وضع داكن
27-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 28 - الرضا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة:

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم مستمعينا الكرام في كل مكان حياكم الله عبر أثير إذاعتكم حياة fm متواصلين في مجلس العلم والإيمان، نرتحل فيه في طلب العلم، مع فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بشيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حفظكم الله يا دكتور.
 حديثنا نحن وإياكم مستمعينا الكرام تحت عنوان "الرضا" نبدأ حلقتنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إنَّ عِظَم الجزاءِ مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابْتلاهُم، فَمَن رَضيَ فله الرِّضا، ومن سَخِطَ فله السَّخَطُ ))

[الترمذي عن أنس رضي الله عنه ]

 دكتور محمد أهلاً وسهلاً بفضيلتكم، حينما نتحدث عن الرضا في هذه الحياة للإنسان ماذا يعني الرضا؟

عرض الأمانة على كل الخلق في عالم الأزل :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.
 لابد من خلال هذا السؤال العميق من مقدمة: الله عز وجل خلق كل الخلائق في عالم الأزل، وعرض عليهم الأمانة، والآية تقول:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

المذيع:
 ما هي الأمانة دكتور؟
الدكتور راتب :
 أن يتولى الإنسان إدارة نفسه، والدليل:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9 ـ 10 ]

المذيع:
 إذاً في عالم الأزل عرضت الأمانة على كل الخلق.
الدكتور راتب :

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 أعطي الإنسان حرية الاختيار
فالملائكة اختاروا العقل، والحيوانات اختاروا الشهوة.
 ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، أما الإنسان ركب من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
 القضية أن الإنسان جاء إلى الدنيا وقبل حمل الأمانة، أعطاه الله مقومات هذه الأمانة، أعطاه شهوة، أعطاه جسماً، أعطاه عقلاً، أعطاه اختياراً. فالحيوان لا يحاسب، وغير مكلف، اختار الشهوة فقط، والملَك لا يحاسب اختار العقل فقط، أما الإنسان اختار الشهوة والعقل معاً، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
 الله عز وجل رب العالمين، لو الإنسان أخطأ في اختياره الإنسان مخير، الكائن المخير.

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

 الإنسان مخير، لكن أنت كأب رحيم إن رأيت أن ابنك اختار اختياراً سيئاً، اختار ألا يدرس، وتركته لمصيره المحتوم وهو الجهل، يقول لك يوم القيامة: بابا لمَاذا لم تنبهني؟ فلابد من لفت نظر، عندما الإنسان يخطئ باختياره لا بد من لفت نظر، هذه المصائب للفت النظر. إذاً نحن في الدنيا في دار ابتلاء، لا دار استواء.
المذيع:
 وما المقصود بالابتلاء دكتور؟

الدلالة الشرعية لكلمة الابتلاء لا تعني العقاب وإنما الامتحان :

الدكتور راتب :
 الامتحان.
المذيع:
 وليس العقوبة.
الدكتور راتب :
 لا، هذا معنى حيادي، المعنى العامي لها سلبي، فلان ابتلي بالفقر فنجح، تعفف.
المذيع:
 أي امتحن بالفقر.
الدكتور راتب :
 فنجح، وصبر، وتعفف، وعمل.
المذيع:
 وقد يبتلى بالغنى.
الدكتور راتب :
 ابتلي بالغنى فنجح، أنفق من ماله، أطعم الفقراء والمساكين، لم يتكبر.
المذيع:
 فالدلالة الشرعية دكتور لكلمة الابتلاء لا تعني ربنا ابتلاه بمعنى عاقبه، وإنما امتحنه.

الابتلاء علة وجودنا :

الدكتور راتب :
 معنى حيادي، المعنى العامي معنى سلبي.

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 علة وجودنا الابتلاء.

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 الأنبياء ابتلوا لكن نجحوا.
المذيع:
 ولم يكن عقاباً لهم وإنما كان ابتلاء كما تفضلت. إذاً في الحديث الذي بدأنا به الحلقة:

(( إنَّ عِظَم الجزاءِ مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابْتلاهُم، فَمَن رَضيَ فله الرِّضا، ومن سَخِطَ فله السَّخَطُ ))

[الترمذي عن أنس رضي الله عنه ]

لا يمكن أن نصل للجنة من دون ابتلاء والأنبياء أشد الناس ابتلاءً :

الدكتور راتب :
 قبل ذلك سيدي، لا يمكن أن يشم إنسان في الأرض رائحة الجنة قبل أن يبتلى.
 سئل: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ عكسه التمكين، في الأرض قد يكون بمالك، بعلمك، بمكانتك، بصحتك، ببيتك، بدخلك، ندعو بماذا؟ بالابتلاء أم بالتمكين؟ قال الجواب: لن تمكن قبل أن تبتلى.
 لن نصل إلى الجنة دون ابتلاء
للتقريب: قد تكره الامتحان بالجامعة؟ الجامعة بنيت على الامتحان، هل من الممكن أن تُعطى دكتوراه من دون فحص؟ إنسان لا قرأ ولا كتب، بالعكس كان يغازل البنات في الجامعة مثلاً، هذا يأخذ الدكتوراه؟ هناك امتحان، إذاً لا يمكن أن نصل للجنة من دون ابتلاء، والأنبياء أشد الناس ابتلاءً، قال النبي الكريم:

(( أنا أشدهم بلاءً، ثم الأمثل، فالأمثل ))

 الإنسان يبتلى على قدر إيمانه، ودينه، أهكذا الحياة؟ كلها راحة، وبيت فخم، ودخل وافر، وسهرات مختلطة، وسيارات، وسباحة على البحر، ولا شيء بعد ذلك؟

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 علة وجودنا الابتلاء، وبتعبير آخر دارج؛ ولا نشم رائحة الجنة إلا بعد الابتلاء، لكن الابتلاء منوع، هناك ابتلاء بالصحة، ابتلاء بالمال، ابتلاء بنقمة اجتماعية مثلاً، بوضع اجتماعي صعب جداً، لكن كل مبتلى يتوهم أنه ابتلاءه أصعب ابتلاء، هذا ليس صحيحاً، كله صعب، أن تعيش حياة راغدة، ولا مشكلة فيها، ولا اهتمام بالدين إطلاقاً، ولا تصلي مثلاً، والدنيا سعادة، وسرور، ولقاءات، وسهرات، ثم مراءاة على الشاشة، وإلى آخره، وهكذا إلى أن تنتهي الحياة؟!

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة: 18]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21]

 آيات كثيرة جداً.

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص: 31]

 يجب أن يدخل في كل خلية بجسم المستمع، وفي كل قطرة بدمه، أن علة وجودك في الدنيا الابتلاء، ولا بد أن تبتلى، وهناك ابتلاء إيجابي، أعطاك مالاً وفيراً، سهرات مختلطة، وسياحة لا ترضي الله، واستعلاء في الأرض، واحتقار الفقير، رسب في الامتحان، أعطاك مالاً قليلاً فصبرت وتعففت، كرامتك غالية عليك، ما أكلت مالاً حراماً، ما مددت يدك إلى مالٍ حرام بحجة الفقر، الفقر ابتلاء، والنجاح ابتلاء، والصحة ابتلاء، تجد إنساناً يستهلك صحته بالمعاصي والآثام والمرض ابتلاء، والقوة ابتلاء، والضعف ابتلاء، والذكاء ابتلاء، وقلة الذكاء ابتلاء.
المذيع:
 إذاً كل هذه دكتور هي ابتلاءات أو امتحانات من الله سبحانه وتعالى.

على الإنسان أن يكون راضياً من الابتلاءات الإلهية في حياته :

الدكتور راتب :
 ما أنت فيه هو نوع بلائك، وأشد الناس بلاءً الأنبياء، قال:

(( أنا أشدهم بلاءاً، ثم الأمثل، فالأمثل ))

 والمرء يبتلى على قدر إيمانه، ودينه.
المذيع:
 سبحان الله! فالإنسان يبتلى بالفقر، ويبتلى بالغنى، يبتلى بالمرض، ويبتلى بالصحة.
الدكتور راتب :
 معناها العامي سلبي، معناها الحقيقي حيادي.
المذيع:
 علاقتك مع الله يجب أن تكون متينة
فعلى الإنسان أن ينجح في هذا الابتلاء، أي هذا الامتحان، في أن يكون مع الله سبحانه وتعالى، دكتورنا الكريم في الحديث.
الدكتور راتب :
 مثلاً رجل حصل ثروة كبيرة جداً من يتيم، وكان هو الوصي عليه، واليتيم له أموال طائلة، كان هذا الوصي خائناً، طبعا ًومعه وصية، فأخذ الأموال كلها له، وسافر لأمريكا وبقي هناك خمسة عشر عاماً، طبعاً جمع مئات الملايين من مال اليتيم، واليتيم مع أمه لا شيء إطلاقاً يأكله، رجع بعد خمسة عشر عاماً إلى بلد إقامته، بعد أن اشترى قصراً، فيه مسابح، وملاعب، فخم جداً، أصبح مليارديراً، فركب بسيارته، واشترى أحدث سيارة، وذهب إلى المطار، ليستقبل شخصاً، ومعه أولاده الأربعة، وفي الطريق عمل حادثاً ومات هو وزوجته، وأولاده الأربعة، وريثه الوحيد كان هذا اليتيم، ورث مبالغ فلكية.
الله على كل شيء قدير، أقول: للإنسان خيارين أو ثلاثة خيارات بكل موضوع، الله خالق الأكوان، عنده مليار خيار، كل ما جمعه في خمسة عشر عاماً رجع لليتيم، الله كبير، كلمة كبير لا أرتوي منها أبداً، قد يُذهب كل أموالك بثانية، قد يسخر عدوك ليخدمك، قد يجعل أقرب الناس إليك يتخلون عنك، فعلاقتك يجب أن تكون مع الله متينة.
المذيع:
 ونعم بالله، إذاً في هذا الحديث دكتور المطلوب من الإنسان أن يكون موقفه الرضا في هذه الامتحانات أو الابتلاءات الإلهية في حياته، ما المقصود بالرضا دكتور، هل يسر بها أم يقبلها؟

فهم كل أفعال الله عند معرفة رحمته :

الدكتور راتب :
 يعني عفواً أب عادل، مربي، مثقف ثقافة عالية، ضرب ابنه، هل يُفهم الضرب حقد أب، مستحيل! أي عاقل يفهم الضرب تربية، من الممكن أنه وجد مع ابنه مبلغاً ليس له، أراد أن يعمل له خبرة مؤلمة، فأنت عندما تعرف رحمة الله، في ضوء هذه الرحمة تفهم كل أفعال الله.

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾

[ سورة الفاتحة: 1]

 الابتلاء قد يكون عين العطاء لأنه يرجعك إلى الله
الرحمن في ذاته، أما الرحيم في أفعاله.
 مثلاً إنسان منحرف، ساق الله له مرضى شبه عضال، فتاب لله، عندما تاب رجع واستقام، يوم القيامة يرى أكبر نعمة أن الله أعطاه المرض، رب ضارةٍ نافعة، أو ربما أعطاك فمنعك، أو منعك فأعطاك، وإذا كشف العبد حكمة المنع، عاد المنع عين العطاء.
المذيع:
 سبحان الله! جميل، كلام طيب، وكلام جميل، بارك الله بكم يا دكتور لهذه الكلمات الطيبة.
 دكتورنا الكريم، في حديثنا عن الرضا، بعدما وضحت فضيلتك أن هدف خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان هو العبادة، وأن ينجح في الابتلاء ألا وهو الامتحان، فإن كان خيراً عليه أن يشكر، وإن كان فيه صعوبة أو ضر عليه أن يصبر عليه.
 الآن دكتور في قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( فَمَن رَضيَ فله الرِّضا))

[الترمذي عن أنس رضي الله عنه ]

 ما هو الرضا دكتور؟

محصلة الإسلام والإيمان توصلنا إلى الرضا :

الدكتور راتب :
 لو أن إنساناً جلس في غرفة انتظار طبيب، وكان في الغرفة ثلاثون إنساناً، وكل إنسان دفع ألف ليرة، هذا جمع، طرح، قسم، وجد ثلاثون ألفاً كل يوم، فجاء لأحد الأشخاص وقال له: علمني كيف أكتب وصفة، شيء مضحك، قال له: هذه وصفة يكتبها إنسان درس الابتدائية، ثم متوسط، ثم توجيهي، ودخل كلية الطب عدة أعوام، ثم درس دبلوم، وماجستير، ودكتوراه، وتدرب سنتين، صار عمره خمسة وثلاثين عاماً حتى يكتب وصفة فهي ملخص علمه.
 يرضى الإنسان عندما يعرف أنه يوجد إله
الإنسان متى يرضى؟ عندما يعرف أنه يوجد إله، وخالق، ومربّ، ومنهج، وجنة، ونار، وحساب، وعذاب، وتكليف، وبر والدين، وعمل صالح، وأداء الزكاة، ولقاءات منضبطة، وممنوع الاختلاط، ممنوع الغناء مثلاً، عندما أنت تعرف المنهج التفصيلي، ترضى، أما إذا كان لا يعرف، تقول له: ارضَ، شيء مضحك، شيء مضحك جداً، الرضا محصلة الإيمان سيدي، محصلة الإسلام أولاً، والإيمان ثانياً، والتقوى ثالثاً والاستقامة رابعاً، والعمل الصالح خامساً، محصلة هذه الكليات في الدين توصلنا إلى الرضا.
المذيع:
 سبحان الله! فالرضا هنا معناه القبول.
الدكتور راتب :
 القبول فقط يحتاج إلى مقدمات كثيرة جداً.
المذيع:
 فضيلتكم كما ذكرتم، لكن الرضا ليس معناها السعادة، لو إنسان دكتور، كسرت قدمه، كيف يكون راضياً؟

الإنسان عندما يعرف الله يرضى عنه :

الدكتور راتب :
 عندما نحاول علاج الطفل بقلع ضرسه، يبكي بكاءً مذهلاً، لماذا الكبير لا يبكي؟ قال له: أنت كبير في السن لا يناسبك البنج المخدر، يجب أن تتحملنا قليلاً، فيمسك طرف الكرسي ويشد عليه، ولا يحكي أي كلمة، فالعلم يعينك على الرضا، الطفل يبكي، الكبير لا يبكي، لأنه هناك ألماً شديداً في ضرسه وقد لا يناسبه المخدر، إذاً العلم يجعلك ترضى، إن شاهدت أباً يضرب ولده في الطريق مثلاً، كونه أب فهناك رحمة في قلبه، ولكن قد يجد مع ابنه مبلغاً ليس له، وخاف أن يتعلم أخذ شيء ليس له، فسبب له خبرة مؤلمة.
 فالله عز وجل في مصائب، في فقر، في زلازل، في أعاصير، في قهر اجتماعي، في مشكلة كبيرة جداً بالصحة، هذا الإنسان عندما يعرف الله، يرضى عنه.

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

[ سورة البينة: 8]

(( قال: يا رب أي عبادك أحب إليك؟ ـ وقع في روعه ـ أن أحب عباده إلي، نقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي قال: يا رب، تعلم أنني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي، وبلائي، الشرح: ذكرهم بآلائي ـ الآيات الكونية ـ كي يعظموني وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني))

[حديث قدسي]

 معنى ذلك لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن، تعظيمٌ لله، ومحبةٌ له، وخوفٌ منه، أحياناً إذا وجدت المحبة فقط يصبح هناك تساهل، الحالة دقيقة، يجب أن تحب الله بقدر ما تخافه، أو أن تخافه بقدر ما تحبه.
المذيع:
 يجب أن يتطابق مستوى المحبة والخوف من الخالق.

النبي سيد البشر وتجري عليه كل خصائصهم :

الدكتور راتب :
 هذا مهمة الأب والمعلم وأي إنسان معه سلطة، الذين حولك يجب أن يخافوك بقدر ما يحبوك، أو أن يحبوك بقدر ما يخافوك، الخوف سهل، كل الطغاة مخيفون وكل الضعاف لا يخيفوا.
المذيع:
 لكن ما إن يزول الطاغية تزول تعليماته، والمحبة وحدها أيضاً لا تكفي، جميل.
 شيخنا الكريم، حينما توفي ابن النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وكان طفلاً صغيراً، النبي عليه الصلاة والسلام قال كلمات جميلة، كانت تمزج بين بشريته ونبوته عليه الصلاة والسلام:

(( إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ))

 وبين التسليم بقضاء الله والرضا به.
الدكتور راتب :
 أنا لا أقبل ولا بـأي شكل أن أنفي عن النبي بشريته.

(( اللهم إنني بشر، أرضى كما يرض البشر، وأغضب كما يغضب البشر))

 ولو نفينا عنه بشريته، انتهت نبوته أساساً، لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، أي أنه انتصر على بشريته، كل إنسان يجوع، والنبي يجوع، وكل إنسان يشتهي المرأة، والنبي كذلك، لكن النبي غض بصره، وعلمنا على غض البصر، ضبط أموره، هذه عملية ضبط سيدي.
المذيع:
 وفي حادثة وفاة ابنه دكتور.
الدكتور راتب :
 قال: إنني لبشر، بكي.
المذيع:

(( إن العين لتدمع ))

.

الرضا شعور قلبي :

الدكتور راتب :
 لكنه لم يتكلم أي كلام مسيء، مثلاً ماذا فعلت لك يا ربي؟ هناك كلمات تقترب من الكفر.
المذيع:
 يقولها بعض الناس.
الدكتور راتب :
 أما المؤمن فيقول: يا ربي لك الحمد، اللهم أعني على الصبر.
المذيع:
 لا تعني دكتور الرضا أن أتنازل عن بشريتي، من الممكن أن أحزن مع الرضا.
الدكتور راتب :
 ألم المصيبة لا يلغيها، علينا بالرضا.
المذيع:
 لا يتعارض معها.
الدكتور راتب :
 إنسان قلع ضرسه، هناك ألم شديد، قال له: ضرسك لا يتحمل مخدر، لكنه لا يبكي، رجل كبير يتألم دون ان يصرخ أو يتذمر، مع أنه يشعر بألم شديد.
المذيع:
 إذاً إذا لم نتعرض دكتور إلى ابتلاءٍ صعب، والإنسان شعر بالحزن، أو شعر بالخوف هذا جزء طبيعي، لكن الرضا أن يقبل وأن يرفض.
الدكتور راتب :
 فيما الأدب مع الله:

﴿ لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

 دعاء قرآني.

﴿ وَاعْفُ عَنَّا﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

 أي بطريق أو بآخر، إياك أن تصل مع الله إلى طريقٍ مسدود، كلمة دقيقة.
المذيع:
 إذاً دكتور الرضا هو شعور قلبي، أن توقن أن ما جاء من الله هو الخير.

الرضا أن أؤمن أن ما جاء من الله هو خيرٌ وإن دعت بشريتي إلى الحزن أو الخوف :

الدكتور راتب :
 هو الرضا، رضا في القلب، وحمد في اللسان، وشكر الله على ما أتى، شكر أيضاً.
 إذا تواجد شخصين عند طبيب، أحدهما معه التهاب معدة حاد، فالطبيب أخضعه لحميةٍ قاسيةٍ جداً جداً، قال له: الحليب لستة أشهر، والثاني معه ورم خبيث، منتشر في كل جسمه، الأول سأله: ماذا آكل؟ قال له: حليب فقط، ستة أشهر، والثاني قال له: كُل ما شئت، أيهما أفضل، حمية مع أمل بالشفاء، أم أن تأكل كما تشاء دون أمل بالشفاء؟ ماذا تقول الآية:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

المذيع:
 سبحان الله! وعكس هذا الرضا أن أؤمن في داخلي أن ما جاء من الله هو خيرٌ، وإن دعت بشريتي إلى الحزن أو الخوف هذا لا يتعارض مع الرضا.

الفرق بين الرضا والسخط :

الدكتور راتب :
 لا يتناقض أبداً مع الرضا يتناقض مع السخط، كأن تقول: ماذا فعلت لك يا ربي؟ لماذا أعطيت فلان ولم تعطني؟ هذا هو السخط.
المذيع:
 سواءً تلفظ به أو آمن في قلبه.
الدكتور راتب:
 الكلام ليس شرطاً.
المذيع:
 هذا السخط، وهنا يأتي الحديث.

((فَمَن رَضيَ فله الرِّضا))

[الترمذي عن أنس رضي الله عنه]

الدكتور راتب:
 من الله، ومن سخط معناه لا يعرف الله، من يسخط؟ هو الذي لا يعرف الله.
المذيع:
 إذاً قلبٌ يوقن بأن ما جاء من الله خير، وإن دعت بشريتنا إلى نوع من الخوف، أو الحزن طبيعي، لكن لا نسخط، فنغضب، ونعترض على أمر الله، ولا بذات الوقت يدّعي الإنسان المثالية.

الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب:
 ولا نقول يا رب، إلا ما يرضي الرب.

((وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون))

[عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه]

 هل ترى الدقة؟ لا نقول إلا ما يرضي الرب.

(( وإنا عليك يا إبراهيم ))

[عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه]

 كل شيء وقع سمح به الله
نقطة دقيقة جداً، النقطة الدقيقة يهمني شرحها بدقة بالغة: كل شيء وقع بالخمس قارات، من آدم إلى يوم القيامة، هل هناك أوسع من هذه الدائرة؟ دائرة مكانية، وبخمس قارات، وزمانية من آدم إلى يوم القيامة، كل شيء وقع في الأرض في الخمس قارات، من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، لا تعني أراده أمر به، ولا تعني أراده أنه رضي به.
 مثلاً أب طبيب وعنده ابن جاءه بعد عشر سنوات من زواجه، وكان جميل الصورة وتعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الطبيب الأب الرحيم، الولهان بابنه، أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة يأخذ الأب الطبيب القرار بتخديره وفتح بطنه واستئصال الزائدة، هكذا فعل الله عز وجل.
 كل شيء وقع أراده الله، أي سمح به، لم يأمر به ولم يرضه، وكل شيء أراده الله وقع، سمح به، لم يأمر به ولم يرضه، وكل شيء أراده الله معكوسة، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فشر مطلق في الكون لا يوجد، لأن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، يعني الشر للشر.
المذيع:
 ودور الإنسان أن يرضى، أن يؤمن بأن ما جاء من الله خير.
الدكتور راتب :
 لكن إن رضي الإنسان، ولم يفهم الحكمة، كسب أجراً كبيراً.
المذيع:
 أحياناً تكون الحكمة مخفية.
الدكتور راتب :
 لكن بعد حين يكافأ هذا الراضي ببيان الحكمة، فيذوب المؤمن خجلاً من الله.
المذيع:
 حينما تخفى الحكمة يكون اليقين، فالأجر أكبر، بارك الله بكم يا دكتور.
 تسمح دكتور بمشاركات مستمعينا الكرام. تفضل أخي عبد الله باتصال هاتفي.
المستمع:
 يعطيك العافية، كيف الحال دكتور؟ ما أخبارك؟

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 دكتور أريد أن أسأل سؤالاً: عندما أكون في دوامي، في عملي، وأعمل ما يُطلب مني وأعطيه للمدير المسؤول عني، ولكن هذا المدير المسؤول ينسب العمل إليه، وفي النهاية طردوني من العمل، أنا راضٍ ولله الحمد، ليس عندي عليه أي خلاف، أنا كيف أدعي عليهم لأنهم ظلموني؟
المذيع:
 شكراً لك أخي عبد الله، الشيخ سيجيب عليها جميعاً. أم مراد تفضلي باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، بارك الله بكم، ونفعنا بعلمك يا شيخ، يا رب.

الدكتور راتب :
 تفضلي أهلاً وسهلاً. زادك الله فضلاً.
المستمع:
 نحن الحمد لله راضيين بقضاء الله وقدره، فعلاً مسلمين ومتبعين لسيدنا محمد، نحن الآن دكتور بمجتمعاتنا العربية، أنا أحكي عن بلدنا الأردن، ارتفاع نسبة الجريمة عنا بالأردن، يسأل أخصائي اجتماعي أو علم نفس يعزيها إلى الظروف المادية والاقتصادية والفقر، علماً أن الفقر من أيام سيدنا محمد، وأيام سيدنا آدم المشكلة موجودة، لا يوجد مجتمع غني دائماً، ولا مجتمع فقير دائماً، وهذا الكلام يجب أن نصبر عليه، بعد العسر يأتي اليسر.
المذيع:
 شكراً لك أخت أم مراد الفكرة وضحت تماماً، إن شاء الله يجيبك عليها الدكتور.
 حنان تفضلي باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية، دكتور، أنا أريد أن أسأل؟ أنا أصبت بمرض في نظري لدرجة كبيرة، تقريباً فقدان بصر جزئي، أتمنى لو أنني أبصر كبقية الناس، هل هذا يعتبر اعتراض على ربنا؟ أو عدم رضا؟

عدم محاسبة الإنسان على خواطره الداخلية :

الدكتور راتب :
 هو في التوجيه النبوي:

(( وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل، فإن 'لو' تفتحُ عَمَلَ الشيطان))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 لا يوجد لو في الإسلام عند المؤمن، إلا لو السلبية، لو درست ما كنت رسبت، هذه صحيحة، هذه لو السلبية، لكنه ما درس فما نجح.
المذيع:
 هذه المتصلة دكتور، بصرها أقرب إلى الكفيف، تقول بينها وبين نفسها، لديها خواطر، لو كنت مبصرة لفعلت كذا وكذا، هل يعتبر هذا عدم رضى؟
الدكتور راتب :

(( فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله ))

 هذا المرض:

(( وما شاءَ فَعَل، فإن 'لو' تفتحُ عَمَلَ الشيطان))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

المذيع:
 جاءتها خواطر داخلية دكتور.
الدكتور راتب :
 لا تحاسب عليها.
المذيع:
 لكن تجيب نفسها:

(( قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

معاقبة الظالم في الدنيا قبل الآخرة :

الدكتور راتب :
 اقنعي نفسك، لكن لا تحاسبين على هذه الخواطر إطلاقاً، تحاسبين على العمل فقط.
المذيع:
 بارك الله بك للتوضيح.
 سؤال الأخ عبد الله دكتور، مديره ظلمه، ونسب إنجازاته له، ففُصل عبد الله من العمل، هل يُؤثم لو دعا عليه؟
الدكتور راتب :
 إن دعا عليه أو لم يدعُ عليه الله سيعاقبه، لا يحزن، إنسان يظلم ولا يجد نتائج ظلمه في الدنيا مستحيل، الظلم سيدي شيء كبير، يُعاقب الظالم في الدنيا قبل الآخرة، الافتراء والظلم.
المذيع:
 حتى لو لم يدعُ عليه الله يأخذ له حقه، شرعاً شيخنا لو تلفظ بالدعاء عليه من قهره هل يعتبر آثم؟
الدكتور راتب :
 لا مشكلة، لأنه متألم، الذي يدعو معذور عند الله.
المذيع:
 أم مراد دكتور طرحت قضية وجود الفقر منذ القدم، اليوم بعض الأشخاص يتحدثون أن الفقر وصعوبة الحياة الاجتماعية سبب الجريمة، ما رأي فضيلتكم في هذا الأمر دكتور؟

الفقر ليس سبباً للجريمة وإنما الفقر وقلة الإيمان يؤديان إلى الجريمة :

الدكتور راتب :
 الفقر موجود دائماً، لكنّ الإيمان يخفف كثيراً من أثره، مع الإيمان بالله، عندما يكون هدف الإنسان الجنة، والجنة بين يديه، يصلي، يصوم، يدفع زكاة ماله، يغض بصره، يطلب العلم، يعرف الله الفقر موجود لكن الإيمان يخفف من أثره
أبواب الجنة بين أيدينا كلنا، وسهلة جداً، فأنت إن كنت مؤمناً بالجنة فالدنيا لا قيمة لها.
 هناك نقطة دقيقة أقولها: فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أو أهانه حينما زوا عنه الدنيا، كم مساحة بيته؟ كم مركبة عنده اللهم صلِ عليه؟ كم قصر؟ ليس عنده شيء، لا يقدر أن يصلي قيام الليل إلا إذا أزاح عائشة عن منامها، هذه غرفته كانت، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أو أهانه حينما زوا عنه الدنيا، فإن قال أهانه فقد كذب، وإن قال أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا، سيدي الموت ينهي الدنيا كلها، مهما كنت قوياً، أو غنياً، أو صحيحاً، الموت أنهى كل شيء، هل يوجد إنسان عاش حتى الآخرة؟ هل عاش للأبد؟
المذيع:
 إذاً الفقر ليس سبباً للجريمة، وإنما الفقر وقلة الإيمان يؤدي إلى هذه الجريمة. جزاك الله الخير.
الدكتور راتب :
 والله هناك فقراء تشتهي الفقر من أدبهم مع الله، والله تشتهي الفقر منهم، وأغنياء تشتهي الغنى منهم، متواضعين، يساعدون جميع الناس، يأكل مع عماله، يحل مشاكلهم كلهم.
المذيع:
 سبحان الله! بارك الله بكم يا دكتور. شيخنا الكريم، في حديثنا عن الرضا، الرضا هو أن تؤمن، وأن تقبل في قلبك ما ساقه الله إليك، فتراه أنه خير.

الرحمة كلها عند الله فهو رحمن في ذاته رحيم بأفعاله :

الدكتور راتب :
 وأن تشكر بلسانك على شيء سلبي.
المذيع:
 وإذا رافق هذا مشاعر بشرية كالحزن، أو الألم، أو الخوف، هذا لا يتعارض.
الدكتور راتب :
 هذا مأجور عليه.
المذيع:
 ومن يرضى الله عنه، كما جاء في الحديث؟ ومن يسخط؟ ولماذا يا رب أنا دون الناس؟ فلا يقبل بأمر الله يسخط الله عليه في الدنيا والآخرة.
 شيخنا الكريم، كيف يمكن للإنسان أن يصل مرتبة الرضا، أحياناً إنسان يسخط، يغضب، يتعب، كيف يتنازل عن هذه ويصل إلى الرضا؟
الدكتور راتب :
 بقدر معرفتك بالله، الرضا القليل نتيجة المعرفة القليلة، الرحمة كلها عند الله، رحمن رحيم، رحمن في ذاته، رحيم بأفعاله، عندما تأتي مصيبة وتمنع إنساناً من معصية، تاب وأصبح عالماً كبيراً، وولياً كبيراً، يذوب محبة للمصيبة التي جاءت له.
المذيع:
 إذاً على الإنسان أن يعرف الله ويقترب من الله، الله يفتح عليكم يا دكتور.
 أبو أحمد معنا بمشاركة هاتفية جديدة، تفضل.
المستمع:
 يعطيك العافية، السلام عليكم لك وللشيخ.

الله يحب أن يسمع صوت العبد المؤمن :

الدكتور راتب :
 عليكم السلام أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 الله يحب أن يسمع صوت العبد المؤمن
الحقيقة هناك نقطة: أعتقد أن هذه غير متناقضة رغم أن التعبير الاسمي لها متناقض بمعنى أن الرضا هو القبول بالقضاء والقدر، هناك عبادة اسمها الدعاء هل إذا أنا دعيت من ناحية تعبيرية، أو وصفية أن يفرج الله عني، هل معنى ذلك أنني غير راضٍ؟
الدكتور راتب :
 لا تتناقض مع الرضا إطلاقاً.
المستمع:
 دعنا نقل أنه مكمل.
الدكتور راتب :
 وكأن الله يحب أن يسمع صوت العبد المؤمن، يسوق له شدة ليسمع صوته أحياناً، يحب إقبالك عليه، يحب أن تدعوه في الليل، تناجيه، يا رب احفظنِ، يسر لي هذا الأمر، أبعد عني شبح المصيبة، لا مانع، اجعل بينك وبين الله خطاً ساخناً.
المستمع:
 عفواً دكتور إذا أنا دعوت بأن يفرج عني هذه المصيبة يعني هذا عدم الرضا؟
الدكتور راتب :
 لا، أبداً، لا يعني عدم الرضا إطلاقاً.
المستمع:
 هل هذا معناه إذا أنا دعوت ربنا أنني غير راضٍ بالمصيبة التي أصابتني؟

على الإنسان أن يرضى عن كل شيء وأن يسأل الله الفرج :

الدكتور راتب :
 لا، أبداً هذا المعنى غير وارد إطلاقاً، كل شيء من الله وراضٍ عنه، لكن يا رب أسألك الفرج، لكن كلام النبي:

(( لكن عافيتك أوسع لي ))

المذيع:
 فإذاً هذا الابتلاء من الله فإن ألقاه الله ولم يغيره رضينا، لكن ندعوه أن يتلطف بتقديره، فالرضا تام. الله يجزيكم الخير شيخنا، شكراً لك يا أبو أحمد نقطة بالغة الأهمية.
 الخالة أم جاسم تفضلي.
المستمعة:
 السلام عليكم، كيف الحال؟ جزاكم الله خيراً إن شاء الله، والله أنا مع الدكتور في كل كلمة يقولها، اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تراه فإنه يراك، كن مع الله ولا تبالي، أبداً، سبحان الله أنا الابتلاء الذي ابتلاني به رب العالمين، أشعر فيه رفع مقام لي إلى يوم الدين، بالنسبة لي أجريت عملية وفي هذه العملية استأصلوا غدداً من تحت الإبط، وكانت الغدد مصابة، وتعرضت للعلاج الكيماوي.
المذيع:
 ألف سلام عليك يا خالة.
المستمعة:
 سلم الله عمرك، والحمد لله وأنا أحكي معك وهذه ثالث جرعة لي، والله آخذها وأنا راضية بالقضاء والقدر، أخرج من المستشفى كأن لا شيء حلّ بي، وأمشي مع الناس، وآكل وأتنزه، وآخذ الأدوية التي أعطوني إياها.
المذيع:
 ربنا يمنّ عليك بدوام الشفاء والعافية يا خالة، إن شاء الله رب العالمين يزيدك رضى يا رب العالمين، الله يجزيك الخير.

المؤمن حينما يرى الجنة ينسى تعب الماضي كله :

الدكتور راتب :
 من رضي عن الله فله رضى من الله.
المذيع:
 شيخنا الكريم، في الدقيقة المتبقية معنا لقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

[ سورة البينة: 8 ]

 ما الرضا المقصود بهذه الآية الكريمة؟ في هذه الآية:

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

[ سورة البينة: 8 ]

الدكتور راتب :
 رضي الله عنهم حينما استقاموا، رضي الله عنهم حينما عرفوا ربهم، حينما عملوا الصالحات.
المذيع:
 وكيف يرضون عن ربهم؟
الدكتور راتب :
 حينما يرون الجنة ينسون تعب الماضي كله، الإنسان حينما يرى مقامه في الجنة يقول: لم أرَ شراً قط، يكون عانى ما عانى في الدنيا، حينما يرى مقامه في الجنة أبدي يقول: لم أرَ شراً قط.
المذيع:
 وكيف هم يرضون عن ربهم دكتور؟

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

[ سورة البينة: 8 ]

في الآخرة جنات ورضوان ورؤية وجهه الكريم :

الدكتور راتب :
 دخلوا الجنة للأبد، الإنسان حين يسكن في بيت جديد يبقى فترة من الزمن وهو مسرور بهذا البيت، فكيف بجنة للأبد؟

(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 هي ليست جنة واحدة بل جنات، وهناك رضوان من الله، والأجمل رؤية وجه الله، ثلاث درجات، هناك جنات، ورضوان من الله، وأن ترَ وجه الله، أن ترَ وجه الله تبقى غارقاً في النعيم خمسين مليون عام.
المذيع:
نسأل الله أن يعطينا والمسلمين جميعاً، نختم حلقتنا بالدعاء شيخنا الكريم.

الدعاء :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الداعية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة.
الرضا كان موضوعنا لهذه الحلقة، جعلنا الله من الذين يرضون أن يقبلوه ويطمئنوا إلى ما ساقه الله إليهم من خير أو شر، ولا يتعارض هذا مع بشرية الإنسان في الحزن أو في الألم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور