وضع داكن
27-04-2024
Logo
دروس جامع التقوى - الجزء الثاني : الدرس 019 - من معاني النذير.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

معاني النذير :

1 ـ القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الله عز وجل يقول في محكم كتابه :

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر : 37]

فما هو النذير ؟ تركب مركبتك ، وأنت تقودها تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، ما هذا الضوء ؟ لِمَ تألق ؟ إن فهمته ضوءاً تزيينياً احترق المحرك ، قد يكلفك مئة ألف ، إن فهمته ضوءاً تحذيرياً ، أوقفت المركبة ، وأضفت الزيت إلى المحرك ، المحرك سلم ، بين تسعمئة ألف وبين دينار واحد ثمن كيلو زيت ، هذا الضوء الأحمر في المركبة في لوحة البيانات اسمه نذير ، ينبئك عن خطر قادم ، إن فهمته فهماً حقيقياً أوقفت المركبة ، أضفت الزيت ، لا يوجد مشكلة ، انتهى كل شيء ، إن فهمته ضوءاً تزيينياً احترق المحرك ، وعندك مبلغ فلكي لإصلاح المركبة ، إذاً :

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر : 37]

 لذلك القرآن كتاب خالق الأكوان ، سرب لك في بعض آياته ما سيكون قبل أن يكون فالقرآن نذير ، سرب لك عن حال أهل النار ، وعن حال أهل الجنة ، والآيات التي قرئت جزاه الله خيراً الإمام الكريم ، صوت رائع والله ، قراءة رائعة جداً ، سرب لك ما يكون قبل أن يكون ، فكل آيات العذاب في القرآن نذير قبل أن تكون .
 أول معنى القرآن هو النذير ، لأنه سرب لك ، نقل لك ما سيكون قبل أن يكون ، هذه بطولة .

 

2 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :

 وسيدنا محمد هو النذير ، وهذا المعنى الثاني ، أنذر من حوله من عذاب مقيم ، وعذاب أليم ، وعذاب مهين ، مقيم ؛ دائم ، وأليم ؛ لا يحتمل ، ومهين ؛ فيه جرح بكرامة الإنسان.

3 ـ سن الأربعين :

 الآن سن الأربعين فقط نذير ، أربعون سنة .

(( عبدي كبرت سنك ، وشاب شعرك ، وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك ، فاستح مني فأنا أستحي منك ))

[ ورد بالأثر ]

ألم يكن من الممكن ألا تبدو على الإنسان أي علامات الشيخوخة وأن يموت فجأة ؟

(( وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك ، وشاب شعرك ، فاستح مني فأنا أستحي منك))

[ ورد بالأثر ]

إلى متى وأنت بــــاللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر طاعته  عار عليك فعلت عظيـــــــــــــــــــــــم
***

الدنيا لا تمد الإنسان إلا بسعادة متناقصة متدنية :

 أخواننا الكرام ؛ ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة ، ثلاث مرات ، ما سمح الله لهذه الدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة ، متنامية مستحيل ! مستمرة مستحيل! بل بسعادة متدنية ، كل شيء أوله رائع ، عندما تقتني مركبة لا تنام الليل وأنت تدور فيها ، ثم عادي ، أول زواجك تتوهم أن الزواج شيء لا يصدق ، بعد أسبوعين يصبح عادياً ، صار عادياً ، المنزل عادي ، والزواج عادي ، والسيارة عادي ، والمنصب الرفيع عادي ، حتى إذا إنسان بعيد عن الله ، وجاءته الدنيا وهي راغمة ، عنده حالة أنا أعبر عنها باللغة الدارجة : يصير يَقرف ويُقرف ، أكل أطيب طعام، سكن أجمل منزل ، ركب أحلى سيارة ، مالل .
أخواننا الكرام ؛ أنا اختصاصي بعلم النفس ، في العالم الغربي مرض اسمه الكآبة ، هذا المرض مرض العالم الآن ، جمع ثروة طائلة ، جمع أحد كبار أصحاب الشركات التقنية مبلغ ثلاثة وتسعين ملياراً ، والمليار ألف مليون ، ليس عملة من دولة متخلفة ، دولار ، على فراش الموت قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، لا شيء ، أي الله عز وجل ما سمح لهذه الدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة أبداً ، بل سعادة متدنية .
 أعرف شخصاً يعمل بسوق الحميدية في الشام ، هذا سوق تجاري عريق ، قديم أنشأه مدحت باشا ، فهذا الشخص يعمل في محل تجاري ، يكنس المحل ، يجمع القمامة في علبة فخمة ، يضعها في هذه العلبة ، يغلفها بورق هدايا ، شريطة حمراء ، يضعها على الرصيف ، يمر إنسان أغلب الظن هذه علبة فيها قطعة ذهبية غالية جداً ، أناقة ، علبة مغطاة بورق أحمر ، شريط أحمر رائع ، يأخذها ويمشي ، يلحقه هذا الموظف ، بعد مئة متر يفك الشريط الأحمر ، بعد مئة متر ثانية يفتح العلبة يتفاجأ ، بعد مئة متر ثانية ينزع الورق الأحمر ، بعد مئة متر ثالثة يفتح العلبة فإذا هي قمامة المحل .
أقسم لكم بالله العظيم هذه الدنيا يوم القيامة ، أين البيوت الفخمة ؟ أين السهرات الراقية الناعمة ؟ أين المركبات ، مركبة للسفر ، كبيرة وثقيلة ، مركبة للمدينة ، مركبة سبور من دون غطاء ؟ وبيت بالجبل ، وبيت على البحر ، وبيت بالمدينة العاصمة ، وكل يوم ولائم ، وسهرات ، ولقاءات ، يقول لك : مجتمع مخملي ، هذا مصطلح حديث ، مجتمع مخملي للفئة الغنية ، فنحن عندنا بالشام كلمة جنفيص هذه أبشع أنواع الأقمشة ، هذا مجتمع الجنفيص وليس المخملي .
 فالدنيا كبيرة ، تصغر ، وتصغر ، وتصغر ، أي الأربعون نذير ، والستين نذير أشد، والسبعين نذير أشد وأشد ، والثمانين مصابح مماسي ، بقيت النعوة .
 المرأة شيء كبيرة ، بعد الزواج ؛ عادي ، بعد عشرين سنة من الزواج عادي ، قبيل الموت لا شيء ، سبحانك يا رب ! لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة لا يوجد شيء تراه كبيراً ، ثم يصغر، ثم يصغر ، ثم يصغر ، وتراه على فراش الموت لا شيء .

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون : 99 ـ 100]

 ممكن تكون الآية ربِ أرجعوني لعلي أتابع بناء البيت ، الطابق الخامس ؟ لا ، الدنيا لا قيمة لها .
 أبلغ من ذلك الذي بلغت ثروته الآن سبعمئة مليار ، جوبز مالك أبل ، سبعمئة مليار ، قال كلاماً مشابهاً : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً .

 

الفرق بين الرزق و الكسب :

 لذلك قالوا : هناك رزق ، وهناك كسب ، والفرق بينهما كبير ، ما هو الرزق ؟ دقق بالتعبير السريع المستهلكات .

(( ما أكلتَ فأفْنَيتَ ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ ، أو تصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ))

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 الرزق المستهلكات ، الثياب لبستها عشر سنوات ، اهترأت ، أصبحت ثياباً بالية أو خرقة ، ترميها بالمهملات .

(( ما أكلتَ فأفْنَيتَ ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ ))

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 إذا إنسان دعي إلى طعام نفيس جداً جداً ، بعد شهر أصابه ألم في أسنانه لا يحتمل ، لم ينم الليل إطلاقاً ، لو تذكر طعم الطعام النفيس هل يذهب هذا الألم ؟

(( ما أكلتَ فأفْنَيتَ ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ ، أو تصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ ))

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 هذا الرزق ، الرزق ؛

((أكلتَ فأفْنَيتَ ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ ، أو تصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ))

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه]

 أما الكسب فحجمك المالي ، لم تنتفع منه إطلاقاً ، ولكن ستحاسب عليه درهماً درهماً.
 سمعت عن شخص منحرف انحرافاً شديداً ، وكان قوياً ، فجمع ثروة كبيرة ، ذهب إلى باريس واشترى فندقاً من ثمانين طابقاً ، وهو ممتلئ دائماً ، دخل فلكي ، خمس نجوم ، ثمانون طابقاً ، كل طابق عبارة عن خمسين غرفة ، ودائماً ممتلئ ، في اليوم التالي نشأت مشكلة في نقل الملكية جاءته جلطة فمات فيها .
 أي مكانتك ، حجمك المالي ، تجارتك الرابحة ، بيتك الفخم ، مركبتك الفارهة ، إذا توقف القلب انتهى كل شيء ، هذا كله ليس لك .

(( رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

التفكر في الموت جزء من دين الإنسان :

 الدنيا كبيرة ، مع التقدم بالسن ، تصغر ، وتصغر ، وتصغر ، أما على فراش الموت فلا شيء ، والمرأة في البداية تراها شيئاً كبيراً ، على فراش الموت لا شيء ، والمال كذلك شيء كبير ، على فراش الموت لا شيء ، ما هي البطولة ؟ البطولة أن ترى في مقتبل الحياة وأنت شاب ما سوف تراه في نهاية الحياة ، هذه البطولة ، هذا الذكاء ، هذا التفوق ، هذا الرقي، أن ترى ما سيكون قبل أن يكون ، لذلك التفكر في الموت جزء من دين الإنسان .

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

((هادم اللذات ومفرق الجماعات))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 مرة وقفت أمام سوق الحميدية في الشام ، أعرق سوق ، خطر في بالي قوله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ ﴾

[ سورة يونس : 73]

كل خمسين عاماً يوجد ملاك جدد للمحلات ، كبر بالسن ، توفي بالثامنة و التسعين ، عنده ورثة باعوا المحل وتوزعوا ثمنه ، المنازل ، والأسواق ، والتجارات ، والشركات ، هذا كله أقصى عمر عبارة عن خمسين سنة ، فكل خمسين سنة يوجد طقم جديد ، سكان جدد ، ملاك جدد ، تجار جدد ، فالبطولة أن ترى ما سيكون قبل أن يكون ، هذا ذكاء ، بطولة ، نجاح، فلاح ، تفوق ، أن تعيش ما سيكون قبل أن يكون ، أما الأحمق والغبي فيتغافل عما سيكون .
 لذلك أحد أكبر أمراض الإنسان النفسية الغفلة ، غفل عما سيكون .
 لذلك مرة ثانية : البطولة أن ترى في مقتبل الحياة ما سيكون في نهاية الحياة .
 قصة رمزية لكنها معبرة ، شخص ضاقت به الدنيا جداً جداً ، أخذ قراراً أن ينتحر ، والإنسان إذا انتحر كأن طعن قلبه بخنجر فمات ، هذا المنتحر ، أما إذا عصا الله فهذا نحر نفسه ، لأنه وقع في الحجاب مع الله ، أي معصية حجاب بينك وبين الله ، أما إذا ألحد فنحر عقله ، إن طعن صدره القسم اليسار مكان القلب بخنجر هذا المنتحر ، أما إذا عصا الله فنحر نفسه ، أبعدها عن الله ، فإذا ألحد نحر عقله .

 

بطولة الإنسان أن يؤمن بالوقت المناسب قبل فوات الأوان :

 أنا عندي بحث لطيف إن شاء الله بوقت آخر شخص جمع أقوال الملحدين على فراش الموت ، كلهم تكلموا كلاماً عكس إلحادهم ، اسمع القرآن :

﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الأنعام : 23 ـ 24]

 إما أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان ، أو سوف تعرفها قطعاً بعد فوات الأوان .
 من هو أكفر كفار الأرض ؟ فرعون ، حينما أدركه الغرق ماذا قال ؟ قال :

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس : 90]

 ماذا قال الله له ؟

﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾

[ سورة يونس : 92]

 طالب لم يدرس إطلاقاً ، والشهادة التوجيهية مهمة جداً لأنها مصيرية ، لم يجب على أي سؤال ، قدم ورقة بيضاء ، أخذ صفراً باستحقاق ، رجع للبيت ، فتح الكتاب المقرر ، قرأ البحث فهمه ، متى فهمه ؟ بعد فوات الأوان .
 فالبطولة ، والذكاء ، والنجاح ، والتفوق ، والفلاح ، أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان ، أما نحن جميعاً ، أدق من ذلك ، من هو أكفر كفار أهل الأرض ؟ فرعون الذي قال :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات : 24 ]

 هناك آية ألطف :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص : 38 ]

 حينما أدركه الغرق ، قال :

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس : 90]

 فالإيمان حاصل ، لكن البطولة أن تؤمن بالوقت المناسب قبل فوات الأوان .

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

 لذلك دقق ، ما معنى كلمة حظوظ ؟ المال حظ ، الذكاء حظ ، الصحة حظ ، البيت الفخم حظ ، المركبة الفارهة حظ ، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، توزيع امتحان، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
 مثل بسيط : إنسانان عاشا ستين عاماً بالتمام والكمال ، واحد امتحن بالغنى لم ينجح ، سيارات ، لقاءات ، سهرات ، تفلت ، أي تفلت كامل ، وأموال طائلة ، يمضي الصيف في فرنسا ، وعنده زيارة لجبل الألب في الشتاء ، والثلوج خمسة أمتار ، أنا زرتها ، ومرة إلى اليابان ، ومرة سهرة ، ومرة على البحر ، غارق في النعيم .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

يوجد حظوظ ، الذكاء حظ ، والمال حظ ، والصحة حظ ، والوسامة حظ ، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، توزيع الابتلاء مؤقت ، ستون سنة ، توزيع الجزاء أبدي إلى أبد الآبدين ، فالبطولة ، والنجاح ، والفلاح ، والتوفيق ، والتفوق أن تعد للآخرة .
 أنت لو سافرت سفرة سياحية إلى مكان جميل ، لاحظ نفسك ، باليوم السابع يعكس تفكيرك بالعودة ، ماذا تشتري هدايا لمن حولك ، تراجع المركبة ، هناك سلوك بعد اليوم السابع .
 فالبطولة ما سوف تفكر به قبل الموت ، فكر به الآن ، إذا الإنسان فكر كل يوم بالموت ، والله شيء مهم جداً ، سأموت ، هذا البيت لن أستمر به ، واقرأ النعوات كلها : وسيشيع إلى مثواه الأخير ، معنى هذا أن بيتك الحالي ماذا يسمى ؟ مثوى مؤقت ، مهما يكن فخماً ، مهما يكن واسعاً، مهما يكن مزيناً .
 مرة دعيت إلى عقد قران بالبقعة ، حي بعمان لكنه فقير جداً ، عبارة عن ستين متراً و الله أعلم ، ألقيت كلمة وذهبت ، بنفس اليوم عندي تعزية بأغنى بيت بعمان ، أغنى حي ، دخلت لهذا البيت لفتت نظري الثريات ، يمكن ثريات ثمنها فلكي ، اسمها رشانج ، السجاد إيراني، البلاط إيطالي ، بيت أنا قلّ أن أرى مثله ، لكن تعزية ، كلما نظرت إلى هذه الثريات من اشترى هذه الثريات ؟ المرحوم ، من اشترى هذا البلاط ؟ المرحوم ، من اشترى هذا السجاد؟ المرحوم ، أين المرحوم ؟ تحت الأرض .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لــــــــــــمـن يحب يطيع
***

العاقل من دان نفسه :

 لذلك دقق الآن في هذا الحديث :

(( إن أكيسكم ))

[أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس ]

 ما معنى أكسيكم ؟ أي أعقلكم .

(( إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً ))

[ أخرجه الحارث عن زيد بن علي ]

(( ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور ))

[ورد في الأثر]

 واضحة تماماً ؟ الآن من هو الكيس ؟ من هو العاقل ؟ من هو الذكي ؟ من هو المتفوق ؟ من هو الناجح ؟ من هو الفالح ؟

(( الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه ))

[ أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس ]

 ضبط نفسه ، ضبط دخله ، ضبط إنفاقه ، ضبط بيته ، ضبط سهراته ، ضبط مركبته ، ضبط محله التجاري ، لا يوجد كذب ، لا يوجد غش ، الكيس ؛ العاقل من دان نفسه .

(( الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه ، وعَمِلَ لما بعد الموت ، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله))

[أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس ]

 ممكن تضع بالمركبة مصحفاً ، هل يوجد مشكلة ؟ أبداً، بالبيت آية الكرسي رائع جداً ، لكن هذه ليست بطولة ، البطولة أن يكون دخلك حلالاً ، والإنفاق حلالاً ، لا يوجد اختلاط بحياتك ، لا يوجد سهرات لا ترضي الله ، لا يوجد رحلة لا ترضي الله ، هذه البطولة ، هذه مظاهر لا تقدم ولا تؤخر .

 

الإكثار من ذكر الموت :

 لذلك :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .

(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 لذلك قيل : ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين ، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم .
 مرّ النبي بقبر فقال : صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم - أي ركعتان ، قل هو الله أحد ، الله أكبر - خير له من كل دنياكم .
 أذكر كنت في مدرسة مدرساً ، نشأ عندي ساعة فراغ فجأة ، أخذوا الطلاب للتدريب العسكري ، فعندي ساعة جلست عند المدير ، والمدير إنسان محترم جداً ، أقسم لكم بالله حدثني عن خططه لعشرين سنة قادمة ، قال لي : أنا وافقوا لي على الإعارة للجزائر ، الإعارة الرواتب أربعة أضعاف ، قال لي : أمضي خمس سنوات بالجزائر ، أمضي الصيف الأول بفرنسا ، والثاني بإيطاليا ، والثالث بألمانيا ، والأخير ببريطانيا ، قال لي : لن آتي إلى الشام إلا بعد خمس سنوات ، وعندما أرجع سيكون معي مبلغاً من المال أشتري بيتاً و محلاً تجارياً ، وأفتح هدايا ، هذه لا علاقة لها بالتموين والمشاكل ، أقسم لكم بالله حدثني عن عشرين سنة قادمة بالتفاصيل قال لي : أنا أداوم صباحاً فقط ، أولادي بعد الظهر ، والبضاعة تحف ، ليس لها علاقة بالتموين ، والله الساعة انتهت تابعت الساعتين تدريساً ، وذهبت إلى البيت ، بالمساء عندي موعد في طرف المدينة الآخر ، فلما انتهيت كنت أرجع إلى البيت في مكان معين قرأت نعوته ، في اليوم نفسه والله .

((رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت))

 أخواننا الكرام ؛ للدرس بقية إن شاء الله في درس آخر . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور