- أحاديث رمضان
- /
- ٠13رمضان 1427هـ - صلاح الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة .
تمهيد لموضوع الشكر:
1 ـ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ
الموضوع اليوم مرتبة الشكر، أول ملمح في آية دقيقة جداً أن الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
لمَ لم يقل إن صبرتم وآمنتم ؟
﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
، ولهذا الكلام تمهيد:
الله عز وجل حينما قبِل الإنسان حمل الأمانة في قوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
حينما قبِل الإنسان حمل الأمانة كرّمه الله بأن سخر له:
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
2 ـ الكونُ كلُّه مسخَّر للإنسان تسخير تعريف وتسخير إرشاد:
يجب أن تؤمن أن كل الكون مسخر لك، أنت المخلوق الأول، أنت بالذات صنف البشر، الصنف الأول بين المخلوقات، لأنك قبِلت حمل الأمانة سخر لك ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾، لكن هذا التسخير هو تسخيران في الحقيقة، تسخير نفعي، وتسخير إرشادي، أي شيء خلقه الله لك له وظيفتان كبيرتان، الأولى أن تنتفع به ، والثانية أن تعرف الله من خلاله، لو نظرت طعامك، لو نظرت إلى ما في السماوات وما في الأرض، لو نظرت ممّا خلق الإنسان فإنه:
﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾
يا ترى دافق أم مدفوق ؟
التحليل الدقيق بمعنى مدفوق، وليس دافق، لو أنك ضغطت على ماء فيه أنبوب لخرج، هذا الماء دافق أم مدفوق ؟ مدفوق، لكن الله قال: ﴿ دَافِقٍ ﴾، لأن هذا الماء يمشي وحده، من دون ضغط، في زيت، وفي محرك، وله سرعة بالساعة عشرة سانتي.
إذاً: التفكر في خلق السماوات والأرض يعطي الإنسان شعورا أن نعم الله لا تعد ولا تحصى.
إذاً: أنت أمام نعمة تنتفع بها، وأمام نعمة تدلك على الله، لها مهمة نفعية، ومهمة إرشادية.
3 ـ ردُّ فعلِ الإنسان من تسخير التعريف والإرشاد:
الآن: حينما تستجيب لتسخير التعريف بالإيمان، وحينما تستجيب لتسخير التكريم بالشكر والعرفان تكون قد حققت الهدف من وجودك، وحينما تؤمن وتشكر، لأن الكون أساسه العطاء من الله، أنت حسنة من حسنات الله، وجودك عطاء.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
وجودك عطاء، الشيء الآخر: إمدادك عطاء، هناك هواء، وماء، ومأوى وصوف، وثياب، وزوجة، وأولاد، وطعام، وشراب، وزهور، وجمال، فالوجود عطاء، والإمداد عطاء، والهدى عطاء، فالحياة أساسها العطاء من الله عز وجل، خلقك الله ليسعدك.
أيها الإخوة، فرد فعل التسخير التعريفي أن تؤمن، ورد فعل التسخير النفعي أن تشكر، فإن آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك.
4 – مِن لوازم اسم الله ( الشكور ):
أيها الإخوة، الله عز وجل شكور، المعنى دقيق جداً، يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخطب وده، وأن تحسن إلى خلقه، وأن تنصحهم، وأن تخفف عنهم، وأن تكون مصدر أمن لهم، مستحيل أن تعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجهه ثم لا ترى أن الله يشكرك، كيف ؟ بالتوفيق، بالحفظ، بالتأييد، بالنصر، بالإلهام، بالسداد، بالتأديب أحياناً الله عز وجل شكور لأنه حينما تتوجه إليه، وتعبر عن صدق التوجه بخدمة عبادة لا بد من أن ترى عطاءاً ملموساً.
لو كنا واقعيين، وافترضنا أن إنسانا عاديا قدم لك هدية، فالحد الأدنى أن تبتسم، وأن تشكره، وفي حد أعلى أن ترد على هذه الخدمة بهدية.
لكن أن تفعل عملاً صالحاً ابتغاء وجه الله تفعله مخلصاً لمخلوق ولو كان كلباً، فهذه البغيُّ سقت الكلب فغفر الله لها، أيّ مخلوق إذا قدمت له خدمة هي لله في الأصل، الله عز وجل سماها قرضا حسنا.
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
لذلك يجب أن تؤمن أنه:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُون َ﴾
الله شكور لأنه قال:
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
إخواننا الكرام، والله الذي لا إله إلا هو لا يمكن أن تخطب ود الله عز وجل بطاعة، بإنابة، بعبادة، بصلاة، بصيام، بتلاوة، بدعوة إلى الله، بخدمة الخلق، لا يمكن أن تتحرك نحو الله خطوة إلا وترى الله يكرمك.
(( إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا ))
أنت تتقرب شبر، واللهُ يتقرّب ذراع، لأنّ الله شكور، لمجرد أن تدعو إلى الله.
(( إذا ذكرني ذكرته فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ))
وأقول لكم بدقة بالغة: إن لم تشعر أنك مشدود لهذا الدين لا بأفكاره العميقة والدقيقة والصحيحة والمتناسقة فقط، بل لمعاملة الله لك، لك معاملة خاصة، أنت موفق، تُلهم الحكمة، تُلهم الصواب، لك هيبة، لك استقرار نفسي، الله عز وجل ألقى محبتك في قلوب الخلق، فالذي يشدك إلى الدين معاملة الله لك، إذاً: الله شكور.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلكت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلمي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ))
الله شكور، والله الذي لا إله إلا هو لن يضيع عليك عمل، ولو أنك إذا سقيت كلباً، أو أطعمت هرة، أو أنقذت نملة أثناء الوضوء على حوض الغسيل، انتظرت حتى غادرت، ثم بدأت الوضوء، لن يضيع عليك هذا إطلاقاً.
﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾
الشكر علم وحال وعمل وثناء:
1 – الشكر علمٌ:
النقطة الدقيقة أن الشكر كالتوبة تاماً، علم، وحال، وعمل، علم يجب أن تعلم أن هذه نعمة من الله، وكان من الممكن ألا تكون معك، فكلما ركبت مركبتك شكرت الله عليها، وكلما دخلت إلى بيتك شكرت الله أن آواك، وكلما التقيت بزوجتك شكرت الله هيأ لك زوجة، وكلما نظرت إلى ابنك شكرت الله، فالشكر رؤية، علم.
2 – الشكر حالٌ:
الآن حال، بأعماق أعماق قلبك أنت شاكر لله عز وجل، بأعماقك ممتن، يا ربي لك الحمد، حمداً، كثيراً، طيباً مباركاً بعدد خلقك، الله عز وجل يقول لك: سمع الله لمن حمده، أنا أسمعك، تفضل وتكلم يا ربي لك الحمد، والشكر، ولك النعمة والرضا، حمداً، كثيراً، طيباً، مباركاً بعدد خلقك.
إذاً: الشكر حال، علم، معرفة، وحال امتنان وعمل.
3 – الشكر عملٌ:
يجب أن تقابل هذه النعم بخدمة الخلق، أن تنصح العباد، أن تكون في خدمتهم، أن تخفف عنهم، أن تكون منصفاً معهم، أن تكون مصدر أمن لهم.
(( شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه أو يخاف شره ))
فالشكر، علم، وحال، وعمل.
4 – الشكر ثناءٌ:
والشكر ثناء على الله عز وجل حدث نفسك بهذه النعم الله عز وجل قال:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
الله له أيام، أيام أنقذك فيها، ووفقك، ونجحت، وتزوجت، وعندك دخل، وعقلك سليمٌ، ما عندك مرض عضال، لك سمعة طيبة، تنام آمناً، لست ملاحقك، ليس عليك مذكرة بحث هذه كلها نعم.
أيها الإخوة، من آمن، وشكر حقق الهدف من وجوده، وحينما تحقق الهدف من وجودك تتوقف كل أنواع المعالجات.