وضع داكن
20-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 40 - وسائل تربية الأولاد -10- صفات المربي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
 أيها الأخوة الكرام لازلنا في سلسة تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في القسم الثاني منها، ولقد أنهينا في الدروس السابقة بفضل الله عز وجل الوسائل الفعالة في تربية الأولاد من القدوة الصالحة، إلى التعويد والتلقين، إلى الملاحظة، إلى العقوبة، إلى الوعظ والإرشاد.

الإخلاص من الصفات الأساسية للمربي:

 ها نحن ننتقل إلى صفات المربي، ننطلق من قاعدة تربوية أساسية أن فاقد الشيء لا يعطيه، لا تنتظر أن يكون المتعلم على خلق إن لم يكن هذا الخلق موجوداً عند المعلم، لذلك نبدأ بصفات المربي الأب، أو المعلم، أو من تصدى لتربية الأجيال، ينبغي أن يعلم علم اليقين أن نجاحه في عمله لا يتحقق إلا إذا كان متصفاً بصفات أساسية، منها الإخلاص.
 حينما يخلص المعلم أو الأب في تربية ابنه أو تلميذه فالله سبحانه وتعالى يلهمه الأساليب الفعالة، يجب أن تعتقد دائماً أن الإنسان ضعيف، وفقير، وجاهل، لكن إذا استعان بالله ألهمه الله رشده وصوابه، ما من إنسان نجح في تربية أولاده، وما من معلم نجح في تربية تلاميذه، وما من شيخ نجح في تربية أخوانه إلا لأنه أخلص في خدمتهم، ثمن إخلاصه أن الله يلهمه الصواب.
الله عز وجل قد يؤتي الحكمة، وقد يعلمك كيف تؤثر بمن حولك، وقد يعطي لكلامك قوة تأثير لا يعلم سببها، نحن أحياناً نجد إنساناً لا يملك وسائل تربية، لكن تقواه وصلاحه وإخلاصه لله ألهمه الله رشده.
 ثمة قصة لا أستطيع أن أذكر تفاصيلها، لكن إنساناً يعمل في أقل عمل تتصوره، ينقل الرمل والأسمنت على ظهره، وهو غير متعلم، مر أمام مسجد، وسمع درس علم، فطرب له، تمنى أن يحوز شريطاً لهذا الدرس، فلما حاز هذا الشريط كأنه ملك الدنيا، بدأ يسمعه، ثم حاز بعض الأشرطة، هو يعمل حيناً في لبنان، ثم ينتقل إلى بلده في أقصى الشمال الشرقي من بلدنا، بدأ يدعو إلى الله بحسب ما سمع، واستمر في الدعوة، فإذا لفيف كبير حوله، وإذا به يُلهم أساليب ناجحة جداً في تربية من حوله، ثم بدأ يقطف ثمار هذه الدعوة، طبعاً على مدى سنوات عديدة، قد تقترب من عشر سنوات، مرة التقيت به، وأصغيت إلى قوله، وإلى أساليبه في الدعوة، والله الشيء الذي لا يكاد يصدق أن الأساليب التي ألهمها يفتقر إليها كبار الدعاة، ثم طلب العلم، وطلب العلم، وهو الآن على مشارف التخرج من مدرسة تعلم العلم الشرعي.

العمل الصالح مقيد بأن يرضى الله عنه:

 أنت حينما تخلص تأتيك طاقات كبيرة جداً، في الأساس لا تملكها، لكن هذه الطاقات التي مكنك الله منها، والتي زودك الله بها هي إكرام إلهي لإخلاصك الشديد، لذلك أول صفة من صفات المربي أن يخلص، القاضي إذا أخلص يلهم الصواب، المعلم إذا أخلص يلهم الصواب، الطبيب إذا أخلص يلهم تشخيص الداء التشخيص الصحيح، ثم وصف الدواء الجيد، المحامي إذا أخلص، أخذ الحق من الظالم، يُلهم المرافعة التي تقنع القاضي، هذه قاعدة من أجلّ القواعد، أنك إذا أخلصت كان الله معك، إذا أخلصت ألهمك رشدك، إذا أخلصت منحك الحكمة، إذا أخلصت أعطاك الوسائل الفعالة لتحقيق أهدافك، هذا كلام عام، إذا أخلصت في الكسب الحلال يلهمك الله الأساليب الفعالة في كسب المال الحلال، إذا أخلصت في أن تحصن نفسك من الحرام ألهمك الله أساليب كسب المال، وأساليب اختيار الزوجة، فإذا أنت بعد حين حققت المراد الذي كنت تسعى إليه.
 أيها الأخوة قال تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ (5) ﴾

( سورة البينة الآية: 5 )

 بالمناسبة أحد كبار العلماء يقول: " العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به الله، وصواباً ما وافق السنة "، وكلاهما شرط لازم غير كافٍ، يعني أنت لا يمكن أن يقبل عملك إلا إذا جاء وفق السنة كما إنه لا يقبل عملك إلا إذا كان مخلصاً، إن أخلصت ولم يكن عملك وفق السنة لم يقبل العمل، وإن جاء عملك وفق السنة ولم تكن مخلصاً لم يقبل العمل، لذلك قال تعالى في بعض أدعية القرآن الكريم:

 

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

 

( سورة النمل الآية: 19 )

 العمل الصالح الذي طلبه النبي الكريم مقيد بأن يرضى الله عنه.

 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

 

( سورة الكهف )

علامات الإخلاص:

 أيها الأخوة الإخلاص هذا بينك وبين الله، لا يطلع عليه أحد من أهل الأرض، لكن العمل إذا رافقه الإخلاص يقبل كثيره وقليله، والعمل إن لم يرافقه الإخلاص لا يقبل لا قليله ولا كثيره، درهم أنفق في إخلاص خير من مئة ألف درهم أنفق في رياء.
 سمعت أن إنساناً صلى أربعين عاماً في الصف الأول في صلاة الفجر وراء الإمام، وفي يوم سها، فتألم ألماً شديداً، وقال: ماذا يقول الناس عني ؟ انتبه، ماذا يقول الناس عني ؟ معنى ذلك أن هذه الصلوات في المسجد ليس فيها إخلاص، الهدف أن يكسب مكانة فيمن حوله.

1ـ أول علامات الإخلاص أن يكون عملك في السر كما في العلانية:

 ليس غريباً أن تعلموا أن علامة الإخلاص ألا يختلف عملك في السر والعلانية، عملك في خلوتك كعملك في جلوتك، إتقان عبادتك في خلوتك كإتقان عبادتك في جلوتك.
 من علامة الإخلاص أن العمل الذي تعمله لا يزداد بالمدح، كما أنه لا ينقص بالذم، إذا كنت مخلصاً فلا يزداد العمل الصالح بالمدح، كما أنه لا ينقص بالذم، المدح والذم لا يؤثران في عملك لأنك تبتغي وجه الله، ولا يختلف العمل لا في الخلوة ولا في الجلوة، يبقى كما هو.

 

2ـ عدم ازدياد العمل بالثناء وعدم نقصانه بالذم:

 العلامة الأولى عملك في السر كما في العلانية، في العلانية كما في السر، لا يختلف العمل بين السر والعلانية، بين الجلوة والخلوة، كما أن العمل لا يتأثر بالمديح، ولا يتأثر بالذنب، إذاً أنت مخلص.

 

 

3ـ حينما تكون مخلصاً فعملك الذي يرفع إلى الله يعود من الله ثوابه سكينة في قلبك:

 الشيء الآخر أنك إذا كنت مخلصاً حقيقةً، فهذا الإخلاص يتيح لك أن تقبل على الله، إقبالك على الله يعني أن الله سيتجلى عليك، لذلك المخلص كأنه قبض أجرته، سعيد، أما الذي يعمل أعمالاً صالحة ويقول: يا أخي الناس لا يتأثرون، الناس ما فيهم خير، لا يشكرون، معنى ذلك أنك تنتظر شكرهم،  وتنتظر ثناءهم ومديحهم، كما قلت: حينما تكون مخلصاً فعملك الذي يرفع إلى الله يعود من الله ثوابه، والثواب: من ثاب أي رجع، ماذا يرجع من الله إذا رفع العمل إليه ؟ يرجع سكينة في قلبك، هذه علامة الإخلاص.

 

 

التقوى أي طاعة الله هي الصفة الثانية التي يجب أن يتحلى بها المربي:

 

 

 

إذاً عدم تأثر العمل بين السر والعلانية، عدم ازدياد العمل بالثناء، وعدم نقصانه بالذم، شعور الإنسان المخلص أنه قبض أجرته من الله، لذلك لا ينتظر ثناء أحد، ولا مديح أحد، ولا يعلق كبير أهمية على ذم الناس له، فمن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
 الحقيقة الصفة الثانية: التقوى أي طاعة الله، إخلاص وطاعة، كما يقول العلماء الربانيون: ألا يراك الله حيث نهاك، وألا يفتقدك حيث أمرك، أنت عند الأمر والنهي، أنت وقاف عند كتاب الله.
 يروى أن حواراً جرى بين سيدنا عمر بن الخطاب وأبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال: بلى، قال: فما عملت ؟ قال: شمرت، واجتهدت، قال: كذلك التقوى.
 من توهم أن الطريق إلى الله طريق مفروش بالرياحين والزهور فهو مخطئ، الطريق إلى الله طريق محفوف بالمكاره، طريق القمم طريق صعبة.

(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، ثَلَاثاً، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

[أحمد عن ابن عباس]

 سميت طاعة الله تكليفاً، لأن التكليف ذو كلفة:

 

((أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، ثَلَاثاً، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

 الاسترخاء، وأن تعطي نفسك ما تريد وما تشتهي، هو طريق النار، عمل النار سهل بسهوة، وعمل الجنة حزن بربوة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

 

(( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))

 

[ مسلم عن أبي سعيد ]

 مرة افتتح مسجد في بعض أطراف دمشق، ودعي إليه علماء دمشق، وألقوا كلمات رائعة في هذا الحفل، وتناولوا الطعام، وخرجنا من هذا، في الضفة الثانية من الطريق ملهى ـ والعياذ بالله ـ فيه كل أنواع الموبقات، مسجد في طرف، وملهى في طرف، الذي أسس الملهى مات بعد أسبوع من افتتاحه، والذي أسس المسجد استقبل هؤلاء المدعوين ووجهه كله بشر، أنا خرجت من الحفل قلت: سبحان الله ! لو وقف هذان الرجلان أمام الله عز وجل، الأول أراد إفساد الناس وحملهم على الزنا والخمر والموبقات، والثاني أراد تعريف الناس بالله من خلال هذا البيت العظيم الذي بناه لله.

 

الإنسان حينما قَبِل حمل الأمانة ميّزه الله بأن سخر الله له السماوات والأرض:

 

 أحيانا تجد قارئ قرآن توفي وقراءته تملأ الخافقين، ومغنِّياً توفي وأغانيه تملأ الخافقين، وكلاهما ميت، فلذلك:

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

[ أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هذا الذي له عمل صالح عند الموت ينقطع عمله فما قولكم بالذي ليس له عمل إطلاقاً ؟ سبحان الله ! في القرآن الكريم آيات دقيقة قال تعالى:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾

 

( سورة الملك )

 أحياناً نجري امتحاناً من أجل أن نعرف الناجحين من الراسبين، هناك رسوب ونجاح، لكن لو أن الطلاب جميعاً ناجحون، الامتحان مهمته أن نعرف المتفوقين، أن نعرف التفوق، فدائماً وأبداً ينبغي أن يكون التفوق هو الأصل، كل هذا الكون مخلوق من أجل الإنسان، فما خلق الله هذا الكون من أجل أن ترسب أو تنجح، من أجل أن تتفوق.
 بالمناسبة لأنك إنسان أنت متفوق، والدليل حينما قال الله عز وجل:

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 72 )

 أيْ إن الإنسان قبل حمل الأمانة، إذاً ميزه الله، فلما قبل حمل الأمانة سخر الله له السماوات والأرض، لماذا الإنسان متفوق ؟ لأنه بإمكانه أن يعصي الله فلم يعصه، لماذا يثاب الصادق ؟ لأنه بإمكانه أن يكذب فلم يكذب، لماذا يثاب الأمين ؟ لأنه بإمكانه أن يخون فلم يخن، لماذا يثاب العفيف ؟ لأنه بإمكانه أن يزني فلم يزنِ ينقلنا هذا إلى موضوع الأمانة.

 

أكبر سببٍ لدخول الجنة طاعة الله وحسن الخلق:

 

 

 إذا وضعت مئة ألف عند إنسان، وكتب لك إيصالاً دقيقاً، هذا المبلغ ليس أمانة، هذا إيداع، لأن الذي أعطاك هذا الإيصال يمكن أن تقاضيه، لو شاهدت عليه شاهدين، أما حينما يعطيك مئة ألف، ولا يأخذ منك إيصالاً، وأنت بإمكانك أن تعطيه أو لا تعطيه، فأعطيته، أنت إذاً أمين، هذه الأمانة، أنت مخير، الآن بإمكانك أن تأتي إلى ملهى أو إلى مسجد، بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي، بإمكانك أن تغض البصر أو أن تطلق البصر، بإمكانك أن تطلب العلم أو تطلب الجهل:

(( سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النّاسَ الْجَنّةَ، قالَ: تَقْوَى الله، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ))

[ رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أكبر سببٍ لدخول الجنة طاعة الله وحسن الخلق، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ ))

 

[ رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ]

 طاعة الله وحسن الخلق، والحديث الصحيح عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

 

(( اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ))

 

[ رواه الترمذي عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهما]

 إذاً تقوى الله هي معين المعلم، الأب المستقيم هو أب مربٍّ ناجح، لأن استقامته دعوة، المعلم المستقيم استقامته دعوة، معه وسائل النجاح، إذاً الإخلاص والاستقامة، هذان الشيئان الأساسيان في نجاح العلمية التعليمية والتربوية.

 

بطولة الأب والمعلم لا في الابن الناجح بل في الابن المقصر:

 

 

 قال عليه الصلاة والسلام:

(( اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم ))

[ رواه الطبراني عن النعمان بن البشير رضي الله عنه]

 الأب العادل له مكانة، أما إذا انحاز إلى أحد أولاده، أو انحاز إلى ولد من زوجة دون ولد من زوجة أخرى سقطت مكانته، العدل أساس الملك.
 رئيس جمهورية فرنسا حينما انتخب، خطب أقصر خطاب في تاريخ فرنسا، قال: أنا أشكر من انتخبني، وأحترم من لم ينتخبني، وأنا لكل الفرنسيين، دقق في هذه الكلمة، هو أب لكل الناس.
 أنت كمعلم أنت لكل الطلاب، فإذا انحزت إلى مجموعة طلاب معينة، لعلاقات معينة، لانتماءات معينة، لأسباب معينة، للطلاب الأغنياء فرضاً، للطلاب الأذكياء، إذا انحزت لهم أنت فقدت العدالة، وحينما تفقدها تفقد قوة التأثير، أما حينما ترعى كل الأولاد وكل الطلاب، بصرف النظر عن مستوياتهم الاجتماعية، وعن مستوياتهم الاقتصادية، وعن انتماءاتهم، وعن اتجاهاتهم، ترعاهم جميعاً لك مكانة كبيرة.
 يروى أن النبي الكريم وقف في جنازة، فقيل: هو يهودي يا رسول الله، قال: أليس إنساناً ؟ معنى ذلك أن الإنسان أي إنسان ينبغي أن تحترمه.
 دخلنا في التفاصيل: معلم مع طلاب متفوقين، عينه عليهم، اهتمامه لهم، ابتسامته لهم، يقرأ وظائفهم، يثني عليهم، يهش لهم، يبش لهم، والطلاب الضعاف مهملون يُعرِض عنهم، عنيف معهم، قاسٍ عليهم، هذا ليس مربياً، هو الطالب الجيد لا يحتاج إلى كبير عناية، من هذا الذي يحتاج إلى كبير عناية الطالب السيئ، الابن الناجح لا يحتاج إلى عناية بالغة، بطولة الأب والمعلم لا في الابن الناجح، بل في الابن المقصر.
 أيها الأخوة الكرام الصفة الأولى هي الإخلاص، الصفة الثانية التقوى والصلاح والاستقامة والعدل والإنصاف والرحمة واللطف وغيرها.

 

التمكن من العلم هي الصفة الثالثة التي يجب أن يتحلى بها المربي:

 

 

 الصفة الثالثة هي العلم، أنت حينما لا تكون متمكناً من العلم، إن تكلمت خطأً، والذين تحدثهم أقل منك علماً ضحكت عليهم، وإن كانوا أكثر يقظة ضحكوا عليك، إن لم تكن متمكناً من العلم لا تنجح في تربية من حولك.
 أيها الأخوة الكرام التمكن من العلم أساسي جداً، يروى أن بعض العارفين أخطأ في كلمة في درس، فغاب سبع سنين حتى تمكن من العلم الذي أخطأ فيه، العلم ما فيه حل وسط، العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، بالتعليم، الأب غير متعلم، أحياناً الابن يكذب عليه، أما الأب المتعلم واليقظ الابن يخشى أن يكذب عليه.
 حدثني إنسان عن ابن يدرس في أوروبا، فبعث إلى أهله أنه نجح بتفوق، فرحوا وهنأ بعضهم بعضاً، عنده أخ له إمكانيات كشف الكذب، فتح موقع الجامعة بالإنترنت، وطلب الكلية، وطلب أسماء الناجين فلم يكن أخوه مع الناجحين، فالطالب يكذب، إذا كان في الإنسان سذاجة أو بساطة، والذي يتولى أمره كذب عليه، ضعفت مكانته، أما كلام سيدنا عمر رائع: " لست بالخبّ، ولا الخبُّ يخدعني ".
 المعلم ينبغي ألا يكون من الخبث حيث يَخدع، وألا يكون من السذاجة حيث يُخدع، الأب كذلك والمعلم كذلك، والآية الكريمة:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

( سورة المجادلة الآية: 11 )

 أخواننا الكرام عليكم بالإخلاص والتقوى والعلم، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمسُ فِيِه عِلْماً سَهّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لتَضَعُ أَجْنَحِتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ ))

 

[ رواه الترمذي عن أَبي هُرَيْرَةَ]

الحلم الصفة الرابعة التي يجب أن يتحلى بها المربي:

 

 الشيء المألوف أن تتعلم وأن تعلم، وهذه فريضة عين على كل إنسان، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( بَلّغُوا عَنّي وَلَوْ آيَةً ))

[ رواه الترمذي عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو]

 تعلمت شيئاً من درس علمه لمن حولك، لأن هذا الوهم أنني لا أستطيع أن أتكلم كلمة حتى أتقن العلم، لا، إذا سمعت معنى آية، أو معنى حديث، أو قضية إشراقية في الإسلام واستوعبتها وفهمتها انقلها إلى الآخرين، اطلب العلم وتعلم، ودائماً الإنسان يتعلم ويعلم.

 

(( ألاَ إِنّ الدّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاّ ذِكْرُ الله، وَمَا وَالاَهُ، وَعَالِمٌ، أَو مُتَعَلّمٌ ))

 

[ رواه الترمذي عن أَبي هُرَيْرَةَ]

(( مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ الْعِلْمِ كان في سَبِيلِ الله حَتّى يَرْجِعَ ))

[ رواه الترمذي عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ]

(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ))

[أخرجه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 أيها الأخوة الكرام مع الإخلاص، ومع التقوى، ومع العلم يوجد الحلم، وكاد الحليم أن يكون نبياً، المربي والمعلم والأب إذا كان غضوباً وقاسياً في كلماته لا يستطيع أن يربي أولاده، كما لا يستطيع المعلم أن يربي تلاميذه، قال تعالى:

 

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ﴾

 

( سورة آل عمران )

أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية عن الحلم:

 قال تعالى:

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) ﴾

(سورة الأعراف)وقال أيضاً:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾

( سورة فصلت )

(( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ ))

[الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 أوصى النبي بعض أصحابه ألا نغضب:

 

(( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ))

 

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

(( يَسِّرُوا، وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلَا تُنَفِّرُوا ))

[متفق عليه وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

(( يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ))

[مسلم عَنْ عَائِشَةَ]

(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))

[مسلم عَنْ عَائِشَةَ]

 كاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق، والصبر عند الصدمة الأولى.

 

الصفة الأخيرة التي يجب أن يتحلى بها المربي هي شعوره بالمسؤولية:

 

 آخر شيء من صفات المربي فضلاً عن إخلاصه، وفضلاً عن طاعته لله، وفضلاً عن علمه، وفضلاً عن حلمه، ينبغي أن يشعر بالمسؤولية، لأن الله سوف يسأله عن هؤلاء الصغار، يقول عليه الصلاة والسلام:

((... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا..))

[ البخاري عن عبد الله بن عمر ]

 يقول علي رضي الله عنه: "علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم."

 

(( ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا من نَحْلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ ))

 

[الترمذي عن سعيد بن العاص]

(( إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: حفظ أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.))

[ابن حبان عن أنس رضي الله عنه]

 إذا لم يلقح الأب ابنه وأصاب ابنه مرض عضال سوف يسأل، الأبوة مسؤولية، تلقيح الأولاد، العناية بصحتهم، أخذهم إلى طبيب مثلاً، متابعة العلاج، هذا من مهمات الأب.
 أيها الأخوة الكرام فاقد الشيء لا يعطيه، إن أردت أن تكون أباً ناجحاً، أو معلماً ناجحاً، أو موجهاً ناجحاً لا بد من أن تجمع الإخلاص، والطاعة لله، والعلم، والحلم، واستشعار المسؤولية، هذه صفات تؤهل المربي، وتؤهل المعلم، والأب، ومن يدعو إلى الله عز وجل، كي يدع بصمات واضحة في نفوس أخوانه وتلاميذه وأولاده وأصحابه.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور