وضع داكن
29-03-2024
Logo
صلاح الأمة - الدرس : 42 - منهج الدعوة إلى الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 


 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة.

ايتان ترسمان منهج الدعوة إلى الله:

 أيها الإخوة، في سورة سبأ آيتان ترسمان منهج الدعوة إلى الله.
إنهم كثيرون أولئك الذين تركوا الدين لسوء دعوتهم إلى الله، أو لخطاب ديني ليس ناجحاً.

 

الأية الأولى:

 يقول الله عز وجل:

 

﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

 أي نحن وأنتم، أي المؤمنون، ولنسمِّ الآخرين الطرف الآخر، الذين لم يؤمنوا، ولم يقبلوا بهذا الدين، ولم يصدقوا هذا الكتاب:

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

1 ـ ليس هناك إملاء واحتقار للطرف الآخر:

 الحق كرة إما عندنا أو عندكم، إما هي عندنا أو عندكم، ماذا نستنبط من هذا ؟ ليس هناك استعلاء، ليس هناك غطرسة، ليس هناك إملاء على الآخر، ليس هناك احتقار للآخر، ليس هناك إشعار الآخر أننا على حق، وأنت على باطل، كل أساليب الدعاة إلى الله الذين لم يستوعبوا هذه الآية عندهم شعور أنهم على حق، والآخرون على باطل.
يقول الإمام الشافعي: " أنا على حق، وقد أكون مخطئاً، والآخر على باطل، وقد يكون مصيباً ".

 

2 ـ عدم احتقار الطرف الآخر فتحٌ لباب دعوته:

 حينما تنطلق من التواضع، أو من إشعار الآخر أن الحق قد يكون معه، أو قد يكون معك ينفتح إليك، يصغي إليك، حفظت له كرامته، حفظت له مكانته.

 

 

3 ـ التمييز بني أخلاق الجهاد وأخلاق الدعوة:

 يجب أن نميز بين أخلاق الجهاد، وأخلاق الدعوة:
أخلاق الجهاد:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التحريم: 9]

 هذه أخلاق الجهاد، لكن نحن في الحياة المدنية كما هو معروف سلم وحرب، والحرب أخلاقها:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التحريم: 9]

 أما في السلم:

 

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

 

[ سورة فصلت: 34]

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

 نحن أو أنتم:

﴿ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

4 ـ أسلوب الحوار مع الطرف الآخر:

 أيّ شخص منا على حق، والآخر على باطل، لا نعلم مبدئياً، لعلكم على صواب، ونحن على خطأ، أو لعلنا على خطأ، وأنتم على صواب، لا نعرف، اجعل الحوار بينك وبينه، ائته بأدلة يقبلها، أدلة علمية، أدلة واقعية، أدلة نصية إذا كانت يؤمن بكتاب بينك وبينه مشتركاً، الحوار يروّج في هذه الأيام، لأنه بديل الصدام، الصدام دمار، قتل، تشريد، نزوح، فقر، العالم الآن يمشي في طريق مسدود، لأنه أحلّ الصدام محل الحوار.

 

5 ـ الحوار منهجٌ قرآني:

 الحوار قرآني، الحوار منهج إسلامي، هذه الآيات:

 

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

﴿ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 64]

 تعالوا كي نتحاور، تعالوا كي نأتي بالأدلة، أدلة نصية إن آمنتم بكتابنا، أو أدلة واقعية، أو أدلة علمية، أو أدلة تاريخية، ما لم تكن منفتحاً على الآخرين فلن تفلح في الدعوة.

 

6 ـ البطولة في إقناع الطرف الآخر لا في إقناع المسلمين:

 بالمناسبة، مرة حضرت احتفال مولد في أحد جوامع دمشق المشهورة، وقام أحد الخطباء، وتكلم كلاماً رائعاً، لكن الخطيب الذي جاء بعده تكلم كلاماً أروع، ماذا قال ؟ قال: نحن جميعاً طرف واحد، فيا أيها الخطيب اللامع، لك الشكر، لكن ماذا فعلت ؟ أتيت بأدلة نعرفها، وبأفكار نؤمن بها، لكن بطولتنا ليست فيما بيننا، ولكن بطولتنا مع الآخرين، فما الذي يمنع في مناسبة المولد أن نجمع الذين شردوا عن الله، الطرف الآخر، الذين لا يصلون، الذين لا يعبؤون بهذا الدين، ما الذي يمنع أن نلتقي بهم، وأن نبين لهم هذا الدين العظيم بأسلوب لطيف، بأدلة علمية، بتواضع جم من قبلنا.
بطولتك ليست مع المسلمين، بل مع الآخرين، هؤلاء المسلمون مسلمون مثلك، يؤمنون بما تؤمن، يصدقون ما تصدق، لكن بطولتك مع الآخرين.
 مرة حضرت مؤتمراً إسلامياً، لكن المؤتمر ضخم جداً، دعيت سبعون دولة إسلامية لهذا المؤتمر، وفي أفخر الأماكن، وخُصِّصت له نفقات كبيرة جداً، و إعلام، و تصوير، و هو عن إنسانية الحضارة الإسلامية، وفي نهاية المؤتمر قدمت مداخلة قلت فيها: نحن اجتمعنا في هذا المكان، وكل مندوب دولة ألقى كلمة أعدها إعداداً متقناً جداً، وتلقينها بالقبول، و أكبرنا كاتبها، أو الذي ألقاها، ولكن قلت: ولكن ماذا فعلنا ؟ نحن جميعاً سبعون دولة إسلامية طرف واحد، تكلمت فصدّقنا، قلت فآمنا، نؤمن كما تؤمن، نصدق ما تصدق، ماذا فعلنا ؟ المعني بهذا المؤتمر الطرف الآخر الذين يتهمنا أننا إرهابيون، و قتلة، و جهلاء، و متخلفون، وهم غائبون عن هذا المؤتمر غياباً كلياً، فالأَولى لا أن نلتقي مع بعضنا البعض، و ندلي بكلمات رائعة، إننا لا نضيف على الآخرين شيئاً، لكن البطولة أن نخاطب الطرف الآخر، أن نلتقي معه، أن نقنعه بهذا الدين، هؤلاء الذين يشوهون صورة النبي عليه الصلاة والسلام لا يعرفونه إطلاقاً، نحن مقصرون في التعريف بنبينا، بل إن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي مقصرة تقصيراً فاضحاً بتعريف الآخرين بهذا الدين العظيم و نبيه الكريم، بل إنني أعتقد لو أن أعضاء الجاليات الإسلامية في العالم الغربي وحدهم طبقوا منهج ربهم، ولم ينطقوا بكلمة لكان موقف الآخرين من الإسلام غير هذا الموقف، هذه أخلاق الدعوة:

 

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

 أيها الإخوة الكرام، البابا كما تعلمون تكلم بكلمات فيها إساءة إلى النبي الكريم، طولب بالاعتذار، لا، أدلِ بحجتك، لتكن الحجة في مقابلة الحجة، والتصريح في مقابلة التصريح، والحوار في مقابلة الحوار، ينبغي أن نتحرك، ينبغي ألا نصمت، لكن وفق هذا المنهج:

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة سبأ: 24]

 الآن الذي قد يُستغرب:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ﴾

[ سورة سبأ: 25]

الأية الثانية:

 النبي الكريم صاحب الخلق العظيم سيد الخلق و حبيب الحق، قمة البشر:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة سبأ: 25]

1 – هذا ما قدّمه النبي، وما قدمه الطرف الآخر !!!

 أرأيت إلى هذا التواضع ؟ نحن أجرمنا، أما أنتم فتعملون أنه العكس، النبي قدم كل الخير، والطرف الآخر أجرموا بحق النبي، لذلك أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة قال:

 

(( ما تظنون أنني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ))

 

[ السيرة النبوية ]

2 – هذه هي أخلاق النبي:

 نبوة النبي عليه الصلاة والسلام في درجة مذهلة من الكمال، هذا الذي كتب كتاباً إلى أهل مكة، حاطب بن أبي بلتعة ماذا فعل معه النبي عليه الصلاة والسلام ؟ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ

 

(( انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: الْكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا، فَالْتَمَسْنَا، فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ، قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ؟ فَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ))

 

[ متفق عليه ]

 النبي سيد الخلق، هذا العمل في أي نظام في العالم جزاؤه القتل، قال:

(( صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا ))

 ، هذه أخلاق النبوة.

 

3 – هكذا تكون داعية ناجحا:

 حينما تحب الناس، وحينما تحترم الناس، و حينما تصغي إلى الناس، و حينما لا تستعلي عليهم، و لا تملي عليهم، و لا تشعرهم أنهم جاهلون، وأنت العالم، عندئذ يصغون إليك، أنت حينما تفتح قلوبهم بإحسانك قبل أن تفتح عقولهم ببيانك تكون داعية ناجحاً، أنت حينما تكون قدوة قبل الدعوة، كن قدوة قبل أن تدعوهم إلى هذا الدين العظيم.

 

 

4 – تطوير الخطاب الإسلامي:

 إنّ الخطاب الإسلامي يجب أن يطور، والفرق كبير بين أن تقول: يجب أن نطور الدين، ويجب أن نطور الخطاب الإسلامي، الدين توقيفي، لا يطوَّر، و لا يبدل، و لا يغير، و لا يضاف عليه، و لا يحذف منه، لأنه دين الله:

 

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

 

[ سورة المائدة: 3]

 ولكن الخطاب الديني ينبغي أن يطور، ينبغي أن يأخذ لهجة متواضعة، لهجة علمية من دون تعصب، من دون استعلاء، من دون تكفير، من دون تشريك، وهناك أساليب في الدعوة إلى الله ليست مقبولة إطلاقاً، ولا يمكن أن تكون ناجحة بهذه الطريقة.
إذاً:

﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة سبأ ]

ماالحكمة من هذه المعركة الطاحنة بين الحق والباطل:

 أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية: قد يسأل سائل: ما الحكمة من هذه المعركة الطاحنة بين الحق و الباطل ؟ أقول لكم بكل وضوح: كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر، أو في قارة أخرى، أو في حقبة أخرى، و لكن قرار الله أن نعيش معاً في كل بلد في العالم مؤمنون وغير مؤمنين.

 

1 – نظام الاثنينية في الحياة:

 الآن كأن هناك في الحياة اثنينية، كيف ذلك ؟ هناك حق، وهناك باطل، هناك أناس يعيشون للدنيا و هناك أناس يعيشون للآخرة، هناك أناس بنوا حياتهم على العطاء، هناك أناس بنوا حياتهم على الأخذ، هناك أناس خيرون، هناك أناس شريرون، هناك أناس منصفون، و هناك أناس جاحدون، هناك خير وشر، وحق وباطل، موقف جميل، موقف قبيح، إنصاف وجحود، كرم وبخل، صدق وكذب، أمانة وخيانة.

 

 

2 – الحق لا يقوى إلا بالتحدي:

 لماذا كانت هذه النماذج مجتمعة ؟ لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي.
الآخرون لهم فضل علينا كبير، الآخرون بحربهم، وبمؤامراتهم، و كيدهم يجمعوننا، ويحفزون هممنا، ويخففون الخلافات فيما بيننا، لذلك رُبّ ضارة نافعة، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك:

 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ

[ سورة البقرة: 216]

 هناك تطورات في العالم باتجاه الدخول في هذا الدين قد لا تصدق، العام الماضي دخل في الإسلام من العالم الغربي في أمريكا الشمالية وحدها خمسة وثلاثون ألفاً، والذي يقلق الطرف الآخر الإقبال على الدين لا من الجاليات الإسلامية، بل من السكان الأصليين، وهناك من يعتقد أنه بعد عشرين عاماً سيعم هذا الدين العالم، لا تقلقوا على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلقوا على أنفسكم ما إذا سمح الله لنا، أو لم يسمح أن نكون جنوداً لهذا الدين، هذا دين الله.

 

3 – لن ينطفئ نورُ الله أبدا:

 دققوا في هذا المثل: لو أن شخصاً وقف أمامكم في رابعة النهار، وتوجه نحو الشمس، ونفخ نفخة بقصد إطفاءها، أين مكانه الصحيح ؟ في مستشفى المجانين، الكفار ماذا يقول الله عنهم ؟

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 32]

 نور الشمس لا يطفأ:

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 32]

4 – تستطيع جهة في الأرض مهما تكن قوية أن تفسد على الله هدايته لخلقه:

 لذلك ما ضر السحاب نبح الكلاب، ما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، لو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم، فلذلك لا تقلقوا على هذا الدين أبداً.
ينبغي أن أقول كلمة: تصور أبا قويا جداً وعالما وغنيا، وعنده أولاد يسيطر سيطرة تامة عليهم، هم خمسة أولاد، واحد منهم يكره الدراسة كراهية شديدة، والأربعة الباقون متفوقون، طموح الأب الأول أن يكون أولاده الأربعة علماء كبارا، هم في المدارس، هذا الأخ الخامس الذي يكره الدراسة لو أمسك بسلاح معين، ومنعهم من التوجه إلى المدرسة، والأب يراه، وهو متمكن، وقوي، ومسيطر، هل يسمح له أن يفسد على الأب خطته في تعليم أولاده ؟ مستحيل، اسمعوا هذه الكلمة: لا يمكن، ولا يقبل، ولا يعقل أن تستطيع جهة في الأرض مهما تكن قوية أن تفسد على الله هدايته لخلقه، مستحيل لجهة في الأرض تؤخر نمو الدين، لكن نية الكافر شر من عمله.
إنهم يخططون:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 36]

 وفي النهاية يُغلَبون:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

[ سورة آل عمران:12]

 اطمئنوا:

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 128]

5 – لابد من الابتلاء والامتحان:

 و لكن لابد من امتحان:

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 ونحن نعاني زلزالاً، الطرف الآخر قوي ومتمكن، ويريد إفقارنا، وإضلالنا، وإفسادنا، وإذلالنا، وإبادتنا، وبيده السلاح، والمال، والإعلام، والتحالفات، ونحن لا نملك شيئاً، ومع ذلك سوف ننتصر.
أخطر شيء في الحياة أن تنهزم من الداخل.
أيها الإخوة الكرام، أخلاق الدعوة شيء، وأخلاق الجهاد شيء آخر:

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة سبأ ]

بمثل هذا تكون أخلاق الدعوة:

 رويت قصة طالبين سوريين في بريطانيا لهم صديق بريطاني، كلما اقترب منهم في الجامعة يتكلمون الإنكليزية، أما إذا كانا معاً يتكلمان العربية، لفت نظره كل مرة يقترب منهم يتوقفون عن اللغة العربية، ويتكلمون اللغة الإنكليزية، فسألهم ؟ فقالوا له: لأن نبينا علمنا أننا إذا كنا ثلاثة لا ينبغي أن يتناجى اثنان دون ثالث، فإن هذا يحزنه، فإذا تكلمنا العربية أمامك تناجينا مع بعضنا، وهذا يحزنك، فإذا اقتربت منا نتكلم الإنكليزية، وكان هذا سبب إسلامه، كلما كنت لطيفاً ومحترماً للطرف الآخر، معك حجة قوية، حجة علمية، حجة عقلية وواقعية، وكنت متلطفاً من دون استعلاء، من دون كبر، من دون تكفير، من دون اتهام بالجهل، كلما كنت كذلك كنت أقرب إلى الله عز وجل، وهذا فحوى هاتين الآيتين في تعليم أصول الدعوة إلى الله:

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

 

[ سورة سبأ ]

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور