وضع داكن
21-11-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة البقرة - تفسيرالآية 22 بناء السماء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

السماء بناء لأن هناك نظاماً للجاذبية بين الكواكب:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الحادي عشر من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثانية والعشرين وهي قوله تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)﴾

[ سورة البقرة ]

أولاً أيها الإخوة الكرام؛ السماء بناء لأن نظام الجاذبية فيما بين الكواكب
 لولا حركة الكواكب في مساراتٍ مغلقةٍ لأصبح الكون كُتلةً واحدة، 
لأن كل جسم أكبر يجذب الأصغر، فالحركة التي تتحركها الكواكب ينشأ عنها قوى نابذة تكافئ القِوى الجاذبة،
 فالسماء بناء، لولا أن السماء كما قال الله عزَّ وجل: 

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾

[ سورة الطارق ]

أي أن كل كوكبٍ يدور في مسارٍ مغلق، تتناسب هذه الدورة باتساعها وسرعتها مع قوة جذب النجم الآخر له، إذاً ينشأ ما يُسمى في الميكانيك توازن حركي، 
كل شيء متحرِّك وكل شيء متوازن، هذا بناء ضخم، أي لابدَّ من توضيح هذه الحقيقة، لو أتيت بسطحٍ مستوٍ تماماً وجئت بكتلتين مغناطيسيتين بحجم بعضهما تماماً، وأتيت بكرةٍ بينهما، أي بجهد خيالي تستطيع أن تثبِّت هذه الكرة في المتوسط بين الكُتلتين بحيث يتكافأ جذب الكُتلتين لهذه الكرة فتقف في الوسط، 
أما لو زاحت عُشْر الميليمتر لانجذبت إلى الكتلة الأولى، لو انزاحت عُشر الميلي بجهة الكتلة الثانية لانجذبت إلى الكتلة الثانية، أما أن تستقر في الوسط فهذا يحتاج إلى جهد كبير جداً، أما إذا كانت الكتلتان غير متساويتين فتحتاج إلى حسابات رياضية كثيرة جداً، 
إذا كانت الكتلتان ثلثين وثلثاً لابدَّ من أن تضعها في مسافةٍ تتناسب مع جذب الكبرى ومسافةٍ تتناسب مع جذب الصغرى، حسابات.
 

هذا الكون مبني بناءً رائعاً أساسه التوازن الحركي:


أما إن كانت ثلاث كتل أو أربع كتل، وكل كتلة لها حجم، ولها قوة جذب، 
الحديث قبل قليل على سطح مستوٍ، أما إذا كانت هذه الكتل في فراغ وكانت متحرِّكة وبأحجام مختلفة، ومسافات مختلفة، وسُرعات مختلفة،
 أن تتوازن هذه الكتل المتفاوتة في الحجم والسرعة والمسافة وهي في فراغ ومتحركة، والمحصلة توازن، هذا هو التوازن الحركي، فيه إعجاز. 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

[ سورة الزمر ]

بيده ملكوت السماوات والأرض، هذا معنى قول الله عزَّ وجل: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ السماء بناء، والله سبحانه وتعالى هو الذي بنى هذا النظام، وبنى هذه المجرَّات، قد يقول أحدكم: كم مجرة في الكون؟ لا يزال الكون مجهولاً، أما المعلومات المتواضعة التي وصل إليها العلماء مليون ملْيون مجرة،
 وفي أكثر هذه المجرات مليون ملْيون كوكب ونجم، وكل هذه المجرات مُترابطة مع بعضها بعضاً بقوى التجاذب، ومتحرِّكة بمساراتٍ مغلقة بحيث إن هذا الكون مبنيّ بناءً رائعاً أساسه التوازن الحركي. 

﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 

أروع ما في هذه الآية أن كلمة (تزول) أعطت معنيين في آنٍ واحد:


أيها الإخوة الكرام؛ من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى، يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾

[ سورة فاطر ]

هذه آياتٌ دالةٌ على عظمة الله عزَّ وجل، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ الزوال هو الانحراف، أي هذا الكوكب له مسار، لو أنه خرج عن مساره، ماذا يحصل؟ لو أنه زال عن مساره، أقرب مثل هو الأرض، لو أن الأرض في دورتها حول الشمس خرجت عن مسارها ما الذي يحصل؟ قال: حينما تبتعد هذه الأرض عن مسارها تبتعد عن مصدر الطاقة والحرارة، تُصبح الأرض كوكباً جليدياً متجمِّداً تنعدم فيها الحياة لأن الوجه غير المقابل للشمس، لو أن الأرض ثبتت من دون أن تدور الوجه الآخر تهبط حرارته إلى مئتين وسبعين تحت الصفر، إلى الصفر المطلق، تنعدم الحياة، لو أن الأرض توقفت عن الدوران هنا الحرارة ثلاثمئة وخمسون درجة، هنا الحرارة حوالي مئتين وسبعين درجة تحت الصفر، انتهت الحياة، لو أنها خرجت عن مسارها وانطلقت بعيداً في الفضاء الخارجي، وحُرِمت من أشعة الشمس ومن طاقتها ودفئها أيضاً أصبحت كوكباً متجمداً، ومع الصفر المُطلق تتلاشى حركة الذرَّات، ومع تلاشي حركة الذرَّات تنتهي الأرض، وأروع ما في هذه الآية أن كلمة تزول أعطت معنيين في آنٍ واحد، لو أن الأرض زالت عن خط سيرها لزالت.
 

حركة الأرض حول الشمس من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى:


﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ للتقريب لو أن الأرض خرجت عن مسارها، وأردنا أن نعيدها إلى مسارها، طبعاً هذا كلام كله افتراضي، لكن الهدف منه أن تعرف ما معنى ارتباط الأرض بالشمس، قال: نحتاج إلى مليون ملْيون حبل فولاذي، أمتن عنصر في الكون هو الفولاذ المَضفور، لذلك المصاعد والتليفريكات كلها تستخدم الحبال الفولاذية المضفورة لأنها أمتن عنصر، لو أردنا أن نعيد الأرض إلى مسارها حول الشمس لاحتجنا إلى مليون ملْيون حبل فولاذي، قطر كل حبل خمسة أمتار، ما معنى حبل فولاذي قطره خمسة أمتار؟ أي هذا الحبل يقاوم من قوى الشد مليوني طن، ملخَّص الكلام أن الأرض مرتبطة بالشمس بقوة جذبٍ تساوي مليون ملْيون ضرب مليوني طن، هذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ لو أنها خرجت عن سيرها لزالت وتلاشت، الأرض مربوطة بقوة جذب تساوي مليونين ضرب مليون ملْيون طن، كل هذه القوة من أجل أن تُزيح الأرض عن مسارٍ مستقيم ثلاثة ميلي كل ثانية، من ثلاثة ميلي كل ثانية ينشأ مسار مُغلق حول الشمس، ثلاثة ميلي كل ثانية على مدى العام ينشأ مسار حول الشمس مغلق، هذه حركة الأرض حول الشمس، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ على جهل عباده، وعلى انحرافهم.
 

مسار الأرض إهليلجي:


هناك شيء ثانٍ أيها الإخوة؛ هذه الأرض في دورتها حول الشمس مسارها إهليلجي؛ بيضوي، والشكل البيضوي له قطران أصغري وأعظمي، فإذا كانت الأرض في القطر الأصغري تزيد من سرعتها لينشأ من هذه السرعة الزائدة قوةٌ نابذةٌ زائدة تكافئ المسافة القليلة التي تزداد فيها قوة جذب الشمس، توازن دقيق، في المنطقة ذات القُطر الأدنى تزيد السرعة، أما في المنطقة ذات القطر الأبعد فتتباطأ السرعة، لو أنها زادت لتفلَّتت الأرض من جذب الشمس، فكلما بطأت السرعة زاد الجذب، وكلما زادت السرعة قلَّ الجذب، ففي القطر الأصغر تزيد السرعة، وفي القطر الأكبر تقل السرعة، ينشأ من هذه الزيادة وهذا النقصان تفاوت في سرعة الأرض، أما لو كان هذا التفاوت عنيفاً، أو لو كان التسارع عالياً، معنى أن التسارع عالٍ نقول: هذه السيارة تنطلق من صفر إلى مئة في ثلاث ثوان، تسارع عالٍ جداً، من صفر إلى مئة في عشرين ثانية تسارع أقل، لو أن التسارع كان عالياً جداً لانهدم كلُّ ما على الأرض، الله لطيفٌ بعباده، تزداد السرعة شيئاً فشيئاً وتنخفض شيئاً فشيئاً، من هذا الازدياد البطيء والانخفاض البطيء يسلم كل ما على الأرض، هذا معنى قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ السماء مبنية.
 

الله جلَّ جلاله يمسك السماء أن تقع على الأرض:


يقول الله جلَّ جلاله في آيةٍ أخرى:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)﴾

[ سورة الحج ]

لو أن كوكباً انجذب إلى كوكبٍ واصطدما لانتهت الحياة على الكوكبين، فالله جلَّ جلاله يُمسك السماء أن تقع على الأرض، رَصدوا قبل سنوات وسنوات مذنباً يتِّجه نحو الأرض وظنوا أنه سوف يصطدم بها، وظنوا أن هذا هو يوم القيامة، ثمَّ حوَّل المذنب وجهته قبل مسافةٍ طويلة، فلو سمح الله عزَّ وجل في أية لحظة لكوكبٍ أن يصطدم بكوكب آخر لانتهت الحياة، فالله جلَّ جلاله يقول: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾ وفي آيةٍ ثالثة: 

﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)﴾

[ سورة الأنبياء ]

الآن الذي يجري في العالم مثلاً هذا الفيضان الذي شَرَّد مئتين وخمسين مليون إنساناً في الصين وجعلهم بلا مأوى، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الأرض، وهذا الارتفاع بسبب تَخَلْخُل طبقة الأوزون التي هي السقف المحفوظ للأرض، والسبب أن الإنسان حينما تعلَّم ولم يواز علمه دينه فغيَّر خلق الله عزَّ وجل، قال تعالى: 

﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)﴾

[ سورة النساء  ]

 

نهاية العلم أن يعود الإنسان إلى التصميم الإلهي:


هناك غازات كلها أثَّرت على هذه الطبقة الخطيرة جداً، أنه يوجد بأشعة الشمس مادة مؤذية جداً، الجزء المؤذي تمنعه طبقة الأوزون المحيطة بالأرض وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً﴾ محفوظاً من كل ما يؤذي الإنسان، فلما تخلخلت هذه الطبقة ارتفعت الحرارة، فذابت الثلوج في القطبين، وهذا انعكس على مُناخ الأرض، فالمُناخ الذي تمر به الأرض مناخ غير طبيعي، الآن تحتل البيئة في العالم كله الآن المرتبة الأولى، اخترع الإنسان وصَنَّع لكن هذا الاختراع كان وبالاً عليه، ويسير الإنسان الآن في طريق أن يعود إلى أصل التصميم الإلهي.
سمعت أن الدول المتقدمة بالمفهوم العصري تشتري الفاكهة التي لم تُسَمَّد بالأسمدة الكيماوية، والتي لم تُرش بالمبيدات الكيماوية، بعشرة أضعاف ثمن الفاكهة التي سُمِّدت وكوفحت آفاتها بالأدوية الكيماوية، لأن هذا يغير بنية هذه الفاكهة، وهذا ينعكس على أجسامنا أوراماً خبيثة، فالقضية يجب أن نعود إلى أصل التصميم الإلهي، الأصل أن الله جعل السماد طبيعياً وجعل المكافحة حيوية، وهذا ما يطمح إليه العالم في المستقبل، نهاية التقدُّم، نهاية العلم أن تعود إلى التصميم الإلهي في إنبات النبات، وتسميد النبات، ومكافحة الحشرات والأوبئة النباتية.
 

تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز:


أيها الإخوة الكرام؛ تقول الآية الكريمة: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ الآن يوجد علاقة بينهما ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ لحكمةٍ إلهية جعل الله رِزْقَ الإنسان في الأمطار، الأمطار وحدها آيةٌ من آيات الله الدالة على عظمته، تقول: من أين جاءت هذه البحار؟ سمعت أن مرصداً عملاقاً في أوروبا يستخدم الأشعة فوق البنفسجية في كشف النجوم، اكتشفوا سحابة كونية، سحابة واحدة من بين آلاف السحب تستطيع هذه السحابة أن تملأ البحار كلَّها ستين مرة في يوم واحد بالماء العذب، فكل من يقول: إن الرزق محدد، وهناك أزمة مياه في العالم، وهناك أزمة رزق في العالم: 

﴿ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ (58)﴾

[ سورة الذاريات ]

ودائماً ربنا حينما يقنن يقنن تقنين تأديب، ولا يقنن تقنين عجز. 

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)﴾

[ سورة الشورى ]

 

الكون من آيات الله الدالة على عظمته:


الحديث عن السماء وكيف أنها بناء حديثٌ دقيقٌ جداً، السماء بناء بكل معنى الكلمة، ذكرت مرةً أن الإنسان لو أراد أن يصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، نحن حولنا كواكب منطفئة، القمر منطفئ، المريخ منطفئ، أما إذا أردنا أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب قال العلماء: بعده عنا أربع سنوات ضوئية، بحسابٍ بسيط جداً يقطع الضوء في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر ضرب ستين في الدقيقة، ضرب ستين بالساعة، ضرب أربع وعشرين في اليوم، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين في السنة، ضرب أربع سنوات، ثلاثمئة، اترك الأصفار مبدئياً، هو ثلاثمئة ألف، ضرب ستين ضرب ستين ضرب أربع وعشرين ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين بعد ذلك أضف الأصفار المحذوفة، ينتج معك رقمٌ هذه المسافة بالكيلو مترات بيننا وبين هذا النجم الملتهب.
افتراضاً وهناك طريق معبد إليه، لكشف الحقيقة، ركبت سيارتي واتجهت إلى هذا النجم بسرعة مئة كيلومتر في الساعة، تقسم هذا الرقم الذي هو بعد النجم عن الأرض على مئة، كم ساعة؟ على الأربع والعشرين كم يوم؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة؟ تحتاج إلى خمسين مليون سنة كي تصل إلى أقرب نجم مُلتهب، والأدق من ذلك قريباً من خمسين أي تسعة وأربعين، ثمانية وأربعين تقريباً الرقم، وحسابه سهل جداً.
دقق الآن؛ بُعد نجم القطب عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، كنا أربع سنوات صرنا أربعة آلاف، نجم القطب، المرأة المسلسلة بعدها عنا مليون سنة ضوئية، في محطة أخبار عالمية أرسلوا مرصداً على مركبة إلى المشتري، ورصد أبعد مجرة حتى الآن رقم بسيط جداً، ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، نحن على أربع سنوات نحتاج خمسين مليون سنة إلى أن نصل على ثلاثمئة ألف بليون؟!! 
 

خشية الله محصورةٌ في العلماء:


قال تعالى: 

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

لو تعلمون، لأنه

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

كلمة ﴿إنما﴾ تعني أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشون الله، ﴿إنما﴾ الخشية محصورةٌ في العلماء، طبعاً مطلق العلماء أي إنسان، يقول أحد أكبر علماء الفيزياء: كل إنسان لا يرى من هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون، عليمةً هي أعلم ما تكون، رحيمةً هي أرحم ما تكون، حكيمةً هي أحكم ما تكون، هو إنسانٌ حيّ ولكنه ميت.

  معرفة الله تسمو بنا وإلا فنحن كالدابة كما ورد في الذكر الحكيم:


إخواننا الكرام؛  والله الذي لا إله إلا هو والذي لا يعرف الله عزَّ وجل، والله كالدابة تماماً.

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[ سورة الجمعة ]

هذه هي الحقيقة: 

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان ]

وقال: 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[  سورة النحل  ]

فلابدَّ من أن نعرف الله، معرفة الله عِلَّة وجودنا، معرفة الله تسمو بنا، معرفة الله تسعدنا، معرفة الله تحقق الهدف من وجودنا، معرفة الله تُفْضي بنا إلى الجنة وهذا هو الأصل. 
 

حينما تقرأ كلام خالق الأكوان تجد في قلبك سلامة الإيمان:


الشمس، حجمها بالدقة يزيد عن حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، لو وضعنا في الشمس مليوناً وثلاثمئة ألف أرض من أراضينا لوسعت كل هذا العدد، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، نجمٌ صغير أحمر اللون اسمه قلب العقرب في برج العقرب، عندما قال ربنا: 

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

[ سورة البروج  ]

الأرض في دورتها حول الشمس في اثني عشر شهراً، تمر في كل شهر ببرج، هذا البرج اسمه برج الميزان، برج العقرب، إلى آخره، تجد في برج العقرب نجماً أحمر اللون متألِّقاً اسمه: قلب العقرب، هذا النجم يتسع للأرض والشمس معاً، لكن مع المسافة بينهما، ذلكم الله رب العالمين: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ هذا الإله يُعصى؟!! يُعرض عنه؟! يُزْهَد في وعده ووعيده؟! لا ترجى رحمته؟! لا يخشى عذابه؟! بيده ملكوت كل شيء، هو نفسه أنزل هذا القرآن، هذا كلامه، وازن، هو نفسه أنزل هذا القرآن على النبي العدنان، أنت حينما تقرأ هذا الكلام كلام خالق الكون، كلام الذي بيده ملكوت كلِّ شيء، كلام الذي إليه يرجع الأمر كله، كلام الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، كلام الذي بيده الخلق والأمر، كلام الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، كلام الذي إليه المصير، هذا هو الدين، هذا الإيمان، لذلك: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ .
 

المطر وحده آية من آيات الله الدالة على عظمته:


كيف جعل الله أربعة أخماس الأرض بحاراً وخمسها يابسة؟ وجعل مناطق ساحلية من اليابسة خضراء، ومناطق داخلية صفراء، يا رب لمَ هذه الأراضي الصحراوية؟ لا ماء ولا نبات، حر شديد، معمل، هذه الصحراء معمل، الهواء ساخن جداً، بالأماكن الباردة الهواء بارد جداً، الهواء البارد ثقيل، كثيف، ضغطه مرتفع، الهواء الحار مخلخل، ضغطه منخفض، حينما توجد منطقتان إحداهما ذات ضغطٍ منخفض، والثانية ذات ضغطٍ مرتفع يتحرَّك الهواء بينهما، إذا تحرَّك ساق بخار الماء الذي في الهواء، ساقه من البحار إلى الداخل، لما ساقه إلى الداخل واجه جبهاتٍ باردة فانعقد المطر، فكانت هذه الخيرات، وهذه الأشجار، وهذه النباتات، وهذه الينابيع، وهذه الأنهار، مياه الأمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية ، غزارته في الثانية ثلاثمئة ألف متر مكعب، أين ينابيع هذا النهر؟ أين مستودعاته؟ تصوَّر نهراً يقدم ثلاثمئة ألف متر مكعب كل الثانية، أين مستودعاته؟ كل دمشق بما فيها من سكان يشربون من نبعٍ غزارته أثناء التفجُّر ستة وثلاثون متراً مكعباً في الثانية، تشرب كل دمشق من هذا النبع، فثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية هذه من أين؟ أين المستودعات؟ ذلكم الله رب العالمين.
المطر وحده آية من آيات الله الدالة على عظمته، من قال: إن الهواء يحمل بخار ماء بكل درجة، كل درجة يستوعب بها كمية بخار ماء خاصة، لولا هذه الخاصة لم يكن هناك أمطار، فالهواء الحار يحمل كمية بخار كبيرة، عندما يواجه جبهة باردة ينكمش، يعصر، قال الله عزَّ وجل : 

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)﴾

[ سورة النبأ  ]

قرأت مرَّة خبراً أنه قد نزَلت أمطار في رأس الخيمة في ليلة واحدة تقارب مئتين وخمسين ميليمتراً، أي تساوي أمطار دمشق في كل موسم الشتاء، إذا أعطى أدهش، كل شيء عند الله عزّ وجل قد يكون رحمة وقد يكون عذاباً، الرياح نعمة، أما الريح ريح صرصرٍ تأخذ كل شيء، لا تبقي شيئاً، الأعاصير، فالماء قد نغرق بالماء، وقد ننتعش بالماء، وهكذا كل شيء.
 

كل شيء خلقه الله عزَّ وجل خصيصاً للإنسان:


﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ هذا موسم فواكه، هل خطر في بالك من صنع هذه البطيخة؟ من صممها بهذا الحجم أساسها بذرة واحدة، من أين جاء هذا الطُعْم الحلو؟ وهذا اللون الأحمر؟ وهذه المواد المُدِرَّة؟ وهذه المواد المفيدة؟ ومن جعل هذه القشرة سميكة جداً وذات شكل بيضوي؟ تجد السيارة تحمل عشرة أطنان من البطيخ، البطيخ في الأسفل كما هو في الأعلى، لأن الشكل البيضوي أكبر شكل يقاوم الضغط، لأن الضغط على أي مكان فيه يوزَّع على كل سطح هذا الشكل كالبيض تماماً تضع مئة بيضة في سلة، البيضة التي في الأسفل لا تتأثر أبداً، تأكل التفاح، الدراق، الأجاص، هذه الفاكهة لها طعم، لها شكل، لها قشرة خاصة، لها لون، لها مكوِّنات، لها قِوام، من جعل قِوامها ومكوِّناتها وطعمها وشكلها ولونها يشتهيه الإنسان؟ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ ، ﴿لكم﴾ لكم خصيصاً لكم، قد تُدعى إلى وليمة أنت ضيف الشرف، كل هذا الطعام صُنِع من أجلك أيّها الإنسان، قد يطرق الباب طارق، ضيف زائر تفضَّل وكُلْ، لكن هذا الطعام لم يصنع لهذا الضيف الطارق صُنِع لضيف الشرف، يجب أن تعلم علم اليقين أن كل شيء خلقه الله عزَّ وجل خصيصاً لك، هذا يُستفاد من قوله تعالى، ﴿لكم﴾.

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)﴾

[ سورة النحل ]

 

كل ما في الكون مسخر للإنسان من أجل أن يعرف الله وأن يسعد بقربه:


قال تعالى: 

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)﴾

[ سورة يس ]

هذه الحيوانات الأليفة سبحان الله! جمل وزنه ثلاثة أطنان يقوده طفل صغير لا يخاف منه، لكن والد هذا الطفل يخرج من جلده إذا رأى عقرباً صغيراً، عَقرب صغير هذا غير أليف، ترى طائراً وديعاً تشتهي أن تَضُمَّه، الجُرذ بنفس الشكل والانسياب لا تتحمل أن ترى منظره، من صَمَمَ هذا الحيوان مُحَبَب وهذا غير مُحَبَب؟ هذا أليف وهذا غير أليف؟ الغنمة يقول لك: فلان مثل الغنمة، لو رَكَّب الله فيها طباع الضبع من يجرؤ أن يشتري غنماً ليذبحها في العيد؟ يقول لك: انضبعنا فيها، فلان مضبوع أي خائف، مأخوذة من الضبع، انظر: 

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)﴾

[ سورة يس ]

﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ ، تتبع كلمة ﴿لكم﴾ في القرآن كلُّه مسخَّرٌ لك، أبداً،  من أجل أن تعرفه، من أجل أن تعبده، من أجل أن تسعَد بقربه.
 

حينما تخضع لإنسان فقد جعلته نداً لله:


﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ الفواكه تكريم للإنسان؛ كرز، مشمش، تفاح، دُراق، أجاص، بطيخ، البطيخ أنواع منوَّعة، التفاح أنواع منوعة، العنب أنواع منوَّعة، أنواعٌ لا يعلم عددها إلا الله، كلَّها مصممة من أجل أن تأكلها، وأن تعرف الله من خلالها: ﴿رِزْقاً لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا أحد يقول طبعاً: إن هناك إلهاً آخر خلَق، أما أنت حينما تخضع لإنسان فقد جعلته نداً لله، ذكرت مرةً: أنه -ودققوا في هذا الكلام- من أطاع مخلوقاً وعصى خالقه، فهو ما قال: الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه في الأساس أطاع الأقوى في نظره، جعله نداً لله، هناك أشخاص يجعلون فتنة الناس كعذاب الله، مثلاً إذا هدده إنسان قوي فإنه يعصي الله، يشرب الخمر كي يتخلَّص من شره، أنت جعلت عذابه كعذاب الله، فحينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً فأنت لم تقل: الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، هذا كلام دقيق، لأنك أطعت الأقوى في تصوِّرك، أطعت الأكثر فعَاليةً في تصورك، الآن من لم يُقِم الإسلام في بيته إرضاءً لأهله ولأولاده فهو ما قال: الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه رأى أن إرضاء أهله وأولاده أغلى عنده من إرضاء الله عزَّ وجل، الآن مَن غَشَّ المسلمين ما قال: الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه رأى أن هذا المال الحرام الذي يكسبه من غِشِّ المسلمين أغلى عنده من طاعة الله. 
أحياناً يقول الإنسان كلمة واحدة تكشف أنه جاهل، لو قال لك أحدهم: أنا درست الطب وقال لك: كلما كثر الملح في الطعام يتحسن ضغطك وينخفض، هذا لم يدرس الطب، ولا هو طالب طب، وليست عنده ثقافة طبية، ولا معه بكالوريا، وهو خاو من أية ثقافة، مستحيل لأن الملح يرفع الضغط، وهو قال لك: كلما كثر الملح ينزل الضغط، هذا جهل مطبق، إنه تكلم كلمة لكن هذه الكلمة تُنبئك أنه جاهل.
 

لا أحد يستطيع أن يدّعي خلق الكون إلا الله:


لو رسم أحدهم خارطة لسوريا، ووضع دمشق على الساحل هل يكون هذا عالماً؟ هذا مُنْتَه، غلطة كبيرة، فالإنسان عندما يطيع مخلوقاً ويعصي الخالق هذه غلطة كبيرة جداً، لذلك الكلمة التي أقولها دائماً: عندما يأكل الإنسان مالاً حراماً أقول: هو لا يعرف الله، لو عرف أن الله لابدَّ من أن يُحاسبه، ولابدَّ من أن يدفع الثمن باهظاً ما عصى الله عز وجل، الذي يعتدي على أموال الآخرين، الذي يعتدي على أعراضهم، الذي يقيم الشِقاق بينهم، النَمَّام، المُغْتاب، هؤلاء جميعاً لم يعرفوا الله لو عرفوا الله لوقفوا عند حدودهم: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا أحد يقول: إن هناك جهة خلقت الكون، لا أحد يستطيع أن يدّعي خلق الكون إلا الله، الله يقول: 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)﴾

[  سورة السجدة ]

ما معنى نِداً لله؟ النِّد هنا معناه أنك تطيعه كما لو كان إلهاً، تحبُّه كما لو كان إلهاً، تعبده كما لو كان إلهاً، تُعلِّق الأمل عليه كما لو كان إلهاً، تخضَع له كما لو كان إلهاً، هذا: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ .
 

المشكلة الكبيرة في العالم الإسلامي أن الناس يعبدُ بعضهم بعضاً:


أيها الإخوة الكرام؛ بمناسبة قوله تعالى:﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أن هؤلاء لم يخلقوكم، ولم يرزقوكم، ولا يملكون نفعكم ولا ضرَّكُم، ومع ذلك تتخذونهم أنداداً؟! وهذه مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي، الناس يعبدُ بعضهم بعضاً، يقول الله عزّ وجل: 

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾

[ سورة البقرة ]

أن تتخذ نِداً لله أي أن تُحِبَّه كحب الله، أن تخافه كما تخاف الله، أن ترجوه كما ترجو الله، أن تُعَلِّق عليه الأمل كما تُعلق الأمل على الله عزَّ وجل، ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ السابقين ﴿أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي ظلموا أنفسهم حينما أحبوا أندادهم كحب الله ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾ .
 

الذي ينبغي أن يُحَب هو الله وحده لأنه أصل الكمال:


الذي ينبغي أن يُحَب هو الله وحده لأنه أصل الكمال، وأصل النوال أي العطاء، وأصل الجمال، الذي ينبغي أن تحبَّه وحده هو الله، ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ وقال: 

﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)﴾

[ سورة الزمر ]

أي قد يمرض ابن الرجل مرضاً شديداً، يأخذه إلى طبيب، يُلهم هذا الطبيب بتوفيق الله تشخيص المرض الدقيق، ويُلهم وصف الدواء المناسب فيشفى هذا الابن، الأب نسي الله وعزا الشفاء إلى الطبيب، تُوكِّل محامياً فأكرمك الله عزّ وجل بأن ألهمه المذكرة الدقيقة وألهم القاضي أن ينصفك فأنصفك، تعزو نجاح الدعوى إلى هذا المحامي وذاك القاضي، لذلك قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ .
 

الشرك الخفي هو أن ترى مع الله أحداً:


وقال: 

﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)﴾

[ سورة يونس ]

فهذه الآية: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الإنسان إذا عَزَا الأمور إلى قوَّته، أو إلى حكمته، أو إلى علمه، أو إلى قوة الآخرين وعلم الآخرين فقد أشرك، لا ينبغي أن ترى مع الله أحداً، هذه الآية أيها الإخوة من الآيات الدقيقة التي تبيِّن أن الشرك الخفي هو أن ترى مع الله أحداً، أن تتخذ من دون الله أنداداً تحبُّهم كما ينبغي أن تحبَّ الله عزّ وجل.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور