وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 24 - حوار مفتوح 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِ وسلم، أنعم وأكرم على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مستمعينا الكرام أينما كنتم، على الهواء مباشرةً، في حوارنا المفتوح، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 أكرمكم الله يا دكتور، نحنا اعتدنا مع مستمعينا الكرام أن يكون حواراً مفتوحاً، في هذا الشهر الفضيل، حتى بإذن الله رب العالمين، تكون المساحة الأوسع لمشاركات مستمعينا الكرام لذلك مستمعينا نرحب بمشاركاتكم معنا، على الاتصال الهاتفي، على أن تكون الأسئلة في المجالات الإيمانية والرمضانية، بعيداً عن الفتاوى لتخصص برنامج آخر بالإذاعة لهذا الملف دكتورنا نسأل الله أن يتقبل الطاعات.

شهر رمضان شهر عبادة الإخلاص :

الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، منا ومنكم.
المذيع:
 اللهم آمين، دكتورنا الكريم النقطة الأساسية التي نرغب في طرحها، كثير من الأشخاص ينتظر قدوم رمضان، ليكون رمضان التغير في حياته، أكثر من نصف الشهر الكريم قد مضى، وبعض الناس لم يبدأ حتى الآن، لم يصلِّ كما يريد، لم يقرأ بحق القراءة، ماذا تنصحه لاستثمار ما تبقى؟
الدكتور راتب:
 رمضان ينقل الإنسان من علم إلى علم أعلى
علة وجود الإنسان في الدنيا، في الأصل العبادة، والدليل:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[سورة الذاريات: 56]

 والعبادة طاعةٌ طوعية، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
 لكن؛ رمضان دورة استثنائية، دورة مكثفة، كي تنقل الإنسان من علمٍ إلى علمٍ أعلى، من حالٍ إلى حالٍ أقرب، من فهمٍ إلى فهم، من انضباطٍ إلى انضباط، دورة تربوية عبادية مكثفة، فلابد من أن يكون هناك استثناء، مثلاً أنت في الإفطار، ممنوع من المحرمات، لكنك في رمضان ممنوع من المباحات، من الطعام والشراب، هذا الشهر يسمى عند العلماء عبادة الإخلاص، أي عندك شيء اسمه ترك، إنسان في بيته والجو حار جداً، وبأعلى درجة من العطش، لا يستطيع أن يضع في فمه قطرة ماء واحدة، فهو حينما يصوم، يقنع نفسه أنه مخلص لله عز وجل، هذه هي عبادة الإخلاص.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، بارك الله بكم، إذاً هذه القضية تحتاج من الإنسان أن يجتهد في العبادة حتى يغتنم هذا الشهر الفضيل.

ترك المباحات في رمضان كالطعام والشراب :

الدكتور راتب:
 لأن:

((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ))

[البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 لأن فيها ترك، الخمر حرام، الزنى حرام، المحرمات كلها، أما هو في رمضان يترك المباحات، اتركوا الطعام والشراب.

((إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))

[البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور. معنا خالد من الرياض، تفضل أخي خالد.
المستمع:
 السلام عليكم، السلام عليكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب:
 عليكم السلام ورحمة الله.
المستمع:
 جزاكم الله خير جزاء في الدنيا والآخرة، وبارك الله فيكم، سؤالي هو شيخنا الكريم: في شهر رمضان هل يجوز أن نستمر في طرح رأينا في فسادٍ نراه أو منكرٍ يجري أمامنا؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتوقف بحال :

الدكتور راتب:
 الأمر عن المعروف، والنهي عن المنكر، لا يتوقف لثانية واحدة، نحن:

﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[سورة آل عمران: 110]

 ما علة خيريتها؟

﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[سورة آل عمران: 110]

 فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتوقف بحال.
المذيع:
 الله يكرمك، حياك الله أخي خالد شكراً لك، وتحية لك ولكل أهلنا في العراق شكراً لاتصالك، معنا منذر باتصال جديد تفضل منذر.
المستمع:
 السلام عليكم ورحمة الله، أريد أن أتكلم مع فضيلة الشيخ.
الدكتور راتب:
 تفضل.
المستمع:
 بارك الله فيك يا فضيلة الشيخ، والله ينفع فيك يا رب، فضيلة الشيخ، يقال: فلان له سر مع الله عز وجل، لو سمحت اشرح لنا ما معنى هذا الكلام؟ أريد أن أسألك عن مسألة ثانية، هل هناك بركة في رمضان غير هذه الأيام؟ نلاحظها موجودة في الأكل، في العمل، في الراحة النفسية، جزاك الله خيراً دكتور.

للأنبياء معجزات و للأولياء كرامات :

الدكتور راتب:
 نحن عندنا الكتاب، والسنة، القرآن، والحديث.

((لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ))

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك]

 للأنبياء معجزات وللأولياء كرامات
لا شيء آخر عندنا، ليس عندنا شطحات، ليس عندنا تصورات، ليس عندنا تكهنات، ديننا واضح.
 إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينكَ إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا.
 الأنبياء لهم معجزات، أُمروا أن يتحدوا الناس بها، الأولياء لهم كرامات، ممنوع من الولي أن يحدث بكرامته، بل هو يستحي بها، لأنه إذا حدث بها، وهو غير معصوم، تنشأ مشكلة، فالكرامة إن صح التعبير كالشِيك الممهور باسم صاحبه فقط.
المذيع:
 الكرامة والمعجزة دكتور، كلاهما أمور خارقة للعادة، النبي يعلنها لنبوته، والولي يخفيها.
الدكتور راتب:
 لكن الأنبياء أُمروا أن يتحدوا بها، الأولياء أُمروا أن يكتموها، والولي الولي يستحي بكرامته.
المذيع:
 يقال أحياناً شيخ أو فلان هناك سر بينه وبين الله ما المقصود بهذا؟

أعظم كرامةٍ هي كرامة العلم :

الدكتور راتب:
 كلام مبهم لا معنى له، العباد سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربيٍ على أعجمي إلا بالتقوى، التقوى هي السر.

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

[سورة الحجرات: 13]

المذيع:
 حسناً، هل يمكن لهذا التقي، القريب من الله سبحانه وتعالى، أن يكون له شأن عند ربنا، إذا دعاه يُستجاب له؟
الدكتور راتب:
 له شأن، وله كرامة، هذه الكرامة شِيك مسطر له فقط، لا تجير، لا تلقى على الناس.
 أذكر مرة، أخ كريم معه تسرع قلب، أقسم لي بالله إذا وضع إبهامه على جرس بيتي يعود قلبه كما كان، قلت له: والله لو ذكرتها لأحدٍ لتركتك، أنا ديني دين كتاب وسنة، دين منهج، دين افعل ولا تفعل، لا تدخلني بمتاهات الكرامات، الكرامة لصاحبها فقط، شِك مسطر لصاحبه، لا ينبغي له أن يعلنها للناس، لكن أعظم كرامةٍ، كرامة العلم:

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾

[سورة النساء: 113]

المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، تفضل أخي طارق.
المستمع:
 مساء الخير، دكتورنا هناك شيء بصراحة لا أجد له تفسيراً، دكتورنا أنا دائماً أجد مقارنة، أن الله يريد بكم الخير، والشيطان يريد بكم الشر مثلاً، لماذا المقارنة مثلاً تتم بين مخلوق وخالق؟ لماذا مثلاً لا تتم بين الشيطان والملائكة؟ لماذا ربنا سبحانه وتعالى يقارن نفسه بالشيطان؟

البركة هي الشيء الكثير وهي عامة للناس كلهم :

المذيع:
 نقطة بالغة الأهمية، وواضحة تماماً، الله يبارك فيك أخي طارق، إن شاء الله يجيبك بعد قليل الدكتور عنها، شكراً لطارق.
 أبو زكريا تفضل، باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، الله يجزيكم الخير، ويجزي الدكتور محمد راتب النابلسي على علمه الواسع، دكتورنا لو سمحت أريد أن أسألك: ما الفرق بين الفواحش والذنوب وعمل السوء؟ هذا هو السؤال الأول، أما السؤال الثاني: من هو الظالم لنفسه؟
المذيع:
 البركة في الرزق نعمة من الله
بارك الله فيك، وجزاك الله الخير، دكتورنا نعود إلى السؤال الثاني، أخونا منذر الذي طرحه يقول: هل هناك بركة في رمضان؟
الدكتور راتب:
 طبعاً، البركة هي الشيء الكثير، أحياناً إنسان يأكل أكلاً قليلاً ويشعر بالشبع، دخله محدود لكن هناك بركة بالإنفاق، البركة هي الكثرة، إنسان أحياناً يكون دخله محدود، لكن الله بارك له بهذا الدخل، بمعنى مئات الأموال التي يصرفها المرضى على صحتهم عافاه الله منها، هذه بركة، أي ما دام هناك بركة فهناك عناية إلهية، الشيء القليل يكثر في البركة، والشيء الكثير يقل بعدم البركة، البركة عامة للناس كلها.
المذيع:
 ورمضان فيه بركة عامة للكل، الله يفتح عليكم يا رب، بارك الله فيك يا دكتور.
 تفضل يا أبو أسامة.
المستمع:
 السلام عليكم، الله يعطيكم العافية، أحب أن أوجه تحياتي لدكتورنا الفاضل الله يمسيك بالخير.
الدكتور راتب:
 أهلاً وسهلاً ومرحباً.
المستمع:
 أريد توضيحاً من سيدنا الشيخ بالنسبة:

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

[سورة الضحى: 11]

 ما الذي يجد أن نُحدث به؟ وما الذي يجب ألا نُحدث به؟

نعمة الهدى والصحة والكفاية من أصابها ما فاته من الدنيا شيء :

الدكتور راتب:
 أولاً، كلام دقيق جداً، عندك بيت كبير جداً، كلما جلست في مجلس تقول: والله اشتريت بيتاً كبيراً، وفيه غرف كثيرة، وإطلالة، وشرفات، وأثاث فخم، هذا الكلام مرفوض.

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

[سورة الضحى: 11]

 الماء والهواء والهدى من النعم المشتركة بين الناس
النعم المشتركة، نعمة الماء، نعمة الهواء، نعمة الصحة، نعمة الهدى، نعمة الحفظ، هناك مليون نعمة مشتركة بين الناس، حدثهم بالنعم المشتركة، أما إذا أدخلتهم إلى بيتك، وقلت: هذه سيارتي، وابني عنده سيارة، وقضينا عطلة الصيف في بلغارية، وكلفتنا مئة ألف، هذا كلام فارغ، هذا كلام فيه تحدي للناس، فيه إدخال للحزن على قلوب المحرومين.

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

[سورة الضحى: 11]

 النعم المشتركة، نعمة الماء، نعمة الهواء، نعمة الهدى، ثلاث نعم، يا أخي الكريم، من أصابها ما فاته من الدنيا شي، أولاً نعمة الهدى، أنت اهتديت إلى الله، عرفت إلهك العظيم، عرفت الجنة والنار، الحرام والحلال، الخير والشر، طلبت العلم، تعلمت العلم، قرأت قرآن، فهمت تفسيره، هذه نعمة كبيرة، نعمة الهدى، النعمة الثانية: نعمة الصحة، لا يوجد خثرة في الدماغ، ولا فشل كلوي، ولا تشمع كبد، ولا مرض عضال، النعمة الثالثة هي الكفاية، عندك دخل يغطي نفقاتك، هذه النعم الثلاثة، إن أصابها ما فاته من الدنيا شيء.

((مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه))

[رواه الترمذي عن عبيد الله بن المحصن]

 ليس ملاحقاً، لا يوجد بحقه مذكرة بحث.

((مُعافى في جَسَدِهِ))

[رواه الترمذي عن عبيد الله بن المحصن]

 ليس عنده فشل كلوي، ولا تشمع كبد، ولا خثرة في الدماغ.

((فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها))

[رواه الترمذي عن عبيد الله بن المحصن]

المذيع:
 صلى الله عليه وسلم، إذاً دكتور الإنسان الذي يتباهى، أو الذي حتى بحسن نية يعرض تفاصيل النعم حتى تتولد حسرة عند الآخرين.

على الإنسان الاعتدال في وصف نعم الله تعالى عليه :

الدكتور راتب:
 هذا لا يجوز أبداً، لا يجوز.
المذيع:
 لكن لو مثلاً دكتور أنهى دراسته، فقال للآخرين: أنا الحمد لله نجحت في الجامعة، وحصلت على دكتوراه، والفضل كله لله، هل يعتبر هذا مذموماً؟
الدكتور راتب:
 لا أبداً ليس مذموماً، خاصة إذا هو سُئل وأجاب، لا يوجد مشكلة إطلاقاً.
المذيع:
 لو أراد هو أن يبشر من يحب، بتوازن.
الدكتور راتب:
 لا يوجد مانع، في الأشياء العلمية، أما تعال شاهد بيتي، لقد كلفني الكثير، انظر إلى هذا الفرش الفاخر.
المذيع:
 إذا أنا أخبرت أصدقائي الذين أحبهم أن الله أنعم علي واشتريت بيتاً جديداً، هل من حرج، دون ذكر تفاصيل؟
الدكتور راتب:
 لا مانع.
المذيع:
 بهذا التوازن مقبولة، شيخنا نعود لسؤال أخينا طارق، يقول: الله عز وجل في أكثر من آيةٍ كريمة، كان هنالك، وكأنها مقارنة بين قوة الله وقوة الشيطان، فلماذا؟ أي وكأن هذا الشيطان يصبح والعياذ بالله كفئاً لقوة الله.

خُلِق الإنسان مخيراً وليس مسيراً :

الدكتور راتب:

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾

[سورة إبراهيم: 22]

 أعطي الإنسان حرية الاختيار
إطلاقاً، آية صريحة، جامعة، مانعة.

﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ َإِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾

[سورة إبراهيم: 22]

 مثلاً إذا إنسان كان يرتدي ثياباً غالية جداً، وناصعة البياض في الصيف، وحذاء أغلى من الثياب، وقمصان أعلى مستوى من الثياب، ومر أمام حفرة فيها مياه متسخة، نزل بها، ثم ذهب ليشتكي على إنسان، فقال له المحقق: هل دفعك إلى هذه الحفرة؟ قال له: لا والله ما دفعني، هل أمسكك ووضعك فيها؟ قال له: لا والله لم يفعل، لمَ تشتكي عليه إذاً؟ قال لي: انزل فنزلت.

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾

[سورة الرحمن: 78]

المذيع:
 شيخنا، لماذا تأتي أحياناً، ذات الآية، تستعرض جانباً من قوة الله سبحانه وتعالى، ثم من قوة الشيطان؟ هذا هو سؤال أخونا طارق، ألا يُفهَم عند البعض هنا وكأنها مقارنة؟

الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً عند الله لأنه قبِل حمل الأمانة :

الدكتور راتب:
 لا، لأن الإنسان مخير، ما معنى مخير؟ أن الإنسان قَبِل في عالم الأزل حمل الأمانة، فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً، الدليل:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾

[سورة الأحزاب: 72]

 في عالم الأزل، قبل عالم الصور.

﴿عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

[سورة الأحزاب: 72]

 فلما قبل حمل الأمانة، كان عند الله المخلوق الأول، ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فالإنسان إذا صدق مع الله واستقام على أمر الله، وعمل الصالحات، كان فوق الملائكة، أما إذا أغوته شهواته وغرائزه، وهبط إلى القاع، كان دون الحيوان.
المذيع:
 إذاً دكتور، طريق الله عز وجل وطريق الشيطان، هما تجسيد للحياة، طريقٌ للخير، وطريقٌ للشر، لكنها ليست توازي بالقوى، والعياذ بالله، بين قوة الله عز وجل وقوة الشيطان، لا تُفهم هكذا، جميل.
 أبو زكريا دكتور طرح سؤالين، السؤال الأول: ما هو الفرق بين الفواحش والذنوب والعمل السيئ؟

حقوق الله مبنية على المسامحة و حقوق العباد مبنية على المشاححة :

الدكتور راتب:
 الفاحشة يعصي الله أمام الناس، يرتكب عملاً يتسع.
المذيع:
 يجاهر به.
الدكتور راتب:
 أي مثلاً يدخن والدخان حرام، وفي رمضان، وفي الطريق، يدخن في رمضان، وفي الطريق.
المذيع:
 هذه فواحش دكتور.
الدكتور راتب:
 هذا فيه تحدٍ، فيه فواحش.
المذيع:
 والذنوب؟
الدكتور راتب:
 حقوق البشر يجب أداؤها
ذنبه، هو مخالفة الشرع فقط، قد يكون بينك وبين الله، لذلك النبي قال:

((ذنب لا يغفر، وذنب لا يترك، ونبي لا يغفر))

 أما الذي يُغفَر فهو ما كان بينك وبين الله، حقوق الله مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبنية على المشاححة، أي فاتك فرض صلاة، استغفر الله، قد يكون هناك خطأ بينك وبين الله، أما بينك وبين العباد هذه ذنوب لا تترك، بل تغفر بإحدى حالتين، بالأداء أو المسامحة.
 النبي الكريم أراد أن يصلي على أحد الصحابة، دقق، قال: أعليه دين؟ قالوا: نعم قال: صلوا على صاحبكم، ما صلى عليه، قال أحدهم: يا رسول الله، عليّ دينه، قام صلى عليه في اليوم التالي، سأله: أديت الدين، قال: لا، في اليوم الثالث سأله أديت الدين، قال: لا، في اليوم الرابع سأله، قال: أديت الدين، قال: الآن ابترد جلده.
 هناك ذنب يُغفَر، ما كان بينك وبين الله، الصلحة بلمحة، وذنبٌ مع الله مبني على المسامحة، أما مع العباد فمبني على المشاححة.
المذيع:
 أداء الحقوق أو المسامحة.

أكبر ظالم لنفسه هو الإنسان لأنه لم يعرف سرّ وجوده ولا غاية وجوده :

الدكتور راتب:
 نعم، أما الذي لا يُغفَر، دقق؛ إنسان معه أزمة قلبية حادة، وهناك طريق إلى المستشفى للإسعاف، وطريق إلى متنزه، لو أخذناه إلى المتنزه يموت، هذا هو الشرك، ذهبت إلى غير الله هذا لا يُغفَر.
المذيع:
 شيخنا من هو الظالم لنفسه؟
الدكتور راتب:
 هو الذي ما عرَّفها بربها، ما ظلم أحداً لكنه غفل عن الله، ما عرف الله، ما عرف أنه مخلوق للجنة، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، عاش، أكل، وشرب، ونام، وتابع مسلسلات، وعمل ولائم، وتنزه، هذا أكبر ظالم لنفسه، لأنه ما عرف سر وجوده، ولا غاية وجوده.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 حياكم الله شيخنا من جديد.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 أهلاً وسهلاً بكم يا دكتور. دكتورنا الكريم، كثير من المواقف التي يشهدها الإنسان في الحياة، تكون مرتبطة في دينه، في عبادته، هل ترى في شهر رمضان المبارك، ارتياد الناس للمساجد، اجتماعهم على مائدة الإفطار، والدعاء، ختمة القرآن، الصلاة، هذه المشاهد العبادية الإيمانية، هل يمكن أن تستمر مع الإنسان دكتور، بعد هذا الشهر الفضيل؟

جميع الإيجابيات في رمضان لا ينبغي أن تُترَك بعد رمضان :

الدكتور راتب:
 ما حصلته في رمضان استمر به لما بعد رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم، البطولة أن جميع الأشياء التي نهى الله عنها، وقد تركت في رمضان، يجب بل ينبغي أن تُتَابَع بعد رمضان، ولا يفطر فم الإنسان في العيد فقط، في رمضان إن ترك الغيبة فعليه أن يتابع، ترك النميمة عليه أن يتابع، ترك الشاشة غير المنضبطة، يتابع بعد رمضان، جميع الإيجابيات في رمضان لا ينبغي أن تُترَك بعد رمضان.
 كلمة دقيقة: إنسان صعد متراً لثلاثين يوماً، ورجع إلى المكان الذي كان فيه بعد رمضان، أما البطولة صعد متراً في رمضان الثاني صعد متراً ثانياً، متراً ثالثاً، كالدرج الصاعد، أما صعود وهبوط؟!

رمضان ولى هاتها يا ساقي
***

 كما قال بعض الشعراء:

مشتاقةً تسعى إلى مشتاق
***

 هذا لم يصم رمضان أبداً.
المذيع:
 اللهم أعِنا على الثبات، بإذن الله تعالى. عبد الكريم تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيك العافية أستاذ نديم، جزاك الله خيراً على هذا البرنامج الطيب أريد أن ألقي التحية على الشيخ، السلام عليكم.

رمضان دورة تدريبية لتقوية الإرادة على الطاعة والعبرة أن نرتقي :

الدكتور راتب:
 أهلاً وسهلاً، عليكم السلام ورحمة الله، والله الحمد لله.
المستمع:
 كيف حالك يا شيخ؟ أحببت أن أسلم عليك، وأريد دعوة طيبة منك.
الدكتور راتب:
 حفظ الله لك إيمانك، وأهلك، وأولادك، وصحتك، ومالك، واستقرار بلدك.
المستمع:
 حفظك الله يا شيخ، جزاك الله كل خير.
المذيع:
 بارك الله فيك أخي عبد الكريم، شكراً لك ولاتصالك. أبو خليل، حياك الله.
المستمع:
 السلام عليكم، تحياتنا للدكتور، ولك سيدي، أريد أن أسأل الدكتور سؤالاً؟ ربنا يقول في آخر آية الصيام:

﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة: 183]

 أي إذا كانت الغاية من الصوم، هي التقوى، إذا مثلاً إنسان دخل رمضان وعنده ذنوب، قد تكون الذنوب أربعين ذنباً، أو عشرين ذنباً، وانتهى رمضان، وعنده تقريباً نفس الذنوب، هل يكون حقق الغاية من الصيام؟ هل تشرح لي بطريقتك يا دكتور.
المذيع:
 سؤال بالغ الأهمية، الله يسعدك يا أبو خليل، شكراً لك.
الدكتور راتب:
 الحقيقة أن رمضان دورة تدريبية لتقوية الإرادة على الطاعة، فإذا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا عليه، والله لا أبالغ، ولست متشائماً، كأنك ما صمت هذا الشهر، العبرة أن ترتقي، من مستوى إلى مستوى، من فهم إلى فهم، من انضباط إلى انضباط، من قرب إلى قرب.
المذيع:
 كيف نرتقي دكتور؟

حاجة كل مؤمن إلى طلب العلم و إلى حاضنةٍ إيمانية :

الدكتور راتب:
 لا بد من طلب العلم، ولا بد من حاضنةٍ إيمانية، عندنا لعبة اسمها شد الحبل، بأي سهرة، بأي جلسة، بأي لقاء، بأي رحلة، بأي مناسبة، إن استطاع الذين معك أن يشدوك إليهم إلى ترك الصلاة، أو إهمالها، أو إلى متابعة الشاشة بلا ضوابط، إن استطاعوا أن يجروك إليهم، دعهم، أما إن أمكنك، أن تقنعهم بهذا الدين، بالصلاة، بغض البصر، بتأدية الزكاة، ابقَ معهم، الضابط شد الحبل، إن شدوك إليهم دعهم، وإن شددتهم إليك، ابق معهم.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور.
الدكتور راتب:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف: 28]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة: 119]

 أنت بحاجة إلى علم، وإلى حاضنة إيمانية.
المذيع:
 أكرمكم الله يا دكتور. عبد الله تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف الحال يا شيخ، عندي استفسار للشيخ عن أهل الكهف، أهل الكهف جاء ذكرهم في القرآن.

﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً﴾

[سورة الكهف: 18]

 صحيح؟ أنا أعرف أن هناك اختلاف في الآراء، أناس يقولون:

﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً﴾

[سورة الكهف: 18]

 أن ربنا جعلنا نحن البشر بشكل عام نراهم بشكل مخيف، وهناك أناس قالوا: لا، لأنهم ناموا لمدة طويلة، شعر رأسهم طال، وأظافرهم كذلك، فأصبح منظرهم مخيفاً لهذه الدرجة.

الإنسان أمام عالَمَين عالم الشهادة وعالم الغيب :

الدكتور راتب:
 اسمع الجواب الدقيق.
المستمع:
 ما سكت عنه القرآن من أخبار الغيب يجب أن لا نخوض فيه
من الممكن أنني أتكلم عن وجهة نظري، هكذا ظهرت معي.
المذيع:
 دعنا يا عبد الله نسمع الجواب من الشيخ، جزاك الله الخير.
الدكتور راتب:
 نحن أمام عالَمَين، عالم الشهادة وعالم الغيب، في عالم الشهادة لك عينان، لك أذنان، لك عقل، لك دماغ، في عالم الغيب لا نملك إلا الخبر الذي جاء في القرآن، أنا لا أستطيع أن أزيد عليه ولا كلمة، في عالم الغيب أسكت، حيث سكت القرآن، أصمت حيث صمت القرآن، أنا لست مكلفاً أن أفكر بحالات تفسيرية بهذا الذي وردني عن الله عز وجل، أكتفي لأن الحديث يقول:

((لا يعلم الغيبَ إلا الله))

[البخاري ومسلم والترمذي]

 أما إذا ذكر النبي شيئاً عن أشراط قيام أيام الساعة، هذا ليس من علمه، بل إعلام الله له فقط، فأنا في عالم الغيب، لا أزيد على الغيب ولا كلمة.
المذيع:
 الله يفتح عليك يا دكتور، بارك الله فيكم، لهذه الإجابة المنهجية في هذه الزاوية.
 محمد تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، تقبل الله طاعتكم أستاذي الكريم، والله سؤالي بسيط: جزاك الله الخير يا رب، والله أنا عندي طفلان، بنت وصبي، ماذا تنصحني بشأنهم من أجل حياتهم المستقبلية؟ ما نصيحتك لهم؟

القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان :

الدكتور راتب:
 والله يا سيدي، أولاً لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا حريصٌ حرصاً لا حدود له على سلامته، من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ ولا إنسان، كل إنسان حريص حرصاً لا حدود له على سعادته، من لا يحب أن تكون زوجته صالحة، وأولاده أبرار، وبناته محجبات، وله مكانة اجتماعية؟ أما الثالثة فهي الأهم وهي أن الإنسان حريص حرصاً لا حدود له على استمراره، استمرارنا بأولادنا.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾

[سورة الطور:21]

 قال علماء التفسير:

﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ﴾

[سورة الطور:21]

 أعمال ذريتهم، أكبر تجارة مع الله، أن تسعى لتربية أولادك، لأن أعمالهم كلها في صحيفتك يوم القيامة.
المذيع:
 وما هي أبرز النصائح للتربية دكتور، فيما تبقى من وقت؟
الدكتور راتب:
 القدوة قبل الدعوة، مثلاً ولد لم ير والده ولا مرة وهو يخلع ثيابه أمامه إلا في غرفة النوم، ما سمع من أبيه كلمة بذيئة، ما شاهده يتابع فيلماً لا يرضي الله، لو ما تكلم الأب ولا كلمة كماله واستقامته وصمته دعوة إلى الله، فالقدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور، شيخنا الكريم، في آخر دقيقة متبقية معنا، نحن على عتبات العشر الأواخر من رمضان، ماذا تنصح الأخوة والأخوات المستمعين الكرام، كي يغتنموا هذه الأيام والليالي المباركة؟

نصائح لاغتنام العشر الأخير من رمضان :

الدكتور راتب:
 صوم النهار واقع، بقي إحياء الليل، الصلوات، التراويح، إتقان هذه الصلوات يعني صلاة متقنة، من الممكن أن تصلي التراويح أمام مصحف، تقرأ بكل ركعة صفحة بكاملها، بهدوء، بتروٍ، مثلاً:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر: 1]

 ما عاد لها معنى الصلاة، فلا بد أن تقرأ شيئاً جديداً في الصلاة، قيام الليل هي التراويح، وغض البصر، وحفظ اللسان، ترك الغيبة والنميمة، وكل كلام تافه، وكل كلام لغو، لغو ما ليس له معنى إطلاقاً، فعندما أضبط لساني، أعني على الصيام والقيام، الصيام في النهار والقيام في الليل، وغض البصر، وحفظ اللسان.
المذيع:
 بارك الله بكم يا دكتور، أكرمكم الله، نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأله تعالى القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اهدنا إلى الحق، لا يهدي إليه إلا أنت، يا رب العالمين احفظ لنا إيماننا، وأهلنا، وأولادنا، وصحتنا، ومالنا، واحفظ للأردن استقراره.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، لهذه الكلمات الطيبة، نلتقي نحن وإياكم مجدداً في حوارٍ إيماني مفتوح، مع فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، جعل الله يومنا وليلتنا مليئة بالطاعات.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور