وضع داكن
25-04-2024
Logo
واضرب لهم مثلا - الحلقة : 13 - ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، نحن مع برنامج جديد عنوانه : "واضرب لهم مثلاً" ، يقول تعالى في كتابه الكريم :

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الحشر: 21]

 ويقول أيضاً :

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 43]

 فضرب المثل منهج قرآني أصيل ، يتبعه القرآن الكريم لإيصال الحقائق إلى الناس .
 أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ بتحية الإسلام نبدأ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حلقة جديدة من برنامجنا : "واضرب لهم مثلاً" ، نعيش بها مع الأمثال القرآنية بمعية شيخنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال :
 الآية اليوم التي نريد توضيحها بمثل من سورة البقرة ، وهي قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

 نريد أن نركز على قضية أنه أعرض عن ملة إبراهيم فسفه نفسه واحتقرها كيف ذلك ؟

 

الإعراض عن منهج الله تسفيه للنفس :

الدكتور راتب :
 هل يمكن أن أبدأ بملمح قبله ؟ قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

 رغب عن ، ورغب في ، الأفعال نوعان ، فعل تام ، وفعل قاصر ، الفعل التام يصل إلى المفعول بذاته ، أَكلتُ التفاحة ، القاصر يحتاج إلى أداة ، كأن تمسك بيدك عنقود العنب وتأكله ، هذا الفعل التام ، لكن تفاحة بعيدة عنك تحتاج إلى عصا كي تسقطها إليك ، هذا الفعل القاصر ، لكن يوجد دقة بالغة بالأفعال ، رغب في ، ورغب عن ، أفعال كثيرة جداً أفعال قاصرة، بحرف جر بعدها يتضح المعنى ، رغبت في ، ورغبت عن .
الدكتور بلال :
 رغبت فيه ؛ أردته .
الدكتور راتب :
 أردته ، عن ؛ رفضته .
الدكتور بلال :
 بالعكس تماماً ، فهنا :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

الدكتور راتب :
 حروف الجر تحدد .

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

الدكتور بلال :

﴿ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

 الإنسان قد يسفه شيئاً أمامه ، يسفه بيتاً ما أعجبه لأنه صغير ، وبعيد عن الشمس ، قد يسفه مركبة قديمة ، مصروفها كبير وسرعتها قليلة ، قد يسفه محلاً تجارياً بحيّ فرعي .
الدكتور بلال :
 أي يعرض عنه .
الدكتور راتب :
 يسفه أشياء كثيرة ، فلما سفهه أعرض عنه ، واضحة تماماً ؟
 أما رغب في ؛ أحبه ، عندنا مئات الأفعال القاصرة يتضح معناها بحرف بعدها .
الدكتور بلال :
 فهو عندما رغب عن المنهج هو لم يسفه المنهج ، سفه نفسه .
الدكتور راتب :
 سفه نفسه ، إذا إنسان ترك الطعام والشراب ضعفت نفسه ، هو ترك الطعام والشراب ليس احتقاراً ، ولكن جهلاً ، أنت إن أردت الله عرفت كل شيء .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

الفرق بين اللذة و السعادة :

 أنا لا أبالغ ، عندنا شيء اسمه لذة ، وهناك سعادة ، اللذة حسية ، تحتاج إلى مال ، إلى ثمن طعام طيب ، إلى بيت واسع ، إلى مركبة فارهة ، وتحتاج إلى صحة ، وإلى وقت ، ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة دائماً تنقصك من عوامل اللذة واحدة ، في البدايات الصحة طيبة جداً ، وهناك وقت لكن لا يوجد مال .
الدكتور بلال :
 اللذة منقوصة .
الدكتور راتب :
 في الوسط لك عمل ، وظيفة راقية ، معمل صغير ، دخل معقول ، يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت .
الدكتور بلال :
 مشغول بعمله .
الدكتور راتب :
 حدثني إنسان ، قال لي : والله ست وثلاثون سنة ما ذهبت نزهة ، عنده معمل .
الدكتور بلال :
 من بيته إلى عمله .
الدكتور راتب :
 أبداً ، كبر بالسن ، تقاعد ، المعمل سلمه لأولاده ، عنده وقت ، وعنده مال ، لكن لا يوجد عنده صحة ، أمراض ، لحكمة بالغة بالغة ، اللذة تحتاج إلى شروط ثلاث ، أما السعادة فتحتاج إلى شيء آخر ، لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة أخذت من رحمته ، من قدرته ، من علمه ، من حكمته ، اشتققت الكمال من الله ، الحقيقة أنك تخلقت بأخلاق الله ، فأنت لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة يجب أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني .
الدكتور بلال :
 إذاً هذا المعنى سيدي اللطيف جداً في الآية :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة البقرة: 130]

 إذاً الذي يعرض عن منهج الله يحتقر نفسه ، لماذا احتقر نفسه ؟

 

النفس خلقت لمعرفة ربها فمن حرمها من الخير فقد احتقرها :

الدكتور راتب :
 لأنها خلقت لمعرفة الله .
الدكتور بلال :
 حرمها من الخير .
الدكتور راتب :
 خلقت لمعرفة الله ، وخلقت لأبد الآبدين ، وخلقت لجنة عرضها السماوات والأرض ، فلما ترك الله ، ترك منهجه ، احتقر مهمتها ، احتقر مستقبلها ، احتقر مآلها ، احتقر الجنة التي خلق من أجلها .
الدكتور بلال :
 وفي المقابل ينبغي إذا كان لا يسفه نفسه أن يحملها على طاعة الله .

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9 ـ 10 ]

حمل النفس على طاعة الله :

الدكتور راتب :
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
الدكتور بلال :
 إذاً سيدي ؛ تزكية النفس تكون بطلب العلم ؟

تزكية النفس تكون بطلب العلم والعمل به و الإقبال على الله :

الدكتور راتب :
 ثم العمل به ، ثم الإقبال على الله ، هذه كليات الدين سيدي ، تعلم ، وعمل ، وإقبال، ثلاث كليات ، أما العمل فهناك نوع سلبي ، ونوع إيجابي ، السلبي استقامة ، الإيجابي عمل صالح ، صاروا أربع ، هذه كليات الدين ، الدين له كليات ، الفكر ، التصور ، الأيديولوجيا ، العقيدة ، المنطلق العقدي ، كلها كلمات متشابهة .
 الآن الحركة نوعان : سلبية ؛ استقامة ، أنا ما كذبت ، ما ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما فرقت بين زوجين ، هذه كلها ما .
الدكتور بلال :
 يقصد الامتناع سيدي أن يمتنع عن الشيء .
الدكتور راتب :
 الامتناع ، الإيجابية أنفقت من مالي ، من علمي ، من مالي ، من خبرتي ، من اجتهادي ، من مكانتي ، من جاهي ، الآن عندما عرفت الله ، واستقمت على أمره ، وأنفقت من مالي ، الآن صار معي خط ساخن مع الله ، أقبلت عليه ، اشتققت من رحمته رحمةً ، من كماله كمالاً ، من عدله عدلاً ، من إنصافه إنصافاً ، أقبلت على الله ، هذه كليات الدين يا أخي عقيدة ، استقامة ، عمل صالح ، اتصال بالله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء))

[ حديث قدسي ]

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 إنك إن صليت ذكرت الله ، إن قرأت القرآن ذكرت الله ، أما إذا ذكرك الله هنا أعطاك السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، أعطاك التوفيق .

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88 ]

 أعطاك الحب لمن حولك ، تحبهم ويحبونك ، أعطاك الحكمة ، الحكمة أعظم عطاء إلهي ، لذلك البطولة أن تصل إلى مرحلة تأخذ من الله حكمته ، علمه ، رحمته ، هكذا .
الدكتور بلال :
 إذاً سيدي :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9 ـ 10 ]

 كيف خاب من دساها ؟

 

الفرق بين الفلاح و النجاح :

الدكتور راتب :
 أولاً أنا مضطر أن أقول لك ما معنى :

﴿ أَفْلَحَ ﴾

[ سورة الشمس: 9 ـ 10 ]

 النجاح ؛ جمع أموال طائلة ، بيل غيتس يملك تسعين ملياراً ، جوبز سبعمئة مليار ، أما الفلاح فأن ينجح مع الله معرفةً ، وطاعةً ، وتقرباً ، وأن ينجح في بيته ، في اختيار زوجته وحملها على طاعة الله ، وأولاده ، وتعليمهم ، وتهذيبهم ، وأن ينجح في صحته ، فإذا جمعت بين معرفة الله وطاعته ، وحسن اختيار الزوجة ، وتربية أولاده ، وحسن اختيار عملك ، هناك عمل فيه خدمة للناس ، وهناك ملهى ليلي ، فإذا أحسنت اختيار عملك ، وحرفتك ، وزوجتك .
الدكتور بلال :
 وكنت مع الله كما ينبغي .
الدكتور راتب :
 الآن وكنت مع الله كما ينبغي أنت فالح ، الشيء الذي يلفت النظر لم ترد بالقرآن ولا مرة كلمة ناجح .
الدكتور بلال :
 فالح فقط .
الدكتور راتب :
 لأن الفلاح شمولي والنجاح أحادي .

 

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال :
 والفلاح لا يكون إلا في طاعة الله ، وفي تذكيره ، بينما الخسران في أن يدسيها ، أن يجعلها خبيثة دنسة .
 بارك الله بكم سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ في هذا اللقاء إلا أن أشكر لشيخنا ما تفضل به ، وأن أشكر لكم أيضاً حسن المتابعة سائلاً مولانا جلّ جلاله أن تكونوا دائماً في خير حال ، وأن يرزقكم الله كل خير ، إلى الملتقى أستودعكم الذي لا تضيع ودائعه .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور