وضع داكن
27-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 36 - الاستقامة مفتاح الرزق
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، و أهلاً و مرحباً بكم مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة ، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا و أستاذنا الكريم أهلاً وسهلاً .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، و أعلى قدركم .
المذيع :
 الله يحفظكم يا دكتور ، شيخنا الكريم ، عنوان لقائنا لهذا اليوم "الاستقامة مفتاح الرزق" ونبدأ حلقتنا بقول الخالق الكريم من الكتاب الحكيم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود : 112]

 و القول أيضاً من كتاب الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم :

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد و الدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 شيخنا الكريم ، كيف للاستقامة أن تكون مفتاحاً من مفاتيح الرزق والكرامة ، نبدأ بداية بتوضيح ما معنى الاستقامة ، شيخنا الجليل ؟

 

الفرق بين اللذة والسعادة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم .
 إن هناك عشرات الألوف من الكتب الإسلامية ، و الدعاة ، و العلماء ، و الذين يعملون في الدعوة ، و المؤسسات ، إلى آخره ، لكن ممكن أن نضغط هذا العدد الكبير من كتب و من دعاة و من موضوعات و من مؤسسات بعدد بسيط تسمى كليات الدين .
 مثلاً السيارة قد يكون فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أما أنا كراكب فيها أرى غلافاً معدنياً ، ومقاعد ، ومحرك ، ووقود ، ومقود ، وعجلات .
المذيع :
 هذه الكليات .
الدكتور راتب :


لذلك أهم شيء كليات الدين ، الله عز وجل جعلها في أربع جوانب ، أول جانب الجانب العقدي ، الإيديولوجي ، الفكري ، المنطلقات النظرية ، الفلسفي إن صح التعبير ، جانب فكري عقدي وجانب حركي ، الحركي نوعان ، حركة سلبية ، هي الاستقامة ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غشيت ، أنا ما فرقت بين امرأة وزوجها ، وجانب إيجابي أنفقت من علمي ، من عملي ، من مالي ، من صحتي ، من جاهي ، من خبرتي ، الثمرة تنعقد لهذا المستقيم الصالح ، تنعقد لهذا المؤمن ايدولوجياً ، المستقيم سلبياً ، الصالح إيجابياً ، ثمرة ، هي الاتصال بالله ، الله أصل الجمال و الكمال و النوال ، فالمتصل بالله عز وجل يشعر بسعادة ، والفرق كبير بين السعادة واللذة ، اللذة حسية ، طعام لذيذ ، منظر جميل ، ثياب أنيقة ، اللذة حسية ، وهذه اللذة دائماً تحتاج إلى ثلاثة أسباب ، تحتاج إلى صحة وإلى وقت وإلى مال ، ولحكمة بالغةٍ بالغة يوجد صحة ، ويوجد قوة ، لكن لا يوجد مال ، في الوسط يوجد مال ، ويوجد صحة لكن لا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ، يوجد وقت ، لا يوجد صحة ، هذه اللذة ، أما الاتصال بالله يسبب السعادة ، السعادة غير اللذة .
المذيع :
 إذاً شيخنا الكريم ، الاستقامة معناها ابتعاد الإنسان عن المحرمات وأداؤه العبادات .

من يغلب على إيمانه أن علم الله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :

الدكتور راتب :
 ظاهراً و باطناً .
المذيع :
 وأداؤه للطاعات هذه الاستقامة ، كيف يمكن شيخنا لهذه الاستقامة كما جاء في الحديث النبوي الشريف :


(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد و الدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 كيف أن تكون هذه الاستقامة مدعاة لجلب الرزق والفرج ؟
الدكتور راتب :
 قبل ذلك ، الإنسان متى يستقيم ؟ دعك من هذا السؤال ، متى يقف على الإشارة الحمراء في السيارة ؟ أبسط قضية ، تركب سيارتك ، وتمشي بالطريق ، الإشارة حمراء ، لِمَ تقف؟ لأنك موقن أن واضع قانون السير من خلال هذا الشرطي ، أو من خلال آلة التصوير الكاميرا ، علمه يطولك ، و قدرته تطولك ، و بإمكان واضع القانون أن يمنعك من أن تقود المركبة سنة ، تمام ، لأنك موقن أن واضع القانون علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، إذاً لا يمكن أن تعصيه ، وهو شرطي ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق : 12]

 أي الله اكتفى من كل أسمائه بالقدير والعالم ، يعلم و يعاقب .
 إذاً حينما يغلب على إيمان المرء أن علم الله يطوله ، وأن قدرته تطوله ، لا يمكن أن يعصيه .
المذيع :
 رغم أن هذه حقيقة ثابتة ، لكن لا يؤمن الناس بها دكتور ، لماذا ؟
الدكتور راتب :
 لأن شهوتهم غلبتهم ، الإيمان شيء عقلي ، شيء إيديولوجي ، تصوري ، الإيمان يحتاج إلى جهد .
المذيع :
 لأنه من الغيب ؟

 

الإدراك أرقى صفة في الإنسان :

الدكتور راتب :
 طبعاً ، أنت ممكن أن تضع إلى جانب اسمك حرف الدال فقط ، يعني دكتور ، كم سنة درست ؟ ثلاث وعشرون سنة دراسة من أجل د . من أجل أن تكون مؤمناً تسعد في الدنيا والآخرة ، لست مستعداً لطلب العلم ؟ تبحث عن كتاب تفسير ، تبحث عن درس دين ، تحضر مجلس علم في جامع ، تسأل ، تطالع ، تقرأ ، هذه مشكلة .
المذيع :
 جميل! إذاً وجود الله سبحانه و تعالى وإحاطته للبشر علماً هي قضية ثابتة لكن يبدو لأنها غيبية لا يوجد لها علامات أو دلالات صريحة ومباشرة ، فأنت لا ترى الله في هذه الدنيا ، يبدو أن بعضنا غلبته شهوته ، أعمت عقله عن التفكير بهذه الغيبيات ، أليس كذلك دكتور ؟
الدكتور راتب :
 الإنسان إذا وضع بطعام نفيس مادة سيئة ، وأنت إذا رأيتها لا تأكلها ، مهما كان الطعام نفيس ومغرٍ . الموضوع أن تدرك ، الإدراك من صفات الإنسان ، الإدراك أرقى شيء في الإنسان ، الله أعطى الإنسان قوة بدنية ، أعطاه جسماً ، وأعطاه نفساً ، وأعطاه قوة إدراكية .
المذيع :
 لماذا يغيب الإدراك أحياناً عنا دكتور ؟
الدكتور راتب :
 شهوته تغلبه .
المذيع :
 فلا يعود يفكر بطريقة عقلانية .

المؤمن يسلم باستقامته ويسعد بإقباله على الله ويستمر بتربية أولاده :

الدكتور راتب :

﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 106]

 دقق :


﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾

[ سورة المؤمنون : 106ـ 105]

 أنا إيماني أنه لا يوجد إنسان إلا ويحب نفسه ، ثمانية مليارات في الأرض ليس بينهم واحد إلا ويحب سلامته ، اثنان : سعادته ، ثلاثة : استمراره ، سلامته باتباع تعليمات الصانع هي الاستقامة ، وسعادته بالإقبال عليه هي الاتصال بالله ، واستمراره بتربية أولاده ، أنت تسلم باستقامتك وتسعد بإقبالك وتستمر بتربية أولادك ، الدليل :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور :21]

 قال علماء التفسير : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، أي لا يوجد عمل أكبر ولا أربح من أن تربي أولادك .

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور :21]

 قال علماء التفسير : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .
المذيع :
 صدقة جارية تبقى ، الله يفتح عليكم يا دكتور . شيخنا هذه الاستقامة ، ومعرفة الله سبحانه و تعالى ، وامتثال أمره عن ما حرم ، كيف يمكن أن تكون مجلبة للرزق ؟
الدكتور راتب :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147 ]

 للتقريب : شخص أحب أن يتمشى على البحر عصراً ، حملناه عشرة كيلو ، ماذا أفعل بهم ؟ ليس لهم وظيفة .
 هل تظن أنه الله عز وجل يمكن أن يسوق لعبد مصيبة بلا سبب ، لا يمكن ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة .
المذيع :
 لكن لله حكمة دكتور ، أحياناً إنسان لا يفعل ذنباً ، والله يبتليه .

 

لو استقام الناس لجاءهم الخير من فوقهم ومن تحت أرجلهم :

الدكتور راتب :
 عندنا جواب لهذه : أنت رأيت أباً ، والأب محترم جداً ، أولاً مليء مادياً وعاقل جداً وعنده علم عال جداً ، و ضرب ابنه بالطريق ، هل تتهم الأب أنه أخطأ ؟ هناك سبب أنا لا أعرفه ، أنا إما أن أعرف السبب ، أو أن أدع السبب إلى الله عز وجل ، و كل إنسان يصدق الله عز وجل .


ما من عثرة ، و لا اختلاج عرق ، و لا خدش عود ، إلا بما قدمت أيديكم ، و ما يعفو الله أكثر .
 سارق في عهد سيدنا عمر ، قال : أقيموا عليه الحد ، قال : والله إن الله قدر علي ذلك ، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، هذه الاستقامة دكتور ، وحينما يصبح الإنسان متصلاً بالله عز وجل هل تفتح له أبواب الرزق ؟
الدكتور راتب :
 إذا كان التضييق ، تضييق الرزق بسبب انحراف ، فإذا استقام المعنى المقابل والحتمي :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة النساء : 16 ـ 17 ]

المذيع :
 ما معنى هذه الآية دكتور ؟
الدكتور راتب :
 ولو أنهم استقاموا لجاءهم الخير من فوقهم ومن تحت أرجلهم .
المذيع :

﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة النساء : 16 ـ 17 ]

 ما المقصود بها ؟

 

الفتنة بالمعنى الدقيق تعني إيجاباً أو سلباً :

الدكتور راتب :
 الافتتان هنا ليس معناه سلبياً ، معناه امتحان فقط ، نحن باللغة العامية فلان انفتن أي عصى ، لا غير صحيح .

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾

[ سورة طه : 40 ]

 فُتنت فنجحت ، الفتنة بالمعنى الدقيق لا تعني سلباً ، تعني إيجاباً أو سلباً ، إنسان امتحن بالمال ، لكنه ما أكل مالاً حراماً ، ما غش ، ما كذب .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، في حديثنا عن "الاستقامة مفتاح للرزق" وضحتم فضيلتكم أن الاستقامة تعني انتهاج الإنسان لأمر الله سبحانه وتعالى في نهيه عن المحرمات ، وأدائه للفرائض والطاعات ، وهذا علم يحتاج يقيناً لدى الإنسان في أن يكون لديه إدراك بالغيبيات بأنه مع الله سبحانه وتعالى ، وكما أن الله يعاقب العاصي فالذي يستقيم أحد مكافآته أن الله يفرج عليه في الدنيا وفي الآخرة . الآن السؤال دكتور سيأتي البعض وذكرتم الآية الكريمة :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة النساء : 16 ـ 17 ]

 سيذكر لك أمثلة لأناس صالحين ، و جزء منها من سيرة النبي محمد عليه الصلاة و السلام إمام الصالحين ، و كانت الأوضاع المالية في فترة من الفترات صعبة و فيها من الفقر ما فيها ، فكيف لنا أن نربط هذا بما ذكرناه في الحلقة ؟
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الله عز وجل هو الخبير الحكيم ، خبير عليم ، يعلم دقائق تفاصيل دنيا عباده ، فالذي يصلحه الغنى يغنيه .

(( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، و إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إن أفقرته أفسدت عليه دينه))

 هذا عمل خبير .

 

الإنسان إما أن يعبد الله وإما أن يعبد المال وإذا عبد الله لا يهتم بالنتائج :

 علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .


إذا رأيت أباً يعاقب ابنه في الطريق و هو من كبار الشخصيات ، وعنده علم كبير وغني ، تقول : لعل هناك شيئاً لا أعرفه أنا ، يجب أن تسلم ، لو أن كل شيء واضح وضوح الشمس العبادة لم يعد لها قيمة ، لو كان كل شيء واضح .
 لو فرضنا قلنا لإنسان ادفع مئة وخذ ألفاً ، تجد طابوراً طوله مئة كيلو متر ، لكن قد تطيعه لفترة طويلة ولا تجد شيئاً ، هنا أثبتنا الاختيار ، لو كان العقاب يأتي عقب الذنب ، والثواب عقب العمل الصالح لالتغى الاختيار ، الله يريد إنساناً يحبه وحده ، يريد إنساناً صادقاً مخلصاً لذلك تستقيم ، يوجد متاعب في الحياة ، تستقيم و ما تغير شيء بدخلك ، تستقيم ، أنت إما أن تعبد الله ، وإما أن تعبد المال ، إذا عبدت الله لا تهتم بالنتائج .
المذيع :
 إذاً تشعر بالطمأنينة والرضا ، سواء كان المال وفيراً أو قليلاً ، هذا شأن الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 إذا الإنسان عصى الله مهما كان ذكياً وغنياً ، وعنده سيارات وبيوت وشقق على البحر ، ومنازل بالجبل ، وولائم ، وسهرات ، ولقاءات ، يوجد عنده قلق عام ، يوجد قلق الإنسان في كيانه هذا للإيمان ، هذا الإيمان القليل ما لم يغطى بمعرفة الله ، قلق دائم ، وقلق متنامي مع العمر ، لذلك : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، بداية ننوه للمستمعين الأكارم الراغبين بالمشاركة الهاتفية. شيخنا الكريم ، نعود إلى حديث نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام :

(( استقيموا ولن تُحْصُوا ، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ))

[مالك عن بلاغ مالك ]

 كيف للمؤمن لمن يستقيم أن يغدق عليه لدرجة لن تحصوا كما ورد في الحديث النبوي الشريف ؟

 

مستحيل أن يكلف الله الإنسان بشيء لا يستطيعه :

الدكتور راتب :
 لن تحصوا الخيرات ، أحياناً يحذف المفعول به ، فإذا حذف أطلق الفعل ، مثلاً إذا قلت : لا تصلح الحياة إلا بالمال ، أو لا تصلح إلا بالمنصب ، أو إلا بالصحة ، مثلاً ، أنت حددت ، أما الحياة لا تصلح إلا بالدين ، لأن الدين قال لك : استقم ، واعمل عملاً صالحاً ، وفكر في آخرتك ، وربي أولادك ، واخدم الناس ، لكن ، فأحياناً القطع يعطي معنى الشمول .
المذيع :
 إذاً المقصود هنا لن تحصوا ، لن تحصوا الخيرات .
الدكتور راتب :
 الخيرات ، بعضهم فهمها فهماً خاطئاً ، لن تحصوا الاستقامة .
المذيع :
 أي لن تتمكنوا من كامل الاستقامة .
الدكتور راتب :
 مستحيل أن تكلف بشيء لا تستطيعه ، ما الدليل ؟

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا َ﴾

[ سورة البقرة : 286]

 فإذا توهم الإنسان ، دقق ، كلامي دقيق ، إذا توهم الإنسان أن هذا الذي أُمر به لا يستطيعه ، الواقع النفسي لهذا الإنسان هو الشيء الذي لا يريد أن يفعله ، فإذا ما أراد فعله ، يتحجج بقوله : العمل فوق طاقتي .
المذيع :
 لكن بعض أهل الحديث قالوا في معنى ولن تحصوا ، أي لن تطيقوا حق الاستقامة .
الدكتور راتب :
 أنا أرجح المعنى الأول ، والثاني إذا الله أمرك بشيء لا تستطيعه يكون غير عليم .
المذيع :
 حاشا و كلا .

 

السعادة لا تكون بالمال فقط قد تكون السعادة بالطمأنينة :

الدكتور راتب :
 ما الدليل :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا َ﴾

[ سورة البقرة : 286]

المذيع :
 شيخنا الكريم؛ هل هذا قانون من قوانين الله الكون .

(( استقيموا ولن تُحْصُوا))

[مالك عن بلاغ مالك]


بمعنى أن أي إنسان مهما كانت أوضاعه إن استقام على شرع الله فلن يحصي الخيرات ، وسيفتح عليه خير الدنيا على مصراعيه .
الدكتور راتب :
 لا تقل أن خير الدنيا مال فقط ، أحياناً سعادة ، طمأنينة ، أحياناً تدخل لبيت صغير لكن يوجد مودة بين الزوجين ، وأولاد بعلاقة راقية جداً ، ليست كل السعادة بالمال .
المذيع :
 جميل! إذاً هذا قانون ، أنك إن استقمت لن تحصي الخيرات ، لكن ما هو مفهوم الخيرات ، لا يقتصر على المال المادي ، قد يكون استقرار أسري ، هدوء ، طمأنينة ، أنس بالله، هنا يتضح هذا المعنى بشكل كامل . وهذا ما تفسره أيضاً شيخنا عندما ذكرت أنه قد يكون الإنسان مؤمناً وأموره المالية فقيرة ، لكن قد يشعر بغنى بالنفس ، وقد يكون إنسان كافر وملحد والمال يجري بين يديه .
الدكتور راتب :

(( ليس الغِنى عن كثرة العَرَض ، ولكن الغِني غني النفسِ ))

[البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

المذيع :
 جميل ، هذا يوضح الموضوع ، تمام ، الله يفتح عليكم يا دكتور هذا التفصيل .
 شيخنا الكريم ، قد يكون الظاهر اليوم أن كثيراً من المتدينين أوضاعهم المالية أو ما يُرى منها هي بالحد الأدنى ، وأن غير الملتزمين ، وبعض الذين ينتهجون منهجاً حراماً بالفن أو بالكفر أوضاعهم ممتازة ، فأصبح هناك ارتباطاً ذهنياً عند بعض الناس أن المسلم دائماً أموره وأوضاعه منهزمة ، هل هكذا يفترض أن يكون حال المستقيمين في الدنيا ؟

 

هذا الدين عظيم لن تقطف ثماره إلا إذا حققت كل أبعاده :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن هذا الدين عظيم ، لن تقطف ثماره إلا إذا حققت كل أبعاده ، هو ما دام عرف الله ، و استقام على أمره ، و أحسن إلى خلقه يحتاج الجواب الإلهي :

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة : 18]



﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 31]

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر : 9]

 أنا لي اجتهاد أن يستوي فرضاً المستقيم مع المنحرف ، والصالح مع الطالح ، والكريم مع البخيل ، والمنضبط مع المتفلت .
المذيع :
 ما المقصود :

﴿ هَلْ يَسْتَوِي ﴾

[ سورة الزمر : 9]

 دكتور عفواً هنا ؟
الدكتور راتب :
 أي يتساويان .
المذيع :
 لا يتساويان مكانة عند الله .
الدكتور راتب :
 مطلقاً ، أن يستوي المحسن مع المسيء ، والصالح مع الطالح ، والمستقيم مع المنحرف ، والكريم مع البخيل ، والتقي مع المتفلت ، أن يستوي هذان النموذجان هذا لا يتناقض مع عدل الله ولكن يتناقض مع وجوده ، أبلغ من الثانية .
المذيع :
 فإذاً لا يستوي المحسن والمسيء .

 

ثلاث آيات قرآنية تبين استحالة أن يتساوى المحسن مع المسيء :

الدكتور راتب :
 أبداً .

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة : 18]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

 الآن :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 31]

 ثلاث آيات .
المذيع :
 إذاً يمكن أن يتمتع في الدنيا ولا يرضى الله عنه ويوم القيامة يحاسب عليها ، وهذه الآيات تشير بشكل مباشر إلى هذه المعاني .
الدكتور راتب :
 والآية تقول :

﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾

[ سورة الأحقاف : 20]

المذيع :
 أما القيامة مسألة أخرى ، الله يفتح عليكم يا دكتور . منذر تفضل معنا باتصال هاتفي.

 

أسئلة المستمعين :

المستمع :
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أريد أن أتحدث مع الدكتور بارك الله فيكم ، دكتورنا الكريم ، الله يكرمك ويرضى عنك إن شاء الله .
 دكتور ، سؤالي هو هل للاستقامة أثر في باب الرزق ، إنسان على سبيل المثال كان كثير المعاصي ، وما إلى ذلك من أحوال كثير من الناس في حياتنا الدنيا ، من تقلب النفس ، ومن تقلب الخلق ، فاستقام على أمر الله عز وجل والله عز وجل بارك له في رزقه ، وأعطاه سبحان الله سعادة لا يعلم بها إلا الله عز وجل ، وأعطاه زوجة صالحة ، هل للاستقامة أثر في تبدل حياة الإنسان مثلاً ؟ لأنني قبل شهر خلال أقل من دقيقة كنت في أمر ، سبحان الله زدت من الطاعة إلى الله عز وجل ، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل ، والله عز وجل فتح علي سبحان الله من خلال الدعوة إلى الله عز وجل ، نريد تعليقاً من فضيلتك ، بارك الله فيك .
الدكتور راتب :
 والله الذي لا إله إلا هو لا يمكن أن تتعرف إلى الله المعرفة المقبولة ، وأن تستقيم على أمره ، وأن تحسن إلى خلقه ، ولا تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، هذه حقيقة دامغة ساطعة واقعة ، أنت اتصلت بالله ، أصل الجمال والكمال والنوال ، اتصلت بالله الفعال ، الله فعال ، يوجد أشخاص قوالون لكن ليسوا فعالين ، اتصلت بخالق الأكوان ، اتصلت بالجميل ، بالجليل ، بالقوي ، بالعدل ، بالمريد ، وتقول أنا عندي مشكلة ؟ إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، النبي ما كان بغار ثور ؟ وغار حراء ؟ ما كان ملاحقاً ، ما كان ؟

((أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 وماذا تقول في الصلاة : وعلى أسعدنا محمد ، كان سعيداً جداً ، كان سعيداً بلقاء الله، سعيد باتصاله مع أصل الجمال والكمال والنوال .
المذيع :
 هذا الخير وهذه الثمرة لا يشترط أن تكون مادية .

 

معالجة الموضوعات الثانوية وترك الموضوع الأساسي خيانة لله ورسوله :

الدكتور راتب :
 لا .

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطاب نا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولو لاح من أنوارنا لك لائــــح تركت  جميع الكائنــــــــــات لأجلنــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى  سهولته قلنا له قــــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــا
***

المذيع :
 يا الله! نسأل الله أن يرزقنا وصلاً به سبحان الله . نجوى تفضلي يا أختنا الكريمة في اتصال جديد ، أهلاً ومرحباً . ننتقل إلى أبي أحمد تفضل يا أبو أحمد .
المستمع :
 السلام عليكم ، يعطيكم العافية ، أريد أن أقول كلمتين لو سمحت للشيخ ، المشكلة خطباء الجوامع الذين يخطبون يوم الجمعة ، الله يجزيهم الخير ، لو يركزوا كما يقول الدكتور النابلسي على معرفة الله ، ويركزوا على التوحيد ، خطباء المساجد يجعلون الناس يعيشون بالماضي وفقط لا غير ، لا يعرفون الناس إلى الله ويجعلون الناس والله كأنهم لا يعرفون الله نهائياً .
المذيع :
 جزاك الله خيراً سيدي للتنويه ، أنا لا أريد أن أتوسع كثيراً المعذرة لأنه خارج موضوعنا، شكراً جزيلاً على هذه النقطة المهمة .
نجوى تعود إلينا من جديد ، أبو أحمد شكراً لك .
 شيخنا الكريم ، قبل قليل أعيد لكم تعليق الأستاذ أبي أحمد بأن يقوم بعض الخطباء بتذكير الناس أكثر بملفات التوحيد .
الدكتور راتب :
 أريد أن أقول كلمة لكن دقيقة نوعاً ما : إذا كان في حياتنا مأساة كبيرة وأنت عالجت موضوعات لا علاقة لها بالمأساة فقد خنت الله ورسوله ، يوجد موضوعات بالفقه ثانوية جداً ، وفي بلد محتل مثلاً يعاني ما يعاني ، عندما تعالج موضوعات ثانوية جداً وتدع الموضوع الساخن الأساسي فهذه خيانة لله ورسوله .
المذيع :
 شيخنا الكريم سؤال : الآن إذا إنسان كان بعيداً عن الله فإن كان مؤمناً فعصى ، أو كان من بداية حياته بعيداً عن طريق الله فاستقام ثم فتح الله عليه الدنيا نفسياً ومادياً ، هل هذه علامة قبول لتوبته ؟

 

الفرق بين عبيد القهر وعبيد الشكر :

الدكتور راتب :
 طبعاً ، دقيقة :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 هذه ياء النسب ، ياء التودد ، أنت ابني .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 بالغ بالمعصية .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 يجب أن أعيدها مرة ثانية :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 ياء النسبة ، ياء التحبب ، أنت عبدي ، لذلك قالوا : هناك عبيد القهر وعبيد الشكر ، كيف ؟ إنسان معاق ، لا يستطيع الذهاب إلى الحج مثلاً ، معه شلل رباعي ، هذا عبد القهر ، وهناك عبد الشكر ، عندما شاهد نعم الله عليه هذه النعم قيدته عن أن يبتعد عن الله .
المذيع :
 أي أن عبيد القهر لمن لا يمتلك أصلاً قدرة لأداء الفعل ، والشكر هو يمتلك القدرة على الحلال والحرام ، فيختار طريق الله . الله يفتح عليكم يا دكتور . خالد تفضل باتصال جديد أهلاً وسهلاً .
المستمع :
 السلام عليكم ، يعطيكم العافية ، يا شيخ سؤال إذا سمحت لي ، من مدة تصيبني حالة فزع وهلع وأنا بالمسجد ، فكلما أدخل المسجد يصيبني هذا الموضوع ، فكيف أستطيع التخلص من هذه المشكلة ؟
المذيع :
 شكراً لك خالد ، الأخ خالد يقول : في يوم من الأيام دخل مسجداً ، فشعر بالخوف والفزع وحينما يعود لذات المسجد يشعر نفس الشعور ، هل من تعليق لفضيلتكم على هذا الأمر؟

 

العقل الباطن :

الدكتور راتب :
 غيّر المسجد ، و تنتهي العملية .
المذيع :
 ماذا قد تكون المشكلة دكتور ؟ هذا بيت ربنا في النهاية .
الدكتور راتب :
 والله هذا بحث طويل ، يحتاج عالم نفس ، ما السبب ؟
المذيع :
 السبب نفسي .
الدكتور راتب :
 أحياناً يكون في هذا المكان عنده مشكلة ، كلما جاء يتذكر المشكلة ، هذا يسمونه العقل الباطن . نأتي بمثل بسيط : شابان أرادا شراء سيارتين ، كل واحد سيارة ، الأول اشترى ، والثاني ما اشترى ، سرت إشاعة قوية في البلد أن هناك تخفيضاً جمركياً وهو خمسون بالمئة ، الذي اشترى يكذب هذه الإشاعة بعقله الباطن دون أن يشعر ، لأنه إذا كذبها يرتاح ، والذي لم يشترِ يصدقها بعقله الباطن لأنها تريحه ، الأول التصديق مزعج ، والثاني التكذيب مزعج .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور . سامر تفضل باتصال جديد ، أهلاً وسهلاً .
المستمع :
 السلام عليكم ، كيف صحتك يا دكتور ، الله يعطيك العافية .
الدكتور راتب :
 الحمد لله .
المستمع :
 الآن من فضل رب العالمين الإنسان يفعل ما عليه من أجل أن يرضي ربه ، ويحاول أن يكون مستقيماً كما تفضلت حضرتك ، ويقتنع ويرضى بحياته ، والحمد لله ، أصبح عندي شعور أحياناً أن الله إذا أحب عبده ابتلاه ، يبقى هناك شعور بالخوف ، ليس شعور الخوف من ربنا فقط ، بل الخوف من بلاء يأتيك ، لا نعرف كيف نتعامل مع هذا الشعور ؟ أن ربنا قد يبتليني ، وأنا مبسوط ومرتاح وراض بما عندي مهما كان قليلاً ، فكيف أتخلص من هذا الشعور الذي نوعاً ما يصبح مزعجاً لي ، وقد يعكر علي صفوتي وحياتي التي أنا راضٍ فيها ؟
المذيع :
 سؤال مهم جداً ، شكراً لك أخي سامر .

ارتباط الاستقامة بالعلم وبالحاضنة الإيمانية :

الدكتور راتب :
 الشعور بالخوف باعتدال حالة صحية وليست مرضية ، الفكرة دقيقة ، أنا أحياناً لا أخاف من عقاب من الله ، دخلي حلال ، لا أعرف غير زوجتي ، ربيت أولادي ، خدمت الأمة، لكن أخاف أن أخسر هذه النعمة ، الخوف ليس من الله ، أن أخسر هذه النعمة مع الله ، عندي قلق ، القلق مفيد جداً ، هذا حد معقول من الخوف له معنى إيجابي ، أن أخاف أن أفقد هذه النعمة .
المذيع :


جميل ، الله يفتح عليكم يا دكتور . حديثنا تحت عنوان : "الاستقامة مفتاح الرزق" ، شيخنا الكريم كيف يمكن للإنسان أن يكون مستقيماً ؟
الدكتور راتب :
 أولاً لا بد من علم ، مثلاً يمشي في طريق فيجد لوحة ، ممنوع التجاوز حقل ألغام ، هل يكمل ؟ لا يمشي ، والطريق ليس مغلقاً ، هذا الطريق بعد هذه اللوحة فيه حقل ألغام .
 فالعلم أصل ، النقطة الثانية المشجعة تحتاج حاضنة إيمانية ، تحتاج صحبة مؤمنين يعينوك على دينك ، تحتاج سهرة مع مؤمنين ، سفرة مع مؤمنين ، ما دليلها ؟

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 أي وجدناه غافلاً .

﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 تحتاج علماً وإرادة ، إذا قال لي أحد : أنا ليس عندي إرادة ، أقول له : لا عمل لك عندي إطلاقاً ، مثلاً إنسان معه مرض عضال ، قال له الطبيب : يوجد دواء شاف مئة بالمئة، يقول له : لا أنوي أن آخذه ، أنت حر .
المذيع :
 لا حاجة للعلاج ، الله يفتح عليكم يا دكتور .

 

ملخص لما ورد في درس اليوم :

الدكتور راتب :
 لكن أن تقول ليس عندي إرادة ، فما لك عندي عمل إطلاقاً .
المذيع :
 شيخنا الكريم ، نلم بالأفكار التي تفضلتم بذكرها في هذه الحلقة ، الاستقامة هي أن تسير على شرع الله ، ممتثلاً لأوامره ، منتهياً عن المحرمات ، الاستقامة تحتاج إنسان يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى وهذا إيمانه ، وهذا اليقين الغيبي ، فإذا آمن بوجود الله فخاف منه ، وأحبه فاستقام على شرعه ، من يستقم لا بد لله من أن يفتح عليه لكن فتوحات الله وكرم الله لا يشترط أن يكون مادياً ومالياً ، فالسعادة والذرية الطيبة وهداة البال والأسرة المستقرة جزء من خير الدنيا .
الدكتور راتب :
 ومكانة اجتماعية .
المذيع :
 وهذا ما يبرر أن بعض حال الصالحين والأنبياء لم يكن غنياً مالياً ، ولكن كان غنياً باحترام الناس وبالطمأنينة في القلب التي كانت موجودة ، والإنسان حتى يستقيم عليه أن يكون محاطاً بالبيئة الصالحة وبالأصدقاء الصالحين حتى يعينوه على هذا الخير .
الدكتور راتب :

﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

المذيع :
 نختم حلقتنا بالدعاء و نسأل الله القبول :

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة ، نور الله قلبكم بالإيمان ، وأمتعنا الله بعلمكم وبعمركم شيخنا الجليل .
 مستمعينا في الختام نذكركم بقول الخالق عز وجل :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة النساء : 16 ـ 17 ]

 وبقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد و الدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا أن نكون من أهل الاستقامة ليرضى الله عنا ولا نحصي الخيرات في الدنيا وفي الآخرة .
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور