وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 40 - الرزق والمعصية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾

[ سورة نوح: 9 ـ 12]

  وقول النبي صلى الله عليه وسلم.

(( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ))

[ابن ماجه وأبو يعلى والإمام أحمد وابن حبان عن ثوبان]

 شيخنا الكريم اهلاً وسهلاً بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 حينما نتحدث عن الأرزاق، نتحدث عن شيءٍ مهمٍ جداً لكل الناس، هل الأرزاق مخبأة في علم الغيب عند الله، أم أنها جهدٌ بشريٌ يسعى إليه الناس فيكتسبه.

 

الفرق بين الرزق والكسب :

الدكتور راتب :
 كلاهما، أولاً.

(( ليس مَالِكَ إلا ما أكلتَ فأفْنَيتَ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ، أو تصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ))

[مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 الكسب هو حجمك المالي
الرزق ثلاث بنود، أكلٌ يفنى، ثوبٌ يبلى، عمل صالح يبقى، أما الكسب حجمك المالي، شركة أَبل سبعمئة مليار، بيل جيتس تسعين مليار، الحجم المالي هذا تُحاسب عليه، ولم تنتفع منه، بالضبط، فرقٌ كبير بين رزقي والكسب، رزق المستهلكات.

((ما أكلتَ فأفْنَيتَ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ ))

[مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 أي أن الطعام واللباس، ليس لهما أثر مستقبلي، لو أن إنساناً أكل أطيب الطعام، ثم أصيب بألم شديد جداً في رأسه، لو تذكر الطعام هل يلغى الألم؟

(( ليس مَالِكَ إلا ما أكلتَ فأفْنَيتَ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ، أو تصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ))

[مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

المذيع:
 هذا هو الرزق؟
الدكتور راتب :
 هذا الرزق، أما الكسب، مثلاً أبل سبعمئة مليار.
المذيع:
 إذاً عفواً دكتور، الكسب هو كل الموارد التي دخلت إلي؟
الدكتور راتب :
 حجمك المالي.
المذيع:
 والرزق ما أنفقته منها.

 

المستهلكات ثلاثة بنود :

الدكتور راتب :
 المستهلكات، الكسب حجمك المالي.
المذيع:
 والرزق ما استهلك منها.
الدكتور راتب :
 ما استهلك، بنود ثلاث، اثنان ليس لهم أثر مستقبلي، أي لا أثر في المستقبل لما أكلت أو ما لبست، وواحد هو الكسب، العمل الصالح، فلذلك الرزق، المستهلكات ثلاثة بنود، اثنان منها ليس لهما أثر مستقبلي، أما العمل الصالح فهو الذي له الأثر وحده.
المذيع:
 وعلى ماذا نحاسب دكتور، على كل كسبنا، أم فقط على ما استهلكنا؟
الدكتور راتب :
 على كل كسب، أعوذ بالله، الأخطر أن الكسب تحاسب عليه درهماً درهماً، مع أنك لم تنتفع منه، إطلاقاً، أقصد حجمك المالي، وكل إنسان يسلك أساليب ملتوية لكسب مال يفوق استهلاكه العمري يكون أحمق، عفواً، هناك أرقام، هناك شخص يملك الآن سبعين ملياراً، وشخص يملك مئتين وثلاثين ملياراً، وشخص آخر يملك تسعين ملياراً، وشخص رابع يملك أربعين ملياراً، هؤلاء ماتوا، لم ينتفع بهم، على العكس.
المذيع:
 ولكن يحاسبوا على كل كسبهم؟
الدكتور راتب :
 طبعاً درهماً درهماً، الأغرب من ذلك البلد الوحيد في العالم الذي لا يوجد للحساب اسم يوجد رقم، هو سويسرا.
المذيع:
 حساباتها البنكية.
الدكتور راتب :
 بالضبط، أعلى رقم في العالم إيداعاً في سويسرا، أنا كنت بسويسرا، وصلتني معلومات دقيقة، خمسة وخمسون بالمئة من إيداعات في سويسرا لم يسأل عنها إنسان من خمسين عاماً، خمسة وخمسون في المئة.
المذيع:
 من الممكن أن يكون شخصاً ثرياً أودعها ومات، لا أحد يعرف عنها.

لا يوجد رادع أو وازع للإيمان كموضوع الموت :

الدكتور راتب :
 نظام البنوك، لكن الزوجة تأخذ نصف المبلغ فقط، ورثة لا يوجد في نظام سويسرا، هذا الحساب لا اسم له، رقم، إذا عرفته الزوجة من الممكن أن تأخذ نصف المبلغ، وإلا يذهب كله، لذلك أكبر دولة في العالم بالإيداعات سويسرا، وأقل كلمة من خمسين سنة، خمسة وخمسون بالمئة من إيداعات البنوك في سويسرا لم يسأل عنها إنسان منذ خمسين عاماً، هذا الواقع.
المذيع:
 شيخنا هذا يقودنا إلى سؤال الآن، هل الرزق أو الكسب، أو ما يصل إلينا من موارد، هل هو شيء ربنا قدره قبل أن يخلق الإنسان، وبالتالي سعى أم لم يسعَ سوف يصل له، أم هو جهدك يتوج بكسبك؟
الدكتور راتب :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

[ سورة الجن: 16]

 الصحة والرزق بيد الله وهما لتأديب العباد
يوجد في الآية ربط بين الاستقامة وبين الرزق، وأنا أقول كلمة دقيقة: الله أثبت مليار قانون، لكن حرك قانونين، الصحة والرزق، ليجعل من هذين القانونين أداة لتأديبنا، ولدفعنا إلى باب الله، الرزق بيده، لا علاقة له بالذكاء أبداً، مهما تكن ذكياً، مهما تكن قوياً، الصحة ليست بيد الإنسان، قد تأتي أمراض وبيلة، مثلاً أخطر مرض السرطان، وأبسط مرض الرشح، إلى الآن لا دواء لهم، قد يكون الإنسان في أعلى درجة من القوة، اشترى بنك في باريس، اشترى بناء من ثمانين طابقاً، طبعاً بناء عبارة عن مكاتب تجارية، وفنادق، أي أن الدخل فلكي، مات في اليوم الثاني.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 ما وجدت رادعاً أو وازعاً للإيمان كموضوع الموت، الإنسان الموت يخسر كل شيء، مكانته، وظيفته، حجمه المالي، بيته، من حوله، كل مقومات الرفاه مرتبطة بنبضات القلب، توقف القلب انتهى كل شيء.
المذيع:
 شيخنا أعود مع فضيلتكم، للآية الكريمة، في قول الخالق سبحانه وتعالى، في سورة الذاريات:

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة الذاريات:22]

 ما المقصود بهذا المعنى؟

 

الرزق لا علاقة له بالذكاء له علاقة بالاستقامة :

الدكتور راتب :
 في الحقيقة نظام ربنا عز وجل نظام نبات، والنبات يحتاج إلى ماء، والماء من السماء.

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة الجن: 16 ـ 17]

 لأن النبات يحتاج إلى ماء.
المذيع:
 نريد أن نفهم الناس دكتور، وحضرتك تصور لنا من ناحية شرعية:

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾

[ سورة الذاريات:22]

 بمعنى أنه الله تكفل برزقك ورزقك مكتوب في السماء.
الدكتور راتب :
 النقطة تحتاج إلى تفصيل؛ أي في الأساس الله تكفل بالرزق، لكن الله عز وجل.
المذيع:
 هل من الممكن أن توضح سيدنا، ماذا يعني تكفل الله بالرزق؟
الدكتور راتب :
 أي خلق الإنسان ومعه رزقه، كيف معه رزقه؟ هذه البقرة دعك من الإنسان لها كلأ خاص بها، أي مخلوق خلق معه رزقه، لكنّ هذا الرزق استخدم من قبل الله، أداة تربية ومعالجة، قد يزيد وقد ينقص، لا علاقة له بالذكاء، له علاقة بالاستقامة، أما إذا إنسان فأمره منتهٍ عند الله.

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

المذيع:
 اسمح لي أريد أن أرجع للبداية لأن الفكرة عميقة جداً حتى أستوعبها من فضيلتك بشكل كامل، إذاً في البداية أنا كإنسان حينما أُخلق دكتور، هل يكتب الرزق معي، بمعنى هل هو كالعمر قضية محسومة، ربنا يعرف متى وأين يموت الإنسان، هل هكذا الرزق؟

 

لو كشف الغطاء عمن أدبه الله بالرزق لذاب محبةً لله :

الدكتور راتب :
 الرزق المناسب مضمون، الآمر ضامن، الله عز وجل خلقه وسيرزقه.
المذيع:
 هناك أناس فقراء دكتور، واليوم في بعض الحروب هنالك أقوام يموتون جوعاً.
الدكتور راتب :
 لو كشف الغطاء لمن أدبه الله بالرزق، لذاب محبةً لله، الله رب. أقصد مثلاً، إذا عندك ابن ذكي جداً، لكنه لا يدرس، وأنت تعرف بأنه إن لم يدرس نهايته شخص عالة على المجتمع، فإذا أنت أدبته بقطع المبلغ المحدود اليومي، كلفت نظر له، تذكير دفع، حث على الدراسة، لا مشكلة أبداً، الله استخدم ورقتين، ثبّت مليون قانون، وحرّك الصحة والرزق، هذان القانونان المتحركان بيد الله عز وجل، من خلالهما يربي عباده، والدليل الواضح:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة الجن: 16 ـ 17]

 هناك من لا يصلح له إلا الغنى، إذا أفقرته أفسدت عليه دينه، والعكس أن هناك إنساناً لا يتحمل وجود مال كثير، الله رب، إذا أنت عندك ابن ذكي جداً، ولا يدرس، قطعت عنه النفقة حثاً له على الدراسة.
المذيع:
 لتربيته.
الدكتور راتب :
 الله رب العالمين.
المذيع:
 ونعم بالله، ونعم بالله.

 

المؤمن عندما يرى مكانته في الجنة ينسى كل متاعبه :

الدكتور راتب :
 لكن الله عز وجل من رحمته، الإنسان لا يصبر، تُكشف له الحكمة لاحقاً، إن كشفت له الحكمة ذاب محبةً لله عز وجل، لذلك الله ماذا قال:

﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ ﴾

[ سورة يونس:10]

 الخلق كلهم.

﴿ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة يونس:10]

 الإنسان ينسى متاعبه إذا رأى مكانه في الجنة
يقول المؤمن: لم أرَ شراً قط، ينسى كل المتاعب، ينسى كل المعالجات الإلهية، ضيق عليه بالرزق، ضيق عليه بالدخل أحياناً، بالوظيفة، جاءه مدير عام ضايقه، كل متاعب الدنيا إذا رأى مكانه في الجنة ينسى كل متاعبه.
 مثل بسيط: لو إنسان مثلاً، فقير جداً لكنه ذكي جداً، وعنده رغبة أن يدرس بأمريكا، باعت والدته وخالته وعمته كل أساورهم، واشترى بطاقة سفر لأمريكا، وصل إلى هناك، هناك ليس معه مصروف، اضطر أن يعمل من الظهر حتى المساء في مطعم لغسيل الصحون، وصباحاً داوم في الجامعة، وفي الليل يدرس، سبع سنوات متتابعة، عمل شاق ما يقارب عشرين ساعة، في الليل يدرس ومن الظهر حتى العشاء يعمل في مطعم، وصباحاً يداوم، حصل على الدكتوراه، حكومته علمت بذلك، وبحاجة إلى منصب عال جداً بإحدى الوزارات، طبعاً معنى منصب عال جداً، أي دخل كبير، له أكثر من سيارة، له بيت في العاصمة، وبيت على البحر، وبيت في الجبل مثلاً، هذا عندما أخذ الدكتوراه وقطع بالطائرة ووضع قدمه على سلم الطائرة، مضى عهد التعب، والدراسة، والعمل بعد الظهر، والخطر عدم النجاح، كل هموم الدنيا انتهت، الآن سينتقل لعمل عال جداً، دخل كبير، أكثر من بيت، أكثر من سيارة، هذه هي حالة المؤمن عند الموت، حالة المؤمن عند الموت، يجد الله عز وجل راضٍ عنه.

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

[ سورة المائدة:119]

 قد يأتي شخص آخر، هذه طرفة لكن أحب أن أرويها: إنسان يعمل في سوق من أسواق دمشق المشهورة، سوق الحمدية، ماذا يفعل؟ ينظف المحل، يضع القمامة بعلبة فخمة، يلفها بورق هدايا، وشريطة غالية، يضع العلبة على طرف المحل، يأتي إنسان يجد علبة، فيتوهم أنها ذهب أو ألماس، يحملها ويسرع، ويلحق به هو، بعد حوالي خمسين متراً يفك الشريط الأحمر وورق التغليف، ويفتح فيجد قمامة المحل، هذا حال الإنسان الذي نسي الله ونسي الآخرة، تمتع بالدنيا، جاء الموت.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

العاقل يدخل الموت ضمن حساباته :

 أنا أقول: أعقل إنسان، أذكى إنسان، أكثر إنسان توفيقاً، ونجاحاً، وتألقاً، وفلاحاً، هو الذي يدخل هذه الساعة الخطيرة في حسابه اليومي، هذا الدخل لا يرضِ الله، هذه السهرة لا ترضِ الله، هذا العمل، هذه السياحة لا ترضِ الله، إذ أدخل الموت بحسابه، هذا هو العاقل، أقول لك كلمة أدق من ذلك: الأقوياء جميعاً يصنفون مع الأغبياء، بنوا مجدهم على أنقاض الآخرين، بنوا حياتهم على موتهم.
المذيع:
 هذا للأقوياء بالباطل دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبعاً بالباطل طبعاً.
المذيع:
 من كان قوياً بالحق.

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله))

[مسلم عن أبي هريرة]

الدكتور راتب :
 طبعاً، هذه بديهية، إنسان بنى عمله، بنى مجده على أنقاض الآخرين، بنى حياته على موتهم، عزه على ذلهم، غناه على فقرهم، أمنه على خوفهم، هذا أغبى إنسان في الأرض، لأنه ما أدخل محاسبة الله له في حسابه.
المذيع:
 شيخنا الكريم، إذاً حتى تكون الفكرة واضحة؛ الآن الله سبحانه وتعالى حينما خلقنا كمخلوقات ومنها الإنسان، وليس فقط الإنسان، تكفل برزقٍ مناسبٍ يكفينا لحكمةٍ إلهية، قد يوسع على إنسان في الرزق، وقد لا يوسع عليه.
الدكتور راتب :
 يكون مناسباً.
المذيع:
 هذا لا علاقة له بالإيمان والكفر، قد يكون الإنسان كافر ومعه مبالغ مالية كبيرة، وقد يكون العكس صحيح، كافر وليس معه مبالغ.

 

الرزق و الصحة أداتان لتربيتنا :

الدكتور راتب :
 هناك آية تؤكد هذا الشيء:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 أنا أذكر تماماً، عندما بنوا أول جسر في اسطنبول بين قارتين، أول جسر بين آسيا وأوروبا أثناء افتتاح الجسر، مشى رئيس الجمهورية مع المهندس الياباني الذي صمم الجسر، بنصف الطريق ألقى المهندس بنفسه في البسفور، طبعاً مات فوراً، ذهبوا إلى غرفته بالشيراتون، كتب: ذُقتُ كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً، أردت أن أذوق طعم الموت.
 أقول لك كلمة دقيقة: موظف بسيط، بيته ستون متراً، عنده زوجة يحبها، وأولاد أبرار، ودخله أقل من عادي، لكنه مؤمن بالله، مؤمن بالآخرة، يحلم بالجنة، أسعد منه بمليون مرة، عندما تعرف سر وجودك وغاية وجودك، عندما تعرف الدنيا أنها زائلة، وطارئة، والبطولة بالآخرة، البطولة، الذكاء، النجاح، التفوق، الفلاح، أن تدخل الآخرة بحسابك.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور، الرزق والمعصية هو عنواننا لهذا اليوم، شيخنا قبل الفاصل دعنا نلخص الأفكار لمن انضم إلى الاستماع حديثاً معنا، أن الأرزاق ربنا تكفل بها، برزقٍ مناسبٍ، لكنه مغلفٌ بالحكمة الإلهية إن زاد أو قل، هذا أمر الله.
الدكتور راتب :
 إن الله اتخذ من رزقنا ومن صحتنا أداتين لتربيتنا.
المذيع:
 ونعم بالله، الآن الأرزاق دكتور هل هي جهدٌ بشري، يسعى الإنسان، يأخذ بالأسباب، يرتب شركته، عمله، دراسة جدول، وبالتالي يستحق الرزق، أم هو هبة وعطاء من الله؟
الدكتور راتب :
 المنهج الوسطي، الصحيح، القويم، الأصلي، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 الترتيب مقصود دكتور؟

 

كيفية الأخذ بالأسباب:

الدكتور راتب :
 بالضبط، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء المسلم يأخذ بالأسباب ويعتمد على الله
عندك في العيد رحلة إلى العقبة، مثلاً تراجع السيارة، المكابح، العجلات، الزيت، أن تأخذ بالأسباب كما تفعل أوروبا، وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، بعد ما راجعت المحرك، والزيت، والعجلات، والمكابح قلت: يا رب أنت المسلم.
المذيع:
 في الرحلة السيارة قوية، والسيارة آمنة.
الدكتور راتب :
 لا أنت مسلم، أما من اعتمد على الأسباب وحدها، وكله الله إليها، من اعتمد عليها وحدها، إذا ألهها كما تفعل أوروبا، نحن عصينا الله فلم نأخذ بها، والغرب ألهها، كلانا وقع في مطبٍ.
المذيع:
 إذاً عليك أن تأخذ بالأسباب كاملةً.
الدكتور راتب :
 وكأنها كل شيء.
المذيع:
 لكن لا تؤمن أن الأسباب هي التي توصلك لنتيجة.
الدكتور راتب :
 أما يدعو الله قبل معركة بدر حتى وقع رداءه عن كتفه، خشي أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما ينبغي.
المذيع:
 جميل، إذا المرحلة رقم واحد دكتور، تبدأ من الإنسان أن يأخذ بالأسباب ويتمعن في دراسة المشروع ويجتهد أقصى درجات الاجتهاد، ثم يتوجه في قلبه أن هذا الجهد لا قيمة له إن لم يكرمه الله بأن يغدق عليه بالنفقة.

حق التوكل أن تأخذ بالأسباب :

الدكتور راتب :
 هناك دليل وحيد، آية واحدة لا يوجد غيرها.

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود:88]

 لا يحقق شيئاً في الكون.
المذيع:
 إلا بأمر الله.
الدكتور راتب :
 إلا بتوفيق الله.
المذيع:
 لكن توفيق الله لمن يكون؟
الدكتور راتب :
 لمن يأخذ بالأسباب.
المذيع:
 ما أجمل هذا الفهم.
الدكتور راتب :
 وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 كيف نربط هذا الكلام بالحديث النبوي الشريف:

(( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير))

[ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

الدكتور راتب :
 حق التوكل أن تأخذ بالأسباب.
المذيع:
 ليس معناه أنك مرزوق دكتور؟
الدكتور راتب :
 ذاك هو التواكل، حق التوكل أن تأخذ بالأسباب.
المذيع:
 شيخنا الحديث النبوي الشريف.

((إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ))

[ابن ماجه وأبو يعلى والإمام أحمد وابن حبان عن ثوبان]

الاستقامة والمعصية :

الدكتور راتب :
 تأديباً.
المذيع:
 هل الذنب يمنع الرزق؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، هناك آية أقوى.

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

[ سورة الجن: 16 ـ 17]

المذيع:
 هذا المعنى الآخر.
الدكتور راتب :
 هناك معنى مخالف، المخالف قيمته من النوع الأول.
المذيع:
 يعني أفهم من كلامك شيخنا، الاستقامة يمكن أن تكون جالبةً للرزق، والمعصية مانعةً للرزق.
الدكتور راتب :
 مع الحكمة الإلهية.
المذيع:
 أي أن الإنسان يمكن أن يعصي فلا يحرم؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 ويمكن أن يطيع فلا يرزق؟

 

التوحيد نهاية العلم والعبادة نهاية العمل :

الدكتور راتب :
 نعم، هذا موضوع خطير جداً.
المذيع:
 هناك قول دكتور أظنه ينسب لسيدنا علي بن أبي طالب:

(( لا يخافنّ العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ))

[سعيد بن منصور في سننه عن علي]

 يخاف الذنب ما المقصود بها دكتور، أن يخاف على رزقه من ذنبه؟
الدكتور راتب :
 إذا منع الرزق فعلينا بالتوبة
يخاف أن يقع بذنب يحرمه الرزق، ممكن أن تقرأ آية تجمع لك فحوى دعوة الأنبياء جميعاً بلا استثناء؟ آية وحدة جمعت بها فحوى مضمون دعوة الأنبياء جميعاً:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 الملخص أن التوحيد نهاية العلم، وأن العبادة نهاية العمل.
المذيع:
 كلام موزون وجميل جداً، هذا هو الفهم المتوازن والجميل لمبدأ الرزق والطاعات، والذنوب، والمعاصي، إذا منع رزق الإنسان لذنبٍ أصابه دكتور، كيف يتخلص من هذا الذنب ليعود الرزق من جديد؟
الدكتور راتب :
 ينبغي أن يبحث.

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ﴾

[ سورة الشورى: 30 ]

 ومنها نقص الرزق.

﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

[ سورة الشورى: 30 ]

المذيع:
 هل التوبة هي الحل دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبعاً التوبة فوراً.
المذيع:
 مثلاً دكتور، رزقي جيد وأموري تمام، عصيت الله في أمرٍ ما، فشعرت أن الله ضيّق عليّ الرزق، كيف أعود لأصطلح مع الله؟
الدكتور راتب :
 هناك شخص أعرفه تماماً، والقصة رواها لي هو، قال لي: كانت زكاتي بالضبط أربعة عشر ألفاً وستمئة وخمسين ليرة سورية، زوجته ضغطت عليه ضغطاً شديداً ليدهن البيت، ويحسّن الأثاث فاستجاب لهذا الضغط، قال لي: عملت حادث سيارة، الشيء الذي لا يصدق أن الفاتورة أربعة عشر ألفاً وستمئة وخمسون ليرة سورية، نفس الرقم، فهذه رسالة، هو لم يدفع زكاة ماله، فأرسل الله له حادثاً لسيارته، كلفه نفس الرقم.
المذيع:
 حُرم خير الدنيا والآخرة.

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 لأنه أعطاه رسالة.
المذيع:
 الله لا يبتلينا يا رب، الله يفتح عليكم يا دكتور. أم خالد نرحب باتصالك تفضلي.
المستمعة:
 السلام عليكم، حفظك الله يا شيخ، يا شيخ أريد أن أسأل بالنسبة للرزق والذنوب، إذا كان الإنسان محروم الرزق بسبب الذنوب، هذا الشيء هل يؤثر على من حوله؟ مثلاً الزوج يؤثر على زوجته، ما ذنب الزوجة والأبناء أن يحرموا الرزق بسبب ذنوبه مثلاً؟ وهم مستقيمين، أقصد إذا كانت الزوجة مستقيمة، والزوج ليس كذلك؟
المذيع:
 سؤال بالغ الأهمية، شكراً لكِ يا أم خالد.
المستمعة:
 هو يرزق فكيف هي يمكن أن ترزق؟
المذيع:
 شكراً لكِ، ما رأي فضيلتكم شيخنا؟

الأسرة كيان متكامل :

الدكتور راتب :
 الزوجة إذا أتاها الله علماً، ونشأت مشكلة في البيت، يجب أن تنصح زوجها نصيحة مستمرة، تذكره، الله كريم، والله لا يرسل شيئاً بلا سبب، والدليل.

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾

[ سورة الشورى: 30 ]

 تنبه.
المذيع:
 لكنّ السؤال دكتور، إذا ربنا سبحانه وتعالى ضيق الرزق على هذا الأب، فتلقائيا ستحرم الزوجة والأولاد، ما ذنبهم؟
الدكتور راتب :
 الأسرة كيان متكامل، أقصد لو كان هناك تناصح وتواصل مع الله، الله عز وجل يرسل للزوج مصيبة لوحده، كلامي دقيق جداً، الله عز وجل قال:

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾

[ سورة الأنعام: 164 ]

 الله قادر يؤدب الزوج وحده، لا يؤدبه بتأديب يصيب أهله.
المذيع:
 إذا أصاب هذا الأدب الإلهي العائلة كلها؟
الدكتور راتب :
 يكون هناك تقصير عام.
المذيع:
 إما أن العائلة لم تأمر بالمعروف.
الدكتور راتب :
 يكون هناك اختلاط، شاشة مفتوحة، سهرات لا ترضِ الله.
المذيع:
 أو لحكمةٍ إلهية دكتور.

 

من حسّن علاقته مع الله رزقه من حيث لا يحتسب :

الدكتور راتب :

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾

[ سورة الأنعام: 164 ]

المذيع:
 نعم، جزاكم الله خيراً لهذا التوضيح، وسؤال بالغ الأهمية، شكراً لكِ يا أم خالد لمشاركتك معنا، إلى اتصال جديد معنا أبو يوسف تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيك العافية، يا أخي هناك آية تقول: المؤمنين أشد بلوى، هل لها علاقة بالرزق، أي إذا توقف رزق الإنسان، هل هناك رابط بين هذه الآية والرزق؟
المذيع:
 شكراً لك سؤال جداً مهم، شكراً يا أبو يوسف، شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 علاج الله لنا بالابتلاء دليل أمل
مريضان دخلا إلى طبيب، الأول معه التهاب معدة حاد، أخضعه الطبيب لحميةٍ قاسيةٍ جداً، حليب فقط لستة أشهر، الثاني معه سرطان منتشر بكل جسمه، سأله الثاني ماذا آكل قال له: كُل ما شئت، أيهما أفضل، الحمية القاسية تنتهي بشفاء تام، أم مرض خبيث لا حل له، الآية:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 اشكر الله مليار مرة إذا الله عالجك، معنى ذلك هناك أمل، معناه هناك أمل بالشفاء التام، سأعيدها مرة ثانية: مريضان أحدهما معه التهاب معدة حاد، وقابل للشفاء بحمية قاسية جداً، حليب فقط، والثاني معه سرطان منتشر، الثاني قال له: كُل ما شئت.
المذيع:
 لا أمل به.
الدكتور راتب :
 لا أمل منه، والأول حمية قاسية.
المذيع:
 معنى هذا دكتور، أن المؤمن إذا حسّن علاقته مع ربنا الرزق يأتيه، فإذا عصى يمنع عنه هذه علامة خير.

 

على الإنسان أن يتوب حتى يعيد بناء العلاقة مع الله :

الدكتور راتب :
 علامة خير كبيرة.
المذيع:
 لكن عليه أن يتوب، حتى يعيد بناء العلاقة مع الله، الله يكرمكم يا رب. مرام مرحباً بكِ أختي باتصال جديد، تفضلي.
المستمعة:
 السلام عليكم، الله يعطيك العافية يا دكتور، ربي يجزيك كل خير، بشأن التوبة والاستغفار يا دكتور، إذا الإنسان عمل خطأ وهو يعرف أن هذا الشيء خطأ، ومتردد أن يعمله، ومع ذلك يحدث الخطأ، هل يكون هذا الشيء من مساوئ الأخلاق؟
الدكتور راتب :
 عليه أن يتوب.

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة هود: 107]

 يريد.

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 222]

 أيضاً يحب التوابين.
المستمعة:
 جزاك الله خيراً.
الدكتور راتب :
 الثالثة.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

المذيع:
 كيف يمكن لها أن تقوي إيمانها بحيث لا تقع كثيراً في الذنوب؟ وهذا لنا جميعاً.

 

أول عبادة تأتي بعد الفرائض صلة الرحم :

الدكتور راتب :
 هي بحاجة إلى حاضنة إيمانية، صديقة مؤمنة، سهرة مع مؤمنات، تحتاج شاشة منضبطة، إذا هناك تفلت تقع بالذنب كل يوم.
المذيع:
 شيخنا في حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

صلة الرحم من أعظم الأعمال

((مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه، وأن يَنْسَأ له في أَثَره، فلْيَصِلْ رحمه ))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 هل هنالك عبادات كصلة الرحم، ممكن أن توسع الأرزاق؟
الدكتور راتب :
 أول عبادة تأتي بعد الفرائض صلة الرحم.
المذيع:
 هل يمكن أن تزيد الرزق دكتور؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 ما المعنى الشرعي دكتور أنها تزيد الرزق؟
الدكتور راتب :
 مثلاً أنت اهتممت بإخوتك البنات، أنت وضعك المالي جيد جداً، تسكن في حي راقي، لك أخوات بنات، أزواجهم موظفين فقراء مثلاً، فأنت زرتهم، تفقدت شؤونهم، واسيتهم، عالجت مريضهم، أطعمت جائعهم، علمت جاهلهم، هذا أعظم عمل يأتي بعد العبادة، هذه صلة الرحم، كل إنسان له أقارب، له أخوات، له إخوة كرام، له أعمام، أخوال، وضعه المالي جيد، هذه الصلة تأتي بعد العبادات.
المذيع:
 هل تزيد الرزق دكتور، بمعنى أن الإنسان يمكن أن يأتيه مبلغ من المال فيصبح غنياً؟

 

الأعمال الصالحة كلها تعتبر صدقات :

الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 ببركة هذا العمل الصالح.
الدكتور راتب :
 أبداً، أبداً.

(( يا ابن آدم، أنفقْ أُنفِقْ عليك ))

[البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 حديث قدسي.

((أنفقْ أُنفِقْ عليك ))

[البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

المذيع:
 والنفقة ليست بالمال فقط؟
الدكتور راتب :
 بالمال أيضاً.
المذيع:
 أقصد ليست فقط في المال سيدنا؟
الدكتور راتب :
 لا في الزيارة، في الصلة.
المذيع:
 الأعمال الصالحة كلها تعتبر صدقات؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 الله يكرمكم شيخنا الكريم، حسن مرحباً بك باتصال هاتفي جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، ويعطيكم العافية، أريد أن أسأل الشيخ سؤالاً، السلام عليكم شيخنا، أنا عندي سؤال متعلق بالرزق، طبعاً لا دخل له بالمعصية أو الطاعة، ولكن متعلق بالرزق، الآن أنا مثلاً أعمل بشركة، ومكلف بنقود الشركة، لا شريك لي، ولكني أقبض راتباً، لنفرض مثلاً الراتب ثلاثمئة، أنا معي نقود الشركة بعشرات الآلاف، ومكلف، لا أصرف منها ولكن تسجل علي ذمم، و في نهاية الشهر آخذ راتبي، والذي مثلاً مقداره ثلاثمئة، أنا الآن محتار بين أمرين، مثلاً قد لا تكفي لمصروف العائلة، من الممكن أن أوسع على نفسي من نقود الشركة وتسجل علي ذمم فيما بعد، متى ما تيسرت أدفعها، إن لم تتيسر تبقى علي أشهر وسنوات.

على المؤمن أن يرضى بما قدر الله عليه من رزق ويتكيف معه :

الدكتور راتب :
 ما دام ديناً لا مشكلة، لكن بموافقة الشركة.
المستمع:
 النقطة ليست من ناحية شرعية، ولكن بالنسبة لموافقة الشركة لا مانع عندهم، لكن النقطة من باب الرزق، هل أنا عندما لا ألتزم بقيمة راتبي الشهري، وأصرف من نقود الشركة وعلى نية أن الله كريم متى ما الله يسر الرزق، أقصد ثقتي بالله بالرزق.
الدكتور راتب :
 لو فرضنا جاءتك المنيّة بعد ساعات من استهلاك أموال الشركة، ماذا تفعل؟
المستمع:
 مشكلة.
الدكتور راتب :
 إذا استأذنت الشركة وأخذت مبلغاً وسجلته عليك، لا مشكلة.
المذيع:
 لكن الأخ حسن قال: هل يعتبر فيه عدم رضى بما قدر الله عليه من رزق، أنه حاول أن يأخذ دين، ويسدده فيما بعد.
الدكتور راتب :
 هذا المال ليس لك، الدين جائز بعلم الشركة.
المذيع:
 هل يحاول أن يتكيف مع مبلغه الثابت، أم يأخذ زيادة على أمل أن تفرج؟
الدكتور راتب :
 لا التكيف أفضل، أما إذا الشركة وافقت فلا مشكلة.
المذيع:
 يأخذ دين ويقيده بموافقة الشركة، شكراً لك أخي حسن ولمشاركتك معنا.
 إذاً شيخنا الكريم، الآن الفكرة في الأرزاق هي بيد الله، الخطوة الأولى تأتي من الإنسان الذي يأخذ الأسباب، فإن أخذ بالأسباب فحكمة الله إما أن يعطى أو لا يعطى، هنا يكون الرزق في هذه القضية، والذنب قد يغضب الله تبارك وتعالى من الإنسان فيحرمه الرزق، سيأتي شخص ويقول لك: دكتور بعض الأشخاص العاصين، وأحياناً المجاهرين بالمعصية، كبعض الفنانين الذين يسيرون في الطريق المحرم، ما شاء الله فلوس، وأموال، وحفلات، وعشرات الألوف بين أيديهم هؤلاء أهل معصية ولم يحرموا الرزق.

 

الرضى بالطاعة :

الدكتور راتب :
 معي بحث عن عشرين أو ثلاثين ملحداً، ملحداً وليس عاصياً، ماذا قالوا على فراش الموت؟ هل أنت ستعيش للأبد؟ البطولة أن تعلم أن هذا الدار دار ابتلاء، البطولة ماذا ستقول عند الموت؟ أنا أريد أن أعيش المستقبل، عندما تدخلني بالدنيا فقط، اختلف كل منهجي، الوضع اختلف كلياً.
المذيع:
 هل يمكن دكتور أن يكون عاصياً؟
الدكتور راتب :
 يجب أن تضم الآخرة للدنيا.
المذيع:
 يمكن أن يكون عاصياً وتكون دنياه جميلة؟
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 لكن هذه ليست علامة رضى؟
الدكتور راتب :
 أبداً، أبداً، الرضى بالطاعة.
المذيع:
 نحن نتخيل أحياناً أن الذي يرزقه ربنا، معنى ذلك أن الله راضٍ عنه وموسعٌ عليه.
الدكتور راتب :
 هذه أخطر فكرة.
المذيع:
 لا يشترط؟

المعصية سبب حرمان المرء بعض الرزق :

الدكتور راتب :
 أبداً، هناك كلمات للعوام لا أصل لها، أن الله إذا حب عبده أراه ملكه، يسافر لأماكن بعيدة ويرتكب الفواحش، هذه ليست محبة.
المذيع:
 إذاً عفواً دكتور، الوسع في الدنيا سواءً بالسفر أو الفلوس، ليست بالضرورة علامة رضى.
الدكتور راتب :
 إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، واضحة.
المذيع:
 كيف أعرف إذا كنت أنا من الذين يحبهم الله؟
الدكتور راتب :
 من الطاعة، إذا كنت تتعامل بنور الله، دخلك حلال، إنفاقك حلال، بيتك إسلامي، علاقاتك إسلامية، الشاشة مضبوطة، السهرات مضبوطة، لا يوجد اختلاط، هذا إكرام من الله كبير.
المذيع:
 دكتور هل كل الذنوب تحرم الإنسان رزقه، أم أن هناك فرق بين الكبائر والصغائر؟
الدكتور راتب :
 قد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية.
المذيع:
 وعلاجها التوبة.

تلخيص لما ورد في درس اليوم :

الدكتور راتب :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة هود: 107]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 222]

المذيع:
 الله يفتح عليكم يا شيخنا، سيدنا قبل الختام، نلخص الأفكار وتجاوبنا بفضيلتك حتى تكون بإذن الله رب العالمين الفائدة في هذه الخلاصة للجميع، الأرزاق من ربنا، والمال والعطاء من ربنا، لكن الإنسان أُمر أن يسير في الأرض ويضرب فيها بأقسى درجات الجهد، بأخذ بالأسباب، في تلك اللحظة يستحق أن يصل إليه رزقه، ولو امتنع عن الأسباب فلا يستحق الرزق هذا تواكل وهو مرفوض، وسيموت جوعاً، الآن الرزق ليس من الأسباب، ولا بسبب شهادتك، ولا خبرتك وإنما من الله مكافأةً لجهدك، والمؤمن يزيد عليها بأن يحرص على كسب الحلال، وعلى إنفاقٍ في الحلال، الإنسان إذا وقع في الذنوب والمعاصي، فإن غضب الله عليه يمنعه هذا الرزق، لكن هذه علامة إيمان، لأن له شأن عند الله فعوقب في الدنيا.
الدكتور راتب :
 أي أن هناك أمل في الشفاء.
المذيع:
 وعلاجها التوبة والاستغفار، لكن لن تحرم عائلته أو أولاده بسبب ذنبه الرزق، ربنا يرزقهم لكن يعاقبه هو، إلا إذا كان هناك مخالفة بالعائلة، أو حكمة إلهية فيصبح هنا الموضوع، في المقابل أن الذنوب تحرم الأرزاق، الطاعات تفتح أبواب الأرزاق، كما في الحديث عن صلة الأرحام.
أكرمكم الله دكتور وجزاكم عنا خير الجزاء، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع، نختم هذه الحلقة بالدعاء ونسأل الله سبحانه وتعالى القبول والمغفرة.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، لهذه الكلمات الطيبة، ونسأل الله تعالى أن يوسع علينا في الهداية، والطاعة، وأن يوسع علينا بالأرزاق، والأموال، في حلال كسبها وإنفاقها يا رب العالمين. شكراً جزيلاً شيخنا الكريم.
 مستمعينا الكرام إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذه الحلقة العلمية مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور