وضع داكن
23-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 27 - حدود بر الوالدين
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مستمعينا الأكارم مباشرة حياكم الله أستاذنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، وأعلى قدركم، وحفظ لكم أهلكم، وأولادكم، ومن يلوذ بكم.
المذيع:
 الله يكرمكم ويجزيكم عنا كل خير شيخنا الكريم.
 حلقتنا لهذا اليوم نتحدث بها بإذن الله رب العالمين تحت عنوان" حدود بر الوالدين" وهذه عناوين مهمة جداً لبعض الناس، نبدأ حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى:

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 وأيضاً نلتفت إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل فقال:

((يا رسول الله، مَنْ أحَقُّ الناس بِحُسْن صَحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أمُّك قال: ثم مَنْ؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أبُوك ))

[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 فالأم والأب هم أحق الناس بصحابة أبنائهم.
 شيخنا الكريم هل لنا بداية أن نعرّف بر الوالدين حتى يتضح المعنى، ثم الحدود.

رفع الله عز وجل بر الوالدين إلى مستوى عبادته :

الدكتور راتب :
 قبل أن نقول ما المقصود كما تفضلت، بارك الله بك، ونفع بك.
 نحن عندنا في اللغة العربية العطف يفيد التماثل، أنت لا تقول مثلاً اشتريت قصراً وملعقة، قصراً وحديقة، قصراً وبستاناً، لا بد من التقارب والتماثل بين المتعاطفين، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، لأن الله أوجدنا من عدم، والأم والأب سبب وجودنا من الأداة، فرفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، إذاً يأتي بعد عبادة الله حتماً بر الوالدين.

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 لكن الأب الشاب بقوته، بصحته، بمكانته، بدراسته، بمنصبه، لا يحتاج لابنه إطلاقاً الآية فيها ملمح دقيق:

﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 الملمح الأدق:

﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

ما من عمل طيب يعجل لصاحبه في الدنيا مثل بر الوالدين :

 لو أن في اللغة كلمة أقل من أف لقالها الله عز وجل، لا يوجد أقل من أف، أف ليس كلاماً، زفير بصوت، العلماء حملوا على هذه الكلمة ثلاثين حالة تقريباً، أغلق الباب بانزعاج مثل أف، أن تحد النظر بأبيك كأف، أن تقبل توجيهه بتبرم، أف، ثلاثون حالة حمل العلماء على كلمة أف.

﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 الآن، قد يسأل سائل، الابن مؤمن، الأب غير مؤمن، ممكن.

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾

[ سورة لقمان: 15]

 إذاً القسوة بالكلام مرفوضة بكل الأحوال، وصاحب بالمعروف.
 أنا لي رأي للأخوة المستمعين والمشاهدين: ما من عمل طيب يعجل لصاحبه في الدنيا مثل بر الوالدين، ما من عمل طيب في الإسلام يعجل لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة إلا بر الوالدين، إن بررت أباك وأمك برك أولادك، والعملية دين ووفاء، بقدر ما تعامل أمك وأبيك يأتي جيل يعاملك كما عاملت أمك وأبيك.
 لي صديق في مصر، حدثني عن قصة عجيبة جداً، أب من عامة الناس، ليس له أية ميزة إطلاقاً، لا علم عميق، ولا دين، ولا انضباط، ولا أي شيء، لكن تقدم به السن، ووجد الناس من بر أبنائه شيء لا يصدق، شيء عجيب، هو إنسان أقل من عادي بالتزامه، بانضباطه، بدينه، بعباداته، بحث الموضوع بحثاً دقيقاً فكان الجواب: كان باراً بأبيه.
المذيع:
 ففتحت له أبواب الدنيا.

 

الرفق في التعامل مع الوالدين :

الدكتور راتب :
 أنا أقول للأخوة المستمعين والمشاهدين: بر الوالدين له عند الله عطاء لا يوصف، وهذا العمل يرقى إلى مستوى العبادة.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 شيخنا الكريم، في ظل فرضية بر الوالدين، وأمر الله سبحانه وتعالى لكل الناس ببر آبائهم وأمهاتهم، حتى وإن طلبوا منهم الكفر، فعليهم أن يكونوا رفيقين في رفض هذا الطلب، ولا أظن اليوم أب أو أم يطلب ذلك من ابنه.
الدكتور راتب :
 لا، ليست واردة في العالم الإسلامي، ليست واردة إطلاقاً، هذه حالات نادرة جداً، يكون الأب ملحد مثلاً.
المذيع:
 مع ذلك أُمرنا بالرفق في التعامل معهم.
 الآن يأتي سؤال دكتور: حينما يختلف رأي الآباء والأبناء بكثير من القضايا، كيف يفترض أن يكون التعامل مع هذا الاختلاف؟
الدكتور راتب :
 أنا أتمنى قبل أن أجيب عن هذا السؤال، أن الآباء الكبار، العقلاء، المتفوقين، لا يتدخلوا بالشؤون الشخصية الخاصة جداً بأولادهم، ربوا أولادكم، وأحسنوا إليهم، فإنهم خلقوا لزمنٍ غير زمنكم.
 مثلاً الأب عاش عمراً مديداً من دون كمبيوتر، ليس مقتنعاً به، الآن أداة دقيقة جداً الكمبيوتر، طلب الابن من أبيه كمبيوتر، زمان ابنك غير زمانك، ربوا أولادكم، وعلموهم فإنهم خلقوا لزمنٍ غير زمنكم.
 لكن لا بد من ضبطه، إذا ما انضبط هناك مشكلة كبيرة جداً، له أخطار لا تنتهي، هذه الشاشة، والكمبيوتر، والآيباد، هذه كلها أشياء حيادية، ممكن أن تكون أخطر أداة بيد الإنسان، مثل السكين تقشر بها الفاكهة فتأكلها، أو تذبح بها إنسان، أداة ذات حدين، لذلك لا بد من ضبط.

الأدب في الحوار :

 الآن هناك شيء مضطر أن أقوله: هناك فرق بين القمع والتربية، فرق بين أن تبني عنده الوازع الذاتي، أو أن تكون قامع خارجي، إذا أنت ربيت الوازع الذاتي لو سافرت منضبط، لو غبت منضبط، هناك أشخاص بحضور أبيهم منضبطين، لأنهم يخافونه، الأب قاس جداً، فإذا سافر خرقوا هذا الانضباط، فإذا مات ألغوا هذا الانضباط كلياً، فالبطولة لا أن يضبط من حولك بوجودك، بل بغيابك، بوجودك قمع، بغيابك إقناع، لذلك قالوا: أقنع ولا تقمع.
المذيع:
 في حالة الاختلاف دكتور، كيف يفترض على الأبناء أن يتعاملوا؟ وكيف يفترض على الآباء أن يديروا الخلل؟
الدكتور راتب :
 هنا تأتي الحكمة، مثلاً الأب تكلم كلاماً غير صحيح: والله يا أبتِ أنا أتعلم منك الكثير، لكن هناك وجهة نظر ثانية، لا أن يقول له: أنت لا تفهم بهذه الأمور، أو مخطئ.
المذيع:
 هذه العبارات لا تقال للأب.
الدكتور راتب :
 لا تقال، هناك عبارات لطيفة جداً لا تجرح، هناك وجهة نظر ثانية، هناك بحث جديد لم يكن من قبل، ثبت.
المذيع:
 من حق الابن أن يعترض على صواب ما يقوله الوالد لكن المعيار في أدبه في الحوار.

من الأدب أن تختار الوقت المناسب لكلماتك :

الدكتور راتب :
 بالأدب، يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك.
المذيع:
 الأدب ماذا يعني دكتور باختيار الكلمات؟ أم بنبرة الصوت؟
الدكتور راتب :
 أول شيء الوقت، أحياناً يأتي الأب غضباناً، هو غاضب إياك أن تقدم له شيئاً، اسكت أحياناً الصمت هو الحكمة، غضب اسكت، هو في بعض الأشياء إن كنت غضباناً وواقف اجلس، جالس قف، في البيت اخرج من البيت، إذا في غضب أصبح هناك استفزاز، يمكن يتكلم الأب كلمة الكفر دون أن يشعر من انفعاله، إياك أن تستفز أباك، أنت ابنه، يجوز أنك درست وتعلمت، هو يعتقده حديثاً آخر مثلاً، لكن هذا أب، يبقى أب، الأب أب، والأم أم، بقي الأدب هنا، يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك.
المذيع:
 فإذاً الأدب كما تفضلت دكتور اختيار الوقت المناسب للكلام، والعبارات، والحجم المناسب.
الدكتور راتب :
 لا يعطي محاضرة لوالده، بل يقول له: كأني قرأت بحثاً فيه وجهة نظر جديدة، أنا أقدمه لك، لا تقولها له أنت، أعطه إياه مكتوباً ليقرأه على مهل.
المذيع:
 هذا شيخنا لو كان هنالك اختلاف في وجهات النظر أو مناقشة في قضية علمية أو سياسية، ماذا لو كان شيئاً مرتبطاً بمصير الإنسان؟ مثلاً في زواج البنت أراد والدها أن يقنعها.

أنواع الشرك :

الدكتور راتب :

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾

[ سورة لقمان: 15]

 الشرك أنواع سيدي، عندنا شرك جلي، أن تعبد بوذا من دون الله، ما عندنا إياه، الله عافانا منه، عندنا شرك خفي، الحديث يقول:

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله))

 هذا هو الشرك الخفي، أي أن شهوتك جعلتها إله، ما الدليل:

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

[ سورة الفرقان: 43]

 ليس موضوع عبادة إطلاقاً، تصلي وتصوم لكن يوجد شهوة محرمة، تفعلها وأنت مصر عليها، أنت أحياناً أشركت، هذه خلاف المنهج، لذلك الله تواب، من الممكن أن تتوب ألف مرة لكن لا يوجد غير التوبة.
المذيع:
 يأتي الآن سؤال شيخنا: في حال تدخل الوالدين في القضايا المرتبطة بالحياة الشخصية للابن باختيار شريك الحياة، اللباس، الأصدقاء، التخصص، كيف نتعامل، ونطرح هذا الملف بتوسع؟
 حدود بر الوالدين هو عنوان لقائنا، شيخنا الكريم، نتحدث عن الخلاف الذي ينشأ بين الابن، والأب والأم فيما يرتبط في حياته هو كابن، يسعى بعض الآباء لفرض رأيهم وسيطرتهم على الابن، أين يكمن حدود بر الوالدين وحدود الاستقلالية؟

 

التخفيف من مديح الزوجة أمام الأم دون الإساءة للزوجة :

الدكتور راتب :
 قيب أن أجيب عن هذا السؤال الطيب، لي ملاحظة: هذه الأم ربت ابنها بكل ما تستطيع، وهو ثمرتها الوحيدة في الحياة، تأتي امرأة غريبة تخطفه من أمه، فلذلك البطولة هي التنسيق، أنا أنصح الأخوة الكرام، لا تمدح زوجتك كثيراً مدحاً غير معقول أمام أمك، لا تحتمل، عندما تسألك عنها قل لها: الحمد لله الله سترني بها، لا بأس بها، هناك أشخاص لا ينتبهون، يمدحها مديحاً غير طبيعي، هي ألم تتعب من أجله حتى كبر وصار ابنها، تأتي فتاة غريبة تسلبه عقله، غير صحيح هذا، هي أمه.

(( مَنْ أحَقُّ الناس بِحُسْن صَحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ ؟ قال: أمُّك قال: ثم مَنْ؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أبُوك ))

[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 الأم نعمة كبيرة، فأنت من الحكمة ألا تمدح زوجتك مدحاً مفرطاً، الحمد لله، لا بأس بها، من يرضى يعيش، هذه كلها كلمات ماطة، أنت شغفت حباً بها، خفف من مديح الزوجة أمام الأم.
المذيع:
 وهذا طبعاً ليس معناه أن يسيء إلى زوجته، لكن لا يبالغ في مدحها.
الدكتور راتب :
 لا يبالغ في مدحها، لكن طبعاً الحمد لله، الله أكرمني بها، متدينة، تصلي، تحافظ على نفسها، لا مانع من ذكر الإيجابيات، ومن الواجب ذكرها، لكن لا تمدحها كأنك مجنون ليلى.
المذيع:
 وليس أمام الأم، مراعاة لشعور الأم.
الدكتور راتب :
 طبعاً، كثير من الأشخاص يقولوا لأمهاتهم عندما تسألهم عن زوجاتهم: كيف حال زوجتك؟ ماذا أفعل هذا نصيبي؟ هذا قدري.
المذيع:
 تفهم من هذا الكلام أنه غير سعيد معها، دكتور.

 

على الابن أن يعطي كل ذي حق حقه :

الدكتور راتب :
 قال: نصيبي، ماذا أفعل الحمد لله، ماشي الحال.
المذيع:
 القاعدة ألا يبالغ في مدحها.
الدكتور راتب :
 لا يبالغ إطلاقاً، ولا يذم أمه أمامها، انتهت أمه عندها، مادام الابن ذم أمه، أو تكلم مع أمه كلمة قاسية أمام زوجته، انتهت الأم عند الزوجة.
المذيع:
 حتى لو غضب هو على والدته لا يصرح بهذا الغضب أمام زوجته.
الدكتور راتب :
 لذلك أفضل ما يكون في لقاء مشترك بين أمه وزوجته أن يكون منضبطاً جداً، يعطي كل ذي حق حقه، هي زوجته لها حق عنده، وأمه لها حق.
المذيع:
 ممكن نوضح دكتور، ما هو حق الزوجة؟ وما هو حق الأم على الابن؟ كيف يتفرغ في الوقت والخدمة والإسعاد للطرفين؟
الدكتور راتب :
 الأم لها حقوق لا تنتهي، هي سبب وجوده، ورعته رعاية كاملة، سنوات طويلة، طبعاً أهم شيء أن يطعمها مما يأكل، كلمة النبي ما أدقها، أن يكسوها مما يكتسي، لم يقل له أن يستدين، لكن من غير المعقول أن يأكل طعاماً فاخراً في بيته، وأمه لا طعام لديها، هذا لؤم.
المذيع:
 يعتبر عقوق.

مطالبة الله عز وجل الإنسان بالاعتدال :

الدكتور راتب :
 عقوق كبير، هو يأكل ما لذ وطاب، يُحضر فواكه وحلويات، وأمه ليس لديها شيء، يجب أن يطعم أمه مثل ما يأكل.
المذيع:
 نقول مما يأكل، أو من أفضل ما يأكل.
الدكتور راتب :
 مما يأكل، أن يطعمها مما يأكل، أي الوضع المعتدل، الله ما كلف الإنسان فوق طاقته، لبى لها حاجتها، وأمن لها الدواء أحياناً.
 أذكر قصة دقيقة، قالت له أمه: أريد هذا الدواء الساعة الثانية ليلاً، قال لها: الصيدليات أغلقت، خجلت منه فسكتت، لكنه يعرف أن هناك ثلاث صيدليات مناوبة، هل يصح هذا الكلام؟ ومعه سيارة، قال لها: الصيدليات أغلقت، فسكتت، شخص آخر، قالت له: أريد هذا الدواء، قال لها: على عيني، وركب سيارته وذهب ليبحث في ثلاث صيدليات ما وجد الدواء، الدواء في الحالتين لم تأخذه الأم، لكن عندما بحث ولم يجد ينام مرتاحاً، ويكون أدى الذي عليه، بينما عما قال لها: لا يوجد أحد، الصيدليات أغلقت، لا ينام مرتاحاً.
المذيع:
 ويكون عاقاً لوالدته.
الدكتور راتب :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14ـ 15]

المذيع:
 إذاً يفهم من هذا دكتور، أن بر الوالدين مرتبط بالقضايا التي لها علاقة بالوالدين ذاتهم، صحتهم، غذائهم، اتباع أوامرهم؟

 

حقوق الوالدين :

الدكتور راتب :
 أما ن تقول له: اشتري البدلة الفلانية، فيجيبها: هذا شأني الخاص، هذا النوع لا يناسبني، هذا اللون لا يناسبني.
المذيع:
 نتوسع في هذه القضية دكتور، الآن القضايا المرتبطة بي أنا، هل من حق الوالدين أن يكون لهم قرار بها، أم قراري أنا؟
الدكتور راتب :
 أحياناً يقترحوا عليك، فأنت تقبل إذا كان قرارهم سليم، اقتراحهم سليم، أما إذا ما ناسبك هذا اللون، ما بناسبك أنت، إنسان له مكانة اجتماعية، اللون الفاتح لا يناسبه، هناك ألوان تليق بمكانته، الأذواق مختلفة سيدي، أنا لا أقول أنّ الأب العاقل يتدخل بشؤون ابنه وزوجته الدقيقة، لا يتدخل، ترك الأمور لأن العصر غير عصره، هناك ألوان منوعة، طريقة لباس منوعة، أشياء منوعة.
المذيع:
 إذاً حتى نرتب الأفكار دكتور، فيما يرتبط بحياة الأم والأب، وصحتهم، وأكلهم أنا برأيي أمر طاعة أوامرهم.
الدكتور راتب :
 الطاعة في حاجاتهم الأساسية، طعام، وشراب، ولباس، ودواء، ومعالجة، وملازمة أقول هذه الكلمة، وأنا أعني ما أقول: يرسل السائق ليؤمن لأمه حاجاتها، فواكه، وحلويات، هي لا تريد هذه الأشياء، تريد ابنها، تريده أن يأت لعندها، فأنا أتمنى على الابن أن يخدم أمه بنفسه فهي تريده هو لأنها اشتاقت له، لا تريد أغراضاً.

من أسعد لحظات حياة الأب والجد رؤية أحفادهم :

 أنا أذكر، أنه في مصح بفرنسا أجروا استفتاء، الأعمار كبيرة جداً، كلهم مأوى عجزة، لكن سبعة نجوم، عشر نجوم، طبعاً بمبالغ طائلة، الأغنياء جداً، عندما تتقدم بهم السن يدخلون للمأوى، عشرة نجوم، الطعام، الشراب، مناظر جميلة، إطلالة على أماكن جميلة، سألوا جميع هؤلاء الأشخاص: ما حلمك؟ قد لا تصدق، جواب واحد للجميع: أن نرى أحفادنا.
 نحن مجتمعنا في الشرق الأوسط الجد يعيش مع أحفاده، ليلاً نهاراً، متعة كبيرة جداً أن يرى المرء أحفاده، هناك محروم من أحفاده، وعندما سألوهم في الاستفتاء ما طلبك؟ في مصح أجرته فلكية، كل شيء فيه، مسابح، مطاعم درجة أولى، إطلالة، غرف مدفأة.
المذيع:
 لكن حُرم من الأنس.
الدكتور راتب :
 حُرم من أحفاده، عندنا الأب دخله محدود، لكن أمه عنده، ووالده عنده، يجلس الأب مع أولاده، أسعد لحظات حياة الأب والجد أن يروا أحفادهم.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
 عندنا مثل شعبي في الشام: أغلى من الولد ولد الولد.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور، ويعطيك الصحة والعافية إن شاء الله. شيخنا الكريم، ربنا سبحانه وتعالى حباك بكم حفيد؟
الدكتور راتب :
 كثر والحمد لله، تسع وعشرون حفيداً.
المذيع:
 ما شاء الله، ربنا يحفظهم، ويقر عينك فيهم، ويديمك تاج على رأسهم. نستقبل مشاركات مستمعينا الكرام. أختنا هند من مصر تفضلي.
المستمعة:
 السلام عليكم، كيف حالك شيخنا الفاضل؟

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 الحمد لله أهلاً وسهلاً.
المستمعة:
 أهلاً بحضرتك، أنا أحب أن أقول: إنني سعيدة جداً اليوم بحضرتك، وأشعر أن الله أكرمني وشرفني اليوم إني أتكلم مع حضرتك.
الدكتور راتب :
 وأنا كذلك سعيد بالاتصال معك.
المستمع:
 ربنا يبارك في عمرك يا رب وفي علمك وعملك، ويتقبل منك ومنا ومن الجميع صالح الأعمال. شيخنا الكريم، من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ولك حق وفضل كبير عليّ، بفضل الله سبحانه وتعالى الذي هداني لدروسك القيمة والمفيدة، كان يجب أن أتصل معك وأشكر حضرتك جداً، وجزاك الله كل خير.
الدكتور راتب :
 الله يبارك فيك، ويعلي قدرك، ويحفظ لك إيمانك، وأهلك ومن يلوذ بك جميعاً.
المستمع:
 بارك الله بك شيخنا، وأهنئ حضرتك على البرنامجين الرائعين، سواء منهج التائبين، أو بيت المسلم، وأحب أن أقول لحضرتك: إن زوجي إن شاء الله سأشترط عليه أن يسمع البرنامجين.

متابعة حوار الأستاذ محمد راتب مع بعض المستمعين :

الدكتور راتب :
 وأنا أحب مصر كثير، لأنه لي ابنة مقيمة بمصر، أذهب لها من حين لآخر، فأنا أحب مصر، مصر أم الدنيا كانت وما تزال.
المستمعة:
 وإحنا نحبك والله.
المذيع:
 شكراً جزيلاً لك أختي هند من جمهورية مصر العربية، شكراً لك. نستمع إلى محمد، تفضل يا محمد.
المستمع:
 يعطيك العافية أستاذ، أنا لي حلم وحد، إني أرى الدكتور محمد راتب النابلسي، وأقبل جبينه.
الدكتور راتب :
 الله يبارك فيك، ويعلي قدرك، ويجعلني عند حسن ظنك.
المستمع:
 ما شاء الله عنك يا شيخ.
المذيع:
 شكراً لك أخي محمد وبارك الله فيك، وشكراً لك ولمشاركتك معنا. في موضوعنا عن حدود بر الوالدين. محمد تفضل باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، أستاذنا الشيخ كيف حالك؟

المؤمن كلما اجتهد يشعر بأنه مقصر أولاً مع الله وثانياً مع الوالدين :

الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً ومرحباً.
المستمع:
 أسعدك الله أستاذي الكريم، أنا سؤالي ضمن الذي تتكلمون فيه بالنسبة لرضا الوالدين، أنا أقدم كل شيء لوالدي بصراحة، لكن أحس أني مقصر جداً، ما السبيل أن أصبح أفضل؟
الدكتور راتب :
 هناك جواب دقيق جداً، أدِ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، أدِ الذي عليك، إن أديت الذي عليك من خدمة، من رعاية، من تلبية طلباتهم المعقولة والمشروعة، أديت الذي عليك اطلب من الله الذي لك من بر والديك، الله سيكافئك.
المستمع:
 أنا أعيش عندهم في البيت نفسه، كل ما يحتاجونه من أدوية إلى آخره، ولكن مع ذلك أحس أني مقصر جداً.
الدكتور راتب :
 هذا دليل كمالك، المؤمن كلما اجتهد يشعر بأنه مقصر، أولاً مع الله، بقدر ما يعبده ويطيعه، ويخدم عباده يشعر بأنه مقصر، وثانياً مع الوالدين.
المذيع:
 الله يفتح عليك يا رب يا محمد ويزيدك براً إن شاء الله.

الفرق بين الآباء والأبناء :

الدكتور راتب :
 عفواً، إذا إنسان عنده أم كبيرة في السن، أو أب كبير في السن، ومرضه عضال، يتمنى أن يخفف الله عنهم دون أن يشعر، لا يقولها إطلاقاً، أما الأب مع الابن ليس هكذا، يتمنى أن يعيش، شاهد الفرق بين أب عنده ابن، وابن عنده أب.
المذيع:
 ربنا يطهر قلوبنا إن شاء الله. معنا أحمد من تركيا تفضل أخي أحمد.
المستمع:
 السلام عليكم ورحمة الله، أنا أستاذي الكريم هل أستطيع أن أتكلم مباشرة مع الدكتور محمد؟ أستاذ محمد لا تصدق مقدار فرحتي حالياً بسماع صوتك مباشر، والله كان حلمي في سوريا أن ألتقي معك، سبحان الله تطورت الأحداث، وخرجنا من سوريا، وحاولت مراراً وتكراراً أن أتصل في مكتبكم سبحان الله حتى كتب الله لي أن أتصل بهذا البرنامج.
الدكتور راتب :
 فرح متبادل.
المستمع:
 أول شيء بارك الله فيك، وشكراً جزيلاً لا يمر يوم إلا وأسمع دروسك، وطبقت الكثير منها، وإذا أردت أن أشرح لك الوضع الذي صار في حياتي من تطبيق هذه الدروس والله في حلقات لا تكمل هذا الشيء، الحمد لله رب العالمين.
الدكتور راتب :
 زادك الله من فضله، وزادك علماً وعملاً، وقرباً من الله، ثلاث كلمات، علم، وعمل وقرب من الله.
المستمع:
 اللهم آمين، سيدي الكريم أنا متزوج، وتعرف أنت في مجتمعاتنا الشرقية أنا وحيد لأهلي على أربع بنات، في مجتمعاتنا الشرقية دائماً الوحيد بشكل عام يكون في بيت أهله، وكما تعلم إذا كان في قائدين للجيش سيكون هناك الكثير من المشاكل، الله سبحانه وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم أمر إذا كنتم اثنين فأمموا، وإذا كنتم ثلاثة فأمموا، حكماً سيصبح هناك مشاكل، إذا كان علماء مع بعضهم يكون هناك مشاكل، ودائماً أنا في حالة مشاكل، مشاكل بسيطة تحصل في أي بيت، فوجدت الحل أن أشتري بيتاً قريباً من بيت أهلي.

أن تسكن وحدك لا يعني أنك مقصر في حق والديك :

الدكتور راتب :
 كنت سأقول لك ذلك، تزور أمك كل يوم عشر مرات.
المستمع:
 أزور أمي كل يوم عشر مرات، ولكني أشعر دائماً بغصة عند أمي، حتى الآن صار لي شهر كلما آتي لعندها تبكي، ودائماً تسألني عن الأولاد، وكل يوم عندها، وكل يوم أحضر لها الأولاد.
الدكتور راتب :
 هذا قلب الأم.
المستمع:
 إن شاء الله لا أكون مقصراً، أنا أخاف الله.
الدكتور راتب :
 لست مقصراً أبداً، أنت حينما سكنت وحدك أعون على برها، لم يعد هناك تدخلات يومية، أحياناً تتدخل الأم، هي عاشت قبل خمسين سنة، المبادئ، والقيم، والأمور المادية بعيدة عنها، تعطي أمراً لكنتها بأشياء لا تناسب هذه الأيام، إذا قالت لها: لا أفعل ذلك، تغضب عليها، فلا بد أن تسكن لوحدك، لكن من الأفضل أن تزورها كل يوم، وكل يوم مرتين أو ثلاث، وبالغ بإكرامها، هذا واجبك، لكنك أنت عندما فصلت البيت إلى بيتين فقد فعلت إنجازاً كبيراً جداً، هذا أصبح بيتك، الأمر أصبح لك، وزوجتك هي الآمرة على أولادك.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور. شكراً لك أخي أحمد، وربي يكتب لكم هداة البال. صديق بمشاركة جديدة، تفضل.

للأم حق وللزوجة حق فعليك إعطاء كل ذي حق حقه :

الدكتور راتب :
 دقيقة أريد أن أقول له كلمة: للأم حق لا بد من أدائه، وللزوجة حق لا بد من أدائه أعط لكل ذي حقٍ حقه، أكبر خطر ينسى حق أمه، ويهتم بزوجته، أو ينسى حق زوجته، ليست خادمة عنده، أحضرها زوجة، عندما يهمل حق زوجته الله يحاسبه، وإن أهمل حق أمه الله يحاسبه، أدِ لكل ذي حقٍ حقه.
المذيع:
 الله يفتح عليك يا دكتور. تفضل يا صديق.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف حالكم، وكيف حال الشيخ، أطال الله عمرك يا شيخ جزاك الله الخير، ونفع بعلمك إن شاء الله.
الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً ومرحباً.
المستمع:
 أنا أستمع إلى الراديو وأنا بصراحة على الخط الصحراوي، وأستمتع بصراحة بكلامك، جزاك الله خير. سؤالي إذا تكرمت: بالبداية قلت إنّ الأب الناجح يستمع ابنه إلى كلامه في حضوره وكذلك في غيابه، بعدم حضور الوالد.

نصح الوالد لولده ينبغي أن يكون في الوقت والمكان المناسب :

الدكتور راتب :
 لأنه أقنع، الإقناع غير القمع، إذا قمعته بحضورك يفلت بغيابك، ويفلت أكثر بعد المغادرة من الدنيا، إذا أقنعته، قال: أقنع ولا تقمع.
المستمع:
 أنا أقنعه، في وجهي يضحك ويهز رأسه، ويقتنع، يخرج من البيت فيخبروني أنّ ابنك يغلط، ابنك يفعل كذا وكذا.
الدكتور راتب :
 أنت بهذه الطريقة أدِ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، أنت أقنعته، وتلطفت معه، وقدمت له كل حاجاته، هو رد فعله إما أن يكون إيجابياً، فيكسب كثيراً، أو يكون سلبياً الله يعاقبه.
المستمع:
 ما الأسلوب؟ أعطني أسلوباً أو طريقة.
الدكتور راتب :
 إذا عندك عشر نقاط تكلم عن واحدة فقط، تلطف، كل يوم مئة ملاحظة، لا يتحمل، أنت تجد عنده عشرة أشياء خاطئة، اختر واحدة مهمة وتكلم معه فيها اليوم، كل عدة أيام ملاحظة واحدة، بوقت مناسب، بوقت مرتاح، مثلاً وأنتم على الطعام، وعلى انفراد، إياك أن تنصحه أمام أخواته البنات، ولا أمام رفاقه، نصيحة ابنك أمام رفاقه غير مناسبة، تصغره بذلك، أو أمام أخواته البنات، تنصحه على انفراد وبنعومة، وبتلطف، هو إنسان، ووالده غال جداً عليه، لا بد أن يخجل منك، لا تنتظر منه الاستجابة اليوم، ربما يستجيب على التراخي.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور. معنا اتصال جديد من ابتسام، تفضلي أختي ابتسام.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية، الله يبارك فيكم جميعاً، الله يسعدك يا دكتور أنت رائع جداً.

الإنسان قد يكون إنسانياً أو عنصرياً :

الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 دكتور، أريد أن أسألك سؤالاً، دائماً من المفروض أن الشباب دائماً يبروا، نحن البنات أليس لنا دور؟ أنا متزوجة مثلاً، أحب أن أبر أمي، أنا والدي متوفى، وأنا زوجي كلما ذهب لأهله أقف معه، والده كان مريضاً، أنا من الناس الذين أشجعه على الذهاب، لا مشكلة، اعتني بأبيك، كل يوم ثلاث مرات، أربع مرات كل يوم، ساعده لا مشكلة، أما أنا إذا في لحظة مثلاً قلت له: أن والدي تعب ومريض، أريد أن أذهب وأطمئن عليه، لا يرضى.
الدكتور راتب :
 إذا لم يرض يكون غلطاناً، أقول على الإذاعة غلطان إذا لم يرض، مثلما هو له أم وأب، وأنت لك أم وأب، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، مثلما لك أم وأب غاليين عليك جداً، مثل أقوله: أمضى السهرة كلها يسخر من أم زوجته، وهي صامتة، في اليوم الثاني قالت على أمه كلمة فغضب وأحزنها، هذا عنصري، عندما الإنسان يقيس موضوعاً واحداً بمقياسين فهو عنصري. مثلاً مسألة أكبر: خمسة أشخاص بمجلس الأمن إذا قالوا: لا، حق الفيتو ألغي القرار، سيدي مليون قرار إنساني لغوه، هم، من هم؟ فالإنسان إما يكون إنسانياً أو عنصرياً.
المذيع:
 هذه هي الفكرة دكتور، حتى أحضر رأي الغائبين، قد يقول لها الزوج أنت مسؤولة عن البيت، إذا غبت وذهبت إلى بيت أهلك، الأولاد، دراستهم.
الدكتور راتب :
 طبيعي هذا، إذا كذلك لا مشكلة، أما إذا كان طلب منها أكثر مما ينبغي على أمه فهي ليست مكلفة بالأساس.
المذيع:
 الأخت ابتسام طرحت دكتور، زوجها لا يرحب كثيراً في زيارتها هي لأهلها، وليس لأهله هو؟

من حق الزوجة أن ترى أهلها كل أسبوع مرة كحد أدنى :

الدكتور راتب :
 من حقها أن ترى أهلها كل أسبوع مرة، الحد الأدنى.
المذيع:
 هل يمكن لها أن تزور أهلها يومياً إذا كان في حالة مرض لأمها أو لأبيها؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، استثناء، الأم غالية جداً.
المذيع:
 إذاً دكتور هنا يجب عليها التوازن، توازن بين حق بيتها وتربية أولادها، وبين حق والديها.
الدكتور راتب :
 خاصة إذا كبر أولادها ودخلوا المدارس، قبل الظهر لا عمل لديها، فلا بأس من أن تذهب وتساعد أمها، لا مانع، كن واقعياً يا أيها الزوج، مثلما لك أم غالية عليك لها أم غالية عليها، لست فقط من لديك أم، هي أيضاً لها أم، كما ترغب إرضاء أمك هي أيضاً تحب إرضاء أمها.
المذيع:
 الزوج إذا منعها في هذه الحالة دكتور من زيارة أهلها، يكون ظالماً.

القرارات الفردية المرتبطة بالابن القرار فيها للابن وليس للوالدين :

الدكتور راتب :
 إذا منعها يكون ظالماً.
المذيع:
 على شرط كما تفضلتم، أن توازن بين حق بيتها وأولادها، وبين حق أهلها.
الدكتور راتب :
 لا أقصد بذلك أن تذهب لبيت أهلها، وتترك واجبات بيتها، تترك أولادها دون طعام، وعندما يعودون من المدرسة لا يجدون شيئاً ليأكلوه، هذا لا يجوز، اطبخي واذهبي، لا مشكلة.
المذيع:
 هنا التوازن من الطرفين، من الزوج ألا يمنعها، وهي تؤدي الحق.
الدكتور راتب :
 هنا الحكمة.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا الكريم، نواصل حوارنا في موضوعنا حدود بر الوالدين، ونلخص ما ذكرتموه فضيلتكم في مطلع الحلقة، أن بر الوالدين هو أداء الإنسان لما يطلب وما يحب الأم والأب، فيما يتعلق بالحياة العامة، وحياة الأم والأب.
الدكتور راتب :
 ضمن إمكانيته، أي لا يستدين، ليس مكلفاً أن يتدين.
المذيع:
 أما القرارات الفردية المرتبطة فيه كلباسه، ودراسته، الأصل أن القرار فيها للابن وليس للوالدين.
الدكتور راتب :
 لكن يجيب جواباً لبقاً ولطيفاً.
المذيع:
 إن كان هناك آراء متعارضة عليه بالأدب، هناك امتناع، لكن في النهاية كان قراره الذي نفذ وإن كان معاكساً لقرار الوالدين بأدب لا يعد عاقاً.

 

مخالفة الأب إن كان على خطأ ولكن بأدب :

الدكتور راتب :
 أحياناً يكون الابن ورعاً، والأب ثقافته الدينية متواضعة جداً، يأمر ابنه بمعصية.

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾

[ سورة لقمان: 15]

 لك أبٌ زوّجك، لك أبٌ أنجبك، ولك أبُ زوجك يعني عمه أبو زوجته، ولك أب دلك على الله، أحياناً يتطابق الأب الذي أنجبك مع العلم، يكون عالماً، أما إذا كان أب غير عالم وطلب منه أشياء لا ترضي الله فعليه أن يسمع كلام العالم.
المذيع:
 في القضايا الدنيوية دكتور، مثلاً شاب يريد أن يتعشى هو وأصحابه، وأبوه يقول له: لا تذهب، هل هو مأمور بطاعة الوالد هنا؟
الدكتور راتب :
 إذا كان المطعم عادياً وليس مطعماً متفلتاً، ورفاقه محترمين، والابن معه مبلغ، لا تحرمه من علاقة اجتماعية، أما إذا كان المطعم فيه خمر مثلاً، والأولاد الذين مع ابنه غير منضبطين، يمنعه منعاً شرعياً.
المذيع:
 إذا كان هنالك سبب وجيه عند الأب فتصبح هنا طاعة أمره واجباً.

 

كلما أكثر الأب من الأوامر تضعف مكانته :

الدكتور راتب :
 أما بلا سبب لا داع، أعطه هامش حركة، هامش حرية، لا بد من هامش، الهامش ضمن الحق، ضمن الشرع، ضمن المألوف، ضمن المضبوط.
المذيع:
 إذاً بر الوالدين يفترض أن تكون أوامرهم لها أسباب وجيهة، وهنا يصبح على الابن طاعتها عدا ذلك فقد يكون تسلط لدى بعض الآباء والأمهات.
الدكتور راتب :
 وكلما أكثر الأب من الأوامر تضعف مكانته، لا تكثر الأوامر، من حين لآخر أعطه ملاحظة وتغافل عن سبعة.
المذيع:
 كيف يتعامل الابن مع تسلط أحد الوالدين؟ خاصة بعد الزواج، من الممكن أن تتدخل الأم في لباس الأحفاد، في اسم الأحفاد، في المدرسة، والابن لا يريد، ماذا يفعل؟
الدكتور راتب :
 يجب عليه أن ينسحب انسحاباً لطيفاً، ذكياً، دبلوماسياً.
المذيع:
 لا يطيعها لكن دون أن يغضبها.
الدكتور راتب :
 دون أن يزعجها، أن يتحداها.
المذيع:
 وكما ذكرتم قبل الفاصل أعط لكل ذي حقٍ حقه، الزوجة لها حق، والأولاد لهم حق وللوالدين أيضاً حق في هذا الجانب. شيخنا، بر الوالدين والإحسان لهما يفتح أبواب الدنيا، أم أن أجره في الآخرة؟

البار بوالديه يُكافأ في الدنيا قبل الآخرة :

الدكتور راتب :
 والله أنا لا أصدق أن يبر الإنسان أمه وأباه ولا يكافأ في الدنيا قبل الآخرة.
المذيع:
حتى لو لم يكن مؤمناً.
الدكتور راتب :
 في الدنيا قبل الآخرة، ليس شرطاً.
المذيع:
 بر الوالدين تفتح له النجاح في الدنيا.
الدكتور راتب :
 في الدنيا قبل الآخرة.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور، الله يجزيكم الخير.
الدكتور راتب :
 أعرف إنساناً عنده خمسة أولاد، أصيب إصبع قدمه باسوداد، غرغرينا، فأحضروا له الطبيب، قالوا يجب قطعها فوراً، اليوم نقطع الإبهام، بعد أسبوع نقطع القدم، ثم الركبة، ثم الفخذ، هم خمسة أولاد، أحدهم قال هل لها حل دكتور، انزعج الابن انزعاجاً لا يحتمل من قطع إبهام والده، قال له: انظر يا بني، هناك احتمال بالمئة ثلاث، قد تحتاج حماماً يومياً ثلاث مرات باليوم مع أدوية معينة، هناك احتمال بالمئة ثلاثة أن يُشفى، الأب كان يسكن عندنا في منطقة تدعى المهاجرين، في الجادة الخامسة، الابن يسكن في منطقة بعيدة نوعاً ما، يخرج الساعة الخامسة صباحاً كل يوم ليعمل حماماً لإبهام قدم والده، وله أدوية معينة، ويعود من وظيفته عند الساعة الثامنة، وعند الساعة الثالثة أيضاً ويرجع بعض الظهر بعد الدوام، وفي الليل، مدة ستة أشهر.
 والله هذه القصة يصعب تصديقها، هذا الابن بعد فترة وفّقه الله بعمل تجاري ربح منه مليارين، وأخوته جائعين، الله يكافئ في الدنيا قبل الآخرة.
المذيع:
 نسأل الله أن يعيننا على بر آبائنا، والرحمة إلى من سبقنا إلى ضيافة الرحمن، نختم هذه الحلقة بالدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد الأردن آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة عن حدود بر الوالدين، ربي اغفر لي ولولدي، ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور