وضع داكن
16-05-2025
Logo
واضرب لهم مثلا - الحلقة : 26 - وخلق الإنسان ضعيفاً
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، نحن مع برنامج جديد عنوانه : "واضرب لهم مثلاً" ، يقول تعالى في كتابه الكريم :

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الحشر: 21]

 ويقول أيضاً :

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 43]

 فضرب المثل منهج قرآني أصيل ، يتبعه القرآن الكريم لإيصال الحقائق إلى الناس .
 أيها الأخوة الأحباب ؛ أينما كنتم أسعدكم الله بكل خير ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا : "واضرب لهم مثلاً" ، نستضيف بها كالمعتاد شيخنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله .
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال :
 سيدي ؛ آيات متعددة كلها تشير إلى نقاط ضعف في الإنسان ، سأبدأ بالأولى من سورة النساء :

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28]

 لماذا خلق الإنسان ضعيفاً ؟

الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
 فيما أرى أن الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى عن الله بقوته ، فشقي باستغنائه ، جعله أقرب إلى الإيمان ، أقرب إلى التوكل على الله، أقرب إلى مناجاته ، أقرب إلى دعائه ، أقرب إلى القرب منه ، الله عز وجل ذات كاملة ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، فالإنسان ضعيف يقوى بالله ، جاهل يعلم بالله ، شارد يجتمع على الله ، فكل ما عند الله خير ، خير مادي ومعنوي ، وآني ومستقبلي ، فإذا عرفت الله عرفت كل شيء ، فالله عز وجل لو جعله قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، جعله ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، فعندئذٍ يسعد بافتقاره .
الدكتور بلال :
 إذاً هي نقطة ضعف لكنها لصالحه .

البطولة أن نعالج و نحن في الدنيا :

الدكتور راتب :
 لكن الصحابة الكرام ، قمم البشر ، وفيهم سيد البشر ، في بدر افتقروا فانتصروا ، هم هم وفيهم سيد البشر في حنين لم ينتصروا .
الدكتور بلال :
 لم يفتقروا .
الدكتور راتب :
 قال بعض العلماء : لو انتصر الناس في أُحد لسقطت طاعة رسول الله ، ولو انتصر الصحابة في حنين لسقط التوحيد ، فلابد من معالجة ، والبطولة أن نعالج ونحن في الدنيا .
الدكتور بلال :
 قبل فوات الأوان .
الدكتور راتب :
 وهذه سهلة جداً ، بعد فوات الأوان انتهى الأمر .
الدكتور بلال :
 إذاً أريد مثلاً سيدي ، أي هذه الآلة التي تقولون آلة عظيمة النفع في مسرى التيار هذه نقطة ضعف .
الدكتور راتب :
 فيوز ، وصلة صغيرة جداً ، وضعيفة جداً ، على حرارة معينة تسيح ، فإن ساحت انقطع التيار .
الدكتور بلال :
 هذا الضعف في الإنسان .
الدكتور راتب :
 هذا الضعف ، جهاز كومبيوتر ثمنه حوالي خمسين مليوناً ، هناك أجهزة عملاقة ، يوجد بالوصلة الكهربائية منطقة ضعيفة جداً ، أي شريط ضعيف جداً ، على حرارة معينة يسيح، فإذا ساح انقطع التيار ، هذا اسمه الفيوز ، يوضع هذا القسم لحماية التيار .
الدكتور بلال :
 ضماناً لسلامة الآلة .

المصائب ضمان لسلامة الإنسان :

الدكتور راتب :
 ضمانة وسلامة ، فالإنسان إذا آمن بالله يرى أن المصائب ضمان لسلامته ، وسميت المصائب مصائب من الإصابة ، تصيب الهدف ، يوجد كبر ، وقف موقفاً فيه ذل ، يوجد إسراف ، ضيق الله عليه ، يوجد تجاوز ، حجمه الله ، فالمصائب تأتي مصائب .
 أنا أقول كلمة هذا من إيماني : حينما يكشف للإنسان يوم القيامة سر ما أصابه من مصائب يجب أن يذوب محبة بالله .
الدكتور بلال :
 لأنها لصالحه .
الدكتور راتب :
 لصالحه ، مثل إذا أب عنده ابن ذكي ، لكنه مهمل ، فضيق عليه ، عالجه بأنواع عديدة ، إلى أن جعله بأعلى شهادة ، هذا تزوج ، اشترى بيتاً ، له مكانة اجتماعية ، دخل جيد جداً ، يقول لك : لولا فضل أبي ، لولا شدته ، حينما كنت صغيراً ما كنت بهذه المرتبة ، ولو أن شخصاً أهمله والده ، ما درس ، ما تعلم ، ما حقق شيئاً إطلاقاً ، كل أصدقائه كانوا بمراتب عليا فنقم على والده ، لِمَ لمْ تعالجنِي ؟

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾

[ سورة القصص: 47]

الدكتور بلال :

﴿ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ﴾

[ سورة القصص: 47]

الدكتور راتب :
 المصيبة رسول .
الدكتور بلال :
 سيدي ؛ الآية الثانية في الموضوع نفسه ، من سورة المعارج أيضاً :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾

[ سورة القصص: 19 ـ 22]

 كيف ينجو الإنسان من هذه النقاط ؟

 

الضعف في أصل خلق الإنسان لصالحه :

الدكتور راتب :
 هذا الطبع ، بالمناسبة حينما تأتي كلمة الإنسان معرفة بأل ، الإنسان قبل أن يعرف الله .
الدكتور بلال :
 الإنسان بأصل خلقه .
الدكتور راتب :
 الإنسان ، أي إنسان ، بأي مكان ، بأي زمان ، بأي جنسية :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

[ سورة القصص: 19]

 قال له الطبيب : أنت ستعيش شهرين ، معه ورم خبيث ، مات بعد يومين لم يتحمل .

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

[ سورة القصص: 19]

 لو لم يُخلق هلوعاً لما تاب ، ولا استفاد ، ولا التزم ، ولا أطاع ، لذلك هذا الضعف لصالحه ، كالفيوز تماماً ، آلة .
 والله مرّ معي مرة أن هناك حاسباً طبياً ، تضع نقطة دم يعطيك اثني عشر تحليلاً ، هذا الحاسوب فيه فيوز ، لو استخدم استخداماً خاطئاً ينقطع الفيوز .
الدكتور بلال :
 نضحي بشيء بسيط مقابل سلامة الجهاز .
الدكتور راتب :
 سلم الجهاز كله .
الدكتور بلال :

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾

[ سورة القصص: 20]

 لا يصبر على الشر .
الدكتور راتب :
 صيغة مبالغة .
الدكتور بلال :
 جزوع .
الدكتور راتب :
 كثير الجزع .
الدكتور بلال :
 ضد الصبر الجزع .

﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾

[ سورة القصص: 21]

 الآن كيف ينجو ؟ قال :

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة القصص: 22]

من عرف الله عرف كل شيء :

الدكتور راتب :
 الاتصال بالله أخذت منه الطمأنينة ، الأمن ، أخذت منه التوفيق ، أخذت منه الصبر، أخذت منه التفاؤل ، أخذت منه الإيمان بالآخرة ، تسوى فيها الحسابات ، الإنسان عندما يعرف الله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

  الحقيقة إن عرفت الله عرفت كل شيء ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، والكريم ، واللطيف ، والرحيم ، والعدل ، ويسمعك .
 أذكر مرة أخاً قال لي : سافرت إلى بلد نفطي حتى أرتزق ، قال لي : في الطائرة والله شفتاي ما حركتهما ، يناجي ربه : يا رب .
الدكتور بلال :

﴿ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3]

الدكتور راتب :

﴿ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3]

 يا رب إذا وفقتني سأعمّر مسجداً ، أنا ذاهب إلى مكان على الساحل ، بهذا الجامع صليت ، فاستقبلني على فنجان قهوة ، قال لي قصته ، قال لي : والله بالطائرة ما تكلمت كلمة ، فقط نويت أن أبني جامعاً لله في هذا المكان .
الدكتور بلال :
 سمعه الله جلّ جلاله .

 

الله تعالى خلقنا ليرحمنا ويسعدنا ويوفقنا :

الدكتور راتب :
 الله ينتظر ، أي الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

 خلقنا ليرحمنا ، وليسعدنا ، وليوفقنا ، خلقنا لنسعد في بيتنا ، وفي عملنا ، وفي حياتنا .

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

الدكتور بلال :
 أيضاً سيدي في السياق نفسه وفي نقاط الضعف في الإنسان هناك نقطة ضعف أخرى .

﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾

[ سورة الإسراء: 11]

 يستعجل .

 

نقاط ضعف أخرى في الإنسان :

الدكتور راتب :
 لو كان مهولاً ، لا يوجد جنة ، مهول ؛ أي هو يعيش للمستقبل ، الآخرة واضحة ، لكن هناك شيء مادي أمامك ، بيت رائع لكن القسط ربوي ، امرأة جميلة لكنها بعيدة عن الدين ، ما دام لا يوجد إيمان بالآخرة يستعجل ، لو كان مهولاً يؤخر لا يرقى لأنه هو عجول .
الدكتور بلال :
 يعاكس طبعه .
الدكتور راتب :
 لأنه ضغط على طبعه ، واختار الآخرة .
 مرة لقيت امرأة محجبة حجاباً كاملاً ، قلت : يا ربي ! هذه عندها مفاتن أي فتاة أخرى، خافت منك فحجبت مفاتنها عن الناس ، لها عندك أجر كبير .
الدكتور بلال :
 هي لم تستعجل .
الدكتور راتب :
 أبداً .
الدكتور بلال :
 طلبت الأجر الآجل ، وليس العاجل .
الدكتور راتب :
 هذه بطولة ، وهذا الذكاء ، سيدي ؛ المؤمن ذكي جداً ، بطل ، متفوق ، جمع بين خيري الدنيا والآخرة ، وما من شهوة أودعت فينا إلا جعل الله قناةً نظيفةً طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان لكن يوجد تنظيم .
الدكتور بلال :
 في سورة الأنبياء سيدي في المعنى نفسه لكن يعطي ومضة جديدة ، قال :

﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾

[ سورة الأنبياء: 37]

 كما تفضلتم ، يحب العجلة .

﴿ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 37]

 كأن الله يشير أن النصر قادم ، لكن أنت اصبر .

 

النصر قادم وآيات الله قادمة لكن على الإنسان ألا يستعجل :

الدكتور راتب :
 لو أنك فعلت عملاً صالحاً يأتيك الجواب الإلهي فوراً ، لوجدت الناس ملايين مملينة ينفقون أموالهم ليتضاعف دخلهم ، أُلغي الاختيار ، لكن لا بد من مسافة بين عملك الطيب وبين المكافأة حتى يقيّم هذا العمل ، يكون هدفه الله ، هدفه الدار الآخرة ، هدفه القرب من الله ، لو كان هناك جزاء قريب ، العقاب قريب ، والمكافأة قريبة ، أُلغي الاختيار ، لابد من طاعة لله وقد يكون هناك مشكلة ، تبقى هذه المشكلة ، لكن بعد حين يأتي الفرج .
الدكتور بلال :
 وهذا ينطبق على النصر :

﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ﴾

[ سورة الأنبياء: 37]

 النصر قادم ، وآيات الله قادمة لكن لا تستعجل .
الدكتور راتب :
 لأنه خلق من عجل يرقى بهذه العجلة ، لأنه اختار شيئاً خلاف طبعه .
الدكتور بلال :
 يرقى باختيار الآجل .
الدكتور راتب :
 اختار خلاف طبعه .

 

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال :
 جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور