وضع داكن
29-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 43 - وسائل تربية الأولاد -13- قاعدة الربط -3- الربط بالدعوة والداعية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 لا زلنا في سلسلة دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في القسم الثاني في الوسائل الفعالة في تربية الأولاد، وقبل رمضان كنا في موضوع الربط، ربط الطفل بدينه، ربطه بقرآنه، ربطه بالمسجد، ربطه بالمرشد الرباني، ربطه بالصحبة الصالحة، واليوم ننتقل إلى ربط الولد بالدعوة والداعية.

نجاح تربية الأولاد في الإسلام مرتبط بربط الطفل مع الدعوة الإسلامية:

 أيها الأخوة الكرام من أجل أن ترى جيلاً يحمل همَّ المسلمين، من أجل أن ترى جيلاً يحمل همَّ أمته، من أجل أن ترى جيلاً يخرج من ذاته إلى الخلق، هناك نموذج معاصر هو إفراز تراكمات كثيرة، النموذج المعاصر تراه صارخاً في الغرب، وموجوداً في الشرق، الإنسان همه شهوته، همه دخله، همه مصلحته، ولا يعبأ بأحد، هذا الإنسان لا يمكن أن ينصر أمته، ولا أن ينهض بمجتمعه، ولا أن يحمل همَّ المسلمين، ولا أن يكون عنصراً فعالاً في رقي أمته، إفرازات التربية السيئة، إفرازات التربية التي لا تعتني بالقيم الإسلامية، إفرازات التربية العلمانية، إفرازات التربية التي ألفها أهل الكفر، هذه التربية تفرز إنساناً لا ينتمي إلا لنفسه، لا ينتمي لأحد إطلاقاً، هذا النموذج كما قلت قبل قليل تجده صارخاً في الغرب.
 أضرب لك مثلاً: إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح، والمثل تركيبي، رأى تفاحة زاهية اللون في أعلى الشجرة، وبيده منشار كهربائي فمن أجل أن يأكل هذه التفاحة قطع جذع الشجرة وأخذ التفاحة وأكلها، همه هذه التفاحة، أما قطع الشجرة وإلغاء خيرها فهذا لا يهمه.
 الإنسان إذا ربي تربية علمانية، أو ربي تربية مادية، أو ربي تربية على نمط أهل الغرب لا يهمه إلا ذاته، لا يهتم بأحد، هذا الشعار رفعه من ؟ رفعه نيرون، قال: من بعدي الطوفان، والذي همه نفسه، وهمه دخله، وهمه مصلحته، لا يمكن أن تقوم أمة على هذا النموذج، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ))

[الترمذي عن أنس والطبراني عن ابن عباس]

  إن أردت لهذا الجيل أن ينهض بهذه الأمة، إن أردت أن تستمع الأخبار السارة للمسلمين لا بد من أن تبدأ بالصغار، وأعود وأكرر الأطفال أطفالنا هم الورقة الرابحة الوحيدة التي في أيدينا، إنهم المستقبل، المتقدمون في السن هم الماضي، والكهول هم الحاضر، والصغار هم المستقبل، فمن أجل أن تنجح تربية الأولاد في الإسلام لا بد من أن تربط الطفل مع الدعوة الإسلامية.

 

أحد أكبر وسائل الدعوة تعرية الكفر والعلمانية والعولمة والغرب:

 

 الحقيقة أول شيء يجب أن تعري هذه الحضارة المادية، يجب أن تبين سلبياتها لئلا يتعلق الطفل بها، قد يتعلق الطفل بها فينسى دينه، الطفل همه السيارة، والمركبات، والطائرات، والآلات، والكمبيوتر، وآلات التصوير، يعني كيان الطفل كله هذه المخترعات، أما حينما تربيه تربية دعوية، تربيه أن يلتفت إلى الكون، وما فيه من آيات باهرات، تربيه أن يلتفت إلى القرآن وما فيه من منهج قويم، إلى سنة النبي عليه أتم الصلاة والتسليم، حينما تربط هذا الطفل بالدعوة العامة، الدعوة العامة فيها هدم وفيها بناء، ولن يقوم بناء إلا على هدم، يعني مثلاً: أنت حينما تسمح أن يشاهد ابنك عملاً فنياً فيه بطل إيجابي، هذا البطل يشرب الخمر، ويختلط مع النساء، وزوجته تمشي بلا حشمة إطلاقاً، وهو البطل الأول في القصة، فالطفل ماذا يصنع ؟ يعظمه على ما به من انحراف، فالحقيقة أن مناهج التعليم ينبغي أن تكون مدروسة، الأعمال الفنية ينبغي أن تكون مدروسة، لأن الطفل أحياناً يتغذى بها، فإن أردت جيلاً ينهض بأمته، يحمل همَّ أمته، يسعى للنهوض بأمته لا بد من أن تربطه بالدعوة الإسلامية، فالدعوة أحد أكبر وسائلها تعرية الكفر، تعرية العلمانية، تعرية العولمة، تعرية الغرب، طبعاً في إيجابيات، والخمر فيها إيجابيات.

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (219) ﴾

( سورة البقرة)

  ما في إنجاز حضاري سيئ إلا وفيه إيجابيات، نحن نبتعد عن الشيء إذا غلب شره على خيره.

 

على الإنسان بث الأمل بعد تعرية مجتمع الكفر:

 الآن بعد أن تعري مجتمع الكفر، مجتمع النفاق، مجتمع المادة، مجتمع القسوة، مجتمع الكذب، مجتمع الإباحية، مجتمع الاختلاط، مجتمع ترك العبادات، مجتمع تعظيم الغرب:

(( كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة و لا ينفعه من عمله شيئاً.))

[أخرجه السيوطي عن جابر]

  بعد أن تعري هذا المجتمع لا بد من أن تبث الأمل، أخطر مرض يصيب الأمة اليأس.
 بربكم الفرنجة أقاموا في الشرق قرابة كم سنة ؟ تسعين عاماً واحتلوا القدس، واحتلوا أنطاكية، وحمص، وحلب، والشام، ولو أننا أيقظنا أناساً من قبورهم عاشوا هذا الاحتلال، وهذا القهر، وهذا الطغيان ماذا يقول ؟ انتهى المسلمون، لم يعد في أمل، فلو علموا أن هؤلاء الفرنجة رحلوا معناها في أمل، والآن الأعداء احتلوا، كم مضى على احتلالهم ؟ ستون عاماً تقريباً، خمسة وستون عاماً، الفرنجة جلسوا تسعين عاماً وانتهوا، التتار اقتحموا هذه البلاد، يقول لك: برج الروس، هل أنت منتبه لمعنى الاسم ؟ هولاكو بنى برجاً من الجماجم خمسين ألف جمجمة كانت على شكل هرم، هذا هو برج الروس في منطقة القصاع، جاء على هذه البلاد طغاة، تيمورلنك، هولاكو، التتار، الفرنجة، الفرنسيون، ورحلوا في النهاية، والإسلام باقٍ، والإسلام شامخ، أهم شيء ألا ننهزم من الداخل، الله له امتحانات عديدة، من أصعب امتحاناته حينما يقوي الكافر، يفعل ما يريد، يملي إرادته على كل الشعوب، معه قوة كبيرة جداً، يملي عولمته، يملي إباحيته، يملي ثقافته، يمنع الثقافات الدينية، حينما يقوي الله الكافر لحكمة يريدها، يقول ضعيف الإيمان أين الله ؟ هذا امتحان صعب جداً، ففي مثل هذا الامتحان الصعب ينبغي أن يكون جزء من الدعوة إلى الله بث الأمل في النفوس، يعني بعد تسعين سنة صعد الخطيب المسلم منبر المسجد الأقصى، وألقى خطبة اهتزت لها رمال البيض، بدأ بخطبته:

 

﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) ﴾

 

(سورة الأنعام )

 نرجو الله سبحانه وتعالى أن يقطع دابر هؤلاء مرة ثانية.

 

اليأس دليل الكفر والجهل:

 

 اليأس دليل الكفر، اليأس دليل الجهل، اليأس هو يأس من رحمة الله.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

( سورة آل عمران )

  وقال:

 

﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140) ﴾

 

( سورة آل عمران)

  لمَ لم يجعل الله المؤمنين أقوياء على مدى التاريخ ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140) ﴾

 

( سورة آل عمران)

  لو كان الأمر كلك لأصبح أهل الأرض منافين للمؤمنين، لكن في وقت إن أعلنت إسلامك تحاسَبْ ومع ذلك أنت مسلم، هناك علماء يقولون: الإنسان يتدين عند الفقر فقط، أو عند المرض، أو عند القهر، هناك أناس أقوياء متدينون، هناك أناس أصحاء متدينون، هناك أناس أغنياء متدينون، فالله عز وجل يجعل الأيام دولة بين الناس:

 

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 140 )

 

مهمة الداعية والأب والمربي أن يبث روح التفاؤل والثقة بالله عز وجل:

 في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لم ينتصر في أحد، ولم ينتصر في حنين، فمن سنة الله الكونية أنه ينصر المؤمنين تارةً والكفار تارةً أخرى، نحن جاء ترتيبنا في الحياة الكفار أقوياء جداً، لذلك الأخبار من دون إيمان باليوم الآخر تسبب جلطة، يموت الواحد سريعاً من دون إيمان باليوم الآخر، الأخبار مزعجة جداً، لكن أنا مهمتي كداعية، مهمتي كمعلم، مهمتي كأب أن أبث روح التفاؤل والثقة بالله عز وجل، الأمر بيد الله وحده.

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (123) ﴾

( سورة هود الآية: 123 )

 هذا الطفل ينبغي أن يعتز بدينه، أن يرى أن الأمر بيد الله لا بيد زيد أو عبيد، الأمر بيد الله لا بيد وحيد القرن، بيد الله وحده، والله عز وجل حينما خلقني لم يسلمني إلى أحد، لماذا يأمرني أن أعبده، لماذا يقول لي:

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ َاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

 

( سورة هود الآية: 123 )

 لأن أمري بيده فقط لا بيد سواه، لو ذهبنا إلى بلد إسلامي، يعني أراد بعض من كان على سدة الحكم أن ينهي الإسلام كلياً، هل انتهى الإسلام ؟ لا، لم ينتهِ الإسلام لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ (32) ﴾

 

 

( سورة التوبة )


 أنت إذا رأيت إنساناً يحاول إطفاء الشمس بنفخة من فمه، بماذا تتهمه ؟ الشمس ! إذا كان من سابع المستحيلات، ولا واحد بالمليار، ولا واحد بمليار مليار مليَار مليار يمكن أن يطفئ الشمس، فكيف بإنسان يريد أن يطفئ نور الله عز وجل، الإسلام باقٍ، والإسلام يتنامى، وعظمة هذا الدين أنه كلما قمعته ازداد قوة.

 

 

الإسلام أسرع دين في النمو في العالم اليوم:

 والله حدثني أخ قال لي: والله جاءتنا كمية مصاحف، كمية غير معقولة، وجاهزة، محل كبير جداً بمركز إسلامي بأمريكا، وفي عندنا مشكلة، نحن في أمس الحاجة إلى مكان، هذه المصاحف ليس عليها طلب بالمرة، بعد أحداث أيلول لو عندنا عشرة أضعاف لم يبقوا، لو عندنا مئة لم يبقوا، إقبال على كتاب الله وعلى كتاب إسلامي بشيء لا يصدق.
 الآن أخواننا الكرام في الظاهر الإسلام يحارب في كل مكان، أما في الحقيقة الإسلام يتنامى في كل مكان، الآن أسرع دين في النمو في العالم هو الإسلام، كنت أستمع قبل يومين لإذاعة وأنا بمركبتي، أن الإسلام في فرنسا ثاني دين، ثلاثة وزراء مسلمين، خمسة أعضاء بالمجلس، بالبرلمان، والعالم الفلاني مسلم، والعالم الفلاني مسلم، والله شيء جميل، لكن هذا الذي يتكلم قال: وراقصة الباليه الفلانية مسلمة أيضاً، يعني يتباهى أنها مسلمة، لم ينتبه إلى ما يقول، بفرنسا الدين الثاني، بأمريكا في عشرة ملايين مسلم يتزايدون، لا يوجد دين ينمو بسرعة كالإسلام، يقدم لك صورة دقيقة متناسقة عن الكون والحياة والإنسان، يعطيك منهجاً موضوعياً، منهجاً لا يقوم على التعصب، منهج الإسلام إنساني، ليس عنصرياً، يعني أحياناً أنت تؤخذ بدولة تعتني بشعبها عناية تفوق حد الخيال، لكنها تذبح الشعوب، هل تحترمها ؟ لا والله، هذه دولة عنصرية، يزرع للكلب مفصل، الآن عندنا زراعة مفصل شيء غالٍ جداً، يعني بمئات الألوف، المفصل ثمنه مئة ألف، يزرع للكلب مفصل، يزرع للكلب سن، يبدل شريان لقلب كلب، للكلب طبيب نفسي لأن معه كآبة.
 دخل واحد إلى سوق، سوق فخم جداً، لم يصدق هذه المعلبات الفخمة، فملأ سلته من هذه المعلبات، وهو يحاسب، سألته الموظفة: أعندك كلب ؟ قال: لا، قالت: أرجعه هذا كله طعام للكلاب.
 في تفوق كبير، فينبغي أن تبث في روح أولادك إن كنت أباً، وروح طلابك إن كنت معلماً، وروح أخوانك إن كنت داعية أن هذا الإسلام هو دين الله، وأن الله لا يتخلى عنه أبداً، وأنه ينصره بطريقة عجيبة.

يجب ربط الطفل بالدعوة لأن أحد أساليب كيد الشيطان تحطيم المثل كلها و ذلك بـ:

 

 لابدّ من أن تربط ابنك ربطاً دعوياً.

1ـ يجب أن تعري هذه الحضارة الإباحية التي أساسها المال والجنس:


 أولاً: يجب أن تعري هذه الحضارة، يعني مثلاً أنا قرأت في الانترنت أن سفير دولة عظمى هي قطب العالم الأول، سفيرها في بوخارست لا بد من أن يقام له حفل لوداعه وإعطائه أوراق الاعتماد ليقدمها للدولة التي هو فيها سفير، والعادة أن هذا الحفل مختلط، يعني المدعو مع زوجته، فالمفاجأة أن هذا السفير لدولة عظمى معه شريكه الجنسي، رجل شاذ، فهذا ينبغي أن يعرى، لا بد من أن تقول: الوزير الفلاني يقول عن نفسه أنه شاذ جنسياً، لا بد من أن تعري هذه الحضارة، حضارة إباحية، حضارة أساسها المال والجنس، يعبدون المال والجنس من دون الله، هذه الحضارة، هذه الحضارة صالحة للدنيا فقط، عند الأغنياء من الناس، لا عند الضعفاء والفقراء، لكن الذي يفعل فعلهم سوف يلقى حساباً عسيراً يوم القيامة.
 شيء ثانٍ: ماذا يعني أن تربط هذا الطفل إن كان طالباً في المدرسة، أو كان ابناً في البيت، أو كان طالب علم في المسجد، ماذا يعني أن تربطه بالدعوة، يعني لا بد من قدوة، لا بد من مرجعية، لذلك أحد أساليب كيد الشيطان تحطيم المثل كلها، يعني في محطات فضائية بالنهاية ما في إنسان إلا خائن، ما في إنسان إلا عميل، هذه المحطة تُمَوَّل بمال الموساد من أجل تحطيم المثل، لا يبقَ مثل أعلى، لا بالحقل السياسي ولا بالديني ولا أبداً، كله سلسلة فضائح، فما لم يكن للمجتمع رأس مرجعية، قدوة.
 أنا أضرب مثلاً من واقع الحياة، أب جالس فجاء ابنه الصغير وقال له: بابا هكذا قالت المعلمة، فقال الأب: معلمتك لا تفهم، أنا أقول أن الأب قد أجرم بحق الابن فهي معلمته، الطفل يشاهد معلمته كبيرة جداً، الأب لم ينتبه، هذه القصص كثيراً ما تحدث، لا ينتبه يسب فلاناً، يسب فلاناً والأب مرتاح، أنت حطمت مُثلاً، أنا لا أقول لك المعلمة معصومة، لا، ولا المعلم معصوم، أحياناً قد يكون شاباً طائشاً شارداً غارقاً بالمعاصي والآثام، الله يهديه لجامع، أي جامع أنتم ؟ الجامع الفلاني لا يفهمون شيئاً، هؤلاء كلهم مجانين، هكذا حطمه، والله في آباء يتكلمون كلمات والله هي كلمات الشيطان دون أن يشعروا، أنا لا أضرب أمثلة كثيرة لكن فهمكم كفاية، تحطيم المثل كلها من عمل الشيطان، في أناس صالحون، في أناس مخلصون، وفي أناس كرماء، وفي أناس ورعون، وفي أناس منضبطون، تقول لا أحد جيد ؟ هذا كلام فارغ، كلام الشيطان، أنا بهذا لا أدافع ولا أمدح لكني لا أصدق أن تخلو الأرض من صالح، ولا تخلو الأرض من جهة مخلصة، ولا تخلو الأرض من جهة مضحية، بكل زمان من قال: هلك الناس فهو أهلكهم، هو أشدهم هلاكاً، هم ليسوا هالكين، لكن أهلكهم هو.

