- أحاديث رمضان
- /
- ٠13رمضان 1427هـ - صلاح الأمة
الحمد لله رب العالمين،: والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام،: مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة.
كيف تكون مصدقا للقرأن الكريم ؟!!
أيها الإخوة،: حينما تقرأ القرآن الكريم،: وتنتهي من قراءته ماذا تفعل ؟ تقول صدق الله العظيم،: هذه كلمة كبيرة وخطيرة،: إذا قال الله لك:
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
وآثرت زوجاً لابنتك غنياً،: لكن دينه رقيق جداً،: فأنت بهذا التصرف لم تصدق الله،: فكلمة: صدق الله العظيم " التي قلتَها كلمة كاذبة غير صحيحة،: أنت ما صدقت الله عز وجل،: ولو صدقته لما قبلت أن يكون زوج ابنتك رقيق الدين،: آثرت دنياه على دينه،: من هذا السياق هناك آلاف الأمثلة،: أنت حينما تؤثر شيئاً على شيء يقربك إلى الله فأنت ما صدقت الله عز وجل في كتابه.
هذه المقدمة لآية يقول الله فيها:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
هناك شركات عملاقة،: شركات متعددة الجنسيات،: أرباحها بالمليارات،: ذكرت لكم من قبل أن شركة سيارات يابانية أرباحها تزيد على الدخل القومي لبلد عربي إسلامي عدد سكانه سبعون مليونا،: أرباح شركة واحدة عندها أربعون ألف موظف،: أرباحها تزيد على جهد سبعين مليونًا.
إذا قال الله لك:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
ماهي الرحمة المقصودة في الأية:
ماذا تفهم من هذه الآية ؟
إذا عرفت الله،: واتصلت به،: وكنت مستقيماً على أمره،: وألقى على قلبك السكينة،: ورحمك بالحكمة،: ورحمك بالعلم،: ورحمك بالرضا،: ورحمك بالتوفيق،: هذه الرحمة إن بالتوفيق،: أو بالحكمة،: أو بالعلم،: أو بالرضا
﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
: لأن الدنيا مهما علا شأن الإنسان فيها تنتهي بالموت،: وكلما كان الخط البياني عالياً كان السقوط مريعاً.
إذا صدقت هذه الآية تبحث عن رحمة الله،: لك أن تطلب الرزق،: لك أن تتقن عملك،: لك أن تتزوج،: لك أن تسكن ببيت،: لك أن يكون لك دخل معقول،: لك الأشياء المعقولة،: أما أحياناً قد يتجاوز الإنسان حاجته إلى الرزق،: فيدخل في سباق محموم في جمع المليارات،: وهناك أناس كثيرون تجاوزوا موضوع الرزق،: همّهم جمع المليارات،: ويتنافسون،: فلان له تسعون مليارا،: فلان كذا مليار،: فلان كذا مليون،: الله عز وجل قال لك:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
وفي آية ثانية:
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
فقل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت،: هل يفرحك رحمة الله ؟ أم تفرحك الملايين المملينة ؟ ومتاع الحياة الدنيا،: إذا قال الله لك:
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
إذا قال الله لك:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾
إذا قال الله لك:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
إذا قال الله لك:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
إذا قال الله لك:
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
هذه الآيات من عند خالق الأرض والسماوات،: هذه آيات الخبير،: هذه آيات الخالق،: المربي،: المسير،: هذه آيات الله في الأرض.
كيف نقرأ القرأن ونخالف مضمونه ؟!!
فلذلك قضية أن نقرأ القرآن،: وألا نكون في مستواه مشكلة كبيرة،: أنت في رمضان تقرأ القرآن،: فإذا كان يفرحك أن تطلب العلم فتفهم كتاب الله،: وتعمل به،: وتدعو إليه فأنت في المستوى،: وعلامة ذلك أنْ يكون لك صديق على مقعد الدراسة،: وسلك طريق الدنيا،: وأصبح يتكلم بالملايين المملينة،: والتقيت به،: لمجرد أن تصغر أمام ما آتاك الله من القرآن،: ومن الإيمان،: ومن الاستقامة،: ومن الأعمال الصالحة،: لكن دخلك محدود،: وبيتك صغير،: ودنياك معتدلة،: فإذا دخلت إلى بيته،: 450 مترا،: والرخام،: والثريات والمركبات،: فصغرت أمامه،: فقد حقرت ما عظمه الله،: لأنه الله قال لك:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
فهم الأية سهل،: والصعوبة في تطبيقها:
أيها الإخوة،: نقطة دقيقة أتمنى أن أوضحها لكم: أحياناً الآية فهمها سهل،: لكن أن تعيشها تحتاج إلى جهد كبير،: أضرب لك مثلاً:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
لك على مقعد الدراسة صديق،: أنت عندك محل متواضع،: دخله يغطي نفقاتك،: وعندك بيت متواضع،: وهذا الصديق صار معه ملايين مملينة،: لمجرد أن تقول: يا ليتني أملك مثل ما يملك فقد حقرت ما عظمه الله،: أنت لم تفهم معنى قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
علامة إيمانك أنك لا تعبأ بدينا أهل الدنيا لا ببيوتهم،: ولا بمركباتهم،: ولا بمكانتهم،: أنت قانع أنك وعلى حق.
لذلك إذا ذهبتم إلى مقام رسول الله،: أنا أظن أنه ما من إنسان على وجه الأرض له مكانة عند الخلق كرسول الله،: ومع ذلك كان متواضعاً،: طلب رحمة الله،: كان يجلس في بيت إن أراد أن يصلي قيام الليل لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته،: هذه غرفته،: ومع ذلك جعله الله سيد الخلق.
لذلك قال سيدنا علي: << فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا،: فإن قال: أهانه فقد كذب،: وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا >>.
مادامت الدنيا تنتهي بالموت فلا قيمة لها:
إخواننا الكرام،: ما دامت الدنيا تنتهي بالقبر فلا قيمة لها،: ومن الممكن أن تدخل للتعزية في بيت ثمنه 80 مليونا،: وصاحبه في القبر،: هذا مثوى مؤقت.
بالمناسبة،: لو تصورنا بلدا له نظام إيجار عجيب،: أنا أقول لكم هذا النظام: المستأجر لأي بيت بإشارة من صاحب البيت يجب أن يخرج بثيابه فقط،: اشترى ثريات،: اشترى السجاد،: اشترى الأجهزة،: اشترى المكيفات،: اشترى الكمبيوترات،: وبإشارة في أيّ وقت،: الساعة الثالثة ليلاً يخرج المستأجر من البيت،: هكذا نظام الإيجار،: إذا استأجر رجلٌ بيتا،: وله دخل كبير،: فهل من العقل أن يضع كل هذا الدخل في أثاث ؟ وفي تزيينات ؟ وفي أجهزة ؟ لكن له بيت بعيد،: ولا يزال على الهيكل،: أليس من العقل أن ينفق بعضاً من ماله لكسوة ذلك البيت الذي هو مثواه الأخير،: أم ينفق كل ماله إلى هذا البيت المستأجر ؟! هذا البيت المستأجر هو الدنيا،: في ثانية وقف القلب،: كل أملاكه المنقولة،: وغير المنقولة،: ومقتنياته،: ومركباته،: وصناديقه،: وحساباته كلها آلت إلى غيره في ثانية،: الموت يأخذ منك كل شيء بثانية واحدة.
فلذلك هذه الآية دقيقة جداً:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
حينما تستقيم على أمر الله،: وتعرف الله،: ولك عمل صالح فقد عرفت حقيقة الحياة الدنيا.
ماذا قال سيدنا موسى لما سقا للفتاتين ؟ قال:
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
يعني يا رب،: أنا مفتقر لعمل صالح،: لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله والغنى غنى العمل الصالح،: فإذا كان معك مئة مليار ليرة سورية،: ونُقلت فجأة إلى بلاد بعيدة،: هذه العملة ليست مقبولة إطلاقاً هناك،: أنت بحاجة إلى دولار واحد،: ما معك،: هذه العملة غير مقبولة هناك،: كما أنّ دنياك غير مقبولة في الآخرة،: يا رب،: أنا عندي بيته ثمنه 80 مليونا،: ماذا أعمل لك ؟
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
إذاً:
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
أعود وأقول: قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت،: إذا كان يفرحك طاعة الله،: ومعرفة الله،: والاستقامة على أمر الله،: والانضباط بشرع الله،: وأن دخلك حلال،: والإنفاق حلال،: وأنت في خدمة الخلق،: فلا تعبأ بكلام الناس،: أنت ملِك الآخرة.
لذلك المؤمنون يسمح الله لهم أن يردوا النار،: وورودُ النار غير دخولها،: لا بد من أن يرى المؤمن مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً،: ولا بد من أن يرى المؤمن هؤلاء الذين كانوا أغنياء الدنيا،: وفساقها،: وفجارها،: أين مصيرهم،: من أجل تتضاعف سعادته في الجنة يوم القيامة.
الفهم الجبري للقضاء والقدر مرفوض:
النقطة الثانية أيها الإخوة،: هناك من يفهم القضاء والقدر فهم جبري،: فالكافر خلقه الله كافرا،: هذا كلام غير صحيح،: ما الذي ينقضه ؟ قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
الناس جميعاً مخلوقون للجنة.
﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴾
لو أن الكافر خُلق لجهنم فلماذا يعذب في الدنيا ؟ لا داعي لذلك،: لكن كل إنسان خلقه الله عز وجل هو مطلوب لرحمة الله.
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
إذاً كل إنسان مطلوب للجنة.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
أيها الإخوة،: هناك نقطة دقيقة مؤثرة:
﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
أية عظيمة: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ
أنت فكر،: وتأمل،: ودقق،: وحقق،: واجمع،: واطرح،: وقسم،: بعد كل ذلك اتخذ قرار،: فإن كان في هذا القرار عدواناً،: أو ظلماً،: أو بعداً،: أو معصية فانتظر قرار الله عز وجل.
حدثني أخ والده تقاعد،: كان من تجار الغنم،: قال لي: ذهبت لأشتري الصوف من البادية،: والتقيت بمورد والدي،: فوزنت هذا الصوف،: قال لي: كنت جاهلاً،: فزوّرت في الميزان،: والبدوي أمامه يسمع 23 ـ 27 ـ 33 ـ هنا سمع 23 و800 غرام،: اضطرب البدوي لهذه الغرامات،: لكن ما غاب عنه أنه حسم 10 كغ،: وضاف 300 غرام،: فهو مبدئياً أعجبه هذا الوزن،: والوزن دقيق جداً بالغرامات،: لكن هذه الكتلة يتوهمها أنه بـ20 ألفا،: فأعطاه 15،: فقال له بالبدوي: إن غششتني في الوزن إن شاء الله تلقاها في صحتك،: الذي حدثني هو الذي صار معه هذا الحادث،: قال لي: هذه الكلمة أخافتني،: انطلقنا بالسيارة،: وفي الطريق دخل في صراع مع نفسه: هل أرجع وأقوله له ؟ أسوّي حسابه ؟ أتراجع ؟ قال لي: بقيت في صراع نفسي من مكان شراء البضاعة إلى منطقة الضمير،: قال لي: في هذا المكان اتخذت قرارا أنه ضع بالخرج،: ماذا حصل ؟ قال لي: ما أتممت هذا الخاطر،: وهو يقود سيارته ساكتا،: إلا ووجد نفسه في بركة من الدماء،: ووقع له حادث،: والبضاعة تناثرت،: وهو في بركة من الدماء،: فكان جواب:
﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
انتبه إذا اتخذتَ قراراً فيه ظلم
﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
أيها الإخوة،:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
اجتهد في جمع أسباب رحمة الله:
اجتهد في التعرف إلى الله واجتهد في طاعته،: واجتهد في العمل الصالح،: واجتهد في إنفاق المال،: واجتهد في خدمة أهل الحق،: واجتهد في نشر هذه الدعوة،: وهذه رحمة الله،: وهي
﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