وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 43 - التعامل مع الأذى
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 السلام عليكم مستمعينا الكرام أينما كنتم، عبر أثير إذاعتكم حياة fm، نحييكم في حلقةٍ جديدة، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، شيخنا الكريم أسعد الله أوقاتكم، وأهلاً بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، ومن يلوذ بكم.
المذيع:
 اللهم آمين حماكم الله يا دكتور محمد، نتحدث اليوم مستمعينا الأكارم تحت عنوان التعامل مع الأذى، حينما يتعرض الإنسان ولا بد للأذى، كيف يتعامل؟ أيصمت، أيصبر، أيرد هذا الأذى، أم أن هنالك منهجية يدعى إليها الإنسان في الشريعة للتعامل مع مثل هذا الموقف من الأذى، هذا هو عنوان نقاشنا نحن وإياكم مستمعينا مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، شيخنا الكريم أهلاً بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 حينما يتعرض الإنسان إلى الأذى، كلمةً تجرحه، أكلٌ لحقوقه، أو غيرها من أنواع الأذى، كيف يفترض به أن يتعامل مع مثل هذا؟

الابتلاء علة وجودنا والبطولة أن ننجح فيه :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 لابد من الامتحان لأنه علة وجودنا
أخي الكريم بارك الله بك على هذا السؤال، لا بد من مقدمةٍ دعوية، نقول الله عز وجل واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، معنى ممكن؛ ممكن أن يكون، أو ألا يكون أصلاً، أو إذا كان على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون، أليس من الممكن عند الله أن يخلق الكفار في كوكبٍ آخر؟ لن يكون هناك أي مشكلة، لن يكون هناك قتال، ولا جهاد، ولا فتن، ولا صراعات، كله انتهى، أو أليس من الممكن أن يكونوا في قارةٍ خاصة مثلاً، أو في حقبةٍ خاصة.
المذيع:
 أو أن يهديهم جميعاً.
الدكتور راتب :
 لكن الإنسان مخير، الله يهديهم جميعاً كيف؟ أنا قد أجمع خمسين طالباً بالجامعة أعطيهم أوراقاً مطبوع عليها الإجابة، وأعطي علامة تامة لكل طالب، هذا النجاح لا قيمة له.

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

[ سورة الملك:2]

 الابتلاء علة وجودنا، والبطولة ليس أن ننجو من الابتلاء بل أن ننجح فيه، والابتلاء علة الوجود، والدليل:

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 فلا يمكن لإنسان كائناً من كان أن يصل إلى الجنة إلا بعد الابتلاء، هناك دعاء، ادعُ لنا ربك ألا يمتحننا، فالجواب لا بد من الامتحان، لأن الامتحان علة وجودنا.

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 فالبطولة ليست بأن ندعو الله ألا يمتحننا، بل أن ننجح في الابتلاء.
المذيع:
 لماذا إذاً أراد الله سبحانه وتعالى، شيخنا الكريم أن يجمع المؤمنين بالكفار، الظالمين بالمظلومين في كون واحد؟

أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية :

الدكتور راتب :
 كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكبٍ آخر، أو في قارةٍ خاصة، أو في حقبةٍ خاصة، لكن من مسلمات الحياة الحق وهو الله، والحق دين الله، لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، علة وجودنا الابتلاء.

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

[ سورة الملك:2]

 لو فرضنا وزعنا على الطلاب أوراق الامتحان مطبوعة عليها الإجابة التامة وبالأحمر علامة مئة من مئة، لا قيمة لهذا الامتحان، لا قيمة له عند صاحبه، ولا عند أهل الطالب، ولا عند المجتمع، فالامتحان علة وجودنا، الامتحان غاية وجودنا، الامتحان سبب وجودنا.
المذيع:
 شيخنا الكريم من ناحيةٍ شرعية، أنا كمسلم إذا ما تعرضت للأذى، ظلمني إنسان، أكل حقي، تحدث عني بهتاناً وزوراً، ما هي الخيارات الشرعية المسموحة لي في التصرف والتعامل مع هذا الأذى؟
الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

المذيع:
 هل يمكن أن نوضحها سيدنا؟

 

جزاء السيئة بمثلها :

الدكتور راتب :
 مثلاً إنسان اغتصب مالك ترفع دعوة عليه.
المذيع:
 لتسترد مالك بنفس المقدار.
الدكتور راتب :
 في حالة الإساءة لابد من الاعتذار
أبداً، لكن لا تطلب منه عشرة أضعاف حقك، هذا أصبح ظلم.

﴿ وَجَزَاءُ ًسَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

المذيع:
 لو أساء لي بكلمةٍ ما دكتور هل يحق لي أن أعيد ذات الكلمة السيئة له؟
الدكتور راتب :
 لا، إذا تكلم معي كلاماً سيئاً، أطلب منه حقي، يوجد حقوق اجتماعية يعتذر لي، أنا كلمني أمام ملأ، كلام سيء، يجب أن يعتذر أمام ملأ، أمام علية القوم، نفس الشيء الاعتذار.
المذيع:
 لكن الإساءة إذا لم تكن أكل حقوق، كالشتم مثلاً.
الدكتور راتب :
 إذا كان سباب فاحش، هل يليق بالمؤمن أن يستخدمه؟ مستحيل، هذا أولاً.
المذيع:
 جميل، إذاً الخيار الأول لدى المسلم في الشريعة.