 

ما جرى من أحداث جسام في هاتين السنتين أعاننا على أن نكفر بالطاغوت:

 

 يا أيها الأخوة ربط الطالب في المدرسة، والابن في البيت، وطالب العلم في المسجد، ربطه أولاً بالدعوة الإسلامية، هذه الدعوة تقوم على تعرية الطرف الآخر، لا بد من هدم قبل البناء والدليل:

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

( سورة البقرة )

  أساساً ما جرى من أحداث جسام في هاتين السنتين من أجل أن نكفر بالطاغوت، لأن الطاغوت كان بيننا وبين الله، كان حجاباً بيننا وبين الله، لقد أعانونا على أن نكفر بهم، وهذا أكبر إنجاز، أعانونا على أن نكفر بهم، لقد سقطوا في الوحل، هذا أول شيء أن تعري الطرف الآخر الطرف الكافر.

 

2ـ يجب أن تبث روح الأمل:

 الشيء الثاني: أن تبث روح الأمل، التتار دحروا، والفرنجة دحروا، والفرنسيون دحروا، وكل طاغية له بضعة أيام وتنتهي، والكتلة الشرقية انتهت، بمعجزة انتهت، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن تتبعها هذه الجهة الغربية أيضاً لتكون عبرة للناس، يعني الله عز وجل لا يسمح لأحد أن يتأله، لا يسمح لأحد أن يقول:

 

 

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

 

( سورة النازعات )

 لا يسمح لأحد أن يقول:

 

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) ﴾

 

( سورة القصص)

الأخطاء الفاحشة لا تأتي إلا من اجتهاد شخصي:

 في جهة بشرق آسيا عندها سلاح نووي، طردت المفتشين ونزعت الكاميرات، وقالت: عندي سلاح نووي، ولن ألغيه وافعلوا ما شئتم، انضمت إليها دولة عظمى فأصبحت في وضع محرج الآن، يعني ما في إنسان يتأله الله كبير.
 فيا أيها الأخوة بث روح الأمل، الله عز وجل:

﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) ﴾

( سورة الكهف )

  وقال:

 

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

 

( سورة إبراهيم )

 وقال:

 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) ﴾

 

( سورة آل عمران )

  الشيء الثاني: التعرية، وبث روح التفاؤل، ثم الربط بمرجعية معينة، الإنسان له مرجع، الأخطاء الفاحشة من أين تأتي ؟ من اجتهاد شخصي.

 

(( الجماعة رحمة، والفرقة عذاب ))

 

[ رواه الإمام أحمد والطبراني عن النعمان بن بشير]

(( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ))

[أخرجه أحمد والترمذي والحاكم عن عمر ]

(( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))

[رواه أبو داود عن أبي الدرداء ]

على الأب الواعي ألا يحطم المُثل العليا أمام أولاده:

 ليس من صالحك أيها الأب أن تحطم المثل أمام ابنك، لو في خطأ من المعلم اجعله بينك وبينه، اذهب إليه، والتمس منه أن لا يفعل هذا مع ابنك، أما كلما بلغك عن معلم، أو عن داعية، أو عن مرشد شيء ما راق لك، أو نقل لك خطأ، أو لم تستوعبه، ألقيت عليه حمماً من السباب والشتائم، أنت ماذا فعلت ؟ أنت حطمت المرجعية، حطمت المثل الأعلى، أنا لا أدافع عن هؤلاء الذين يخطئون، أنا دقيق جداً، لا أدافع عنهم لكن لا أرضى عن هذا السلوك، كلما نقل لي خبر ما راق لي أصب جام غضبي على هذا الإنسان.
 شيء آخر مثلاً الطبيب يظهر أنه إنسان أولاً، دخل الجامعة بمجموع عالٍ جداً، معناها على مستوى عالٍ من الذكاء، ودخله كبير، ويسمح له دخله أنه يكون بيته فخماً، ومركبته جيدة وله مكانة، ودكتور ودَكتور، فكلما سألت طفلاً بالحضانة: ماذا تتمنى أن تكون في المستقبل ؟ يقول لك: دكتور، المجتمع يقدِّر هذه المهنة.
 مرة موجه تعليم ابتدائي ذهب إلى بلدة حدودية، فحسب السؤال التقليدي سأل أحد الطلاب قائلاً: يا بني أنت ماذا تحب أن تكون حينما تكبر ؟ قال له: مهرب يا أستاذ، يبدو المهرب هناك ذو شأن كبير.
 هذا الطفل ما الذي يطمح إليه ؟ أنت حينما تربطه بالدعوة ربما قال لك: أحب أن أكون داعية يا أستاذ، إذا ربطته بالدعوة ورأى الدعاة شخصيات فذة، شخصيات نزيهة، واعية جداً، مطبقة جداً، مخلصة، بعيدين عن الدنيا، همهم نشر هذا الدين، حمل هم المسلمين، في أناقة، في ثقافة عصرية، في فهم، في لطف، يعني أنا أقول لكم هذه الكلمة سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم، سيد الرسل، يوحى إليه، معه المعجزات، خاتم الأنبياء والمرسلين، أجمل خلق الله أجمعين، أفصح خلق الله أجمعين، أشدهم خشية لله، أشدهم رحمة لله، وهو على كل هذه الخصائص والميزات والفضائل قال له: يا محمد:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) ﴾

( سورة آل عمران)

 على كل هذه الخصائص، فإذا كان واحد لا هو نبي، ولا رسول، ولا معه وحي، ولا معه معجزات، ولا هو فصيح، ولا هو جميل، ما عنده رحمة، وغليظ، لمَ هذه الغلظة ؟!! ذلك أن أنصاف الدعاة تختلط عندهم أخلاق الدعوة مع أخلاق الجهاد في سبيل الله.

الله تعالى أمر نبيه الكريم بالشدة والغلظة في ساحة المعركة وباللين واللطف في الحياة المدنية:

 الله عز وجل قال:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) ﴾

( سورة التوبة الآية: 73 )

  هذه أين ؟ في ساحة المعركة، في ساحة المعركة ما في عفواً أكون قد أزعجتك للعدو، أرجو أن تسامحني، في قتل، ساحة المعركة

﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

 هذا في ساحة المعركة فقط، أما في الحياة المدنية:

 

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾

 

[سورة فصلت]

(( من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ))

[ أخرجه البيهقي عن ابن عمرو ]

  قال تعالى:

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) ﴾

 

( سورة آل عمران)

  قال تعالى:

 

﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) ﴾

 

( سورة طه )

  فرعون وما أدراكن ما فرعون، الذي قتل أبناء بني إسرائيل، الذي استحيا نساءهم، الذي قال:

 

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

 

( سورة النازعات )

  الذي قال:

 

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) ﴾

 

( سورة القصص الآية: 38 )

بعض النصوص القرآنية عما يجب أن تكون عليه أخلاق الدعوة:

 قال تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ﴾

( سورة طه )

  قال تعالى:

 

﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ (22) ﴾

 

( سورة النور)

  ثم يقول الله عز وجل:

 

﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (22) ﴾

 

( سورة النور)

 أخلاق الدعوة غاية اللطف، غاية الود، غاية التواضع.

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) ﴾

 

( سورة سبأ )

بعض وصايا القرآن الكريم للداعية في التعامل مع غير المسلمين:

 الآن مع الطرف الآخر، دققوا:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة الآية: 7 )

  الطرف الآخر ينبغي أن تزوره، أن تقدم له هدية، أن تهنئه بالمولود، أن تعاونه، فإن كان غير مسلم ! هكذا القرآن:

 

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 7 )

 قال تعالى:

 

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) ﴾

 

( سورة الممتحنة )

  هذه آية ثانية:

 

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾

 

( سورة المائدة )

ليس في الأرض من هو أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً:

 هذه أخلاق الدعوة، الداعي كله لطف وأدب وتواضع وموضوعية ومسامحة وعفو، فينبغي أن تظهر فضيلة الدعوة إلى الله، ينبغي أن تعلم أبناءك، وأن تعلم طلابك، وأن تعلم أخوانك، أنه ما من إنسان أعظم عند الله على الإطلاق:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

( سورة فصلت )

 والدليل آية:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً ﴾

 أي ليس في الأرض من هو أفضل عند الله:

﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

(( فَوَ اللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن سهيل بن سعد رضي الله عنه ]

(( لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ]

 ينبغي أن تبين لهذا الطفل حتى لا يقول: أريد أن أصبح مهرّباً، بل يقول: سأصبح داعية، يجب أن تبين له عظم هذه المهمة.
 أخواننا الكرام، بشكل دقيق جداً هذا أهم ما في الدرس، الحقيقة هناك دعاة إلى الله متفرغون ومتعمقون ومتبحرون، هؤلاء تحت قوله تعالى:

 

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ (104) ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 104 )

لن تكون مسلماً حقاً إلا إذا دعوت إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف:

 لكن هناك دعاة ليسوا متفرغين ولا متعمقين ولا متمكنين، هؤلاء طلاب العلم، هؤلاء يجب أن يكونوا دعاة إلى الله ولكن في حدود ما يعلمون ومع من يعرفون، هذه الدعوة إلى الله هي فرض عين على كل مسلم، الدليل:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

( سورة العصر )

 التواصي بالحق أحد أركان النجاة.

 

(( بلغوا عني ولو آية ))

 

[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

  إذاً ينبغي أن تبين لابنك أو لطالبك أو لأخيك في المسجد، لن تكون مسلماً حقاً إلا إذا دعوت إلى الله " بلغوا عني ولو آية " في حدود ما تعلم ومع من تعرف.
 إذا حضر أحدكم خطبة وتأثر فيها لو جعل لقاءاته مع أقربائه مع أصدقائه مع جيرانه في هذا الأسبوع موضوع اللقاء هذه الخطبة، نشر الحق، كلما نمت دوائر الحق ضيَّقتْ على دوائر الباطل، وكلما نمت دوائر الباطل ضيقت على دوائر الحق.
 لكن أيها الأخوة، والله هذه كلمات مهمة جداً، لا يمكن أن تكون داعية جاهلاً، ما لك متمكن، قال له طلعوا على الشمس، كلهم يتكلمون بالعلم، وأنا أحكي بالعلم، قال له طالب: سيدي الشمس لسان اللهب طوله مليون كم، كيف طلعوا على الشمس ؟ قال له: بالليل طلعوا.
 يجب أن تكون متمكناً من العلم الذي تلقيه، بالعلم ما في حل وسط يجب أن تكون متمكناً من العلوم الدينية والعصرية، أما طالب متفوق يقول لك عما يخبص، كل أرقامه غلط، ما له فهمان الموضوع، انتهيت عنده أنت، لو كنت ولياً انتهيت عنده، فكل داعية ينبغي أن يكون عالماً لكن ما كل عالم بداعية، الدعوة فن، لكن موادها الأساسية العلم، الدعوة كسوة بناء، قد يكون رخاماً، قد يكون بلوراً، قد يكون، أما الأساس هيكلها الأسمنتي، هذا هو العلم، ممكن العلم ينقل بأسلوب أدبي، بقصة، بفكرة بحكمة، بتسلسل معين، بلغة فصيحة، بعبارات أدبية ممكن، الدعوة يمكن أن تلبس ثوباً أدبياً جميلاً، أما لا بد للداعية من أن يكون عالماً.

 

على الداعية أن يطبق علمه بعد أن يكون عالماً:

 

 

 الشيء الثاني، لا بد للداعية بعد أن يكون عالماً أن يكون مطبقاً لعلمه، حدثني طالب علم شرعي سمع درساً عن التواضع، يعني شيء رائع جداً، تسلسل الموضوع والآيات والأحاديث والسيرة، وشيء من أفعال الصحابة، وشيء من العلماء، محاضرة قيِّمة جداً، بعدما انتهت المحاضرة، الذي ألقى المحاضرة جلس جلسة كبر، هذه المحاضرة سقطت، لأن الذي تحدث عن التواضع لم يكن متواضعاً، فلا بد من أن تكون عالماً، وأن تكون مع العلم عاملاً، عالماً عاملاً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾

( سورة الصف )

 وقال:

 

﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (44) ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 44 )

  قال له: أثناء الأذان شربت، قال له: لقد فطرت، عليك إعادة صوم هذا اليوم، فلمحه وهو يشرب أثناء الأذان، قال له: في فتوى، يجب أن تأخذ بالعزائم وأن تفتي بالرخص، ليس العكس، ليست الرخص لك والعزائم للناس، يجب أن تأخذ بالعزائم وأن تفتي بالرخص.
 الآن أن يكون المنكر مجمعاً على إنكاره، يعني أنت مثلاً تعتقد أن مس يد المرأة يفسد الوضوء، عند أختك مثلاً قام صهرك ليصلي مس يد زوجته وهي تناوله شيئاً ما، تقول له: صهري عليك إعادة الوضوء، أنت شافعي هو ليس شافعياً، لا تنكر إلا ما أجمع العلماء على إنكاره، إذا في أراء مختلفة، قضية خلافية لا ينبغي أن تنكرها، هذا خطأ كبير جداً، هو يعتقد أن هذا الشيء سنة مؤكدة، بغير مذاهب سنة عادية، فإذا رأى إنساناً ليس على شاكلته ينكر عليه أشد الإنكار، ضيق أفق، تفرقة بين المؤمنين.

 

على الداعية أن يسكت أحياناً عن بعض حقوقه حفاظاً على الدعوة:

 

 

 قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (159) ﴾

( سورة الأنعام الآية: 159 )

  لا تنكر إلا ما أجمع المسلون على إنكاره، أما قضية خلافية ينبغي ألا تنكرها، وأن يكون الداعية إلى الله لطيفاً، رقيقاً، رقيق الحاشية، لطيف المعشر، يألف ويؤلف:

 

(( ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ))

 

[الحاكم والبيهقي والخطيب عن أبي هريرة]

 يعني مثلاً وهو يتعلم التجويد الغنة لم يعرف كيف يلفظها جيداً فإذا بمن يعلمه يضربه، هذا لا يجوز، لا يجوز أن تستخدم العقاب الجسدي إذا لم تتقن حكماً بالتجويد:

 

(( علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))

 

[ أخرجه الحرث ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة ]

  هذا الداعية أيضاً يجب أن يصبر على الأذى، للإنسان حقوق، أحياناً يجب على الداعية أن يسكت عن بعض حقوقه حفاظاً على الدعوة.
 أيها الأخوة أعيد وأكرر إن أردت لهذه الأمة أن ترتقي، إن أردت لهذه الأمة أن تنهض يجب أن تربط هذا الجيل لا بلاعبي الكرة، ولا بالممثلين ولا الممثلات الأحياء منهم والأموات، يجب أن تربطه بالدعاة، وبأصحاب رسول الله، وبالعلماء العاملين، وأبطال الأمة الميامين، هذا هو الربط، فيجب أن تربط ابنك بالدعوة حتى إذا كبر أو حتى إذا أصبح رجلاً يطمح أن يكون داعية.
 إن شاء الله في اللقاء القادم والدرس القادم نتحدث عن ربط الطفل بقواعد الرياضة وقواعد الصحة العامة لأنها أساس الجسم السليم الذي هو وعاء للعقل السليم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور