- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحوار بين الآباء و الأبناء:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس تربية الأولاد في الإسلام، والموضوع اليوم موضوع يمكن أن تلحقه بشتى الموضوعات السابقة واللاحقة، موضوع الحوار بين الأب وابنه، ذلك لأن معظم الآباء إما لغفلة، أو لعدم تقدير، أو لضعف في خبراته التربوية، يعطي الأوامر لأولاده ويعنفهم، وهذا شأنه في أكثر أوقات حياته مع أولاده.
ولكن لو كشف الأب أو الأم قيمة الحوار مع الأبناء، لوجدوا أن القائد الناجح لا الذي يأمر، بل الذي يُقنع، إنك إن أقنعت أولادك بشيء تبنوا هذا الشيء، وطبقوه نصاً وروحاً، أما إذا أمليته عليهم، وكنت قاسياً طبقوه شكلاً في وجودك، فإذا غبت عنهم لا يطبقوه أبداً.
شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم:
لذلك أول نقطة، اجلس مع ابنك، أي أنا أتمنى على كل أب وعلى كل أم أن يخصصا وقتاً للجلوس مع أولادهم عندك مواعيد، عندك لقاءات، عندك محاضرة، في مهمة، أن تجلس مع أولادك هي أكبر مهمة، لأنهم جزء منك، لأن شقاءهم يشقيك، ولأن سلامتهم تسعدك، فالوقت الذي تجلس به مع أولادك هو وقت ثمين، وقت موظف لمستقبلك ومستقبلهم.
وقد أكدت لكم كثيراً أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
ولم يقل فتشقيا، مع أن الصياغة اللغوية تقتضي أن تكون فتشقيا، لكن العلماء قالوا: شقاء الأزواج شقاء حكمي لزوجاتهم، ويقاس على ذلك أن شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم.
لذلك لو أن الإنسان خصص وقتاً في أسبوع جلسة، كل بضعة أيام جلسة، على الطعام ما في مانع، لابدّ من أن تجلس مع أولادك كي تحاورهم، وأنت لا تعلم كم يسعد الابن حينما يرى أباه الإنسان العظيم، يسأله عن دراسته، عن أحواله، من أصدقاؤه ؟ كيف يمضي الوقت معهم ؟ بماذا يشعر في المدرسة ؟ أي أستاذ تأثرت به يا بني ؟ ماذا قال لك ؟ هذا الحوار موضوع هذا اللقاء الطيب.
الجلوس مع أولادك هي أكبر مهمة لأنهم جزء منك:
أول شيء اجلس معه، لكن لا ينبغي أن تكون واقفاً، وهو دون بكثير، تملي عليه الأوامر، ولا أن يكون هو واقفاً وأنت مضطجع، ينبغي أن تجلس معه، أن يكون إلى جانبك، أو أن يكون تجاهك، نوع الجلسة يختلف، لا تكون أعلى منه، ولا أعلى منك، اجلس معه إما إلى جانبك، أو باتجاهك.
الجلسة الودية أهم شيء أن لا تكون سريعة، قبل الدوام بعشر دقائق، قبل الطعام، قبل اللقاء، قبل مجيء الضيوف، الجلسة السريعة لا تثمر، اجلس معه وأنت تشعر أن الوقت بعد هذا اللقاء ممتد، لعل الحديث يكون ذا شجون، لعلك ترى ابنك قد تأثر تأثراً بالغاً، اجلس معه في جلسة مفتوحة، مفتوحة لساعة مثلاً، أما لدقائق، قبل المغرب، قبل الصلاة، قبل الطعام، قبل الموعد، قبل مجيء الضيوف، لا، اجلس معه في وقت مفتوح وحاول أن تحاوره، وحاول أن تأخذ منه، وأن تعطيه، وأقول لك بكل دقة حاول أن تجعله صديقك.
أعرف آباء كثيرين أُلهموا هذه الطريقة بالمعاملة، فكان أبناؤهم أقرب الناس إليهم وكانوا معهم، وكانوا ظلهم.
الشروط الواجب تحقيقها أثناء جلوسك مع ابنك للحوار:
أين تجلس معه ؟ المكان، الهيئة، لا تكن أنت واقفاً، أو هو واقف، اجلس معه وجهاً لوجه، أو جنباً إلى جنب، لكن أين تجلس في مكان مألوف، مثلاً غرفة الجلوس فيها صخب، الأولاد صغار يضحكون، يتراكضون، هذا الجو ليس جواً صالحاً للحوار، اجلس معه في غرفته، أو في غرفتك، أو في غرفة خاصة، لعله أراد أن يقول لك شيئاً، لن يقوله أمام أمه، لعله أراد أن يقول شيئاً لن يقوله أمام إخوته، هيئ مكاناً على انفراد بينك وبينه، دائماً وأبداً النصيحة من الأب على انفراد مقبولة، النصيحة من الأب ولو مع التأديب على انفراد مقبولة، أما أمام إخوته الإناث تثور كرامته، أمام أصدقائه، لا، حاول أن يكون هذا اللقاء بينك وبينه، وفي غرفة مريحة، والوقت مفتوح، وإذا أمكن أفضل مكان خارج البيت، في مكان جميل، في جلسة مريحة، لا أقول نزهة لكن شبه نزهة، أحياناً في مكان منضبط لا يوجد ولا مشكلة، قد يكون مطعم مثلاً خذه، يشعر له شأن كبير عندك، هو غالٍ عليك، أنت حريص على أن تجلس معه، أنت لا تعلم كم هي الثمرة حينما تجلس مع ابنك، ويعلم ابنك علم اليقين أنك مشغول، وعندك مهمات، لكن هناك عتب دائماً أنه: يا أبتِ أنت لنا، عملياً الأب ليس لأولاده للغريب، يتألمون، ويعتبون، نحن الأصل، غيرنا أنت لهم وغيرك لهم، أما نحن من لنا غيرك ؟ أنت تظن أنه أنا أمنت الطعام والشراب، أمنت الكساء، هذا شيء لابدّ منه، لكن هناك حاجة عند الطفل، أو عند الشاب إلى اهتمامك، كيف أن الابن بحاجة إلى الغذاء هو بحاجة إلى عطف أبيه، إلى اهتمام أبيه، إلى مودة أبيه، إلى وقت يجلسه مع أبيه، دائماً تسبه وتلعنه، دائماً تشهر به، وبين أن يكون كظلك، معك دائماً، بخدمتك، يدك اليمنى، فرق كبير، تتخذه صديقاً ولابدّ من جلسة حوار معه.
لابد من أن تجالسه على هيئة معينة، وفي مكان مريح، والوقت مفتوح، ولابدّ من أن تجالسه في وقت ليس هو مشغول فيه.
أحياناً تُدعى إلى نزهة، وعندك عمل مهم جداً، لابدّ من أن تنجزه، لن تسر بهذه النزهة ما دام في عمل، حينما تختار وقتاً مناسباً، مكاناً مناسباً، هيئة مناسبة، وقتاً مفتوحاً وتحاوره، تكون قد قطعت معه مراحل كثيرة.
أسلوب الزجر والشتيمة والنقد من أخطر أساليب الحوار بين الآباء و الأبناء:
هناك ملاحظة أحياناً أعد أخاً في الصباح، صباحاً الإنسان نشيط، استيقظ من النوم جسمه نشيط، أحياناً الموعد عقب يوم مليء بالمتاعب، تجد ما عندك إمكانية أن تحاور، ما عندك إمكانية أن تتابع الأمر متابعة دقيقة، ما عندك إمكانية التركيز، طبعاً الموضوع عام، إن أردت أن تلتقي بإنسان، والإنسان مهم طبق هذه الشروط نفسها، الحوار له شروط.
أولاً:
(( علموا ولا تعنفوا ))
أي أسلوب الزجر، والشتيمة، والنقد، هذا مع الأسف الشديد أكثر الاتصالات الهاتفية تؤكد هذا الموقف من الأب، ما عنده إلا السُباب، ما عنده إلا التشدد، ما عنده إلا اللوم، ما عنده إلا الدعاء على أولاده، البيت مكروه صار عند الابن، تجد الابن دائماً خارج البيت مع أصدقائه، لا يحتمل النقد، والتعنيف، والسُباب، والتجريح، إضعاف الثقة بالنفس، من لم يعرف الله عز وجل يكن أسوأ أب.
بطولة الإنسان لا أن يكون محترماً من أولاده فقط بل أن يكون محبوباً عندهم أيضاً:
أخوانا الكرام، هناك حقيقة سأقولها لكم ولكن مع التأكيد عليها، ثقافة الشرق أوسطية إن صحّ التعبير، الثقافة الإسلامية الآن محترمة، لكن ما كل أب محترم محبوب أنا أخاطب الآباء أحياناً، بطولتك أيها الأب لا أن تكون محترماً من أولادك، أن تكون محبوباً عندهم، فالحب يحتاج إلى بذل جهد، يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى مال، يحتاج إلى أن يرى هذا الشاب أن أباه شيء مهم جداً بالنسبة إليه.
انطلاقاً من هذه الحقيقة أقول لكم: العمل عبادة، أنت حينما تتقن عملك، وتكسب مالاً معقولاً، وتنفقه على أولادك تشدهم إليك، الأب الذي ينفق على أولاده بالمعقول محترم جداً و محبوب، أولاده له، أما مقصر في عمله مع التقصير يوجد دخل ضعيف، مع الدخل الضعيف كل شيء طلبه ابني ما معي إياه، دائماً ما معك ؟ يقول لك: لماذا أنجبتنا إذاً يوجد سؤال كبير.
العمل عبادة:
فأنا من هذا المنطلق أرى أن العمل عبادة، أنت بالعمل الزوجة والأولاد إليك، أجمل كلمة قالها صحابي جليل: حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، حينما أقول حبذا المال لا أقصد به البذخ، لا أقصد الإتراف، التبذير، إطلاقاً، لكن جاء الشتاء الابن عنده معطف ؟ عنده كومبيوتر صغير ؟ يوجد أشياء بسيطة مؤمنة، حاجاته الأساسية مؤمنة، إذاً الابن مشدود إلى أمه وأبيه، إذاً لا تزجره.
(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))
أنا أذكر مُدرسة قالت لطالبة عندها: أنت غبية، هذه الكلمة سارت معها عشرين عاماً، عقدتها، يقسم بالله شاب، أو طفل أصح، دخل إلى المسجد وصلى بالصف الأول، هم كانوا سبعة، لكن الذي كان إلى جانب الطفل ما انتبه أنهم سبعة أشخاص، فدفعه نحو الخلف، هذا الطفل الذي دُفع نحو الخلف ترك المساجد لخمسة و خمسين سنة، يقول: من هذا الدفع لم أتجه إلى المسجد، طفل، الأطفال أحباب الله.
أولادنا الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا:
والله أيها الأخوة، أقول وقلبي يعتصر: لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم، والأولاد يعني المستقبل، لا تعنف، لا تسب، لا تزجر، لا تضرب، هذه كلها أساليب لا تجدي، هذه الأساليب تجعل شرخاً كبيراً بينك وبين ابنك، هذه الأساليب تجعل ابنك ينافق لك، يقول لك ما يرضيك، وله أفكار أخرى، أما حينما يحبك يصارحك، هكذا قال لي صديقي، بابا ما قولك ؟ حينما تفلح أن يكون ابنك صديقك فأنت أب مثالي، أحياناً يكون نبرة صوت حادة، كلام لطيف، كلام رقيق، يعني الكلمة الطيبة صدقة، الابتسامة صدقة، أن تربت على كتفه شيء مسعد، حديث لطيف مع ود، الوقت مفتوح، مرتاح أنت وهو، هذا اللقاء قد يكون له آثار كبيرة جداً.
الله عز وجل أوامره مشفوعة بالتعليل فعلى كل أب أن يعطي ابنه الأمر مع التعليل: احتراماً
مثلاً هذا الإله العظيم الذي خلقنا له أن يأمرنا، طبعاً، أن يأمرنا وكفى، من دون تعليق، من دون تعليل، من دون حكمة، قال لنا:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
إله، يأتي الأمر مشفوعاً بالتعليل، بالحكمة، أراد أن يقنعك بهذا الأمر لا أن يأمرك.
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
مثل آخر:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
إله، كن فيكون، زل فيزول، أعطاك الأمر، أعطاك التعليل، فإذا أنت كلما أمرت ابنك أمراً قل له يا بني هذا الأمر لصالحك، من أجل مستقبلك، من أجل مكانتك، من أجل سمعتك، من أجل نجاحك في العمل، إله كن فيكون، زل فيزول، أعطانا الأمر مع التعليل، فأنت من باب أولى أنت أب أن تعطي الأمر مع التعليل، لأن التعليل احترام له.
أنا مرة كنت بمنصب قيادي، مدير ثانوية، عندي مئة و ثلاثة عشر مدرساً، وعندي موجهون، وعندي أمين سر، وعندي، فأجمع كل فئة على حدة، أقول لهم: نحن جميعاً فريق عمل، في موضوع، في عندنا مشكلة، ما الحلول عندكم ؟ إما أن أقنعكم بما عندي من حلّ، أو أن تقنعوني، هذا الحوار يعمل وداً، يعمل تألقاً، يعمل انتماءً، يعمل تطبيقاً.
الشدة تعلم الأولاد النفاق و الكذب:
أخوانا الكرام، هناك نقطة مهمة، لما غلط ضربته، أي خطأ جاءه الكف، انتهى، لا يأمنك أبداً، بدأ يكذب عليك بكل شيء، صار في موقفين، أنت بشدتك علمته النفاق، بشدتك علمته الكذب، بشدتك علمته أن يكون هو بوادٍ وأنت في وادٍ، أما بالود والحوار تجعله صديقك، أنا أعرف أمهات كثيرات من قريباتي، البنات صديقاتها، ما الذي حدث في المدرسة يُبلغ للأم، والأم توجه، ماذا قيل لك ؟ أين ذهبت ؟ ما الذي حصل معك؟.
أيها الأخوة، أنا أحياناً ألتقي بأخ كريم، في ود بالغ، في سلام بمنتهى الأدب، في ابتسامة، ومع ذلك يحضر عندي عشر سنوات أقول لا أعرفه، لماذا لا أعرفه ؟ ما سمعت منه كلمة، لما يتكلم أعرف مستوى وعيه، مستوى إدراكه، لغته، نصوصه، محاكمته، مهما إنسان داوم بجامع لسنوات تلوى السنوات ما دام ما تكلم ما احتككت فيه، أحياناً اُسأل عن أخ من أجل الزواج، أقول والله لا أعرف شيئاً، عندي من ثمان سنوات لكن ولا مرة زارني بالبيت، ولا مرة جلست معه وحدثته، ولا حدثني، لا أعرف شيئاً عنه، إلا أنه لطيف، وسلامه حار، ومبتسم فقط.
عدم معرفة طريقة التفكير عند ابنك و ملاحظته و لغته إلا عند محاورته:
عندما ابنك يحكي لك، ترى لغته، تفكيره، قيمه، مبادئه، ما الشيء الذي لفت نظره ؟ لماذا حفظ هذه القصة ولم يحفظ تلك ؟ لما يحكي الابن تكشف كل شيء، دائماً الابن يتلقى تعليمات منك، وساكت، تعليمات وساكت، لا تعرف شيئاً عنه، لما تعطيه مجال يحكي، يشرح، يبين، يؤكد لك بعض الأشياء تنتبه أنت.
إذاً لن تعرف ابنك إلا إذا حاورته، طريقة تفكيره، ملاحظته، ذاكرته، لغته، نصوصه، مثلاً ممكن يكون موضوع الحوار مشكلة، أحياناً يكون كلاماً مفتوحاً، لا يوجد قاعدة، لا يوجد محور، لا يوجد بنود، لقاء عفوي، من قصة إلى قصة إلى قصة.
مرة قال لي أخ كريم: حضرت خطبة عند إنسان فتح 28 موضوعاً، ما أغلق ولا واحد، خواطر، خواطر، خواطر.
الحوار بين الأب و ابنه يقوم على النهوض بالابن و الاستماع إليه:
أحياناً اللقاء إذا لم يكن مُعَداً، خواطر عشوائية، أما لو فرضنا أنا جلست معه أحاوره في موضوع دراسته، موضوع الدراسة، هل هناك مواد صعبة عليك ؟ هل هناك مواد تحتاج إلى مدرس خاص ؟ أي مادة تعلقت بها ؟ تعرف أن هناك مواد تفوق بها، مواد لم يتفوق بها، أما أنه لا أعرف شيئاً عنه، اجعل باللقاء موضوع واحد، موضوع محدد، أو في مشكلة في البيت التأخر مثلاً صباحاً، كيف تعالج هذه المشكلة ؟ يعني دائماً المدرسة تشكو لأولياء الصغار تأخرهم عن المدرسة، هذه مشكلة كيف تعالج ؟.
أنا أقدم لكم موضوعاً عن الحوار بشكل عام، ممكن تحاور زوجتك، أولادك أصدقاءك.
إذاً حبذا لو كان في موضوع محدد للحوار، ودائماً الموضوع عرض المشكلة، طرح حلول، مناقشة هذه الحلول، أو عرض البديل لهذه الحلول، أحياناً هناك إنسان دون أن يشعر عنده رغبة بتصيد الأخطاء، هذا نموذج موجود، إذا الأب هدفه الأول يتصيد أخطاء أولاده هذه مشكلة كبيرة، الحوار لا ينجح، ممكن يغلط بكلمة، ممكن يعطي رقماً غير صحيح، أنت تناسى سبعة ثمانية أخطاء، وحاسبه على واحدة، أما هذه غلط، هذه غلط، قام أسكته، انتهى، أنا أقول: الحوار قضية أن أنهض به لا أن أحاسبه.
الإصغاء للآخر بطولة وذكاء وأخلاق عالية:
سيد الخلق وحبيب الحق، هذا الإنسان العظيم كان مستمعاً من الطراز الأول، أكثر الأشخاص المثقفين اللسان طليق، لكن بطولتك كإنسان أن تتقن فن الاستماع، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه، ولعله أدرى به، كان عليه الصلاة والسلام حينما يأتي إلى البيت قد تحدثه السيدة عائشة حديثاً طويلاً، مرة حدثته عن أبي زرع وأم زرع، قصة طويلة، ووقت طويل استغرق لروايتها، وهو يصغي لها، حدثته عن شجاعته، وعن كرمه، وعن محبته لزوجته، ثم إنها في النهاية قالت له: غير أنه طلقها، النبي علق على هذه القصة قال: وأنا كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك.
أنت قد تكون عالماً كبيراً، مثقفاً ثقافة واسعة، الإصغاء للآخر بطولة وذكاء وأخلاق عالية.
آداب الحوار:
إذاً ابتعد عن تصيد الأخطاء، وابتعد عن المقاطعة، كن مستمعاً لبقاً له، أحياناً أخطأت، ارتكبت خطأ كبيراً، أنا أسأله ما قولك بهذا العمل يا بني ؟ هل تعتقد أنه صواب أم خطأ ؟ اجعله هو ينطق أنه خطأ، القصة كلها ممن يملي على الآخرين، أو ممن يحاورهم ليصل معهم إلى النتائج
يوجد بالقرآن أساليب كثيرة، فيها حوار مع الطرف الآخر كي يوصلهم ربهم إلى نتيجة كان من الممكن أن تفرض عليهم، هذه القواعد في الحوار تصلح مع كل الأطراف، مع زوجتك، حتى مع رئيسك في الدائرة، عود نفسك النفس الطويل بالحوار.
أحياناً في نظر حاد، وفي نظر لطيف، لا تشد نظرك إلى الآخر، نظر رفيق، أحياناً العين تنتقل يمنة ويسرة، علواً، وسفلاً، أما أحياناً التحديق المستمر بشخص هذا شيء يبتعد عن اللباقة في اللقاء، يجب أن يشعر وأنت تحاوره أنه في أمان، وأنه بالإمكان أن يدلي بآرائه، ولو أنها لا تعجبك، يعني أحياناً في مدرس ديانة في سؤال من طالب ما عنده جواب له، لكن محرج مثلاً، يصب عليه نقمته، وغضبه، ويتهمه بالكفر ؟ لا.
قال له: ائذن لي بالزنا (والله لا يوجد أوقح من هذا السؤال) شاب قال للنبي الكريم ائذن لي بالزنا، الصحابة ضجروا، قال لهم: دعوه، تعال يا عبد الله، اقترب اِقترب، قال له: أتحبه لأمك ؟ قال: لا، قال: ولا الناس يحبونهم لأمهاتهم، لأختك ؟ لخالتك ؟ لعمتك ؟ لابنتك ؟ يقول هذا الشاب: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وما من شيء أحب إليّ من الزنا، وخرجت من عنده وما من شيء أبغض إلي من الزنا.
هذا حوار أيضاً.
تنمية الفكر عند الأبناء و تعليمهم الانضباط:
لو أن هناك مشكلة لها مجموعة طرق (حلول عديدة)، حاول أن تعينه أن يميز بين الحلول، ما قولك في الحل الأول ؟ الثاني ؟ الثالث ؟ أيهما أفضل ؟ أنت تنمي له فكره، تعلمه أنه قد يكون للمشكلة حلّ، وقد يكون لها أكثر من حل، فالآن المهمة أن توازن بين الحلول، هذا أيضاً شيء مهم في الحوار.
هناك ثانوية، في بكل صف قائمة بالأخطاء المألوفة، التأخر، عدم إحضار الكتاب، التكلم من دون إذن فرضاً......، فكل خطأ إلى جانبه رقم 10، وباليسار التفوق، حصل على علامة تامة بمادة الرياضيات مثلاً، مذاكرته الشفهية كانت بعلامة تامة، إلى جانب هذا البند 20، ففي بطاقة فيها مئة نقطة فكلما أصاب يضاف إلى هذه النقط نقاط، وكلما أخطأ يحذف منها نقاط، فتجد الانضباط بهذه المدرسة شيء لا يصدق، أن هذه البطاقة في آخر العام جمع ألف نقطة، أو ألفي نقطة، يستطيع أن يأخذ مقابل الألفي نقطة كومبيوتر محمول، صار الخطأ محسوب، الخطأ يخسره نقاطاً، والصواب يضيف له نقاطاً، في أساليب لا تضطر تضرب، ولا تزعج صوتك، ولا تبلغ أهله.
التربية علم قائم بذاته:
دائماً التربية علم قائم بذاته، التربية علم، حبذا لو أتقن الآباء والأمهات قواعد التربية، تجد البيت انتظم بلطف، وبلا صخب، وبلا ضجيج، وبلا رفع أصوات، في بيوت فيها اضطراب شديد، في بيوت من حكمة الأب والأم وإتقانهما لقواعد التربية تجد البيت الحركة فيه تتم بسلاسة.
بعد ذلك دائماً وأبداً إذا كل عمل مكافأة، وكل عمل سيء له ثمن، لا أقول ضرباً لكن هناك ثمن، مادام الأعمال مقيّمة ومبرمجة، مكافآت، وفي عمل آخر له عقوبات، صار في انضباط، إذا أنت مدرس أعطيت وظيفة تفقدت من كتب أو من لم يكتب، اليوم الثالث لا أحد يكتب الوظيفة، ما دام في متابعة، عود نفسك المتابعة، إذا ابنك وعدك بشيء سجلها عندك، بعد يومين هل فعلت هذا ؟ أبي لا ينسى، إذا وعدك بشيء سجله عندك، حاول أن تتابع الأمر، المتابعة جزء من التربية، بنهاية الحوار وعدك بشيء، أنت نسيت تسأله أول مرة نسيت تسأله، والمرة الثانية نسيت تسأله، يقول أبي لا يتذكر شيء، التغى الحوار، إذا اتفقت مع ابنك على خطوة يفعلها وسجلتها عندك، وبعد يومين طالبته بها على عدة مرات يقول لك: أبي لا ينسى أبداً، هذه نقطة مهمة تعينك بعملك مع الموظفين، مع أي إنسان لو تعطي أمراً ولا تتابعه تلتغى مكانة أمرك كلياً.
الأب العاقل يعطي ابنه فرصة ثانية إذا أخطأ ليعود إلى الصواب و يترك الخطأ:
أحياناً يكون العقاب أن تحرمه من شيء تحبه كثيراً، يعني في نزهة يوم الجمعة فرضاً، فإذا في خطأ تقول له أنت محروم من النزهة، ليس هناك داعٍ للتعنيف، الشيء المحبب له ممكن أن يكون وسيلة لتأديبه، له مبلغ كل يوم، إذا أخطأ، ليس هناك داع لأن تضربه، أو ترفع صوتك، اليوم القادم ما في مبلغ مقابل الخطأ الذي ارتكبته، أصبح الخطأ له ثمن، الأب الناجح يعطي فرصة لابنه أن يتوب، فإذا تاب كأنه لم يفعل هذا الذنب إطلاقاً، عندما يشعر الابن أن كل خطأ ارتكبه وتركه انتهى لم يعد يحاسب عليه سيشعر بالراحة.
أعطِ فرصة للتائب أن يتوب، بلغني ببعض البلاد المتقدمة طبعاً مادياً، لكل مواطن صحيفة اجتماعية، فإذا أخطأ ولو مخالفة سير تسجل، إذا مضى سنتان دون أن تكرر تمحى المخالفة آلياً.
أعطِ فرصة لابنك إذا أخطأ أعطيه فرصة، يقول لك: أنا لم أعد أعيدها، وإذا ما عادها ارجع معه تماماً كما كنت من قبل، هذه نقطة مهمة جداً، في مجتمعات لا ترحم إذا إنسان أخطأ هذا الخطأ دائماً يُذكر به، أما إذا في خطأ وفي عودة إلى الصواب ينبغي ألا يذكره بخطئه إطلاقاً.
أحياناً الأب يدعو لأولاده، الله يوفقك يا بني، إن شاء الله أراك في المستقبل من ألمع الأشخاص، كلمات لها أثر كبير، أنت لن تصبح إنساناً، كل يوم، كل يوم، يتحطم يكون الابن ذكياً لكن الأب عصبي، كل كلمتين أنت مالك مصير، بعد ذلك سيصدق.
من زاد في تعنيف ابنه أضعف ثقته بنفسه:
الآن نحن كمسلمين من كثرة ما قالوا عنا إرهابيين، إرهابيين، صدقنا، اتهامات يومية، صار الواحد يشك بنفسه، كمثل، لكن مثل كبير جداً.
فكلما كان تعنيفك للابن كثيراً، أضعفت ثقته بنفسه، أنا أحياناً أجد طالباً ضعيفاً في مادة، أنا أعطيه سؤالاً سهلاً جداً، يجيب عنه إجابة تامة أثني عليه، هذا الثناء يعمل له معنوية عالية، رأساً يذهب للبيت يكتب الوظيفة، يحاول أن يتابع، فإذا وجدت من ابنك تفوقاً بسيطاً أثني عليه، وتكلم لأمه أمامه، اليوم هكذا فعل فلان، لأخوته، دعه يشعر أنه تفوق، هناك شخص همه أن يحطم أولاده عن غير قصد، لكن تربية سيئة جداً يحطمهم، يحطمهم، أنا أرى أن الابن قدم شيئاً جيداً أثني عليه، وأذكر هذا الشيء مرات عديدة لأخوته، لأقاربه، جاء أقرباؤه ذكر لهم هذا الشيء، فيشعر بالاعتزاز.
الحقيقة التربية فن، والتربية بطولة، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نطبق هذا الموضوع في الحوار مع من نحب.
والآن الحديث في العالم كله عن الحوار، والأولى الحوار مع الأولاد، مع الزوجة، مع الأقارب، مع الأصحاب.