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

العفو عند المقدرة :

الدكتور راتب :
 دقق الآن.

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى:40]

 إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه.
 أذكر قصة مؤثرة جداً، إنسان تزوج امرأةً في الشهر الخامس من الزواج بها، كان حملها في الشهر التاسع، بإمكانه أن يطلقها، ومن حقه، وقد يفضحها أمام أهلها، وقد تُقتل، لكنه أخذ طريقاً آخر، جاء لها بولادة، ولدت، حمل المولود تحت عباءته، وقف أمام باب جامع في دمشق، إلى أن نوى الإمام الفريضة، وعندما نوى الفريضة، دخل إلى الجامع ووضعه وراء الباب والتحق بالمصلين، الصلاة انتهت، الطفل بكى، فحلق الناس حوله، هو تأخر، حتى تأكد أن معظم المصلين تحلقوا حول هذا المولود الحديث، ثم اقترب قال: ما القضية؟ قال: تعال انظر لقيط، قال: ما هذا الكلام؟! قال: لقيط تعال انظر، نظر إليه قال: أنا أكفله، أخذه أمام أهل الحي جميعاً على أنه لقيط، ودفعه إلى أمه وسترها، يروى أن إمام الجامع رأى النبي الكريم في الرؤية، وقال: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة.
المذيع:
 الجار الذي ستر زوجته.
الدكتور راتب :
 نعم، الانتقام سهل، والانتقام لا يكلف شيئاً، الانتقام فيه فضيحة، وقد تُقتَل ببعض المفهومات الجاهلية قديماً، أما هذا ماذا فعل؟ أحيا نفساً، الله ماذا قال:

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة المائدة:32]

المذيع:
 لكنها مذنبة شيخنا، وذنبها شنيع.

 

الابتعاد عن الفحش لأن هذا غير مسموح في الشريعة :

الدكتور راتب :
 مذنبة، لو أنها عوقبت لا شيء في ذلك، لكن نحن عندنا عقاب عادل وعفو، دقق بالآية:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الشورى:40]

 العفو في بعض الأحيان له قيمة كبيرة جدا
إذا تيقن الرجل أن عفوه عن هذا الخطأ يصلح صاحبه، ينبغي أن يعفو عنه، وعندئذٍ يتولى الله مكافأته.
 مثلاً طفل داسه سائق لكنه ما مات، والسائق معذور في الموضوع، هناك أسباب كثيرة جداً، فهذا السائق هنا في الأردن، أهل هذا الطفل دعوا السائق وأكرموه، ابنهم نجى الحمد الله، لكن تركت أثراً هذه القصة في بلدنا يفوق حد الخيال، العفو أحياناً له قيمة كبيرة جداً.

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى:40]

 غلب على ظنه أن العفو يصلحه فعفى عنه، وعندئذٍ يتولى الله في عليائه مكافأته.
المذيع:
 اسمح لي سيدي أن أتأكد من فهمي للأمور، إذا تعرض المسلم إلى الأذى فلديه في الشريعة مجموعة من الخيارات، وما فهمته من كلام حضرتك، لا يوجد من ضمن هذه الخيارات أن يكون فحاشاً، أو أن يزيد في مقدار الأذى، هذا ليس مسموحاً في الشريعة.
الدكتور راتب :

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

المذيع:
 أكثر منها غير مقبول.
الدكتور راتب :
 أبداً، ليس الصاع عشرة أصوع.
المذيع:
 نعم، وأن يكون فحاشاً أيضاً غير مسموح في الشريعة، الآن أنت أمام خيارين، إما أن تواجه السيئة بسيئة مثلها فتأخذ حقك وبالتالي انتهت القضية، وإما أن تعفو عنها فلا يذهب حقك لأن العوض عند الله، أين يمكن دكتور أن نقول الدعاء، إذا ما آذاني إنسان أدعو عليه؟

 

حياتنا الآن بين شرين والبطولة أن أختار أهون الشرين :

الدكتور راتب :
 سيدنا عمر يقول: ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما.
 هذه هي البطولة، نحن حياتنا الآن مع الأسف الشديد ليست بين خيرٍ وشر، بين شرين، فالبطولة أن أختار أهون الشرين، فالعفو أحياناً الله يكافئ عليه مكافأة كبيرة جداً.

﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

 لكن غلب على ظنه أن عفوه عنه يصلحه.
 ذات مرة، القصة لها علاقة لكن ضعيفة في السياق: النبي الكريم قبيل معركة بدر يقول: لا تقتلوا عمي العباس، بلا تعليق، بلا إضافة، بلا شروط، بلا تعليل، فأحد الصحابة قال: أحدنا يقتل أباه وعمه في الحروب وينهانا عن قتل عمه، اختل توازنه الديني، ثم تبين أن عمه العباس قد أسلم، وأسر في إسلامه، لم يعلن إسلامه، وكان عين النبي في مكة، إدارة ذكية جداً، المعلومات من مكة تأتي النبي بدقةٍ بالغة.
المذيع:
 من خلال عمه الذي كتم إسلامه.
الدكتور راتب :
 كتم إسلامه، النبي لو قال: عمي قد أسلم، أنهى دوره، لو لم يتكلم قد يقتل، فقال: لا تقتلوا عمي العباس، هذا الذي ظن بالنبي ظناً لا يليق به، عندما كشف الحقيقة قال: والله بقيت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.

 

على المؤمن أن يتبين الصواب ولا يتسرع بالظن :

 إذا شاهدت أخاك بموقف خاطئ قد يكون معذوراً، وقد يكون في وضع صعب جداً، وقد يكون في ضرورة، وقد يكون هذا أهون الشرين، فأنا مبدئياً أُحسن الظن بأخي المؤمن، وأسأله أيضاً.

﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾

[ سورة الحجرات:6]

 تحققوا، اسألوا.

﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ﴾

[ سورة الحجرات:6]

 أنا أذكر مرة كنت في محل تجاري، صاحب المحل صديقي، جاءته امرأتان ليشتريا قماشاً، فقالت له: لا تقسو علينا، خفض لنا السعر قليلاً، هذه ليست كلمة تقال لبائع:

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾

[ سورة الأحزاب:32]

 عندنا ضيف من حلب قلت له: لعلها أخته، قال لها: اشتقنا لكِ، هذا الضيف عندما رأى أن بائع القماش يقول لإنسانة تشتري القماش: اشتقنا لكِ، أنا والله من باب حسن الظن، قلت له: لعلها أخته، عندما ذهبت سألنا البائع فقال لنا: هذه أختي، فالإنسان أحياناً يتسرع بالظن، هناك حالات كثيرة، أما المؤمن فيتبين، يمشي مع امرأة، فمر صحابي، على رسلكما هذه زوجتي صفية، قالوا: البيان يطرد الشيطان.
المذيع:
 سؤالي شيخ: لو أنه ورد في داخلي خاطرٌ ما، لكنني لم أعبر عنه، لم أُسئ لهذا الإنسان، هل أنا محاسب عند الله؟
الدكتور راتب :
 لا لا أبداً، لا تحاسب على الخواطر.
المذيع:
 كذلك الرجل الذي وجد البائع يتلفظ بما لا يجوز مع امرأة فدخل في قلبه شك هل هو مؤاخذٌ على هذا الشك؟

 

البيان يطرد الشيطان :

الدكتور راتب :
 الحكمة هنا هي أن يصمت، أهون الشرين، إذا انتقده قد يتفاجأ أنها أخته مثلاً.
المذيع:
 لا تحاسب على خواطرك ما لم تصر عليها
إذاً الشك القلبي لا يؤاخذ عليه، لكن إذا عبر عنه بالكلام؟
الدكتور راتب :
 بشكل عام في الإسلام القضية أعم من ذلك، لا يحاسب الإنسان على خواطره، لو جاءه خاطر قال له: أين الله؟ هل الله موجود؟ لا يحاسب على خواطره، إلا إذا أصر عليها، وإلا إذا أرتاح لها، الخواطر الداخلية إذا أرتاح لها يُحاسَب، إن تألم منها لا يُحاسَب.
المذيع:
 فإذاً في مثل هذه المواقف عند الشك في الناس، إما أن يستوضح، أو أن يستعيذ بالله من الشيطان، ليطمئن.
الدكتور راتب :
 النبي قال: البيان يطرد الشيطان.
المذيع:
 شيخنا أنت إلى الآن أعطيتنا حلين لمن يؤذينا: إما أن نرد السيئة بمثلها ولا نزيد.
الدكتور راتب :
 وهذا من حقنا.
المذيع:
 وهذا من حقنا، وإما أن نعفو عنه فيكون العوض عند الله، ماذا عن الدعاء دكتور؟ بعض الناس إذا ما تعرض للأذى فإنه يدعو على من آذاه.

مرتبة العدل والإحسان :

الدكتور راتب :
 قبل ذلك:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾

[ سورة النحل:90]

 الإحسان فوق العدل.
المذيع:
 العدل أن تأخذ حقك.
الدكتور راتب :
 أبداً، والإحسان أن تجتهد أن عفوك عنه يصلحه.
المذيع:
 هذه مرتبة أعلى من العدل، الإحسان.
الدكتور راتب :
 مثلاً إذا وقع طفل من الطابق الثالث أمام سيارة، والسائق يمشي بسرعة بطيئة جداً، جاء أمامه، مشى فوقه لكنه لم يمت، الآن هم يستطيعون أن يأخذوا حقهم منه بالقانون، لكن الأب كان عاقل جداً، ما دام الابن قد وقع من أحد الطوابق أمام السيارة لكنه لم يمت.
المذيع:
 السائق غير مذنب.
الدكتور راتب :
 لم يقصد إطلاقاً.
المذيع:
 رغم أنه القانون يجرمه.

