- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠02برنامج واضرب لهم مثلاً - قناة ندى
مقدمة :
الدكتور بلال :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، نحن مع برنامج جديد عنوانه : " واضرب لهم مثلاً " ، يقول تعالى في كتابه الكريم :
﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
ويقول أيضاً :
﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
فضرب المثل منهج قرآني أصيل ، يتبعه القرآن الكريم لإيصال الحقائق إلى الناس .
أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ في بداية حلقة جديدة من برنامجنا : " واضرب لهم مثلاً " ، يطيب لي أن أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بصحبتكم بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال :
سيدي اليوم الموضوع مهم في هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها أمتنا ، الله تعالى في سورة هود يقول على لسان إبراهيم عليه السلام :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
هذا التعبير :
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾
كيف نوضحه بمثل ؟
الله عز وجل من لوازم ألوهيته وربوبيته أنه لا يسلم عباده لغيره :
الدكتور راتب :
أنا مضطر أن أبدأ بمثل آخر تمهيداً له : الحقيقة ما من شيء إلا ناصيته بيد الله عز وجل ، الآن إذا أسلمك الله إلى غيره ، أي إذا جعل مصيرك بيد آخر من بني البشر ، لا يستحق أن تعبده ، لأن معك الحجة ، يا رب أسلمتني إليه ، هو لا يحبني أراد أن ينتقم مني ، أن يفقرني، أن يذلني ، إذا أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده ، ماذا قال إذاً ؟
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾
الأمر ؛ أل التعريف هذه أل الجنس ، أي أمر بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة تابع لله ، فلو أسلمك إلى غيره صارت الحجة معك ، أسلمتني إليه يا رب ، لذلك الله عز وجل من لوازم ألوهيته ، وربوبيته أنه لا يسلم عباده لغيره ، أما على الشبكية فقد تتوهم أن هذا بيد فلان ، أما :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
الأمر أل الجنس ، أي أمر بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة بيد الله عز وجل ، وفوق ذلك التعميم المذهل جاء التوكيد :
﴿ كُلُّهُ ﴾
إذاً متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، قال لك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
الله تعالى آخذ بناصية كل شيء :
الآن:
﴿ فَكِيدُونِي ﴾
هذه فيها تحدّ ، افعلوا ما بدا لكم ، تحدّ كبير ، والتحدي من ضعيف .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
ليس كدني أيها البلد المعين ، أيها البلاد ، أيها الفرقاء ، أيها الدول .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
ولا تتريثوا .
الدكتور بلال :
﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
الدكتور راتب :
لا تشفقوا عليّ ، لا تترددوا .
﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾
آخذ بناصيتكم ، حياتكم بيده ، صحتكم بيده ، المرض بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، آخذ بناصيتكم .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾
أي شيء يدب على وجه الأرض .
إلزام الله ذاته العلية بالعدل بين خلقه :
والله رأيت قبل يومين خطاً أسود عرضه كالشعرة ، طوله أقل من ربع ميلي ، يمشي على أرض الحمام ، له ست قوائم ، فإذا وصل إلى الجدار وقف ، هذا المخلوق الذي أقل من ربع ميلي ، وعرضه خيط فقط ، وقوائم يمشي ، قارنه بالحوت ! مئة وخمسون طناً ، خمسون طناً لحماً ، خمسون طناً دهناً ، خمسون طناً عظماً ، وتسعون برميل زيت ، يقف بفمه عشرة رجال ، انظر هذه النملة الصغيرة ، والحوت الكبير .
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾
الصغيرة دابة ، والكبيرة دابة .
﴿ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
حيثما وردت كلمة الله مع على ، أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بالعدل بين خلقه ، برحمة خلقه ، أية كلمة جاءت بعد لفظ الجلالة هي إلزام ذاتي .
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الله عز وجل عمله مطلق أما الإنسان فعمله نسبي :
يوجد نقطة دقيقة ، ملمح دقيق : بين في و بين على ، تقول : هذا العمل فيه رحمة ، وقد يكون لا رحمة فيه ، وقد يكون فيه رحمة تسعون بالمئة ، أما على فتفيد الاستعلاء ، أي رحمة مطلقة ، استقامة مطلقة ، الآن أكبر قاض يقول لك : حكم أربعين سنة ، أصدر ثمانية آلاف حكماً ، قد يكون في حكمين نقصته معلومة ، فجاء حكمه أبعد مما ينبغي ، يسمى عند أهل الأرض قاضياً عادلاً ، أما الله فعنده إطلاق ، عمله مطلق ، أي ممكن قاض يحكم ستة آلاف حكم ، ويوجد حكمان فيهما معلومات ما وصلته ، فكان حكمه أقل مما ينبغي يسمى عند أهل الأرض قاضياً عادلاً .
الدكتور بلال :
موضوع نسبي .
الدكتور راتب :
نسبي ، أما الله فمطلق ، لا يمكن لفعل من أفعال الله أن يكون فيها خطأ ولا واحد بالمليون .
الدكتور بلال :
هذه :
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾
كأن الذي يخاف من الطغاة أين هم الطغاة ؟
علاقة الإنسان مع الله فقط :
الدكتور راتب :
أي لو أسلمك إلى غيره من طاغية لا يستحق أن تعبده .
الدكتور بلال :
هم مربوطون بيد الله .
الدكتور راتب :
مربوطون بيد الله ، لكن مثلاً يوجد حوالي عشرين أو ثلاثين وحشاً مخيفاً ، مربوطون بأزمة بيد جهة رحيمة ، عادلة ، حكيمة ، أنت أيها الإنسان علاقتك مع من ؟ مع هذه الوحوش الجائعة المفترسة أم مع من يمسكها ؟ إذا أنت توهمت أن علاقتك مع الوحوش هذا هو الشرك ، أما إذا أيقنت أن علاقتك مع من يملكها إذاً علاقتك مع الله ، أخلص لله دينه وانتهى الأمر .
الدكتور بلال :
وربنا :
﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الدكتور راتب :
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
الدكتور بلال :
آية مشابهة سيدي في موضوعنا :
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
ما هذا التعبير ؟
امتحان الله لكل عباده :
الدكتور راتب :
أولاً : نحن عندنا قوى الشد ، قوى الشد يعبر عنها بالمتانة ، وقوى الضغط يعبر عنها بالقساوة ، فأقسى عنصر في الأرض الألماس ، سنتيمتر مكعب من الألماس يتحمل خمسمئة وخمسين كيلو ، سنتيمتر مكعب ألماس يتحمل فوقه خمسمئة وخمسين كيلو ، وميناء الأسنان يأتي بعد الأسنان .
﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
ميناء الأسنان يأتي بعد الأسنان بقساوته ، فتحمل قوى الضغط ؛ قساوة ، وتحمل قوى الشد ؛ متانة ، أمتن شيء للشد الفولاذ المضفور ، تصنع منه المصاعد ، والتل فريك ، الفولاذ المضفور هذا أمتن شيء بالأرض .
الدكتور بلال :
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾
الدكتور راتب :
الآن :
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
أي الله عز وجل مالكك بحبل لا يمكن أن تنقطع مهما كنت قوياً ، ومهما كنت عنياً، ومهما كنت متجبراً ، ومهما كنت مالكاً ، أنت عندك نقاط ضعف ، يؤتى الحذر من مأمنه، أساساً قوته نقطة ضعف عنده ، يؤله نفسه .
الدكتور بلال :
لكنه يملي لهم جميعاً .
الدكتور راتب :
يملي له ، إذا لم يمل له ما امتحنه .
الدكتور بلال :
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾
أي يتركه إلى حين .
الدكتور راتب :
حتى يأخذ أبعاده الكاملة ، يجعله قوياً ، يقول : أنا إذا استلمت هذا المنصب سوف أعدل ، بعد ذلك يكون كذاباً ، أعطى من حوله فقط ، وحرم الآخرين ، فالله يمتحن ، الإنسان ليقل ما يشاء الله متكفل بامتحانه ، يضعه في ظرف يعبر عن ذاته تماماً .
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال :
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم.
أخوتي الكرام ؛ أخواتي الكريمات ؛ لم يبقَ في ختام هذا اللقاء الذي سعدنا فيه بمتابعتكم ، وسعدنا به أيضاً بكلمات شيخنا الفاضل ، وأمثلته الجميلة الرائعة ، لم يبقَ لي إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة ، سائلاً المولى جل جلاله أن ألتقيكم دائماً وأنتم في خير حال ، وأسعد حال ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته