرف عنه أن يؤذي الناس، له سمعة طيبة.
أنا ما عرفت في حياتي قيمة الدولة إلا بعد سقوط بغداد، تذكرون ما الذي حصل ؟ نُهب كل شيء، نعمة الأمن لا تعدلها نعمة.
الله عز وجل ربط الأمن بالقائمين على أمن البلد، فالإنسان إذا كان له سمعة طيبة، مستقيم، يحتل منصباً معيناً، مدير ناحية يجب أن يُحترم، هذا من واجبات المؤمن وعندما يكون في احترام هو مقابل هذا الاحترام يحاول أن يقدم كل الخدمات الجيدة، أن يسهر على مصالح هذه الناحية، ما دام محترماً، أما إن كان هناك تطاول، أو استخفاف، أو إيذاء فيقابله هذا انتقام، هذه سلسلة الحياة، ما دام في آداب معينة ولا تنسوا أن الإسلام هو عقائد، وعبادات ومعاملات، وآداب.
وسلسلة هذه الدروس في الأعمّ الأغلب متخصصة في الآداب.

ضبط اللسان من سمات المؤمن:

صدقوا أنا مأخوذ بالأدب الجم الذي عند الصحابة، سيدنا العباس هو عم رسول الله، وأكبر من رسول الله سناً، سُئل سؤالاً مادياً، أيكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.
كنت مرة في مدينة بدولة مجاورة، عالم جليل توفاه الله عز وجل، ترك عدداً من الأولاد، أحد أولاده طالب علم، أخوته الأكبر منه سلموه خلافة أبيهم، في التدريس، وفي الخطابة، وفي الأعمال الدينية، أنا سألت أحد أخوته الكبار متجاهلاً أيكما أكبر أنت أم أخوك ؟ قال لي: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، الأدب جميل جداً.
مثلاً الشيء بالشيء يذكر: امرأة تشكو زوجها، أنه يصوم في النهار، ويقوم في الليل، ولا يلتفت إليها إطلاقاً، فجاءت سيدنا عمر فقالت له: يا أمير المؤمنين إن زوجي صوام قوام، ما انتبه، قال: بارك الله لك بزوجك، سيدنا علي قال له: إنها تشكو زوجها هل رأيت شكوى ألطف من هذه الشكوى ؟ صوام قوام.
صدق أيها الأخ الكريم أنا يلفت نظري بالمؤمن، تعيش معه ثلاثين سنة، لا يوجد عنده كلمة نابية، أو كلمة بذيئة، لا يوجد كلمة متعلقة بالعورات، لا يوجد مزاح جنسي أبداً، لا يوجد كلمات ملغومة، لا يوجد ضمير غائب يشير إلى معنى ساقط أبداً، والله أكاد أقول من سمات المؤمن ضبط اللسان.

احفظ لسانَك أيُّــها الإِنسانُ لا يلدغنَّك إنـه ثُـــعبانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه كانت تهابَ لقاءَه الشجعانُ

***

أحياناً كلمة غير مناسبة تلغي حياته، وقد تنهي عمله، وقد تنهي وظيفته، هناك رواية لها موعظة كبيرة:

ان معاوية بن أبي سفيان أمير مؤمنين، فكان حليماً، فتراهن اثنان على أن يغيّرا صدر طفل عليه فيغمز الخليفة من قفاه، فغمزه، قال له: يا غلام خذ الرهن، كان لماحاً، لأن هناك مراهنة، فلما غمزه هذا الغلام، قال له: يا غلام خذ الرهن، هذا الغلام فعلها مع إنسان آخر فقطع رأسه، فقالوا: حلم معاوية قتل الغلام.
فإذا شخص تجاوز حده معك أنت إذا سكت أوقعته في حرج كبير، لو أعادها مع إنسان آخر لا يرحم أنهاه، فإذا تجاوز طفل حدّه يجب أن توقفه عند حدّه.

على كل أب أن يعتني بالآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طفله:

بصراحة لا يوجد شيء يحبب الطفل إليك كأدبه، ولا يوجد شيء يجعل هذا الطفل مقيتاً كسوء أدبه، طفل لا يحترم أحداً، يجلس جلسة ليس فيها أدب، يرفع صوته أمام الضيف، يتطاول أحياناً، فهذا الإنسان رب البيت لا يرعى هذا الطفل.
إذاً نحن بتربية الأولاد نهتم بشكل واضح بالآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الطفل والحديث الذي قلته قبل قليل:

(( ما أكرم شاب شيخاً لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

أي الطفل المؤدب لا يمشي أمام والده، ولا يناديه باسمه، ولا يجلس قبله، هناك معنى آخر أنه:

(( ما أكرم شاب شيخاً ))

ابٌ عليها تنوين، ما التنوين ؟ ضمة مضاعفة، التنوين علامات التنكير، أي أيُّ شاب، وشيخاً أيضاً منونة، والتنوين علامة التنكير، أي شيخ، لا يهم قد لا يكون الشيخ مسلماً، هناك إنسان سنه متقدمة، وجدته يحمل حاجة، وأنت معك مركبة، فدعوته إلى ركوب المركبة، وحمل هذه الحاجة عنه، لك أجر كبير.

(( ما أكرم شابٌ شيخاً ))

أي شاب، وأي شيخ، أي ما أكرم الشاب، صارت أل العهد، أي الشاب المؤمن فقط.

(( ما أكرم شابُ ))

طلقة، شيخاً مطلقة، الشيخ مسلم أو غير مسلم، تعرفه أو لا تعرفه، عالم أو غير عالم لا يهم، متقدم في السن حد أدنى، عالم معنى آخر يحتل منصباً، وهو مستقيم على هذا المنصب، مثلاً مدير الناحية، أنت في ناحية، أي قرية كبيرة لها مدير ناحية، الأصل أن تحترمه، حينما يرعى مصالح هذه البلدة، ويرى تقديراً من الناس يزداد حرصاً على مصالحها، فإذا استخف به ينتقل دون أن يشعر بعقله الباطن.

كما تدين تدان:

هناك استنباط أنا لست موافقاً عليه مئة بالمئة لكن من باب التفاؤل، إذا أكرمت إنساناً في الثمانين لعل الله عز وجل يوصلك إلى سن الثمانين حتى يسخر لك شاباً يكرمك في هذه السن.

(( ما أكرم شاب شيخاً لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

فالعمل الصالح يطيل العمر، عندنا معنى معاكس: وما تطاول شاب على شيخ استخفافاً به إلا قيض الله له من يستخف به ويتطاول عليه عند سنه.
كان هناك قطار في دمشق يذهب إلى الزبداني، حدثني أخ، قال لي: والله كنا في المحطة وصعد شيخ إلى عربة، يبدو أن هناك شباباً غير منضبطين فطردوه فلما أصر ضربوه، إنسان كبير بالسن، فنزل يبكي، هناك أخ واساه، قال له: والله في هذا المكان بالذات تطاولت على أبي، قبل ثلاثين سنة، تطاول على أبيه هيأ الله له من يتطاول عليه في هذه السن.
لذلك كما تدين تدان.

(( فإن الخير لا يَبلى، والشَرَ لا يُنْسَى، والدَّيان لا يموت ))

[أخرجه زيادات رزين عن عبد الله بن مسعود ]

اعمل كما شئت وكما تدين تدان.
سبحان الله لي صديق في مصر، له أقارب كُثر، قال لي: قريب من أقربائنا تقدمت به السن وأصيب بالشلل، قال لي: لا يوجد في خبراتي السابقة إنسان تلقى عناية من أولاده كما تلقى هذا الإنسان العناية، أما الشيء الذي يلفت النظر أن هذا الرجل الذي أصيب بفالج إنسان عادي جداً، وأب عادي جداً، وخدماته لأولاده عادية جداً، بل أقل مما ينبغي، والأولاد ليسوا متدينين، قال لي: قصة عجيبة، الرجل أقل من عادي ـ أي أحياناً يكون هناك أب يكون متميزاً، أب فذ، أب رحيم، أب كريم، أب عادي ـ والأولاد ليسوا متدينين من هذا المجتمع، تلقى عناية حينما أصيب بالشلل تفوق حدّ الخيال، قال لي: والله بقيت أشهراً مديدة أبحث عن السبب، ما مرّ معي إنسان يتلقى هذه العناية، وهذا الاهتمام، وهذه الرعاية، قال لي: بعدها اكتشفنا أن أمه أصيبت بفالج فأقعدها هذا الفالج في الفراش، فخدمها خدمة في أعلى مستوى، هيأ الله له من يكرمه عند سنه.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( ليسَ مِنا مَن لم يَرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِف شَرف كبيرنا )) 

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

الإنسان قيمته بأدبه و باحترامه للآخرين:

أحياناً الإنسان يتفوق، وقد يسبق والده، حدثني أخ ( القصة قديمة جداً )، قال لي: في قلعة دمشق هناك قطعة عسكرية، فمن لوازم النظام أن يقدم مساعد في هذه القطعة الصف إلى ضابط شاب، المساعد متقدم في السن، وهذا الضابط الشاب ابنه، هكذا النظام فهذا المساعد هناك إجراءات معينة بالنظام المنضم، يصطف الجنود بشكل منتظم استرح استعد، يقدم هذا الشيخ هذا الصف لابنه الشاب الضابط، فيأتي هذا الشاب الضابط فيقبل يد أبيه أمام كل الناس احتراماً له.
تكون أغنى من والدك، تحمل دكتوراه، عندما ترتكب حماقة مع والدك ومعك دكتوراه ما عدت دكتوراً تقيم الدال والكاف، أفضل.
الإنسان قيمته بأدبه ولو كان متعلماً، و لو كان بأعلى منصب، و لو كان يحمل أعلى شهادة، هذا الأب كان سبب وجودك، وهذه الأم أيضاً.
والله كنت بأمريكا، حدثني طبيب من ألمع الأطباء هناك، هو من دمشق، قال لي: نحن عندنا بيت بالمخيم، والقصة قديمة جداً، عقب النزوح، المخيم كان عبارة عن خيام، والطريق من خيمتهم إلى الطريق العام في الشتاء كله وحل، سماكته تقدر بثلاثين سنتيمتراً، هو طالب جامعة فأمه تحمل إبريق الماء، وجوارب هذا الشاب، وتخوض في الطين إلى الطريق العام لتغسل له قدميه، و تلبسه جواربه، يأخذ حذاءه ويذهب إلى الجامعة، تنتظره كي تعيد الكرة، ذكر أمه أمامي و بكى بكاء شديداً، اضطر لكتاب مرة، قال لي: باعت أساورها، قدمت لي الكتاب، صار ابنها طبيباً، قال لي: لكن ما تمكنت أن تراني طبيباً، وافتها المنية قبل أن يكون ابنها طبيباً، هذه الأم المضحية احترامها وتقديرها جزء أساسي من حياة الإنسان.
مرة أخ يعمل بعمل صعب، قال لي: والله أنا أنفق على أخي في كلية الطب، قلت: هذا أخوه سيصبح طبيباً، فلولا الأخ الذي يعمل ليلاً نهاراً ما استطاع أن يكون طبيباً، فهذا الطبيب إذا تنكر لأخيه الذي أنفق عليه يكون مجرماً.

قيمة الإنسان بتكريم والديه وكبار السن وأهل العلم:

الحياة علاقات، الحياة مكارم، فضائل، هذا الطبيب في أمريكا والله أبكاني حدثني عن أمه كيف سعت ليكون ابنها طبيباً، قال لي: الطريق كله وحل سماكته تقدر بثلاثين سنتيمتر بأيام المطر، وعنده بذلة واحدة، وهناك فقر شديد، فيمشي بالوحل هو وأمه بآخر الطريق تغسل له رجليه، ويلبس جواربه، ويأخذ حذاءه ويذهب إلى الجامعة، يعود بوقت تنتظره على الطريق أيضاً، ليس هناك إمكانية أن يخوض بالوحل، فمثل هذه الأم يجب أن تُكرم.
وكل قيمتك بتكريم والديك، بتكريم كبار السن بشكل مطلق، بتكريم أهل العلم، بتكريم إنسان يحتل منصباً ومستقيماً، لِمَ لا تحترمه ؟.
قلت لكم قيل قليل: إن صيغة ليس منا من أدق الصيغ:

(( لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة و لَيسَ مِنَّا مَنْ قاتل على عَصبيَّة ))

[أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم ]

(( لَيسَ مِنَّا مَنْ نهب ولا من اغتصب ))

[ورد في الأثر]

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرأة على زوجها ))

[أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ]


أحياناً الأخ يزور أخته في العيد، ما هذا البيت ؟ لا يسكن، لماذا رضيت ؟ رضيت لأنها تحب زوجها، زوجها دخله محدود، أنت خببت أختك على زوجها، كل إنسان يشوه سمعة الزوج أمام الزوجة كأنه خبب هذه المرأة على زوجها، أو يخبب عبد على سيده، الآن موظف، ماذا تأخذ من راتب ؟ لابأس، الدخل لهذا المحل قليل، وهذا الموظف راضٍ عن سيده، يجب أن تبتعد عن تفكك العلاقات. 

(( من فرق فليس منا )) 

[أخرجه الطبراني عن معقل بن يسار ]

أنت مهمتك أن تجمع لا أن تفرق، أن تصل لا أن تقطع.

(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها وليس منا من خبب عبداً على سيده ))

[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

من إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم:

الآن لماذا قلنا الكبير هو المتقدم في السن ؟ هناك شاهد:

(( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ: إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم ))

[أخرجه أبو داود عن أبي موسى الأشعري ]

فقط متقدم في السن.

(( وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه، ولا الجافي عَنهُ، وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط ))

[أخرجه أبو داود عن أبي موسى الأشعري ]

(( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ: إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ، وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط ))

كما تحدثت قبل قليل: المتقدم في السن، أو عالم ويحتل منصباً وهو مستقيم على أمر الله.
لذلك قالوا: العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، والورع حسن لكن في العلماء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء حسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، والحياء حسن لكن في النساء أحسن، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن.

التوبة أبرز صفات الشاب و الحياء أبرز صفات الفتاة:

شاب أبرز صفاته التوبة، الاستقامة، امرأة أبرز صفاتها الحياء، من علامات آخر الزمان أن الحياء ينزع من وجوه النساء، والنخوة ترفع من رؤوس الرجال، والرحمة تنزع من قلوب الأمراء.
دقق في قوله تعالى:

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ 

( سورة القصص الآية: 25 )

في حياء، والله لا أبالغ أجمل ما في المرأة حياؤها، يعبر عن هذا بالأنوثة، فلانة امرأة واضح، لكن هناك امرأة تتمتع بأنوثة عالية جداً، أي أجمل ما في المرأة أنوثتها، معنى أنوثتها أي حياؤها.

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 

( سورة القصص )

  

أدب النبي الكريم و أصحابه:

أخواننا الكرام، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قدم عليه وفد عبد قيس وهم يقولون: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد فرحه، فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعانا، ثم نظر إلينا فقال:

(( من سيدكم وزعيمكم ؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ، فلما دنا المنذر أوسع القوم له حتى انتهى من النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحب به وألطفه، وسأل عن بلادهم )) 

[ أخرجه الإمام أحمد عن بعض وفد عبد القيس ]

انظروا إلى الصحابة وسعوا لهؤلاء الضيوف، ووسعوا لزعيم القوم، هذه الآداب التي ينبغي أن تتمتع بها.
قال: الكبير من تكريمه أن يقدم للصلاة في الجماعة، وفي التحدث إلى الناس، أي نتمنى عليه أن يحدث الناس.
وفي الأخذ والعطاء، أحياناً يكون هناك حفل توزيع جوائز، يختارون أكبر ضيف في الحفل ليقدم هو الجوائز، هذه من لوازم تكريم الكبير.
روى الإمام مسلم عن أبي مسعود قال: 

(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) 

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي مسعود الأنصاري ]

كان عليه الصلاة والسلام إذا استقبل القوم يكرمهم أشد التكريم، وهذا من أدب المصطفى صلى الله عليه وسلم، من أكبر الأخطاء أن يهزأ الصغير بالكبير.

على الأب ألا يتطاول و ينتقد معلم ابنه أمامه:

الآن بصراحة في التعليم إذا كان هناك استهزاء بالمعلم أو تطاول عليه فالمعلم لا يُعلم، أما إن كان هناك احترام، و إنصاف فالمعلم يبذل قصارى جهده ليقدم كل علمه للصغار.
أنا أحياناً لا أصدق ولا أتصور أن تتضعضع مكانة المعلم في الصف، أنت كأب غير مسموح لك أبداً أن تنتقد معلم ابنك أمام ابنك، هذا قدوة له، معلمك لا يفهم، لا يصح أن تتكلم هذا الكلام ؟ أنت اذهب إليه وحاوره في المدرسة، أما تبلغ ابنك أن المعلم أخطأ، هذه مشكلة كبيرة.
يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إن الحياء خير كله ))

[ أحمد عن عمران بن حصين ]

الخجل و الحياء:

 

طبعاً لا يغيب عن أذهانكم أن فرقاً كبيراً بين الحياء والخجل، الحياء أدب رفيع أما الخجل مرض نفسي، الخجول يخجل أن يطالب بحقه، أما الحياء يستحي أن يعصي الله عز وجل، هناك فرق، الخجل نقيصة بالإنسان، أما الحياء فضيلة.
يقول النبي الكريم:

(( يا عائشة لو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً ))

[ أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ]

(( إن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء ))

[ أخرجه أبو داود الطيالسي عن عائشة أم المؤمنين ]

إنسان أنيق جداً يرتدي أجمل الثياب، ويتكلم كلاماً بذيئاً، قال له أحدهم: إما أن ترتدي ثياباً ككلامك، أو تتكلم وفق ثيابه، لكن الشيء الدقيق جداً:

(( ليس المؤمن باللعان و لا الطعان و لا الفاحش ولا البذيء ))

[أخرجه ابن حبان عن عبد الله بن مسعود ]

مثلاً طرف جنسية، ذكر عورات، كلام ملغوم، هذا يتناقض مع إيمان المؤمن، النبي الكريم رأى أسماء ترتدي ثياباً رقيقة، قال لها: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، كلمة عظام لا تثير، أما أي كلمة أخرى تثير، انظر إلى القرآن:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾

( سورة المعارج )

القرآن الكريم أدب كله:

 

دقق الآن:

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾

( سورة المعارج الآية: 31 )

دخل كل أنواع الانحرافات الجنسية، لكن القرآن ترفع عن ذكر أسمائها وتفاصيلها

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

قد يفهمها الطفل لامستم النساء هكذا.

﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾

( سورة الأعراف الآية: 189 )

ما هذا القرآن الكريم ؟ يعلمك الأدب،

﴿ تَغَشَّاهَا ﴾

﴿ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

الحياء شعبة من الإيمان:


أيها الأخوة، ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه.

(( إنَّ لِكُلَّ دينِ خُلُقا، وخُلُقُ الإسلام الْحياءُ ))

[أخرجه مالك عن مرسل زيد بن طلحة ]

والحياء كما تعلمون شعبة من الإيمان، فلذلك أنت حينما تربي ابنك على الحياء والأدب يحبه كل الناس، فإذا لم تنتبه لقلة أدبه ولتطاوله كرهه كل الناس، لاحظوا الطفل المؤدب محبوب من الكل، إذا كان هناك طفل غير مربى، غير مؤدب يمقته الجميع، فأنت حينما تؤدب ابنك تسهم في إشاعة محبته بين الناس.
أيها الأخوة، تربية الأطفال على احترام الكبير هذا شيء أساسي جداً، أي الابن يحترم والده، يحترم عمه، يحترم خالة، يحترم أقرباءه المتقدمين في السن، هذا من موضوعات هذا اللقاء الطيب. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور