وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 93 - سورة البقرة - تفسير الأيتان 282- 283 ، كتابة الدَّين والشهادة الصحيحة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

التجارة أساسها البيان والمُقابضة :

 أيها الأخوة المؤمنون... مع الدرس الثالث والتسعين من دروس سورة البقرة، ولا زلنا مع الآية الثانية والثمانين بعد المئتين، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾

 وصلنا إلى هنا:

﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾

 التجارة أساسها البيان والمُقابضة، من أين يأتي النزاع؟ إذا كان في البيان خطأ، وكما قيل: الجهالة تفضي إلى المنازعة. التاجر الصادق المؤمن يبيِّن كل شيء، لا يخفي عيباً، ولا يخفي أجلاً، ولا يخفي سعراً، وما من مشكلةٍ نشأت بين التجارة إلا بسبب الجهالة، والبيان يطرد الشيطان..

﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً ﴾

التجارة إذا كان أساسها البيان الصحيح والتقابض يداً بيد فلا داعي للكتابة :

 التجارة الحاضرة أساسها: التقابض؛ البائع يقبض الثمن، والمشتري يقبض البضاعة، تقابض فعل مشاركة، فلا بد من القبض، ولا بد من الإيجاب والقبول، يقول له: بعتك، فيقول له: قد اشتريت، صار ثمة إيجاب، وقبول، وبيان، والحديث عن التجارة حديثٌ طويل جداً.
 هناك خيار الشرط، هناك خيار العيب، هناك خيار الزمن، على كلٍ في دروس أخرى إن شاء الله في دروس الفقه لا بد من حديث طويل عن التجارة، هنا بشكل مختصر التجارة الحاضرة أساسها البيان، وأساسها التقابض، فما دام في تقابض، التاجر قبض الثمن، والشاري قبض البضاعة، لا يوجد داعي للكتابة.

﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾

 العلاقات التجارية علاقات كثيفة ويومية، وأساسها الثقة، ولكن ما دام ثمة تقابض انتهى كل شيء، أما لو أن هذه البضاعة قبضها المشتري، ولم يدفع الثمن، فلا بد من التسجيل، انقلب الأمر إلى دَين، فلا بد من تسجيل الدَّين، ولا بد من تسجيل القيمة، والزمن، والأداء، كما هي الحالة في آيات الدين.

﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ﴾

 كأن الآية توَجِّهنا إلى أن التجارة إذا كان أساسها البيان الصحيح، والتقابض يداً بيد، فلا داعي للكتابة، أما إذا حصل تأجيل في دفع الثمن، فقد صار الثمن ديناً في ذمَّة المشتري، إذاً فهو يخضع لآية الدين.

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾

 العلماء استثنوا الأشياء الخفيفة، هناك أشياء ثمينة؛ كبيع بيت، أو بيع أرضٍ، أو بيع متجرٍ، أو شيء خسيس كبيع كأس من العصير، هذه لا تحتاج لا إلى إيجاب، ولا إلى قبول، ولا إشهاد، هذه أشياء خسيسة يسمونها بيع التعاطي، أعطيته خمسة ليرات، أعطاني كأس شراب شربته..

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾

 في الأشياء الثمينة العلماء وجهوها.

 

للآية التالية عدة معانٍ :

 أما الوقفة الدقيقة:

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

1 ـ الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أملي عليه ولا أقلَّ :

 الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أملي عليه ولا أقلَّ، وهناك مَن يستغل أمية المُمْلي فيكتب زيادة أو أقل، والشاهد ينبغي ألا يشهد لا بزيادة ولا بنقصان، فإن كتب الكاتب أكثر أو أقلَّ، أو شهد الشاهد أكثر أو أقلَّ، فقد أضر بالحق، وضلل القاضي..

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

2 ـ لا ينبغي أن تضر الكاتب أو الشاهد في وقتٍ لا يناسبه :

 المعنى الثاني من معاني:

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

 أي أن هذا الشاهد ينبغي ألا تحرجه في وقتٍ هو عنده ثمين جداً، كإنسان في عنده عمل أساسي تقول له: الآن ينبغي أن تذهب معي إلى القاضي، ينبغي أن تكون واقعياً، فإذا كان هناك مجال لتأجيل الشهادة ليوم آخر لا تكن سبباً في إيذاء هذا الشاهد لأن الشاهد مكلف أن يشهد..

﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾

 ما دام قد كلف أن يشهد فلا ينبغي أن تضره في وقتٍ لا يناسبه.

 

3 ـ لا ينبغي أن يكلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تعوض عليه :

 الشيء الثالث:

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

 ينبغي لو أنه يعمل عملاً يدوياً، يوماً بيوم، ويأكل من عمل يده، فإذا أمرته أن يذهب معك إلى مكان بعيد، فقد يقتضي ضياع يوم بأكمله، فلا بد أن تعوض عليه مقدار كسبه في هذا اليوم، فالشاهد والكاتب لا ينبغي أن يشهد أكثر ولا أقلَّ مما هو عليه، ولا ينبغي أن يُحْرَج في وقتٍ لا يناسبه، ولا ينبغي أن يكلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تعوض عليه..

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

العمل الصالح يجب أن تشجع صاحبه وتكافئه عليه حتى يترسَّخ الخير في المجتمع:

 دائماً في نقطة: الذي يمنع الماعون، الذي يقدم خدمة دون أن يرى نتيجةً لها يزهد في خدمة الحق، هذا الذي ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم حول الذين يراؤون ويمنعون الماعون، كل إنسان يعمل عمل طيب، وقد يكون إيمانه ضعيف، ولا يرى نتيجةً لهذا العمل الطيب، يزهد في المعروف.
 فقد سمعت قصةً يغلب على ظني أنها صحيحة، إنسان يعمل على سيارة وجد فيها مبلغاً ضخماً جداً، رجل مسلم، بقي يحوم حول المكان الذي أخذ منه الراكب عشرين يوماً إلى أن عثر عليه، وقدَّم له هذه المحفظة التي فيها رقم فلكي، صاحب المال أخذ هذا السائق الذي يعمل على سيارة أجرة مباشرة إلى سوق السيارات، واشترى له سيارة جديدة، وقال له: هذه لك، هذا المعروف يشجع، إنسان آخر لا يعطيه شيئاً، ماذا فعل الأول؟ شَجَّع على المعروف، ماذا فعل الثاني؟ منع المعروف.
 طبعاً المؤمن يجب أن يرد اللقيطة إلى صاحبها أخذ أو لم يأخذ، قدَّر أو لم يقدر، هذا هو الحق، أما أنت حينما تكرم هذا الذي جاءك بهذا المبلغ الكبير، وبحث عنك عشرين يوماً، وسلمك إياها عداً ونقداً، يقول هذا السائق: والله مباشرة أخذني إلى سوق السيارات، واشترى لي سيارة جديدة أصبحت ملكي نظير هذه الأمانة.
 فأنت كلما وجدت عملاً صالحاً يجب أن تشجع صاحبه، أن تثني عليه، أن تكافئه عليه حتى يترسَّخ الخير في المجتمع، فلذلك الشاهد عطلتَ له وقته، وجعلته بلا عمل طوال اليوم، وبعد أن انتهى قلت له: شكراً، أنت أضررته، أو يقل له: جزاك الله خيراً، هذه لا تكفي يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه))

[ ابن حبان عن ابن عمر]

 هذه جزاك الله خيراً يمكن أن تكون إن كنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، إنسان أقوى منك، وأغنى منك خدمك خدمة، وأنت لا تستطيع أن ترد له هذه الخدمة، قلت له: جزاك الله خيراً، هذا يدخل تحت قوله تعالى:

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

الكاتب والشاهد ينبغي ألا يغيرا معالم الحق :

 ينبغي للكاتب ألا يكتب زيادة عما أُملي عليه، إن فعل أضر بالحق، وينبغي للشاهد ألا يشهد زيادة عما رأى وإلا أضر بالحق، وينبغي لطالب الشهادة وطالب الكتابة ألا يغبن هذا الشاهد وهذا الكاتب، أن يعطيه حقه.

﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

 يجب له التعويض، وألا تحرجه في وقت هو في أَمَسِّ الحاجة إليه، كما أن الكاتب والشهيد ينبغي ألا يغيرا معالم الحق، لأن عدل ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً، والله هو الحق، وقد أذكر دائماً هذه القصة الرمزية: أن حجراً عبد الله خمسين عاماً، ثم ضج بالشكوى إلى الله، قال: يا رب لقد عبدتك خمسين عاماً، وتضعني في أس كنيف!! فقال الله عز وجل: تأدب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم. فالظلم يهتز له عرش الرحمن، أنت قد تجد إنساناً بريئاً، وإنسان قويّ أَلْصَق به تهمة هو منها بريء، وأنت شاهد، وشهادتك مقبولة، واللهِ لأن تذهب مع هذا الإنسان المظلوم وتشهد أمام القاضي، وأن تقيم الحق أفضل من أن تعبد الله ثمانين عاماً.
 لذلك مرة ذكرت لكم عقب الحرب العالمية الثانية، أحد زعماء بريطانيا سأل وزراءَه عن أحوالهم، فكانت أجوبتهم عجيبة!! وزير الصناعة قال له: المعامل كلها مهدمة محروقة، وزير الزراعة: الحقول محروقة، وزير المالية: الخزائن فارغة، سأل وزير العدل قال: كيف العدل عندك يا فلان؟ قال: بخير، قال: كلنا إذاً بخير.
 فيجب أن نفهم أن القاضي قد يكون واحداً منكم، كلمة قاضي توهِم أن إنساناً يعمل في القضاء، أنت كتاجر قاض، قد تشهد شهادة صحيحة بمشكلة تجارية، تدلي برأيك الصحيح، قد تستشار بموضوع، في مجال الأسر، وفي مجال التجارة، في مجال الصناعة، وكم من حق هضم لأن الناس امتنعوا عن أداء الشهادة، هذا السلوك سلوك إبليس، نحن ليس لنا علاقة أَسْلَم، فكل إنسان ينسحب من أداء شهادة أو من تحكيم فيه إحقاق للحق هذا إنسان خرج عن منهج الله عز وجل.

﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا ﴾

 أي إن أضررتم بالشاهد والكاتب، إن كلفتموه ما لا يطيق، إن عطلتموه عن عمله، إن أحرجتموه بوقت لا يناسبه، أو إن هذا الكاتب إن أزاد أو أنقص في شهادته أو كتابته، قال:

﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾

 هذا من الفسق.

 

للآية التالية رأيان :

1 ـ الإنسان حينما يتقي الله ويستقيم على أمره يكون قريباً من الله :

 قال تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

 الإنسان حينما يتقي الله، أي حينما يستقيم على أمر الله يكون قريباً من الله، والله عز وجل نور السماوات والأرض، فإذا كنت قريباً منه نوَّر قلبك بالحقيقة، أي إنسان له اتصال بالله قلبه منوَّر، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يرى الحقيقة الصارخة، لا يأخذ بالأشياء المزوَّرة، فمن صفات المؤمن أنه يرى ما لا يراه الآخرون، يشعر بما لا يشعرون، في عنده حاسة سادسة نامية جداً، وهذه يمكن أن تفسر بأن قلبه متصل بالله، ولأن الله نور السماوات والأرض فقلبه منوَّر بنور الله، عنده رؤية صحيحة، وعنده حكمة، وعنده موقف مقبول، وموقف نظيف.

 

2 ـ الله تعالى يعلِّمنا بأفعاله وبخَلْقه وبكتابه وكل ما في الكون يدل عليه :

 ثمة رأي ثانٍ لهذه الآية:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 أي أطيعوا الله، قفوا عند أمره ونهيه، التزموا كتابه وسنة نبيه، لأنه يعلمكم دائماً، علمكم بخلقه، كل ما في الكون يدل عليه، علَّمكم بأفعاله، كل أفعاله تدل عليه، فمنذ أيام ـ هكذا سمعت ـ هناك إنسان من أهل العلم صالح، في أثناء قيادة مركبته تأذى، مس مركبة أخرى، صاحب المركبة الثانية كان سفيهاً، وأقذع له بالكلام، وقسا عليه قسوة غير معقولة، هو يكتب ورقة ويسجِّل: أنْ أنا عنواني كذا، وأنا تسببت في إيذاء هذه المركبة، فصاحب المركبة سفيه جداً، وتكلم كلاماً قاسياً وبذيئاً جداً في حق هذا الإنسان الطيب، بعد أيام انتقم الله منه انتقاماً شديداً، فالله يعلِّم بأفعاله، يعلِّم بخَلْقه، يعلِّم بكتابه..
 يعلِّمك بخلقه، كل شيء في الكون يدل عليه، مثلاً: الفتاة زوَّدها الله بغشاءٍ، فما دامت طاهرة عفيفةً نقيةً هذا الغشاء يبقى إلى يوم الزواج، ليس له أية وظيفة فيزيولوجية إطلاقاً، فوظيفته اجتماعية، أن هذه الفتاة لم يقربها إنسان من قَبل، هذا من فعل الله عز وجل، يعلِّمكم الله عز وجل، يعلِّمنا في خلقه، يعلِّمنا في أفعاله، يعلِّمنا بكلامه، قد يريك مناماً مخيفاً، وأنت على وشك أن تفعل معصيةً كبيرة، ويعلِّمك إذاً، يحذرك من هذا المنام، قد تلتقي بإنسان يعطيك موعظةً بليغةً، وكأنه يعرف مشكلتك، هذا من تعليم الله لك، فالأنواع التي يعلِّم بها الله عباده لا تعد ولا تحصى.

 

صفة الأمية في النبي وسام شرفٍ له أما غير النبي فهي وصمة عار له :

 ما دام الله يعلِّمنا من خلال خلقه، ومن خلال كلامه، ومن خلال أفعاله، ومن خلاله رسله، ومن خلاله أنبيائه، ومن خلال العلماء الصادقين المخلصين العاملين، وكل شيء في الكون يدل عليه، أنتم لمَ لا تطيعون الله عز وجل؟ أنا لا أحب أن نفهم هذه الآية على أن الإنسان إذا اتقى الله يعلم كل شيء من دون دراسة، هذا كلام فيه مبالغة كبيرة، لأن النبي وحده يوحى إليه، فصفة الأمية في النبي وسام شرفٍ له، لأن الله يعلِّمه، ولأن الله أراد أن يكون وعاء النبي طاهراً من ثقافات الأرض، فكل شيء ينطق به وحي يوحى.

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 3-4]

 كلمة النبي الأمي أعلى صفة، وعاء النبي طاهرٌ من كل ثقافةٍ أرضية، الله جل جلاله في عليائه تولى تعليمه..

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾

[ سورة النجم: 5]

 أما غير النبي اللهم صل عليه فإذا قال لك: أنا أمي، فهذه وصمة عار في حقه، الإله لا يُعلِّم غير النبي، التعليم بالوحي، إنما العلم بالتعلُّم، أنا أريد ألا نفهم هذه الآية فهماً ما أراده الله عز وجل، لا اقرأ أبداً، لا أتعلم أبداً، أخي أنا يأتي لي إلهام، أنا موصول بالله، أعرف كل شيء من دون دراسة، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال:

((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم))

[ الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء]

 (إنما) قصر، أداة قصر، أي أن طريق العلم الحصري هو التعلم، لكن بعد أن تعرف الأمر والنهي، وتلتزم الأمر والنهي، " مَن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم "، إذا كان في إشراق، فهذا متى يكون؟ بعد أن تطلب العلم وفق الطرق الصحيحة، وبعد أن تعمل بما عملت، لعل هناك إشراقاً منضبطاً بالكتاب والسنة، يكون لك مكافأة على طاعتك لله عز وجل، طبعاً هذا ليس حديثاً صحيحاً ولكن حكمة، "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، فهذه الآية يتخذها معظم الكسالى حُجَّة.

 

تقنين الله عز وجل تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز :

 قال تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

 بالمعنى الذي أرادوه وهو: أن يتقاعسوا عن طلب العلم، وألا يعبؤوا بهذا العلم الدقيق، وأن يعتمدوا على الإلهام، هذا المعنى ما أراده الله عز وجل، ولكن أنت حينما تتقي الله عز وجل تكون قريباً منه، فإذا كنت قريباً منه نور قلبك بالحقيقة، لأن الله هو نور السماوات والأرض، هذا معنى.
 المعنى الثاني: أنت لمَ لا تطيع الله عز وجل فهو يعلمك دائماً، في تعليم من الله لا ينتهي، مثلاً: باخرة ادعى صانعوها أنها لا تغرق، أو أن القدر لا يستطيع إغراقها، فإغراق الباخرة درسٌ من السماء للأرض. مركبة فضائية سموها (المتحدية)، يتحدَّون من؟ فبعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كتلة من اللهب، هذا درس من الله عز وجل، زلزال، مركز الزلزال يجب ألا يبقى شيء على شيء، إلا جامعٌ له مئذنةٌ عملاقة مع معهد شرعي، وما حول المئذنة، والمسجد، والمعهد الشرعي لا تجد حجراً فوق حجر، دمار كامل، أليس هذا تعليماً من الله عز وجل، الله عز وجل يعلم البشر دائماً، يعلمهم عن طريق الزلازل والبراكين، وعن طريق القحط والجفاف، فالناس في ضجة كبيرة جداً من شُح الأمطار، يجب أن نؤمن إيماناً يقيناً أن الله إذا قنن فتقنينه تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾

[ سورة الحجر: 21]

الله جلّ جلاله يتولى تأديب الإنسان بصحته و رزقه :

 الشيء الدقيق أيها الأخوة.. مرة قرأت أن مرصداً عملاقاً اكتشف سحابة في الفضاء الخارجي، سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض مجتمعةً ستين مرة في الأربع وعشرين ساعة بمياهٍ عذبة، فالله قادر بأي مكان أن يجعل الأمطار تهطل ألفي ميليمتر، خمسة آلاف مليمتر، بل إن من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال مرةً:

(( ما عام بأكثرَ مطراً من عام ))

[ البيهقي في السنن الكبرى موقوفا عن ابن مسعود]

 بعد تقدم العلم صار لكل بلد مقاييس للأمطار، بالقطر الواحد خمسمئة مقياس أو أكثر ثم وجد أن كمية التهاطل في العالم لا تزيد ولا تنقص، إلا أنها تتوزع كل عام توزيعاً معيَّناً منطقة فيها فيضانات، منطقة فيها جفاف، لأن الله تولى تأديبنا بأرزاقنا وصحتنا، ثبَّت لنا ملايين الأشياء، خصائص المعادن ثابتة، اشترى إنسان سبيكة ذهب، تبقى سبيكة ذهب، هذه نعمة كبرى، لو وجدها بعد أيام نحاساً ويكون ثمنها خمسمئة ألف!! خصائص المعادن ثابتة، خصائص البذور ثابتة، دورة الأفلاك ثابتة، لو ذهبت تتتبع الأشياء الثابتة ترسيخاً للنظام وتطميناً للإنسان، وجدت الأشياء الثابتة لا تعد ولا تحصى، هذه كله رحمة بالإنسان، ولكن الله لحكمة بالغة بالغةٍ حرك شيئين؛ حرك الصحة، وحرك الرزق، فإذا جاءت الأمطار كان الرزق الوفير، وإذا خفَّت الأمطار كان الخطر الوبيل:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾

[ سورة الملك:30 ]

 فالله جل جلاله يؤدبنا، لذلك:

﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17]

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ و الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الأعراف: 96 ]

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾

[ سورة المائدة: 66 ]

الأنبياء يأتيهم الوحي أما غير الأنبياء فالعلم عندهم بالتعلم :

 وقياساً عليه إلى سنوات لا تزيد عن عشر تجد الماء في الغوطة بعمق عشرة أمتار، بل خمسة أمتار، الآن ثلاثمئة متر لا تجد الماء، حدثني أخ قال لي: حفرت أربعمئة متر بالمكان فلم أجد ماء:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾

[ سورة الملك:30 ]

 ما قيمة الأبنية؟ والله ليس لها قيمة، ما قيمة المزارع؟ ما قيمة هذه البيوت الفخمة؟ فمنطقة بأكملها أسعارها هبطت إلى الثلث، لشح المياه فيها؟ المزرعة ليس لها قيمة من دون مياه؟ فالله عز وجل يقنن تقنين تأديب، والإنسان لا بد له أن يصطلح مع الله..

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

 فهذه الآية أساسية، يمكن أكثر الدعاة، أكثر المؤمنين، يذكرونها آلاف المرات..

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾

 ولكن أريد ألا تفهم على الشكل التالي: ألاّ تدرس، لا تتعلم، لا تفهم القرآن، لا تحضر مجلس علم، فيتوهم الإنسان الجاهل باتصاله بالله يعرف كل شيء، هذه للأنبياء وليست لنا، الأنبياء يأتيهم الوحي:

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾

[ سورة النجم: 5]

 أما غير الأنبياء إنما العلم بالتعلم.

 

إن طلبت العلم وعملت به فهناك مكافأة إشراقية :

 لا بد أن تطلب العلم، ولكن إن طلبت العلم وعملت به فهناك مكافأة إشراقية؛ قد يكون في قلبك نور ترى به الحق من الباطل، وهذا مؤيد بقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾

[ سورة الحديد: 28 ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾

[ سورة الأنفال: 29 ]

 أي صفاء، الآن هناك تعبير حديث (شفافية):

(( النبي عليه الصلاة والسلام دخل إلى بستان فرأى فيه جملاً، فلما رأى الجملُ النبيَّ حَنَّ، وذرفت عيناه، فجاء إليه النبيُّ، ومسح ذفريه وقال: من صاحب هذا الجمل؟ فجيء له بفتًى من الأنصار، قال له: يا أيها الفتى، ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه))

[الطبراني عن عبد الله بن جعفر كما في الكنز]

 هذه شفافية.
 وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَراً بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ ))

[مسلم، الترمذي، أحمد َعنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

 النخلة التي كان يخطب عليها حَنَّت إليه، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال:

(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ ))

[البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]

 هذه شفافية.

 

الله عز وجل يكرم المؤمن بفراسة صادقة وهذه لا تغني عن طلب العلم :

 المؤمن الله عز وجل يكرمه بإشراق، بنور في قلبه، برؤيا صافية، بفراسة صادقة هذه لا تغني عن طلب العلم.
 المعنى الأول: اتقوا الله، إن اتقيتم الله عز وجل كنتم قريبين منه، هو نور السماوات والأرض، يلقي في قلوبكم النور، إذا اتقيت الله عز وجل قذف في قلبك النور.
 والمعنى الثاني: لم لا تتقون الله، وهو يعلمكم دائماً؛ بخلقه، وبأفعاله، وبكلامه وبأنبيائه، وبرسله، طرق التعليم التي نتعلمها من ربنا لا تنتهي، أحياناً الله عز وجل يرسل مصيبة من جنس الذنب تماماً، فهذا تعليم، إنسان بخل أن يدفع زكاة ماله، زكاة ماله فرضاً إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثلاثين، وقع له حادث، فصلح السيارة، تجليس، ودهان، وقطع، بلغ ما دفعه إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثمانين بالضبط، هذا تعليم؛ أن هذا المبلغ الذي أحجمت عن دفعه، وهو فرضٌ عليك، دفعته غرامةً.

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾

 طبعاً الرهن يمكن أن يكون في السفر وفي الحضر، ربما لا يتيسَّر لك الكتابة، ممكن أن تأخذ رهناً، إلا أن العلماء قالوا: الرهن ينبغي ألا يُنتفع به، قد تنتفع به لصالح الشيء، فقد تستخدم بساطاً لو خزَّنته لأصابه التآكل، قد تستخدمه لصالح الشيء، والدابة تركبها بعلفها، وتأخذ حليب الشاة لإطعامها، أما الأصل ألا تنتفع من الشيء المرهون، فإذا انتفعت بهذا الشيء المرهون كان هذا الانتفاع نوعاً من الربا..

﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾

 أما ما يفعله الناس، يستخدمون الرهن وينتفعون به، هذا شيءٌ مخالفٌ لمنهج الله عز وجل.

 

المؤمن يدلي بالشهادة الصحيحة ولا يخشى في الله لومة لائم :

 قال تعالى:

﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ﴾

 فالرهن أحياناً يحل مشكلة، شخص لا تعرفه، وعنده قطعة ذهب ثمينة لا يحب أن يبيعها يريد قرض بمبلغ يساوي هذه القطعة، أعطاك هذه القطعة الذهبية، قال: هي رهنٌ، فيجب أن تضعها في مكان أمين، فإذا جاء بالمبلغ تؤدي له هذه القطعة الذهبية.

﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾

 يقول بعض العلماء: الساكت عن الحق شيطان أخرس، أحياناً من المصلحة أن تكتم الشهادة، إن شهدت الحق لعلك تتأذى، لكن المؤمن يدلي بالشهادة الصحيحة، ولا يخشى في الله لومة لائم.

﴿ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾

 ما الذي يحدث في المجتمعات؟ شخصٌ قوي اعتدى على إنسان ضعيف، هذا الشخص القوي لو علم أنك شهدت لصالح الضعيف، لنالك من أذاه الشيء الكثير، كل الناس أحجموا عن أن يشهدوا مع الضعيف، ضاع الحق، يجب أن تعتقد أن الله يحميك، وأن الله يحفظك، وأن كلمة الحق لا تقرِّب أجلاً، ولا تقطع رزقاً..

﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

 هناك قواعد مستنبطة من حركة الحياة؛ شخص قوي جداً وظالم، واعتدى على إنسان، وأنت تعلم الحقيقة، دعيت للشهادة، الإنسان غير المؤمن يقول لك: أنا ما لي علاقة، إما أنه لا يشهد، أو يشهد لصالح الظالم، ضاع الحق بهذه الطريقة، أما المؤمن يعتقد أن الله يحمي مَن يشهد الشهادة الصحيحة، قال:

﴿ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

أسئلة عامة :

 أيها الأخوة... بعض الأسئلة:
 ـ يقول السائل: بالنسبة إلى صلاة الظهر في يوم الجمعة ما حكمها؟ هل تسقط كلياً؟
 ـ الجواب: صلاة الجمعة تجزئ عن صلاة الظهر قطعاً،

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾

 لا صلاة ظهر مع صلاة الجمعة، حتى إن المسافر لو دخل إلى مسجد وصلى الجمعة، تسقط عنه صلاة الظهر، حتى لو جاءت امرأةٌ إلى المسجد، فالمرأة ليست مكلفة أن تصلي الجمعة، لكن إذ جاءت مع زوجها من طرف المدينة، فنحن في عندنا مكان للنساء، لو أن امرأة استمعت إلى خطبة الجمعة، وصلت ركعتي الجمعة، سقط عنها فرض الظهر قولاً واحداً.
 في حالات كثيرة، امرأة توفي عنها زوجها، تسكن إلى جوار المسجد، ماذا يمنع أن تستمع إلى خطبة الجمعة؟ وإذا صلت صلاة الجمعة سقطت عنها صلاة الظهر، حتى المسافر وحتى المرأة، بل إن كل امرأةٍ ليس عندها أولاد تعتني بهم، ليس وراءها مسؤولية، وتسكن في جوار مسجد، نحن أحدثنا مكاناً للنساء، مصلى النساء، هذا يوم الجمعة خاص للأخوات المؤمنات يأتين إلى هذا المكان، ويستمعن إلى خطبة الجمعة، ويصلين الجمعة، وهذه الصلاة تغني عن صلاة الظهر باتفاق الفقهاء.
 فالمسافر إذا صلى الجمعة تسقط عنه صلاة الظهر، والمرأة كذلك، أما الأساس أن كل مسلم استمع إلى خطبةٍ، وصلى ركعتي صلاة الجمعة، سقطت عنه صلاة الظهر، بعضهم يصلي صلاة الظهر، على بعض المذاهب، هذا المذهب ينطلق من أنه لو أنه في قرية، فيها مسجدان، وكل مسجدٍ يتسع لكل سكان القرية، فيجب أن نصلي جميعاً في مكانٍ واحد، انطلاقاً من وحدة الكلمة، ومن وحدة المسلمين، فلو توزَّع المصلون أهل هذه القرية بين مسجدين، فالجمعة لمَن سبق، والذين صلوا في المسجد الآخر، وتأخروا عن الأولين فعليهم أن يصلوا الظهر، هذا الشيء الآن غير موجود، ليس هناك جامع في دمشق يتسع لكل سكانها.
 في حال أن أبناء قرية واحدة فيها مسجدان، كل واحد من هذين المسجدين يتسع لأبناء القرية كلهم، هذه حالة نادرة جداً الآن، فما دامت كل مساجد دمشق لا تستوعب نصف مليون، وسكان دمشق خمسة ونصف مليون، فمعنى ذلك أن كل صلوات الجمعة في المساجد صحيحة، وتسقط بها صلاة الظهر، هذا ما هو عليه المسلمون.

* * *

 ـ السؤال الثاني (غريب): المال المسروق هل يدفع صاحبه الزكاة؟
 ـ الجواب: بعد ما يسرق يدفع زكاة؟!! زودتها يا أخي، المال تدفع زكاته إذا كان في حوزتك، وتنتفع به، لكن حتى لو أقرضت قرضاً، هناك بعض المذاهب أنت معفى من الزكاة، لأنه فاتك ربح هذا المبلغ، بعض المذاهب حينما يرد إليك تدفع زكاة عام، مذهب آخر تدفع زكاة الأعوام السابقة، أما إذا معك الملايين، وأقرضتَ مئة ألف لواحد، فثمة اتجاه رابع هو: أن صاحب الدين يدفع زكاة الدين، تدفع الزكاة، إذا أنت غني جداً، والمبلغ يسير، أو تدفع الزكاة حين قبض الدين، أو تدفع الزكاة حين قبض الدين عن الأعوام السابقة، أو أنت معفى، أما أن يكون المال مسروقاً وتدفع الزكاة، هذا شيء ما كلفك الله فوق ما تطيق.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور