- أحاديث رمضان
- /
- ٠13رمضان 1427هـ - صلاح الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة.
اليقين:
1 – معنى اليقين:
موضوع اليوم متعلق باليقين، سأوضح لكم معنى اليقين:
أَلِف المظليون إن أرادوا أن ينزلوا من الطائرات إلى الأرض بأن يستخدموا المظلة، لكن لو عرض عليك إنسان، وأنت مظلي جهازا صغيرا يرافقك في النزول ينتج منه بالون له مفعول المظلة هل تقبل ؟ يقول لك: لعله لا يعمل، فيكون الموت المحقق، فاليقين أن تثق بالشيء مئة بالمئة.
2 – حقائق الدين يقينيات لا شك فيها:
عظمة هذا الدين أن كل حقائقه يقينية، كل معادلاته قطعية، هو مجموعة يقينيات، لأنه من عند رب الأرض والسماوات، النبي عليه الصلاة والسلام أهدر دمه، واقتُرِحت جائزة بمئتي ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ومع ذلك يقول لسراقة: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ لأنه موقن أنه سيصل إلى المدينة، وسيؤسس دولة، وسيحارب أكبر دولتين في العالم، وسينتصر عليهما، وسوف تأتيه كنوز كسرى إلى المدينة، ولك يا سراقة سواري كسرى.
قضية اليقين قضية كبيرة جداً، أخ يعمل في شركة دخله قريب من خمسين ألف ليرة في الشهر، أو أكثر، وهناك خلل في العلاقات في هذه الشركة، علاقات محرمة، وكذب، و غش، ويجب أن يمر هذا الغش عن طريقه، أقسم لي بالله أنه ركل هذه الوظيفة بقدمه، وليس عنده بديل آخر، لكنه موقن أنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
موضوع اليقين أن الحقائق التي جاء بها الدين أن الآيات الكريمة الأحاديث الصحيحة وقوعها مئة في المئة، وقوع قطعي، لذلك نحن نتعامل مع نصوص القرآن الكريم، نتعامل معها من باب التبرك، لكن من منا يركل بقدمه تجارة تدر عليه الملايين لشبهة بسيطة، وليس عنده بديل آخر ؟ فإذا ركلها بقدمه اعتماداً على وعد الله له، عندئذ يكون من الموقنين.
أحياناً يجعل الله الحرام سهلاً وكثيرا ووفيرا، وبين يديك، وأنت مؤمن أنك إذا أطعت الله عز وجل فلن يضيعك، فترفض هذا الحرام، وليس عندك بديل، هنا اليقين.
أحياناً حينما تصدق قد تدمر، لا بد من أن تحلف يميناً على كتاب الله حتى تنجو من هذه الورطة، فالمؤمن لا يحلف، وهو موقن أنه في مقابل أنه خاف من الله، وخاف أن يضع يده على المصحف ليقول كلاماً غير صحيح، فاستسلم لله، فيأتي توفيق الله له، ويأتي نصره له.
موضوع اليقين في الأمور التعبدية القضية سهلة، تصلي، تصوم، تحج، لكن حينما يتعلق الأمر بمصيرك، أو بسلامتك، أو بدخلك، أو برزقك، وتطبق كلام الله عز وجل بحذافيره، ولا تعبأ بمصالحك ترى أن طاعة الله فوق كل شيء.
المسلمون يتعاملون مع القراّن والسنة تعاملا ضبابياً:
هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، أن الفتاة التي تبالغ في زينتها، تبالغ في إبراز مفاتنها، تتوظف في دائرة، يراها مئات الرجال كل يوم، هذه تتزوج قبل غيرها، هكذا الحياة، في الأعم الأغلب يعجب بها شاب في الدائرة فيخطبها إذا كانت متفتحة طليقة اللسان، عصرية، تحضر اجتماعات نسائية، قد تعجب بها أمٌّ فتخطبها، وتتوهم الفتاة الأخرى أن هذا الحجاب، وهذه القيود التي وضعها الشرع للمرأة هذه تمنع زواجها، الآن تأتي فتاة مؤمنة تقول: ما عند الله لا ينال بمعصية الله، تتحجب، وتكون عفيفة، وتنضبط، وتخفي مفاتنها عن الناس، فإذا بزوج يفوق كل هؤلاء الذين طمحت بهم السافرة.
المشكلة أنت واثق أن الله عز وجل إذا طمأنك في آية يكون زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق هذه الآية، لو اقتربنا من أشياء واقعية: يأتي إنسان يضع ماله في مصرف حتى يرتاح، يرى أن الراحة النفسية والأمن بإيداع المال في مكان لا تناله يد السارقين، يأتي إنسان آخر يرى أن طاعة الله مقدمة على كل شيء، يقين الثاني أن الله لن يتخلى عنه، ولن يضيعه، ولن يفجعه بماله إذا خاف من الله، وأطاعه، هذا يقين، هناك مليون مثل مليون حالة المسلمون يتعاملون مع القرآن أو مع آيات الأحكام والسنة تعاملاً ضبابياً، الله يرزقنا، حتى بعضهم يقول:
زعم المنجم و الطبيب كلاها لا تبعث الأموات قلت: إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***
اليقين العملي:
ليس هناك يقين أن بعد الحياة حياةً أبديةً فيها نعيم مقيم أو عذاب أليم، هذا امتحان دقيق، أحياناً يأتي التوجيه الإلهي بخلاف مصلحتك، فماذا تفعل ؟ هل أنت موقن أنك إذا أطعت الله عز وجل لن يضيعك ؟ لكن ترى أن البديل خطر، البديل أن أفقد ثروتي، البديل أن أفقد عملي، لكن حينما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه، هذا هو اليقين، اليقين كيف ؟ أنك مؤمن أن البنزين سائل متفجر وأن احتمال أن ينفجر إذا قربت منه النار بالمئة مئة هذا اليقين، في قوانين فيزيائية المعادن تتمدد بالحرارة لو أنك أنشأت بناء من دون فواصل تمدد لا بد من أن يتصدع هذا اليقين.
يقينك بآيات القرآن الكريم المتعلقة بمصالحك كيقينك بالقوانين الفيزيائية، هذا هو اليقين، أما أن تقول: إن شاء الله، الله يحفظنا فليس هذا يقينا.
الله ضامن النتائج، وليس الإنسان بضامن لها:
هناك كلمات يقولها الإنسان لا تؤكد أنه موقن بالنتائج، لكن أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة: لو أن شخصا استنصحك، معه عملة سورية ماذا يفعل بها ؟ فأنت اجتهدت وقلت له: اشترِ بها ذهباً، أو اشتر بها عملة صعبة، أنت نصحت فنشأت ظروف استثنائية، هذه العملة التي بدل بها عملته انهارت، هذا في علم الله، هل يستطيع أن يسائلك ؟ لا، أنت نصحته، لكنك لست ضامناً للنتائج، الإنسان ليس ضامناً، لكن أنا أطمئنكم أن الله إذا أمرك بشيء فالآمر ضامن، وزوال الكون أهون على الله من ألا تأتي النتائج وفق كلامه.
1 – نتيجة الربا: محقُ مال المرابي:
مثلاً قال تعالى:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
ترى شخصاً مرابياً أمواله لا تأكلها النيران، وتزداد بشكل آلي، ثم تفاجأ أنه دمر، وأنه فقَد ماله كله، قال تعالى:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
2 – نتيجة الاختلاط: الخيانة الزوجية:
إنسان يؤمن بالاختلاط ويرى أن الحجاب شيء قديم، شيء متعلق بعصور قديمة، وقد يكون عادات وتقاليد عثمانية جاءتنا في أيام الحكم العثماني، فيؤمن بالاختلاط، ويطلق زوجته إلى أي محفل فيه رجال، ولا يعبأ، ثم يفاجئ أن زوجته تركته، وانحازت إلى شاب أكثر منه جمالاً وفقَدها.
والله هناك قصص كثيرة، آخر قصة سمعتها عن رجل وظِّف زوجته، ووضعها في دائرة، وأقامت دورات في اللغة الإنكليزية، الآن لا تريده، قال لي: بذلت المستحيل، لأنك لست موقناً أن الاختلاط حرام، لست موقناً أن امرأة بين الرجال تفتن بهم، ويفتن بها، هذه المشكلة باليقين.
ضعف الثقة بمتائج الطاعة والمعصية سبب لضعف اليقين:
نقرأ القرآن الكريم ، نقرأ السنة، ولكن ليس عندنا يقين أن هذا القرآن الكريم كالقوانين الفيزيائية تماماً، أيّ مخالفة لها ثمن، والثمن يقيني، والعلاقة بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة والعلاقة، بين المعصية والنتيجة علاقة علمية فقد تختار زوجة من أعلى مستوى، هو يطلق بصره يمنة ويسرى، ويعتقد أن هذه الزوجة من أطيب الزوجات، ولا يربط بين تفلته من منهج الله وحسن علاقته معها، فإذا الأمر يفاجأ به أنها لا تحبه، ولا تهتم به، لماذا ؟ لوجود معصية، فحينما تضعف ثقتك بنتائج المعصية اليقينية، وحينما تضعف ثقتك بنتائج الطاعة اليقينية يكون يقينك ضعيفاً، وهذا خلل كبير في إيمانك، قال الله عز وجل:
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾
إنسان راكب مركبة، وفي منحدر شديد، والنسيم عليل، والمناظر جميلة، وفجأة اكتشف المكبح قد تعطل، وفي نهاية هذا الطريق الهابط منعطف حاد، ولا سبيل إلا للتدهور في الوادي، ماذا يقول يقيناً ؟ مُتنا، ودمِّرنا، لماذا يستخدم الفعل الماضي ؟ لأن قضية دقائق على أن يصل إلى نهاية الطريق في منعطف حاد سرعته متعاظمة متسارعة فلا مجال للنجاة.
حينما توقن أن الأمر الإلهي والنهي الإلهي نتائجه حتمية، وأن هذه الأوامر والنواهي كالقوانين الفيزيائية لا بد من أقنع.
والله أيها الإخوة الكرام، دققوا في كلمتي هذه، أقول: يكاد المؤمن يعلم الغيب، مستحيل أن يعلم الغيب.
قصة من الواقع تصور ضعف بنتائج المعصية:
مرة اشترت امرأة بيتًا مع أخيها بجمعية تعاونية، دفع أخوها نصف ثمن البيت، لكن أخته محامية، والبيت باسمها، لأن الجمعية متعلقة بالمحامين، والبيت كان ثمنه خمسمئة ألف، الآن ثمنه حوالي عشرون مليونا، والبيت باسمها، قالت له: هذا البيت لي، مع أن أخاها دفع نصف ثمن البيت عداً ونقداً، لكن طمعت في البيت، ولأنه باسمها قالت له: تأخذ مليون ليرة، وتخرج، عنده أربعة عشر ولداً، إنه دمار كامل، أين يذهب ؟ هو موظف، فدخل في اضطراب كبير جداً في حياته، الأمر رفع للقاضي، القاضي لم يحكم له كما هو الواقع، النتيجة خرج من البيت، ووضع حاجاته في مستودع في ريف دمشق، وقسم أولاده قسمين عند أقربائه، والأسرة دمِّرت، والله يقول لي هذا الأخ أحد أولاده: هكذا فعلت عمتي معنا، قلت له: الله كبير، سوف ينتقم منها، والله بعد شهر قال لي: عمتي أصيبت بالسرطان، والله بعد شهر آخر قال لي: توفيت، وذهبت إلى البيت، وألقيت كلمة ووريثها الوحيد أخوها.
أنا موقن أن هذه المرأة التي استغلت أن البيت باسمها، وأنها أقوى من أخيها، وأنها طردته، وهو يملك النصف بالتمام والكمال بقوة القانون، كيف أن الله سينتقم منها.
حينما تؤمن أن المال الحرام لا بد من أن يدمر صاحبه، لكن لا أحد موقن، والله يأكل المسلمون الأموال الحرام بلا قيد ولا شرط، وبلا وجل ولا خوف، وغاب عنهم أن هذا المال لا يدمر وحده، سيدمر معه صاحبه.
القوانين الإلهية سارية المفعول في واقع الناس:
والله هناك آلاف القصص من هذا النوع، لابد من أن تتعامل مع آيات القرآن وأحاديث الرسول العدنان كما تتعامل مع القانون الفيزيائي، الاحتمال إذا أشعلت عود الثقاب، وألقيته على صفيحة بنزين ما هو احتمال انفجارها ؟ مئة بالمئة يقيناً، هذه خصائص البنزين.
حينما تفهم كلام الله وكلام رسول الله على أنه يشبه قوانين الفيزياء تكون ناجحا، ولا تكون موقناً إن لم تفهم الآيات والأحاديث على أنها قوانين.
قال تعالى:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
الآلة الحاسبة عكس القوانين، أقرضت مئة ألف رجعت مئة وعشرين ألفا، أكثر المال ما محق، بالعكس زاد، لكن حينما تكتشف بعد حين أنه بخطأ بسيط ذهب المال كله يكون هذا مصداق قول الله عز وجل :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
حينما تختار امرأة بجمالها، ولا تعنى بدينها إطلاقاً، وتتوقع أن تعيش معها حياة سعيدة جداً فأنت لا تفهم معنى قوله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
إن لم تكن مستقيماً، ولم تلتزم أمر الله فلن تحيى حياة طيبة.
هذا الذي أتمناه عليكم، اليقين أن تتعامل مع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الصحيحة كما لو أنها قوانين فيزيائية بالمئة مئة.
وضع إنسان وصلة بين خطين كهربائيين سالب وموجب، توقف الطاقة الكهربائية في البيت بالمئة مليون، هناك قوانين للكهرباء والكيمياء والفيزياء قوانين، القرآن الكريم كذلك، فاقرأ القرآن، واكتشف القوانين.
مثلاً: ما تواد اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما، ابحث عن مليون مشكلة بين إنسانين سببها معصية أحد الطرفين أو كلاهما، لكن لو أن إنسانين كانا مستقيمين على أمر الله فلا يمكن أن تزيدهما الأيام إلا وداً وحبة وتعاوناً.
نصيحة غالية:
الذي أتمناه عليكم أن تكتشفوا القوانين من القرآن الكريم ومن سنة رسول الله، وأن تتعاملوا معها كما أنكم تتعاملون مع قوانين الفيزياء والكيمياء والفلك، أما الذي يحصل أنك لست واثقاً إذا تركت هذه الشركة التي فيها شبهة في التعامل معها، وفي بالبضاعة شبهة، لست واثقاً أن الله يهيئ لك عملاً آخر أرقى منه.
والله أيها الإخوة الكرام، خمسة وثلاثون سنة ما سألني أخ في أيام التموين الصعبة أنه دعيت إلى حلف يمين على خلاف الواقع حتى أنجو من السجن، أنا ما أفتيت لأي أخ من إخواني بحلف يمين كاذب، ولو كان العقاب شديدا، والعقاب لا يتناسب مع المخالفة، لصاقة السعر وقعت من على الثوب، يسجن صاحبها شهرين، إذا حلف هذا التاجر يمينا أن الموظف افترى عليه، واللصاقة على الثوب ينجو، لكن حلف يمينا على المصحف، والله ما أفتيت ولا لواحد بحلف يمين كاذب، وما من واحد إلا الله أنجاه، ويشمله عفو أحياناً، أو القاضي يتعاطف معه، لأنه صادق، الذي أتمناه فقط أن يكون إيمانك بالقرآن، وبهذه السنة كإيمانك بوجودك، كإيمانك أن الشمس في كبد السماء، كإيمانك أن الشمس تشرق من المشرق، وتغرب من المغرب، أما تعاملنا نحن مع القرآن والسنة فتعامل ضبابي تعامل، نقرأ القرآن، والحمد لله، لكن آيات مثل:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
والله أعرف إنساناً عنده محل بأهم أسواق إحدى المدن العربية التي فيها سوق رائجة جداً، والله ثلاث واجهات بثلاث واجهات، وتحته قبو مستودع بحجم المحل، ومكتب تجاري فوقه بحجم المحل، وبيت بمئتين وخمسين متراً، أخذ قرضا، القرض ترتبت عليه فائدة مركبة، والله باع البيت والمحل والمستودع والمكتب التجاري، وما كفى المال، القرض الربوي يدمر، ويمحق الله الربا.
فأنت معك قرآن يؤكد لك هذا القرآن مجموعة قوانين تعامل معها تعاملا يقينيا لا تعاملا ضبابيا