- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أدب المزاح:
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في التربية الاجتماعية، وموضوع التربية اليوم أدب المزاح، يعني الأب في بيته، سيطرة وقمع، وعبوس قمطرير، وتوجيهات، وتعقيبات، ولوم، وتقريع، هذا البيت لا يجذب الأولاد إليه، ينفرون منه إلى الطريق، إلى أصدقائهم، أما بيت فيه جو مرح، جو لطيف، فيه مداعبة، فيه مزاح، لكن الشروط دقيقة جداً.
كان عليه الصلاة والسلام يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
ونحن في الجامعة درسنا مادة في كلية التربية اسمها الفكاهة في التعليم، ومعظم العظماء في مجالسهم دعابة، وكان عليه الصلاة والسلام مرة ثانية يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
إذا دخل إلى بيته ألقى طرفة لطيفة، ضحك أولاده، أنسوا به، شعروا أنهم قريبون منه، داعبهم، لاعبهم، مازحهم، لكن محور هذا الدرس ليس مشروعية المزاح لكن شروط المزاح، فأنا أتمنى على كل معلم، وعلى كل أب، وعلى كل إنسان يحتل منصباً قيادياً، الأب قائد، قائد الأسرة، والأم كذلك، والمعلم كذلك، وصاحب المحل التجاري، ومدير المستشفى والجامعة، أي منصب قيادي بدءاً من الأب، وانتهاءً بالوزير الدعابة، والمزاح، والجو المرح، ينشط من حوله، ويعطيهم طاقة.
شروط المزاح:
1 ـ أن يكون قليلاً كالملح في الطعام:
أنا أحياناً طرفة في درس تجد النشاط تجدد، أول شرط: القسوة، والقمع، والمتابعة، والسيطرة، واللوم، والتقريع، والتعنيف ؟ لا، هذا البيت ليس بيتاً يجذب الأولاد إليه، أنت لاحظ البيت الذي فيه عنف الأولاد في الطريق، مع أصدقائهم، البيت عندهم فندق، يأتون إليه ليأكلوا ويناموا فقط، أما ابن يجلس مع أبيه ساعات طويلة، يستمتع بحديث والده، والده لطيف، ابتسامته على وجهه، يداعب أولاده، يمازح أولاده، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام.
كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، يقول عن بناته:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
أنا لا أدعوكم أن تكون الجلسة كلها مزاح، مستحيل هذا الكلام، لكن أنت بالبيت أعلى مصدر، فهذا المصدر إذا كان كلامه لطيفاً فيه دعابة و ابتسامة.
مرة يقول شخص أنا ما رأيت شيخاً يبتسم، لمَ لا تبتسم أيها الشيخ ؟ ابتسم، اضحك، داعب من حولك، يقتربون منك، أقول لكم نص أدهشني، يقول الإمام الشافعي:
الوقار في البستان من قلة المروءة، بنزهة لا ابتسامة، لا ضحك، هيمنة، وكهنوت، وهيبة، هذه ليست نزهة، الوقار في البستان من قلة المروءة.
وفي نص آخر: المبالغة بالذوق من قلة الذوق، أنا أدعو إلى أن يكون البيت جنة، ولن يكون جنة إلا بأب مبتسم، أب مرح، أب لطيف، أب رحيم، فهذه الصفات هي التي تجذب الأولاد إلى البيت، تجعلهم يتحلقون حول أبيهم.
المقولة الدقيقة في هذا اللقاء الطيب: المزاح في البيت كالملح في الطعام، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
المزاح الكثير يضعف الهيبة:
الآن المزاح الكثير يضعف الهيبة، الذي يمزح كثيراً يستخف به، لا يبالى بتوجيهاته، يُتساهل بتعليماته، من حوله يتركون أعمالهم، هذا الإكثار من المزاح، أنا أقول كالملح في الطعام إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، بالساعة طرفة، بالسهرة طرفتان أو ثلاثة فقط، أما طرفة وراء طرفة وراء طرفة، ما عاد في إمكان للتوجيه إطلاقاً، ما عاد في إمكان للكلام الجاد، ما عاد في إمكان للانتفاع من حديث الأب.
أحياناً في بعض السهرات ينتح باب المزاح طرفة، وراء طرفة، وراء طرفة كل واحد يستعرض مخزونه من الطرف، ويعرضهم على إخوانه، جلسة ما فيها بركة، ولا فيها خشوع، ولا فيها فائدة، ولا فيها اتعاظ.
أولاً المزاح كالملح في الطعام إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده، يقول عليه الصلاة والسلام في الأدب المفرد للبخاري:
(( لست من دد، ولا دد مني ))
دد أي لست من أهل اللعب واللهو، مجلسه وقور، مجلسه مبارك، فيه موعظة، فيه توجيه، فيه حقائق، لكن فيه مرح، وهناك من حين إلى آخر طرفة.
2 ـ ألا يمس المزاح حرفة أو فئة أو جهة أو طائفة أو مذهباً:
تصور المؤمن في حياته الدنيا كأنه يمشي في الصحراء، حر، ورمال، وأحياناً غبار، بعد مسير طويل، ومشقة بالغة، وجد هذا المؤمن واحة، نخلة مع بركة ماء، استظل بظل النخلة، وشرب من الماء، وأكل تمرة، هذه اسمها استراحة، فاجعل في درسك استراحات، الاستراحة هي طرفة، وأحياناً تستمع إلى خمسين طرفة، لا يصلح من الطرف للإلقاء إلا واحدة أحياناً.
بالمناسبة هناك طرفة تمس مهنة لا يجوز، أنت معلم، أنت أب، لو فرضنا في طرفة قاسية جداً على حرفة من الحرف، سمعها ابنك طرب لها، بالمدرسة قالها لبعض رفاقه أحد الرفاق والده يمتهن هذه المهنة، يتقاتلون، أولاً: ممنوع في إلقاء المزاح أو الطرف أن تمس إنساناً، أو أن تمس فئة، أو أن تمس حرفة، أو أن تمس جهة.
أقول لك مرة ثانية: بالمئة طرفة لا يمكن أن تلقي على أولادك إلا واحدة من مئة، حيادية، لا تمس إنساناً، ولا طائفة، ولا مذهباً، ولا لوناً، ولا فئة، ولا جهة، ولا حرفة، ولا مدينة.
النبي عليه الصلاة والسلام كان يعد واحداً من أهل بيته:
أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه حمل أكبر دعوة في تاريخ البشرية، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان إذا دخل بيته يعد واحداً من أهل البيت، كان يكنس داره، ويرفو ثوبه، ويصغي الإناء للهرة، ويخصف نعله، وكان في مهنة أهله وكان بساماً ضحاكاً، وكان الحسن والحسين يركبان على ظهره، هكذا النبي في بيته، كان عليه الصلاة والسلام كما تقول السيدة عائشة يحدثنا ونحدثه، فإذا دخلت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه.
إذاً أول شرط من شروط المزاح أن يكون قليلاً، كالملح في الطعام، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، الشرط الثاني يعني ألا يمس حرفة، فئة، جهة، طائفة، مذهباً، أي ألا يمس أحداً.
مرة ذكرت طرفة أن ملكاً في أثناء تجوله في مملكته دخل إلى بستان، وجد حصاناً قد عصبت عيناه، و في رأسه جلجل، يدور حول الراحة لاستخراج الماء، فهذا الملك سأل صاحب البستان: لِمَ عصبت عيناه ؟ فقال له: لئلا يصاب بالدوار، جواب مقنع، ولِمَ هذا الجلجل ؟ قال له ؟ إذا وقف أعلم أنه وقف، فكر الملك، فقال له: إذا وقف و هزّ رأسه، فقال للملك: وهل له عقلك كعقلك ؟.
العمل الصالح حركي ينمو و يكبر:
أحيانا الإنسان يطالب يفترض المستحيل، هذا الافتراض ذكرني أن أحد أصحاب رسول الله:
سئل عليه الصلاة والسلام ماذا ينجي العبد من النار ؟ فقال النبي: إيمان بالله قال: أمع الإيمان عمل ؟ قال: أن يعطي مما رزقه الله، قال: فإن كان لا يجد ما يعطي فقير، قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، قال: فإن كان لا يحسن، قال له: فليعن الأخرق، قال له: فإن كان أخرقاً ؟ كل ما يعطيه النبي الكريم يغلقه، قال له النبي الكريم: أو ما تريد أن تدع لصاحبك من خير ؟ ما له ولا ميزة، ليمسك أذاه عن الناس، فجاء السؤال الدقيق: قال له: وإن فعل هذا دخل الجنة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.
معنى لك أن العمل الصالح حركي، ينمو، والعمل السيئ ينمو، من معصية لأكبر، وبالجانب الإيجابي من طاعة لأكبر، أحياناً هناك كلام حكيم جداً.
لي قريب أمه وقعت في مرض عضال، فجاء لها بالطبيب، وضعها النفسي منهار، فهذا الطبيب صبّ جام غضبه على ابنها، قال له: حالة عادية جداً، تستدعيني من البيت، وتكلفني، وتتعبني، والحالة عادية، هو يخاطب ابنها، اطمأنت، فكان قديماً اسمه حكيم، لأنه يتكلم كلاماً يعطي راحة للمريض، الآن الطريقة الأمريكية يقول له معك سرطان، معك أربعة أشهر، فمات ثاني يوم، ما تحمل الأربعة أشهر، بالكلمة الكبيرة ينهار، الطريقة الأمريكية هكذا، يقول له معك سرطان، وستعيش أربعة أشهر، هذه قصة وقعت بالشام، ثاني يوم مات، ما تحمل الخبر.
لا تكن قاسياً فتكسر ولا ليناً فتعصر:
الآن هناك نقطة دقيقة جداً: دائماً التطرف سهل، والتوسط صعب، يعني سهل جداً أن تكون قمعياً، تكلم كلمة ضربته، كلمة ثانية سبيته، كلمة ثالثة رفسته برجلك، هذا أسلوب قمعي، وأيضاً سهل جداً أن تسيب الأمور، تطاول على أمه سكتت، ضرب أخاه سكتت، التطرف سهل، أن تأخذ الجانب المتطرف يمنة أو يسرة سهل جداً، أما أن يكون ابنك في حيرة يحبك بقدر ما يخافك، أو يخافك بقدر ما يحبك، أنت مربٍّ، أنت أب عظيم، لأن الله عز وجل وصف الأنبياء أنهم يعبدونه:
﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾
والمؤمنين:
﴿ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾
فأنت جو مكفهر، قمعي، تقريع، لوم، سُباب، سهل، لكن خسرت أولادك تساهل، تساهل.
مرة كنا في بيت، غرفة الضيوف مجللة بقماش أبيض مكوي مثل الثلج، أحد الضيوف ابنه جلس بحذائه القذر فوق الكنبة، أنا غليت غلياً، تسيب، شيء لا يحتمل، وهناك آباء يتساهلون مع أولادهم لدرجة أن أحداً ممن حولهم لا يحبهم، لتجاوزاته، كلما أدبت ابنك أصبح محبوباً، وكلما أهملته أصبح مكروهاً.
إذاً التطرف سهل، التسيب سهل، والقمع سهل، لكن أن يحبك ابنك بقدر ما يخافك، أو أن يخافك بقدر ما يحبك، وهذا معنى الآية الكريمة يعبدونه
﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾
الأنبياء والمؤمنون يعبدون الله
﴿ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾
لا تكن قاسياً فتكسر، ولا ليناً فتعصر.
بطولة الأب أو المعلم أن يكون الفرح بوجوده لا بغيبته:
نحن في اللغة أقوى الحركات الكسر، قبلها الضم، قبلها الفتح، قبلها السكون، حتى يتعلموا الطلاب هذه القاعدة قل لهم قضيب إن تركته ساكن لا تحتاج إلى أي جهد، أما إذا كان منثنياً فتحه سهل، إذا كان مفتوحاً ثنيته أصعب، أما كسره أصعب وأصعب، فأقوى حركة الكسر، أقل منها الضم، الفتح، السكون.
بعض الأدباء يقول: لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا من عينيه، كان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامتاً، فإذا تكلم بذّ القائلين، وكان يُرى ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جد الجد فهو الليث عادياً.
سيدنا عمر يقول: من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن كثر مزاحه استخف به، الحالة المبالغ بها، أريد أن أضرب مثلاً:
أنت أيها الأب بطولتك أن يكون وجودك في البيت عيداً، الوجود، والأب القاسي العيد بعدم وجوده، يبدأ العيد بعد أن يخرج من البيت، والأب الناجح يكون العيد بعد الدخول إلى البيت.
هناك مدرسة ناجحة جداً، حدثني أحد الأخوة الكرام، قال لي: انبي يبكي بكاء مراً يوم الجمعة، لأنه لا يوجد مدرسة، يحب معلمه كثيراً، فاليوم الذي لا يرى معلمه يتألم، عندك إمكان أن تكون كهذا المعلم، ليس صعباً، لكن بحاجة إلى ضبط، ولا كلمة قاسية، مودة، ملاحظة، تربية، تعليم.
الإنسان الأخلاقي يمدح في غيبته:
الآن عندنا مقياس آخر، المقياس الأول أن بطولة الأب أو المعلم أن يكون الفرح بوجوده لا بغيبته، الآن بطولة ثانية كل إنسان قمعي يمدح بحضرته، لكن الإنسان الأخلاقي يمدح في غيبته، فأنت متى تمدح ؟ في حضرتك أم في غيبتك ؟ البطولة أن تمدح في غيبتك، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، أما الأنبياء يمدحون في غيبتهم، البطولة ما الذي يقال في غيابك ؟ أما في حضرتك القضية سهلة جداً، إن كنت قوياً الكل يمدحونك اتقاء شرك، أو طمعاً بنولك، إما اتقاء شر، أو طمع بالنوال، هذا في حضرة القوي، والأب قد يكون قوياً، فالبطولة أن الابن يحدث صديقه عن أبيه، لي أب أحبه كثير، البطولة أن يحدث ابنك صديقه عنك في غيبتك، أما في حضرتك، هناك أطفال أذكياء ويمثلون دور الابن البار، اتقاء لشر أبيهم.
أشد أنواع المزاح معصية لله أن تسخر من شكل الإنسان و هيئته و قصره:
أيها الأخوة، الآية الأصل في هذا الموضوع:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
هناك حقيقة ؛ أخطر مزاح، وأشد أنواع المزاح معصية لله أن تسخر من شكله، من هيئته، من قصره، قالت له: قصيرة، السيدة عائشة عن أختها صفية، قال لها: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته.
فالإنسان شكله ليس بيده، طوله، جمال وجهه، كان عليه الصلاة والسلام إذا نظر بالمرآة يقول:
(( الحمد لله الذي حسن خلقي وخلقي ))
الواحد منا إذا الله عز وجل تفضل عليه بشكل كامل هذه من نعم الله الكبرى، لكن أنت مالك حق تطعن بشكل إنسان، هذا الشكل من صنعه ؟ لا.
طبعاً الأحنف بن قيس كان قصير القامة، غائر العينين ـ صغار وإلى الداخل ـ غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرجل، أسمر اللون، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه، كان سيد قومه إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف.
العلم و العمل قيمتان اعتمدهما القرآن الكريم للترجيح بين البشر:
بالمناسبة أيها الأخوة، أية أمة تعتمد قيمتين أقرهما القرآن الكريم تتفوق، وأية أمة أخرى تعتمد قيماً أخرى تتخلف، القيمتان اللتان اعتمدهما القرآن الكريم للترجيح بين البشر قيمة العلم وقيمة العمل فقط، قال:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
وقال:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
وقال:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
العلم والعمل.
الاعتماد على القيم التي اعتمدها القرآن و الابتعاد عن القيم الدنيوية:
أما هناك مقياس للذكاء، والوسامة، والغنى، والقوة، هذه القيم ما اعتمدها القرآن الكريم، أما أحياناً نعتمد قيمة الغنى، قال عليه الصلاة والسلام:
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
ويقاس عليه القوي، من جلس إلى غني وقوي فتضعضع له، أي تمسكن له ذهب ثلثا دينه، والقول النبوي:
(( ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ))
ورد في بعض الآثار القدسية:
(( أنا مالك الملوك وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع، أكفكم ملوككم ))
التواضع و اللطف و الابتسامة صفات تجذب قلوب الناس:
حدثني مرة صديق كان ببلد نفطي مدرساً معاراً، قال لي: هناك خادم اسمه ( عندنا في الشام آذن) فراش، يكنس الأرض، قال لي: مرة صببت كأساً من الشاي في الفرصة فإذا بالجرس يُقرع، والمدير دقيق جداً، لا يحتمل أن يتأخر المدرس عن الصف ولا دقيقة، فصب كأس الشاي فقرع الجرس، فقام قدمه للفراش، هذا الفراش ثاني يوم، قال له: أنا لي هنا في هذه الثانوية سنتان، لم يسلم عليّ أحد، أنت لماذا قدمت لي هذا الكأس ؟ طبعاً هو لماذا قدمه له ؟ قُرع الجرس، قال له: أردت أن أكرمك به، ما أعطاه السبب الحقيقي صار في ود، فإذا بهذا الفراش يفاجئ هذا المدرس أنه يحمل بكالوريوس بالعلوم، هو من بلاد بعيدة و فقير جداً ما وجد عملاً، فجاء عرض لدولة نفطية فقبل أن يعمل فراشاً، قال لي: ما صدقته، دعوته إلى البيت وعندي موسوعة باللغة الإنكليزية، قرأ فأجاد القراءة وشرح، طبعاً هو ليس مسلماً، بعد حين جمع أصدقاءه حوالي عشرة، وعملوا جلسة أسبوعية، وانتهت هذه الجلسات بإسلامهم جميعاً، ماذا كلفته ؟ كأس شاي قدمه لهذا الفراش.
لا تحقرن من المعروف شيئاً، يقسم بالله أنه سعد بهم لعام أو عامين أيما سعادة، الله مكنه أن يقنع أناساً ليسوا مسلمين، بل يدينون بدين وضعي (أعتقد كانوا بوذيين)، بكأس شاي قدمه يعني تكريم لهذا الفراش، وهذا الفراش ظهر مستواه الثقافي عالٍ جداً، قصة غريبة جداً لكنها وقعت مع أحد أقربائي.
أنت أحياناً الكلمة الطيبة صدقة، الابتسامة صدقة، مرة حدثني أخ بعدما انتهى الدرس و سلم عليّ ثم قال لي: هذا ابن خالتي، فأنا سبحان الله بمودة بالغة سلمت عليه، صافحته، وشددت على يده، قلت له عينك على ابن خالتك، إن شاء الله الدرس أعجبك يا بني ؟ قال لي: والله أعجبني جداً، لما أنا صافحته بمودة، ابتسمت بوجهه، وسألته عن الدرس أعجبك، وقلت لابن خالته عينك على ابن خالتك قال له: والله هذه المودة من الشيخ دعتني آتي إلى الدروس دائماً.
الابتسامة صدقة يا أخوان، المصافحة صدقة، كان عليه الصلاة والسلام إذا صافح كان آخر من يسحب يده إذا صافح، فأنت بابتسامتك، ولطفك، وتواضعك، تجذب قلوب كثيرة.
التعميم من العمى والقرآن لا يعمم:
شيء آخر: تعلم لا تعمم، قالوا: التعميم من العمى، لا يعمم إلا أعمى، وإذا قرأت القرآن الكريم يتضح، الله عز وجل يقول:
﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ﴾
رالقرآن:
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾.
لم يقل جميع الخلطاء، فالإنسان تتبدى ثقافته الراقية من عدم التعميم، أو الموضوعية قيمة أخلاقية، وفي الوقت نفسه قيمة علمية، فأنت عالم إذا كنت موضوعياً، وأخلاقي إذا كنت أخلاقياً، الموضوعية أن تعطي حكماً حيادياً، أن تصف الشيء كما هو عليه، أساساً تعريف العلم وصف الشيء على ما هو عليه مع الدليل.
فلذلك تلقي طرفة، تقول كل أهل هذا البلد هكذا، هذا خطأ كبير جداً، لذلك احفظوا هذه القاعدة، التعميم من العمى، والقرآن لا يعمم،
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ﴾
المزاح القاسي من أكبر المعاصي:
الآن يا أخوان أن مضطر أن أنهي هذا الدرس بموضوع مؤلم، المزاح القاسي أي تخفي لإنسان حاجة أساسية، هو عصبي المزاج، يمكن أن يضطرب فيلقي كلمة قاسية، فإخفاء حاجة، إبلاغه بخبر سيء، أحياناً خبر سيء يعمل أزمة قلبية، يموت أحياناً، والدليل قوله تعالى:
﴿ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾
الغيظ يقتل، خبر سيء، أو تهديد، أو وعيد، أو إخفاء حاجة مهمة، جندي مزح معه صديقه وأخفى بندقيته، أصيب بجلطة، عندهم قائد بالثكنة قاسٍ جداً فيها سجن لشهرين أو ثلاثة، مزح معه أنه أخفى له البندقية أصيب بجلطة.
أخوانا الكرام المزاح القاسي، الذي فيه خطر، خبر كاذب، تهديد كاذب، إخفاء شيء مهم جداً هذا المزاح يعد من أكبر المعاصي.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا يحلُّ لمسلم أن يُروِّعَ مُسلما ))
من أكبر ما قاله النبي:
(( لا تحمروا الوجوه ))
يكفي أن تضعه بموقف حرج تخجله،
(( لا تحمروا الوجوه ))
حديث آخر:
(( لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم ))
النبي عليه الصلاة والسلام يمزح و لا يمزح إلا حقاً:
المزاح يجب أن يكون حقيقة لا كذباً، كان عليه الصلاة والسلام يمزح ولا يمزح إلا حقاً.
هناك نوع من المزاح يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ويل للذِي يُحدِّثُ بالحديث ليُضْحِكَ به القوم، فيَكذِبُ، ويل له، ويل له ))
(( كبُرتْ خيَانة تحدِّثَ أخاكَ حديثاً هوَ لك بُه مُصدِّق، وأنتَ له به كاذبُ ))
آخر حديث:
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
ولا في المزاح إطلاقاً، كان يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
أحياناً يطبعون نعوة كنوع من المزاح، يسبب مشكلات كبيرة جداً، أنا أطلع على أنواع من المزاح تعد معصية كبيرة، فيها إيذاء، فيها إرباك، فيها إحباط.
(( ثلاثة جِدُّهُنَّ جِدُّ، وَهَزْلُهُنَّ جدّ: النَّكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجْعَةُ ))
يعني يأتي إلى عندك صانع، تقول له: أنت ستصبح شريكي في المستقبل، صدقك عاش بأحلام حكى لوالده، وأنت تمزح معه، هذا ليس مزاحاً، أن تعد موظفاً عندك أن يكون شريكاً لك مزاح، أعوذ بالله، أنوي أن أخطب فلانة، بلغوها، فرحت مسكينة، تنتظر عاشت بأحلام بسعادة، هو يمزح.
الابتعاد عن المزاح الذي يغضب الله عزّ وجل:
صدقوا أيها الأخوة هناك أنواع من المزاح تغضب الله عز وجل، موضوع زواج، موضوع خطبة، موضوع شركة، موضوع سفر، موضوع وظيفة، ما له جاد إطلاقاً، هذه الموضوعات محرم أن تمزح بها، الزواج، والطلاق، والعتاق، جدهن جدّ، وهزلهن جدّ، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقاً ))
المزاح لا يمكن أن يكون كذباً، إلا أن يكون صادقاً.
النبي الكريم من لطفه أحد أصحابه من البادية، مرة وضع يديه على عينيه وقال: من يشتري هذا ؟ فلما فتح عينيه رأى رسول الله، فقال: أنا كاسد تبيعني ؟ قال له: أنت عند الله لست بكاسد، شيء لطيف أن نبياً عظيماً يفعل هذا.
وله كلمة لصديقه في البادية اسمه زاهر، قال: زاهر باديتنا، ونحن حاضروه، أحياناً إنسان من بلدة يأتي لك بوعاء فيه تين، أنت أعطيه علبة حلو، بالمدينة يوجد حلويات، بالبلد يوجد فواكه، إذا إنسان جاء بشيء من البادية أنت قدم شيئاً من المدينة، قال: زاهر باديتنا، ونحن حاضروه.
أيها الأخوة الكرام، أنا أتمنى كما قلت أن يكون الأب مرحاً، المعلم، الأم، مدير الشركة، لكن باعتدال دون أن تمس طرائفه إنساناً، أو حرفة، أو جهة، أو ملة، أو طائفة، هناك أنواع من المزاح رائعة جداً لا تمس أحداً.