 

الدعاء على من يؤذي ليس إثماً :

الدكتور راتب :
 الأب عفا عنه، هذا العفو عند الله كبير.
المذيع:
 هنا الإحسان.
الدكتور راتب :

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى:40]

 لذلك:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾

[ سورة النحل:90]

 الأولى المرأة، إن طلقت هذا عدل، أما الإحسان أنه سترها وأصلحها، والآية جاءت دقيقة:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى:40]

 واعتقد أن عفوه يصلحه.
المذيع:
 بارك الله بكم، شيخنا المنهج الثالث: من لا يأخذ حقه من ذلك الشخص ولا يطلبه للقضاء، ولا يعفو عنه، لكنه يدعو عليه في قلبه، فلان آذاني، لم أقابل السيئة بمثلها ولم أعفُ عنه، أدعو عليه.
الدكتور راتب :
 هو في النهاية بشر، وربما ذهب حقه، لا يخطئ أبداً.
المذيع:
 شرعاً من يدعو على من آذاه مقبول؟
الدكتور راتب :
 النبي دعا على بعض الكفار الذين قتلوا أصحابه.
المذيع:
 ماذا تنصح دكتور متى يلجأ المسلم للدعاء؟ يسعى أولاً لأخذ حقه فإن لم يتمكن يدعو عليه؟
الدكتور راتب :
 أنا عندي قاعدة أساسية ذكرتها قبل قليل: الآن حياتنا أهون الشريّن، يعني عفواً المواطن عنده سيارة، والسيارة قد يكون هناك تأمين عليها، والتأمين له إشكال في الدين، لكن أن تصعد زوجته وبناته في ازدحام شديد، ويتعرضن للتحرش أفضل، أم يدفع التأمين الذي عليه إشكالية، الآن أهون الشريّن أصبح، حياتنا الآن بين شرين ليس بين خير وشر، بين شرين والبطولة أن تختار أهون الشرين، واضحة تماماً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، واضحة تماماً سيدنا، نستأذن فضيلتكم، شيخنا الكريم، مستمعينا الكرام نقف إلى فاصل قصير. مرحباً بكم أستاذنا الكريم.

 

في قضية التعامل مع من يؤذينا أتاح لنا الشرع عدة خيارات :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 يسعدنا استقبال مشاركاتكم على هواتف الإذاعة، ونرجو أن تقتصر المشاركات على موضوع الحلقة التعامل مع الأذى، شيخنا الكريم قبل أن نشرع بمشاركات مستمعينا، نلخص ما ذكرتم فضيلتكم قبل الفاصل بأنه في قضية التعامل مع من يؤذينا، أنا عندي عدة خيارات أتاحها لي الشرع الحنيف، الفكرة الأولى أنك تقدر أن تعفو عن الإنسان الذي آذاك إن كان عفوك يصلحه فالأولى شرعاً أن تعفو، فأنت ترقى من مرتبة العدل إلى الفضل والإحسان.
الدكتور راتب :
 والله المكافئ.
المذيع:
 وأجرك على الله، إذا غلب على ظنك أن عفوك سيفسده وسيواصل إيذاءه للآخرين.
الدكتور راتب :
 ينبغي أن تقتص منه.
المذيع:
 وجب أن تأخذ حقك منه، وهنا المعادلة.

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى:40]

 دون فحشٍ ودون إضافة أذى، وأن الأجر عند الله سبحانه وتعالى، وإن لم يستطع الإنسان أن يأخذ حقه يلجأ للقضاء، وإن لم يأخذ حقه في القضاء فعليه في تلك المرحلة بالدعاء، بهذا التدرج.
 أكرمكم الله يا دكتور، موضوع مهم جداً وإن شاء الله رب العالمين تصل الفكرة بشكل كامل إلى مستمعينا الأكارم في هذا الموضوع.

 

خطوات التوبة :

الدكتور راتب :
 هناك حالة واحدة دقيقة مرت بحياتي، إنسان كان يعمل في مكان معين، وقبض رشاوى بأرقام كبيرة جداً من الناس، ثم تاب إلى الله عز وجل، فجاء يستفتيني ماذا يفعل؟ قلت له: الدولة مكلفة أن تساعد الجمعيات الخيرية، تكليف رسمي، فإذا استطعت تقدير قيمة تقريبية لهذه المبالغ ودفعتها لجمعيات خيرية تنتفع بها الأمة، كأنك وفيت هذا الدين، فكانت الفتوى ناجحة جداً، لأنه يوجد جمعيات خيرية والدولة ملزمة أن تعطي هذه الجمعيات مساعدات.
المذيع:
 ولن يستطيع أن يتذكر ممن قبض منه.
الدكتور راتب :
 لا يتذكر، فهو أخذ رقماً تقديرياً، وأغلب الظن أنه صحيح، أو أغلب الظن أكثر مما ينبغي، دفع هذه المبالغ لجمعيات خيرية.
المذيع:
 هل عليه أن يرافق هذا بالتوبة والاستغفار؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، طبعاً.
المذيع:
 يؤدي المال ويستغفر الرحمن.
الدكتور راتب :
 النقطة الدقيقة: التوبة تحتاج إلى الندم أولاً، والأداء ثانياً، والشكر ثالثاً من الله، يعني هذا الشخص تاب، الإقلاع أولاً، والندم ثانياً، وعقد العزيمة ألا يقع به ثالثاً.

أسئلة المستمعين :

المذيع:
 وطالما أن هناك حقوقاً أداها للجمعيات الخيرية.
 إلى جولة من مشاركات مستمعينا الكرام، جواد معنا باتصال هاتفي، تفضل يا جواد أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف حالك دكتور، ما أخبارك؟
الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً ومرحباً.
المستمع:
 أستاذ نديم كيف حالك؟
المذيع:
 أطال الله عمرك وأسعدك يا جواد، تفضل بسؤالك يا جواد.
المستمع:
 أحياناً نرى في بعض الأحيان الأطفال الصغار يلعبون بالكرة، والناس يمزقون لهم الكرة، كيف نتعامل مع الأطفال بغير هذه الطريقة؟
المذيع:
 مرة أخرى الأشخاص ماذا يفعلون؟
المستمع:
 طلاب صغار يلعبون بالكرة في الشوارع، وبعض الناس يثقبون لهم الكرة، هل من طريقة أخرى غير هذا الفعل؟
المذيع:
 ستستمع بعد قليل بإذن الله لجواب الشيخ، شكراً لك يا جواد، أحمد تفضل باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف حالك سيدي، السؤال للدكتور إذا آذاك شخص أذية كبيرة وشكوتهم للقضاء، والقضاء ما أنصفك، ماذا تفعل؟ وتستطيع أن تشتكي عليهم مرة ثانية وثالثة ماذا تفعل؟ القضاء أول مرة ما أنصفك، ماذا تفعل؟
المذيع:
 هل هم منكرون لهذه الحقوق؟
المستمع:
 حقوق، أخذوا أموالاً.
المذيع:
 هم ينكرونها؟
المستمع:
 نعم ينكرونها، مع العلم كتبنا مستندات يا سيدي.
المذيع:
 الفكرة واضحة أيضاً يا أخي أحمد، إن شاء الله تستمع لجواب الدكتور، لنستمع إلى عمر باتصال جديد، تفضل أخي عمر.
المستمع:
 يعطيك العافية، والله يا دكتور نحن نحبك بالله إن شاء الله.

متابعة أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 بارك الله بك، ونفع بك.
المستمع:
 إن شاء الله جميع العلامة ليس فقط يكونوا مثلك بل يكونوا ربع ما أنت عليه.
الدكتور راتب :
 بارك الله فيك.
المذيع:
 الخير في كل علماء الأمة.
المستمع:
 وإن شاء الله نتأمل من العلماء أن يسيروا على خُطاك، شيخنا أنا أعطيت مالاً لشخص وأريد هذا المال، لكنه أصر عليّ أن أسامحه، ولا أستطيع أن أقول له: الله لا يسامحك، فأضطر أن أقول له: سامحك الله، لكن ليس من قلبي، أقصد أني أقول: سامحك الله مجاملة.
المذيع:
 أنت كنت تريد مبلغاً من المال منه، وهو لم يؤدِ المبلغ، وطلب منك العفو.
المستمع:
 نعم، أو المسامحة أن سامحني، ولكنني أحتاج هذا المبلغ، وهو يقدر أن يسدده لي إن أراد، لكنه يقول لي: إذا مت يبقى المبلغ معلق برقبتي، هل إذا سامحته ومات، وأنا لم أسامحه من قلبي، هل يُحاسب؟ شكراً لكم.
المذيع:
 شكراً لك، شكراً جزيلاً لك عمر لمشاركتك، لنستمع إلى محمد، تفضل يا محمد.
المستمع:
 السلام عليكم، أريد أن أسأل سؤالاً لماذا نشعر دائماً بتوالي الابتلاء، أي كلما أنتهي من ابتلاء يأتيني ابتلاء آخر، دائماً أشعر أني مبتلىً ابتلاء شديداً، وفي كل مرة لا أعرف لماذا؟
المذيع:
 شكراً لك أخي محمد، أيضاً إن شاء الله تستمع لجواب من الدكتور، شيخنا نجيب على أسئلة مستمعينا قبل أن نستقبل جولة جديدة.
 جواد كان يتحدث عن بعض الأطفال الذين يلعبون بالكرة مثلاً في الشارع، فقد يزعج بعض الجيران، فيثقبون لهم الكرة، فيبقون دون كرة، ما رأيك بهذا الشيء دكتور؟

جزاء حلف اليمين الكاذب :

الدكتور راتب :
 والله عندي حل ثان، حل آخر، ننبه الطفل أولاً، إن لم يستجب ننبه أهله، لم يستجيبوا نهدده بشيء مزعج، التهديد قبل الفعل أقوى.
المذيع:
 اليمين الكاذب يستوجب غضب الله
هل يحق لهذا الجار أن يفسد له الكرة، أم عليه أن يصادرها، أو يعطيها لوالده؟
الدكتور راتب :
 والله هنا عليك أن تختار أهون الشرين، إذا كانت الكرة ليست له، أخذها من رفيقه، عليه دفع ثمنها، فأنا أنبهه، وأنبه والده، بعد ذلك ألجأ للحل الصعب إن لم يستجيبوا.
المذيع:
 الأخ أحمد طرح سؤالاً دكتور، لديه مبلغ من المال أعطاه لبعض الأشخاص، ولا يريدون الأداء، ولديه وثائق، تقدم إلى القضاء ويبدوا أنهم حلفوا يميناً بالكذب، ولم يستطع، هل يرفع دعوى من جديد ويقدم وثائق يسجنهم بها، أم ماذا تنصحه أن يفعل؟
الدكتور راتب :
 أقسم لكم بالله، وأنا على ما أقول شهيد، والله شهيد على ما أقول: إنسان عليه مبلغ ضخم، وحلف يميناً أنه سدده، بعدما وضع يده على المصحف وحلف اليمين، كان يمسك الطاولة بيده اليسرى، ورفع يده، بعد أن حلف اليمين الكاذب، والقاضي صديقي، والقصة من القاضي، لم ينزل يده، فالقاضي غضب، قال له: أنزل يدك، كان ميتاً، انتقام مباشر، حلف اليمين شيء كبير جداً، أما شخص آخر متهم بقتل إنسان، حُكم بالإعدام عندنا في الشام، بعد أن وضع الحبل على رقبته، قال: أنا هذا ما قتلته، وسأشنق، لكني قتلت إنساناً قبل ثلاثين عاماً.
المذيع:
 سبحان الله! دارت الأيام وعاد العدل من جديد.

ثلاث مراحل لرد الحقوق :

الدكتور راتب :
 إما أن يأتي العدل مباشرةً، أو بعد حين.
المذيع:
 هل تنصح أحمد دكتور إن كان ذلك الطرف ينكر الحقوق، أن يعيد الدعوى من جديد حتى لو سجنه؟
الدكتور راتب :
 نعم، لأنه عفواً نحن عندنا صلح، وعندنا أعلى من الصلح الجزاء، وعندنا تميز، ثلاث مراحل.
المذيع:
 المحاكم؟
الدكتور راتب :
 لكن.
المذيع:
 شيخنا هنا سؤال: لو أن إنساناً أكل عليّ مبلغاً من المال، فأنا لجأت للقضاء وسجنته، هل أعتبر أنا آثم لأني حبست حريته؟
الدكتور راتب :
 لا لا أبداً، هو اعتدى.

﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة:194]

 أبداً قرآن كريم هذا.
المذيع:
 فإذاً أنا أخذت حقي.

 

متابعة الحقوق والعفو :

الدكتور راتب :
 لأنك لست آثماً، لكن أنا ماذا قلت: عندنا عدل وإحسان، إذا أنت غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه، عندئذٍ يتولى الله أن يكافئك.
المذيع:
 شخص أخذ مني شيخنا الكريم مبلغ ألف دينار، وهو صادق ويريد الأداء، لكن ظروفه المالية أصبحت صعبة.
الدكتور راتب :

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ﴾

[ سورة البقرة:280]

 القرآن الكريم:

﴿ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾

[ سورة البقرة:280]

المذيع:
 جميل، لكن هو أخذ المبلغ دكتور ويملك الأداء ولا يريد، هنا لو رفعت قضيةً، أو سجنته لست بآثم.
الدكتور راتب :
 أبداً، من حقك الكامل.
المذيع:
 وأنت تنصح المستمعين هنا بمتابعة الحقوق قبل العفو دكتور.
الدكتور راتب :
 هذا الذي يملك الأداء ولا يفعل.
المذيع:
 أنت تنصح المستمعين دكتور بمثل هذا الموقف بالعفو، وألا يتابع حقه لمن ينكر الحقوق؟

 

القصاص حق :

الدكتور راتب :
 لا هذا حق أولادك وليس حقك.
المذيع:
 عليك أن تتابع؟
الدكتور راتب :
 لكن تتابع.
المذيع:
 جميل، الأخ عمر دكتور طرح.
الدكتور راتب :
 إذا تابعته، ربيت فيه الناس، ماذا قال النبي؟ قال:

(( القتل أنفى للقتل))

 إذا القاتل قُتل، لو إنسان نوى أن يقتل اقتلوه.
المذيع:
 لذلك كان القصاص.

 

السماح فضيلة كبيرة :

الدكتور راتب :

(( القتل أنفى للقتل))

 عندنا محكمة في الشام، محكمة الجزاء هي أعلى محكمة، لفت نظره مرة قال لي أخ، فوق القاضي آية قرآنية:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة البقرة:179]

 من يقرؤها؟ المذنبون، وفوق المذنبين آية يقرؤها القاضي.

﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾

[ سورة النساء:58]

 آية للقاضي، وآية للمذنب.
المذيع:
 سبحان الله! شيخنا الكريم الأخ عمر طرح سؤالاً، أحد الناس أخذ منه مبلغاً من المال، ويبدو أنه يريد الأداء لكنه الآن لا يملك، قال: إذا مت أنا ولم أستطع الأداء سامحني عند الله، ماذا تنصحه؟
الدكتور راتب :
 والله السماح فضيلة كبيرة، إذا كان غير متمكن هذا غارم، عفواً النبي توفي أحد الصحابة، جاء ليصلي عليه، فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم.
المذيع:
 لم يصلِ عليه النبي صلى الله عليه وسلم؟

 

حقوق العباد مبنية على المشاححة بينما حقوق الله مبنية على المسامحة :

الدكتور راتب :
 أبداً، وقف شخص قال: عليّ دينه يا رسول الله، عندها صلى عليه، سأله في اليوم الثاني: أديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الثالث: أديت الدين؟ قال: لا، في الرابع قال له: أديت الدين قال: الآن ابترد جلده، في اليوم الرابع.
 لابد من إعادة الحقوق إلى أصحابها
لذلك حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، ما دام حق العبد ففيه مشاححة.
المذيع:
 هذا الإنسان دكتور يبدو أنه يريد الأداء، لكن يقول له: إذا غلبتني الدنيا ومت ولم أؤدي سامحني عند الله.
الدكتور راتب :
 لا مشكلة، والله إذا سامحه صدقاً ولا أبالغ تعد له صدقة.
المذيع:
 ليس في الدنيا، إذا في الدنيا هو حي عليه أن يؤدي، لكن إن مات قبل الأداء فأنا أعفو عنه.
 القضية الثانية دكتور الإحراج في هذه القضايا، إذا كان لك مبلغاً عند أحد الناس فقال لك: أنت كريم، وأنت طيب، أحرجك دون طيب خاطر.
الدكتور راتب :
 إذا أُخذ بسيف الحياء لا قيمة له.
المذيع:
 طيب إذا أنا ذكرت له المصطلح أنني سامحتك وأنا على استحياء، هل فعلاً يسقط حقي؟

المزيد من مشاركات المستمعين :

الدكتور راتب :
 لا ما سقط حقك، وهو الحق عليه، لأنه أُخذ بسيف الحياء أمام الناس.
المذيع:
 نستأذن شيخنا بالمزيد من مشاركات مستمعينا في موضوعنا لليوم عن التعامل مع من يؤذينا. اسراء تفضلي يا أختي.
المستمعة:
 يعطيك العافية، سؤالي هو التالي: أنا قبل فترة من الزمن كانت المسؤولة عني في العمل قد آذتني كثيراً، وارتكبتْ غلطة في العمل، وأنا لم أخبر أحداً عنها، فلما آذتني كثيراً أنا خبرت عنها وهي انفصلت، فأنا لا أعرف أحسست أن تصرفي كان خاطئاً، أنا المفروض أن أخبر عنها عندما أخطأتْ وليس لأنها آذتني.
المذيع:
 حاولتِ أختي اسراء أن تتكلمي معها أو أن تصلحي بينك وبينها؟
المستمع:
 لا، لأنها آذتني صراحة، فأحياناً أندم أنني كان يجب أن أفعل هذا الشيء من باب الأمانة.
المذيع:
 وليس من باب الانتقام.
المستمع:
 بالضبط، بالمقابل أحياناً أشعر أنه لم يكن هناك أي مجال لأن أتصرف بأي طريقة ثانية، فأحب أن أسمع من فضيلة الشيخ.
المذيع:
 شكراً لكِ أخت إسراء.

الندم توبة :

الدكتور راتب :
 كلمة ملطفة للموضوع، الندم توبة، ما دمت ندمتِ ندماً صحيحاً فهو نوع من التوبة.
المذيع:
 شكراً لكِ إسراء، دكتور هذه المديرة الظالمة وقعت في خطأ، فهي شكت على هذا الخطأ، لكن ليس بنية الانتقام، هل ينوبها شيء هنا من الإثم؟
الدكتور راتب :
 لا ما دامت هي لها حق عندها، لها حق عندها؟ لها.
المذيع:
 يبدو أن المديرة أخطأت بملف منفصل عن حقها الشخصي، أخطأت في عملها، فهي نبهت الإدارة العامة أن هذه المديرة مخطئة، فانفصلت.
الدكتور راتب :
 معنى ذلك أنها انتقمت منها بطريقةٍ أخرى، والله نرجو لها التوبة والمغفرة.
المذيع:
 لغيرها من المستمعين هل هذا المنهج يجوز شرعاً؟
الدكتور راتب :
 لا أن تبقى في الموضوع.
المذيع:
 أي تطالب بحقها؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 لكن لو وجدت خللاً في العمل العام، فتنبه لأجل الخلل وليس للانتقام.
الدكتور راتب :
 لإصلاحه.

المزيد من المشاركات :

المذيع:
 دكتور معن باتصال جديد تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، تحياتي للدكتور محمد راتب النابلسي، أنت والشيخ نديم حسن.
المذيع:
 تفضل يا دكتور بسؤالك، كسباً للوقت.
المستمع:
 والله أنا أعرف ضيق الوقت وحبذا لو تمددوا لنا نصف ساعة، سؤالي ما هي الأساليب اللطيفة التي علينا اتباعها لنتعامل مع من يؤذينا ويسيء لنا بالمجتمع؟ أريد الإجابة من الدكتور محمد النابلسي وله جزيل الشكر.
المذيع:
 إن شاء الله شكراً لك دكتور معن، لننتقل إلى أبي عبد الله، تفضل سيدي.
المستمع:
 لو تكرمت أنا مرة شخص آذاني، وأجبرته أن يحلف على القرآن أمام القاضي، هل يعني إجباري له وأنا أعلم أنه آذاني، هل فيه إثم علي؟ والسؤال الثاني هل العفو عن الناس الذين يؤذون غيرهم يجعلهم يتمادوا أكثر؟
المذيع:
 شكراً جزيلاً لك.
 أعود دكتور إلى أسئلة مستمعينا الأخ محمد طرح قبل قليل، يشعر بأنه مبتلى بشكل دائم، لا يخرج من مصيبة إلا يبتلى بأخرى، ما هو توجيه فضيلتكم دكتور؟

من يظن أن الله يبتليه باستمرار عليه أن يكثر من العمل الصالح والصدقة :

الدكتور راتب :

﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

[ سورة الحج:15]

 هكذا يتوهم.

﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾

[ سورة الحج:15]

 الصدقة تدفع البلاء
بعمل صالح.

﴿ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾

[ سورة الحج:15]

 هذا هو، عنده وهم أن الله يبتليه باستمرار الحل الإلهي القرآني:

﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾

[ سورة الحج:15]

 عمل صالح، صدقة، و:

﴿ لِيَقْطَعْ ﴾

[ سورة الحج:15]

 كل معصية، وكل تجاوز، ضبط الشاشة، ضبط العلاقة، ضبط السهرات.

﴿ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾

[ سورة الحج:15]

 يذهب كيده عندها، هذا جواب إلهي.
المذيع:
 سبحان الله! الله يفتح عليكم يا دكتور، أبو عبد الله دكتور طرح سؤالاً، حدث خلاف بينه وبين أحد من الناس، فأجبر خصمه على أن يقسم يميناً ليقول الحق، هل هو آثم بإلزامه بحلف اليمين؟

 

المطالبة باليمين القانوني حق :

الدكتور راتب :
 لا ليس آثماً، ما دام هو حقه، ما دام حق.
المذيع:
 مطلبه لليمين القانوني حقه.
الدكتور راتب :
 حينما تضعف الأدلة، تثبت القناعة عند صاحب الحق بحلفه يمين، فإذا حلف، فالآثم من حلف، وقد يعاقب عقاباً شديداً من الله، وقد شلت يمينه فوراً.
المذيع:
 والعياذ بالله، دكتور معن دكتورنا الكريم طرح سؤال كيف.
الدكتور راتب :
 أتمنى بعض الصالحين، بعض الأتقياء، بعض الورعين، ألا يحلف يميناً مهما كلف الأمر، يتنازل عن حقه ولا يحلف يميناً، هذه قضية شخصية، من حقه أن يحلف، وإذا ما حلف أرقى له عند الله.
المذيع:
 شيخنا الكريم، دكتور معن هل من طريقة لطيفة للتعامل مع الأشخاص الظالمين لمحاولة إصلاحهم وإعادتهم لطريق الحق؟
الدكتور راتب :
 أولاً الإقناع، التلطف، البيان يطرد الشيطان، الأدلة، لكن دائماً وأبداً نحن أحياناً نتساهل ببعض الحقوق، إذا كان هناك دين ومكتوب انتهى الأمر، ما دام غير مكتوب ومات المدين، الورثة لا يعترفون به، هذا خطأ سبب خطأ ثانياً.
المذيع:
 أبو عبد الله دكتور، أيضاً كان له سؤال آخر، يخشى أن يفسد عفوه الطرف الذي أمامه، فيتمادى بالأذى.

متى يجب العفو ؟

الدكتور راتب :
 إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يسبب له مبالغة في خطئه يجب ألا تعفو عنه، مثلاً شاب أخذ سيارة والده، وارتكب حادثاً، أولاً أخذها من دون إذن والده، وسرق المفتاح، وعمل حادثاً، إن عفوت عن هذا الشاب يتمادى، فإذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يزيد في إيذائه يجب ألا تعفو عنه.
المذيع:
 جميل، لكن لو وجدت أن هذا الشاب بعدما ارتكب الحادث، كان منكسراً، وتائباً، وصادقاً في العودة إلى الصواب.
الدكتور راتب :
 أنا أعفو عنه.
المذيع:
 هنا وجب العفو.
الدكتور راتب :
 اشتريته، اشتريته نهائياً، لا ينسى هذا العمل.
المذيع:
 كسبته بعفوك عنه، جميل.
 إذاً نلخص في الختام دكتورنا الكريم لمستمعينا الكرام، رأي فضيلتكم في المنهج الشرعي كيف يتعامل الإنسان مع من قام بإيذائه، النقطة الأولى عليك أن تقدر وليس بمزاج وإنما بحكمة إذا كان عفوك يصلحه، أو إن كان عفوك يدعوه إلى التمادي بالأذى، فهنا وجب أن تعفو أو لا تعفو وفق هذا المعيار.

الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :

الدكتور راتب :
 أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة، الحكمة.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 الحكمة أكبر عطاء إلهي
ما قال ومن يأخذ الحكمة، الحكمة لا تؤخذ، ما قال ومن يكن حكيماً، الحكمة تؤتى، أكبر عطاء إلهي الحكمة، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً.
المذيع:
 وبهذه الحكمة دكتورنا؟
الدكتور راتب :
 وبالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، وبالحكمة تتدبر أمرك بمال محدود، بلا حكمة تجعل الصديق عدواً، وتشقى بزوجة من الدرجة الأولى، والثالثة تتلف المال الكثير، فأكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة، والحكمة لا تؤخذ، بل تؤتى.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269]

المذيع:
 نسأل الله أن يؤتينا الحكمة يا رب العالمين، إذاً بهذه الحكمة دكتور أنت تقدر وليس بمزاجك، هذا الإنسان إذا كان العفو يصلحه، شرعاً وجب العفو والأجر على الله، وإذا كان العفو عنه يفسده، فوجب أن تأخذ حقك ولا تعفو، المرحلة الثانية تطالب بحقوقك حتى لو لجأت للقضاء لو سجن أو غيرها هو المتسبب، والإثم لي لأني طالبت بحقي، إن لم أستطع من خلال القضاء فعلي بالدعاء، فالله لا يرد دعاء المظلومين هنا.
 أكرمك الله يا دكتور نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأل الله القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 اللهم آمين يا رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، لهذه الكلمات الطيبة، أجمل تحية لكم أينما كنتم، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور