وضع داكن
27-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 44 - معايير اختيار الشخص المناسب
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة:

المذيع:
  السلام عليكم مستمعينا الكرام، حياكم الله في درسٍ مباشرٍ مع فضيلة الداعي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بفضيلتكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 الله يكرمكم يا دكتور، عنوان نقاشنا لهذه الحلقة بحول الهل تعالى معايير اختيار الإنسان المناسب من وجهة نظر شرعية، نبدأ حلقتنا بقول الخالق عز وجل، من سورة الأنبياء، الآية الخامسة بعد المئة، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 وأيضاً ننتقل معكم مستمعينا حينما سأل سيدنا أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يوله فلم يقبل النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الرواية المشهورة قال له:

(( إِنَّكَ ضَعيفٌ، وإِنَّها أمَانَةٌ، وإنها يومَ القيامةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخذَها بِحَقِّها))

[مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي ذر الغفاري]

 من هو الإنسان المناسب؟ وأين يفترض أن يكون من وجهة نظرٍ شرعية؟ هذا هو عنوان نقاشنا معكم دكتورنا الكريم، حياكم الله.

 

شرطا تولي المناصب القوة والأمانة :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 ماهي وجهة النظر الشرعية شيخنا الكريم في الإنسان الذي يفترض أن يتولى منصباً ما؟
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
 أخي الكريم بارك الله بك على هذا السؤال الدقيق! لكن قبل أن نشرع في التفاصيل لا بد من بعض النصوص التي تتعلق بهذا الموضوع: سيدنا عمر كان إذا عين والياً، يقول له: خذ عهدك وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك، إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلمتنا من معرتك أمانتك، إن وجدناك خائناً قوياً، استهنا بقوتك وأوجعنا ظهرك وأحسنا أدبك، إن جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عقبك.
 القوة والأمانة من أين أخذها؟ قالت:

﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

 شرطان! بالمفهوم السابق قوة وأمانة، بالمفهوم الحديث خبرة وولاء.
المذيع:
 نوضحها أكثر شيخنا.

 

تأمين فرص العمل أحد أكبر مهمات الحاكم :

الدكتور راتب :
 مثلاً منصب يحتاج إلى اختصاص، فإذا كان هناك شخص اختصاصه هو الأعلى واختار قريبه لهذا المنصب، وأبعد المختص فقد خان الله ورسوله، هذا المنصب يحتاج إلى اختصاص، وهذا يملك هذا الاختصاص.

﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

 يجب أن نضع الشخص المناسب في المكان المناسب
لذلك القوة الاختصاص، المعلومات، التبحر، التعمق، الأمين؛ الولاء لله عز وجل ولرسوله، ولهذا الدين، ولهذا البلد، ولهذا الوطن، فإذا أحد ولى قريبه بمنصب حساس واستبعد الخبير، فقد خان الله ورسوله، قضية ليست سهلة.
 شيء ثان: سيدنا عمر سأل والياً عيّنه: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب؟ امتحان! طبعاً بحسب الشرع قال: أقطع يده، قال له: إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائعٌ أو عاطل فسأقطع يدك، جائعٌ أو عاطل.
 معنى ذلك تأمين فرص العمل أحد أكبر مهمات الحاكم، ماذا يعاني العالم الآن؟ يعاني من شيئين خطيرين؛ البطالة والعنوسة، البطالة من لوازمها العنوسة، فإذا عمل يبحث عن زوجة، وإذا لم يعمل لا يجد زوجة.
المذيع:
 إذاً هذه من بداية أولويات الحاكم أن يؤمن فرص عمل.
الدكتور راتب :
 قال له: إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب، قال: أقطع يده، قال له: إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائعٌ أو عاطل فسأقطع يدك.
 يا هذا! إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فرص العمل، فإن وفينا لهم ذلك، فقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية، والكلام دقيق جداً.
المذيع:
 هذا قول سيدنا عمر بن الخطاب؟

 

أية أمة تعتني بضعفائها يتفضل الله عليها بمكافأةٍ من جنس عملها :

الدكتور راتب :
 نعم، هناك نص للنبي الكريم، شيء لا يصدق، قال النبي الكريم:

((هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))

[البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص]

 شيء عجيب! هذا الضعيف، إن كان جائعاً أطعمناه، إن كان جاهلاً علمناه، إن كان مشرداً آويناه، إن كان مريضاً شفيناه، إن كان عائلاً أغنيناه، إن كان جاهلاً علمناه، الآن يتفضل الله علينا بمكافأةٍ من جنس عملنا، فينصرنا على من هو أقوى منا.

((هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))

[البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص]

 أية أمة تعتني بضعفائها، يؤمّنوا لهم فرص عمل، يؤمّنوا لهم حاجاتهم.
المذيع:
 من هم الضعفاء في هذا الزمن دكتور؟
الدكتور راتب :
 الذي لا يملك قوت يومه، لا يملك بيتاً يسكنه، ليس عنده عمل يقتات منه.
المذيع:
 أصحاب المرض المزمن مثلاً دكتور منهم؟

 

مناصب عدة تحتاج إلى صفات معينة لا يكفي فيها الإيمان وحده :

الدكتور راتب :
 طبعاً منهم سيدي، عندك بطالة، شاب أول حياته لا يجد عملاً ييأس، الشباب طاقة، بالمناسبة السيارة فيها محرك، المحرك يمثله الشباب، قوة اندفاع، وفيها مقود يمثله الشيوخ الربانيون، وفيها منهج يمثله الطريق المعبد، فالأمة تنطلق بقوة شبابها، وبتوجيه علمائها الربانيين على منهج الله، أما إذا سلكت طريقاً آخر فهو الطريق الوعر الذي يحطم السيارة، ويقتل الركاب.
المذيع:
 البطالة تفسد المجتمعات
والعياذ بالله! إذاً دكتور في موضوعنا عن الإنسان المناسب، وهي القاعدة القديمة التي تقول: يجب أن يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب، هذا مطلبٌ شرعي وليست قضيةً كمالية؟
الدكتور راتب :
 لا، هذه قضية أساسية في الحياة.
المذيع:
 شيخنا الكريم في الحديث الذي روي عن النبي عليه الصلاة والسلام، حينما جاءه أبو ذر في يوم من الأيام، فقال: يا رسول الله ألا تستعملني، أي يجعله والياً في أحد المناطق، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، أو فضرب بيده الشريفة على منكب أبي ذر ثم قال له:

(( إِنَّكَ ضَعيفٌ، وإِنَّها أمَانَةٌ، وإنها يومَ القيامةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخذَها بِحَقِّها وَأدَّى الَّذِي عليه فِيهَا))

[مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي ذر الغفاري]

 ألا يكفي أبو ذر أنه من الصحابة ومن رواة الحديث ليكون والياً؟
الدكتور راتب :
 لا، لا، الإيمان مرتبة عالية جداً، وله مكافأة كبيرة جداً، لكن أعطِ كل ذي حقٍ حقه، هناك مناصب تحتاج إلى صفات معينة.
المذيع:
 لا يكفي فيها الإيمان وحده.

 

القوة والأمانة صفتان متلازمتان لجميع المناصب :

الدكتور راتب :
 تفضلت في الحديث الأخير، لكن من حوالي شهر عثرت على رواية ثانية له: يا أبا ذر إنك ضعيفٌ مثلي، انظر إلى الأدب النبوي، جبر خاطره، إنك ضعيفٌ مثلي.
المذيع:
 وهو سيد القوة عليه الصلاة والسلام.
الدكتور راتب :
 لذلك الحياة كلها كمال.
المذيع:
 إذاً الإيمان دكتور هنا والجانب الديني لا يعني أنك مؤهل لجميع المناصب؟
الدكتور راتب :
 لا أبداً، لكن طبعاً نختار من المؤمنين من هو قوي.
المذيع:
 المعيار الأول دكتور لو كنت حضرتك حاكماً وأردت أن تختار والياً لمنطقةٍ ما تحت إمرتك ومسؤوليتك، تختار بدايةً المعيار رقم واحد؛ صاحب الدين أم صاحب الكفاءة؟
الدكتور راتب :
 والله أنا لا أقبل إلا بصفتين متلازمتين، دين بلا كفاءة مشكلة، وكفاءة بلا دين مشكلة أكبر.
المذيع:
 هذا هو القوي الأمين؟
الدكتور راتب :
 أبداً، هذا يسموه كلاهما شرطٌ لازمٌ غير كافٍ، كلاهما.
المذيع:
 شيخنا لو أننا أخذنا صاحب دين لكنه غير كفء، ما الضرر المتوقع؟

الخبرة من أهم شروط تولي المناصب :

الدكتور راتب :
 المضرة كبيرة، قد يتخذ قراراً خاطئاً، وقد لا يسرق، قد لا يعمل عملاً لا يليق لكن لا خبرة عنده.
المذيع:
 لو أخذنا العكس دكتور؟
الدكتور راتب :
 انتبه:

بالرشوة تفسد المجتمعات فلابد من تعيين الأمين الخبير

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

 أنت بحاجة خبير، حتى أن هناك من يقول إذا شخص عيّن إنساناً وفيهم من هو خيرٌ منه فقد خان الله ورسوله.
المذيع:
 نعم، شيخنا الكريم لو أخذنا الجانب الآخر، لو أخذنا الإنسان الكفء لكنه غير متدين، لا يعرف طريق الله أبداً، ما الأضرار المتوقعة؟
الدكتور راتب :
 تأتيه رشوة كبيرة فيضر بلده كله مقابل رشوة، إذا جاءه بالملايين، مثلاً إنسان قتل قتيلاً، وهناك تقرير شرعي، إذا كتب بالتقرير مات موتاً طبيعياً، نجا المجرم، إذا إنسان قتل شخصاً وربح من قتله حوالي مئة مليون، يدفع حوالي خمسة ملايين لتقرير كاذب.
 سيدي موضوع الدين يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، أما الفهم الواهم الخاطئ للدين أنه صلاة فقط، وصوم، وحج، وزكاة، هذه عباداتٌ شعائرية، لا تقبل ولا تصح إلا إن تحققت العبادات التعاملية.

 

الإسلام منهجٌ يحترم أصحاب الاختصاص وأصحاب الأمانة :

 التستري، عالمٌ كبيرٌ قال: ترك دانق من حرام خيرٌ من سبعين حجةً، دانق واحد.
 إسلامك يظهر في تعاملك مع الناس وليس في المساجد
العبادات أخي الكريم، كلامي دقيق جداً، ليست المساجد، المسجد تأتي إليه كي تتعرف إلى تعليمات الصانع الخالق، وتعود إليه كي تقبض الثمن في الصلاة، تتلقى التعليمات تقبض الثمن هذا الجامع، أما دينك في بيتك، بعملك، بمصلحتك، مثلاً مادة مسرطنة مسموح منها ثلاثة بالألف في المعلبات، إذا وضع ثلاثة بالمئة ساهم بالسرطان، الآن هناك دراسات دقيقة جداً، هذا المرض مرتفع عشرة أضعاف، لأنه عندما وضع مادة حافظة لكنها مسرطنة مسموح ثلاثة بالألف لكنه وضع ثلاثة بالمئة، الشيء الذي لا يصدق الآن هذا المرض يزداد ولا ينقص، من المخالفات.
المذيع:
 يا لطيف! إذاً شيخنا الكريم قبل أن نقف إلى الفاصل، الإسلام منهجٌ يحترم أصحاب الاختصاص، وأصحاب الأمانة، وأصل الأمانة من الدين.
الدكتور راتب :
 كلاهما شرطٌ لازمٌ غير كافٍ، مثلاً هذه الطاولة تحتاج إلى ثلاثة أرجل، لا مجال لاثنين تقع.
المذيع:
 صحيح، الله يفتح عليكم يا دكتورنا، نستأذن فضيلتكم إلى فاصل قصير من بعده يسعدنا استقبال مشاركاتكم الهاتفية مستمعينا على أن تقتصر فقط على موضوع نقاشنا لهذا اليوم، الإنسان المناسب بوجهة نظرٍ شرعية.
 شيخنا الكريم نلخص لمستمعينا لمن انضموا الآن إلينا عبر السمع، قبل الفاصل حضرتك ذكرت بأنه هنالك متلازمتين أُمر صاحب القرار فيهم أن يختار القوي الأمين، صاحب الكفاءة، وصاحب الدين.

القوة والكفاءة والأمانة ولاء للدين :

الدكتور راتب :
 القوة، الكفاءة، والأمانة ولاء للدين.
المذيع:
 جميل شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 لكن قبل ذلك دخل وفد الحجازيين على الخليفة عبد الملك بن مروان، وفد يتقدمهم غلامٌ صغير، فغضب الخليفة، قال له: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، فقال له الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس، فدهش! قال له: أيها الملك، أيها الخليفة، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وبيدكم فضول أموال، فإن كانت لله فنحن عباده، وإن كانت لكم تصدقوا بها علينا، وإن كانت لنا فعلى ما تحبسوها عنا؟ فقال: والله هذا الغلام ما ترك لنا في واحدةٍ شيء.
 أذكر أحد الخلفاء الراشدين، في الطريق كان يوجد حفرة، ويوجد غلام أمامه، قال له: إياك يا غلام أن تسقط بالحفرة، قال له: بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطتُ سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم.
المذيع:
 لماذا كان الصغار في ذلك السن دكتور يتصفون بالحكمة؟
الدكتور راتب :
 لأنهم يعيشون في بيئة راقية جداً، الابن ابن أبويه، الأب مستقيم، ضابط لسانه، ضابط حياته، له علاقة بالله قوية، رحيم، حكيم.
المذيع:
 شيخنا هناك قول الله سبحانه وتعالى، دكتور في سورة كما قلنا الأنبياء:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 من هم الصالحون دكتور؟

 

العدل معيار صلاح الأمة :

الدكتور راتب :
 والله الموضوع خلافي، رأي ابن تيمية الصالحون لإدارتها، إنسان دينه وسط لكنه عمل تأميناً اجتماعياً ضد المرض، عمل تكافؤ فرص.
المذيع:
 العدل يعكس صلاح الأمم
كالدول الغربية اليوم.
الدكتور راتب :
 نعم، عمل القانون فوق الجميع، هذا الحاكم الذي دينه قليل أقوى عند الله في الدنيا ليس في الآخرة، من إنسان لم يعتنِ بإدارته لبلاده، يقول ابن تيمية: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، والدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم.
المذيع:
 إذاً معيار صلاحها العدل؟
الدكتور راتب :
 نعم العدل.
المذيع:
 حتى لو لم يكن مسلماً دكتور؟
الدكتور راتب :
 أنا أقول: إنسان خدم هذه الأمة بصرف النظر عن دينها، هو أقوى للأمة من إنسان علاقته بالله طيبة جداً لكنه مهمل لعمله.
المذيع:
 وبالتالي هؤلاء الصالحون لإدارتها الذين يمكنون من إدارتها.

حسن النية لا يلغي العمل السيئ :

الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 جميل، حتى دكتور لو كان تقصيره من حسن نية، أي لم يكن مهملاً بقدر ما كان ضعيفاً في الولاية.
الدكتور راتب :
 انظر أخي؛ حسن النية لا تلغي العمل السيئ، إنسان اقترف غلطاً كبيراً بحسن نية نحن في القصاص لا يوجد حسن نية، يوجد عمل نتج عنه ضرر.

((لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ))

[مالك عن مرسل يحيى المازني]

 النبي قال: لا ضرر؛ إياك أن تضر أحداً، وإياك أن تتخذ الأضرار عقاباً، هذا الذي اقترف عملاً له أولاد، فأنت حرمته أن يكون مصدر رزق لأولاده.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور! جميل جداً هذا الفهم، كم نحن بحاجة فعلاً إلى الإنسان المناسب، صاحب الكفاءة، وصاحب الأمانة والدين ليكون في مكانه.
 نستأذنك شيخنا بجولة من مشاركات مستمعينا الكرام الهاتفية، أبو أسامة نرحب بك وباتصالك تفضل.

 

أسئلة المستمعين :

المستمع:
 السلام عليكم، الله يعطيكم العافية، الله يسلمك، أنا أول شيء أُحيي دكتورنا الفاضل أطال الله عمره ونفعنا بعلمه إن شاء الله تعالى، لي تعقيب بسيط في صلب الحلقة أن عندنا مشكلة في الأمة وهي عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فيما تحتوي هذه الجملة أو الكلمة من معنى، وسبب التخلف عندنا وسبب المشاكل عدم وجود الشخص المناسب والإدارة الجيدة سواء الذي يحمل الدين أو العلم، وبارك الله فيكم.
المذيع:
 شكراً لك يا أبو أسامة، إذا لكم تعليق شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 جوابي: أنت إذا كنت في مكان أو في منصب، من مهماتك أن تعين موظفاً، فإذا عينت إنساناً ويوجد حولك من هو أكفأ منه فقد خنت الله ورسوله.
المذيع:
 والعياذ بالله، وهذا قد يكون سبب عدم تفوقنا إدارياً دكتور. دكتور معن بمشاركة جديدة تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، والله أجمل تحياتي أولاً للدكتور المتألق ما شاء الله دكتور محمد راتب النابلسي.
المذيع:
 تفضل يا دكتور معن بسؤالك.
المستمع:
 علامة من الشيوخ الأفاضل، والدكاترة الأفاضل، وكذلك الشيخ نديم حسن المتألق في برنامجه، والله أنا بالنسبة لسؤالي: ما هي مواصفات الإنسان المناسب؟

متابعة أسئلة المستمعين :

المذيع:
 سؤال جميل! شكراً لك يا دكتور معن، لننتقل إلى اتصال جديد، إلى أبي حمزة تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية، تحياتي لشيخنا الدكتور راتب النابلسي، ولنا الشرف أنني في يوم من الأيام سأخبر أولادي أنني كنت من المعاصرين لعلامة مثل الشيخ راتب النابلسي الله يحفظكم.
 شيخي سؤالي: هل معيار الأشخاص في الوقت الحالي انتقاء الشخص عن طريق الانتخابات، هل هو معيار صحيح؟ بمعنى قد يكون الناس غير عالمين بمدى أهلية هذا الرجل لاستلام المنصب، هل هذا المعيار صحيح بوقتنا الحالي؟ سواء في البرلمانات، أو حتى المؤسسات، او الأمانات، اليوم هي قائمة على مصالح شخصية، قائمة على المعارف، على صلة القرابة، على المودة، غير قائمة بصراحة على انتقاء الشخص المناسب منا نحن كشعب.
المذيع:
 الفكرة واضحة تماماً سيدي؟ شكراً لسؤالك، سنجيب شيخنا الكريم بعد إذن فضيلتك على كل هذه الأسئلة، معنا اتصال جديد من محمد تفضل يا محمد.
المستمع:
 السلام عليكم شيخنا، كيف حالك، الله يسعدك ويطول في عمرك، شيخنا الآن أريد أن أعمل مداخلة، هل الشخص المناسب في المكان المناسب، في وقتنا الراهن يعني في أي مكان، أحياناً قد يتم التضييق على الشخص المناسب في المكان المناسب، فنضطر الآن كمجتمع أن نبعد مثلاً عن أنه اختيار مناسب لا يصلح للقيام في الدور المناسب في الوقت الراهن، هل نحن كثقافة مجتمعية لا نؤمن بالشخص المناسب في المكان المناسب، رغم الضغوط التي نمر بها كواقع عربي وإسلامي أنا أتكلم بشكل عام.
المذيع:
 شكراً لك أخي محمد، أيضاً نقطة واضحة معنا، شكراً جزيلاً لك.
 لنعد إذاً دكتورنا الكريم إلى إجابة أسئلة مستمعينا الكرام، دكتور معن سأل وحضرتك أجبت على هذا السؤال، من هو الإنسان المناسب، ما هي مواصفاته أو معاييره دكتور؟

صفات ومعايير الإنسان المناسب :

الدكتور راتب :

﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

 بالعلم متفوق، وبالإيمان والولاء والخوف من الله متفوق، أن نجمع بين الاختصاص والولاء لله، بين الخبرة وبين الكفاءة، بين الاستقامة وبين الإخلاص.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور! أبو حمزة دكتور سأل حضرتكم هل الانتخابات اليوم تؤهلنا لاختيار الشخص المناسب؟
الدكتور راتب :
 لي جواب دقيق: لماذا في معظم الدول يوجد مجلس نواب، ومجلس شيوخ؟ في مجلس نواب، ومجلس أعيان، الأعيان نخبة المجتمع، قد لا يكفي أن ينجح إنسان في الانتخابات، لكن البطولة هؤلاء الأعيان قمم المجتمع، عيون الأمة، هؤلاء يجب أن يكون لهم القرار الحاسم.
المذيع:
 دكتور من يقومون بعملية الانتخاب، هل يجوز لهم أن ينتخبوا شخصاً لأنه من قرابتهم أو من منطقتهم؟
الدكتور راتب :
 قلت لك: فقد خان الله ورسوله، إذا كنت مكلفاً أن تعين موظفاً.
المذيع:
 لا في الانتخابات دكتور، أنا مواطن أدلي بصوتي في الانتخابات، قد أقدم صوتي إلى صديق، إلى قريب، إلى ابن منطقتي.

 

الانتخاب يكون وفق معيار الكفاءة :

الدكتور راتب :
 غلط، كما أن النائب سيحاسب، والناخب سيحاسب.
المذيع:
 لأنه لم ينتخب على معيار الكفاءة، إذاً معياري في الانتخاب دكتور؟
الدكتور راتب :
 أصبح هناك انتماء أرضي.
المذيع:
 سنعود لنفس الفكرة، القوي الأمين، بغض النظر قريبي أو غير قريبي، متدين غير متدين.
 أخونا محمد دكتور قال: يضيق أحياناً في هذه الأيام على الإنسان المناسب، فما الحل؟
الدكتور راتب :

(( اشتقت لأحبابي، فقال الصحابة الكرام: أولسنا أحبابك، قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قال: منا أم منهم؟ قال: بل منهم، لأنكم تجدون على الخير معوان، ولا يجدون))

 البطولة في آخر الزمان عشرة أضعاف سيدي.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور! أبو زكريا معنا باتصال هاتفي جديد، تفضل يا أبو زكريا.
المستمع:
 السلام عليكم، جزاكم الله خيراً على هذا البرنامج، سؤال للدكتور لو سمحت، دكتورنا العزيز الآن ما الفرق بين قول سيدنا يوسف عليه السلام:

الممسك بدينه آخر الزمان أجره مضاعف

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف: 55]

 وقول في سيدنا موسى:

﴿ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

 هذا السؤال الأول، والسؤال الثاني: الآن أنت عقبت على أن القصاص حتى لو كان بحسن نية، يجب أن يكون هناك قصاص، حسناً لماذا سيدنا موسى عليه السلام قضى على آل فرعون عندما كان القاتل الأول إسرائيلي.

﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾

[ سورة القصص: 15]

 ثم استغفر ربه فغفر الله له، ألم يكن هذا بحسن نية، ولم يكن هناك قصاص؟ وشكراً.
المذيع:
 شكراً لك يا أبو زكريا، دكتورنا الكريم نبدأ بالسؤال الأول، أبو زكريا يتحدث مع فضيلتك بالفرق بين سيدنا يوسف حينما قال:

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف: 55]

 وبين سيدنا موسى:

﴿ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

من كان كفئاً وطلب المنصب فله أجر كبير عند الله :

الدكتور راتب :
 الإنسان إذا يعلم من نفسه كفاءةً عاليةً، وخبرةً مديدةً على تسلم منصب، وطلب هذا المنصب له أجر كبير عند الله، يعني إذا كان الشخص الذي يعين المناصب يعرفه قال له: أنا كُفء للعمل هذا.

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف: 55]

المذيع:
 هل الأصل دكتور الإنسان يقدم نفسه للمنصب، أم الأصل أن تعطى الولاية لطالبها؟
الدكتور راتب :
 سيدي الإسلام واسع جداً.

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 مثلاً أنت في بلد يعاني ما يعاني، وأنت معك اختصاص عال جداً بهذه المشكلة، والذي سيعين تعرفه أنت، أخي أنا أنسب إنسان لهذا المنصب وجربني.
المذيع:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 لا تريد منهم مصالح شخصية وإنما أن تخدم الأمة بهذا الشيء.
الدكتور راتب :
 والآية تقول:

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف: 55]

المذيع:
 لو وجدت هنالك من هو أجدر مني علماً وأمانةً لهذا المنصب، هل أيضاً أرشح نفسي؟

 

مثال عن الورع :

الدكتور راتب :
 لا، أرشح الآخر.
المذيع:
 أرشح الأكثر كفاءة.
الدكتور راتب :
 قاضي في العصر الأموي طلب من الخليفة أن يعفيه من منصبه، فاستغرب الخليفة! قال له: ولِمَ؟ قال له: والله جاءني متخاصمان قبل يوم من موعد اللقاء قدم لي أحدهما طبقاً من التمر في بواكيره، يعني هدية ثمينة جداً، فرددتها، قال له: في اليوم التالي تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم طبق التمر، مع أني لم آخذه، فكيف لو أخذته؟!
المذيع:
 هو مجرد تمني، لم ينحاز له.
الدكتور راتب :
 اعتذر، هذا الورع، لذلك قالوا:

(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))

[الجامع الصغير عن أنس]

 خلط عملاً صالحاً مع آخر سيء.
المذيع:
 الشق الثاني من سؤال أبي زكريا: دكتورنا الكريم كان في موضوع حسن النوايا، وضرب مثالاً في سيدنا موسى وقد عفا الله عنه بعدما قتل إنساناً بنية حسنة.

 

الحقوق عند العباد بنيت على المشاححة بينما عند الله على المسامحة :

الدكتور راتب :
 هذا سيدنا موسى قصته كبيرة جداً، تصور أناس يلوذون بالحاكم، والحاكم قوي جداً وجبار، شخص يلوذ به، فالحق على هذا الذي يلوذ بالحق.

﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾

[ سورة القصص: 15]

 هذا عمل بطولي، مثلاً إنسان قريب من الحاكم تخاف منه، تبتعد عنه، لا يعين أحداً عليه إطلاقاً، ما فعله سيدنا موسى بطولة كبيرة، شخص ممن يلوذ بالحاكم، وظلم:

﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾

[ سورة القصص: 15]

المذيع:
 كان نصرةً للحق.
الدكتور راتب :
 لكن على العكس هي وسام شرف له.
المذيع:
 إذاً يوجد حسن النوايا دكتور، يمكن الإنسان لو أذنب ذنباً بنيةً حسنة قد يغفر الله له لكن بالنهاية في الدنيا في الحساب قضية مختلفة.
الدكتور راتب :
 لا هناك جواب دقيق: هناك ذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله، قضية سهلة الصلحة بلمحة، وهناك ذنبٌ لا يترك ما كان بينك وبين العباد، لأن الحقوق عند العباد بنيت على المشاححة بينما عند الله على المسامحة.

 

ضرورة البحث بين المتقنين عن صاحب الدين :

 مثلاً صحابي جليل خاض مع النبي معارك كثيرة، توفي، جاء ليصلي عليه فسأل النبي الكريم أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ما صلى عليه، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، فقال أحدهم: عليّ دينه فصلى عليه، عليّ يعني تكفل بالدين، في اليوم الثاني سأله: أأديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الثالث قال: لا، في الرابع قال له: أديت الدين، قال: الآن ابترد جلده، شيء مخيف!
لابد من أداء حقوق العباد
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتورنا الكريم، نستأذن فضيلتكم ومستمعينا إلى فاصل قصير في موضوعنا الإنسان المناسب.
 دكتورنا الكريم إذا أردت أنا أن أنتقي إنساناً مثلاً ليقوم بعملية صيانة لشيء معين في منزلي، هل أبحث بين العمال المتقنين عن صاحب الدين، أم أبحث بين المتدينين والمشايخ عن حرفيٍ جيد، من أين أبدأ؟
الدكتور راتب :
 الأولى ابحث بين المتقنين عن صاحب دين.
المذيع:
 لماذا البداية من هذا المجال؟
الدكتور راتب :
 لتحقيق الهدف، خطأ صغير يخلق مشكلة كبيرة.
المذيع:
 لو لم أجد كما أريد دكتور، لو وجدت عاملاً متقناً لكنه بعيد عن الجانب الديني ووجدت على النقيض إنساناً متديناً لكنه احترفه متواضع؟

المتدين لا يُختار لدينه فقط يُختار لاختصاصه مع دينه :

الدكتور راتب :
 أنا مضطر أن أختار الأول.
المذيع:
 صاحب الحرفة قليل الدين.
الدكتور راتب :
 لتحقيق الهدف.
المذيع:
 هل هذا سيدفع المتدينين دكتور ليكونوا من أصحاب الحرف المرتفعة الأداء؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، المتدين لا يختار لدينه فقط، يختار لاختصاصه مع دينه، وليس لدينه مع اختصاصه.
المذيع:
 لكن لو كان هنالك فارق بين اثنين نختار صاحب المهنية الأعلى بعيداً عن النظر لدينه؟
الدكتور راتب :
 نعم؛ عندنا هدف يجب أن يحقق، أم أبحث عمن يمكنه تحقيق الهدف من المؤمنين.
المذيع:
 جميل، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم دكتور كان توزيع الصحابة في تخصصات، المعروف عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وارضاه أنه كان تاجراً، فسلم له أمر إدارة السوق، خالد بن الوليد للجيش، بلال صاحب الصوت الندي للأذان، ما الفكرة النبوية من هذا دكتور؟

إعطاء كلّ ذي حق حقه :

الدكتور راتب :
 أعطِ كل ذي حقٍ حقه، كلمة دقيقة سوف أقولها، أنا أقول: المؤمنون جميعاً من دون استثناء في دائرةٍ واحدة، لأنهم جميعاً على حدٍ معقول من فهم أمور الدين، إلا أن هذا تفوق بالفقه، رسمت على الدائرة مثلث، هذا في الحديث، هذا في السيرة، هذا في الإعجاز، هذا في الدعوة، هذا في المواريث، المثلثات التي هي تفوق بعض العلماء على بعضهم الآخر، هذه متكاملة فيما بينها، ومع الأسف الشديد أن أعداء المسلمين يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة في المئة قواسم مشتركة، والمسلمون لا يتعاونون وبينهم خمسة وتسعون في المئة قواسم مشتركة، ومضطر أن أقول: هذه وصمة عار بحقنا، يتعاونون تعاوناً مذهلاً، والمسلمون يتخاصمون.
المذيع:
 الغرب متعاونون والمسلمون متفرقون ومتخاصمون
شيخنا الكريم سأنتقل مع فضيلتك إلى أحد الأحاديث النبوية عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويمكن حضرتك تعرضت لهذا الحديث في سياق الكلام، من استعمل يعني قد لا يكون الحديث بهذا النص، لكن معناه:

(( من استعمل رجلاً على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ، وخان رسوله ، وخان جميع المؤمنين ))

[مسدد بن مسرهد عن عبد الله بن عباس]

 إذاً اليوم واحدة من مشاكل تقدم الأمة الإسلامية أن الاختيار لا يكون على معيار الكفاءة أولاً كما تفضلت، وإنما على معايير شخصية ومصالح أخرى.
الدكتور راتب :
 هذا خطأ كبير.
المذيع:
 لماذا يعد وكأنه قد خان الله ورسوله؟
الدكتور راتب :
 لأن الحياة أمانة، هذا المنصب أمانة، ما معنى أمانة؟ أي منصب معين بيده مصير آلاف مؤلفة، في الجامعة تجد أستاذاً متخصصاً بأعلى درجة معه بورد بهذا المرض، لا أضع أستاذاً أقل منه بكثير، لن يقدم إنجازاً، فلابد من أن أبدأ بالاختصاص، بالتفوق في اختصاصه، أبحث من بين هؤلاء المتفوقين عمن هو أقرب إلى الدين.
المذيع:
 لكن لو زاد أحدهم باختصاصه وكفاءته على الآخر الأولوية له؟
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 ولو تساوت كفاءتهم أختار صاحب الدين بينهم، بهذا المعيار، حتى تتقدم الأمة الإسلامية.
الدكتور راتب :
 هنا الكفاءة، هنا الاختصاص.
المذيع:
 أكيد في الجوانب الدينية إدارةً تختار إماماً لمسجد، فهنا أصلاً الاختصاص أنت تبحث عن صاحب الدين لأن مجاله في هذا الجانب.
 نختم هذه الحلقة بالدعاء شيخنا الكريم، ونسأل الله تعالى القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين بارك الله بكم فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وكان كلامكم شيخنا الكريم لهذه الحلقة تحت عنوان الإنسان المناسب، ورؤية الشريعة في انتقاء صاحب الاختصاص أولاً ثم من بين المختصين صاحب الدين ليكون القوي الأمين الكفء، والذي لا تغريه الدنيا ليكون ذا أمانةٍ وكفاءةٍ في إنجازه. فأجمل تحية لكم أينما كنتم.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور