وضع داكن
16-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 02 - التربية الإيمانية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المشكلة الأولى التي يعاني منها الآباء في هذا الزمان تربية الأولاد:

 وبعد.. فنحن في الدرس الثاني من سلسلة دروس تربية الأولاد في الإسلام، بدأت في الدرس الماضي بقيمة تربية الأولاد، ولا تنسوا أيها الأخوة أن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا

(سورة المائدة: من آية " 3 ")

  كلكم يعلم أن التمام عددي والكمال نوعي، إذاً حينما يؤكد الله سبحانه وتعالى أن هذا الدين كاملٌ تام معنى ذلك أنه منهجٌ كامل، وجزء من حياة الإنسان أولاده.. فلا بدّ من أن نجد في منهج الله إما في الكتاب الذي هو الأصل الأول أو في السنة التي هي الأصل الثاني أو هي تبيان للأصل الأول، لابدّ من أن نجد في منهج الله تفاصيل وإرشادات وتوجيهات في تربية الأولاد، ولا أبالغ إذا قلت: إن المشكلة الأولى.. الأولى.. التي يعاني منها الآباء ولا سيّما في فساد الزمان تربية الأولاد.

 

لو طبق المسلمون منهج الله عز وجل لكانوا في حال غير هذا الحال:

 

 

 إذا سألت الأَب عن ابنه سيتكلم كلاماً تنقطع له نياط قلبه يقول لك: آه.. ابني ليس على ما أريد، لوجود حواجز كثيرة، لوجود مطبات كثيرة، توجد مغريات كثيرة، فساد عريض وفتن يقظة، توجد شهوات مستعرة، يوجد رفقاء سوء كثيرون، توجد أعمال فنية منحطة ساقطة، كل شيء يدعو إلى الدنيا، كل شيء في آخر الزمان يدعو إلى المعصية، يدعو إلى زينة الدنيا، وإلى البعد عن الله عزّ وجلَّ، لذلك لا أُبالغ إن قلت: إنّ أكبر مشكلةٍ يعاني منها الآباء اليوم تربية أولادهم، وقد يغيب عن الأذهان أن في الكتاب والسنّة توجيهات، لو طبقها الآباء لكان أولادهم قرَّةَ عينٍ لهم.. طبعاً أقول هذا الكلام ولا أُعمّم، لأن هناك حالات خاصة.
 مثلاً سيدنا نوح، ابنه لم يكن على ما يريد، فهذه حالة خاصة، وهذه الحالات لا تأخذ الأحكام العامة، الأصل أن هناك منهجاً في دين الله عزّ وجلَّ وفي كتاب الله وفي سنةِ رسولهِ لو طُبِّق لكان المسلمون بحالٍ غير هذه الحال.

أعظم عمل على الإطلاق تنشئة الأولاد التنشئة الإيمانية:

  لكنَّ المشكلة أن الأب المؤمن قد يصطلح مع الله في الأربعين، معنى ذلك أنه فرط في تربية أولاده، معاناته الآن ؟ لا لأن هذا المنهج غير كامل، بل لأنه عرفه متأخراً، وقد يعرف منهج الله في سنٍ مبكرة لكنه مشغولٌ بأعماله ونشاطاته خارج البيت، فإذا أهمل أولادهُ كانوا عبئاً عليه.
 إخواننا الكرام.. كما قلت في الدرس الماضي، والله لا أبالغ وليس من شأني المبالغة.. لكن والله لا أرى عملاً أعظم ولا أشرف ولا أنفع ولا أسعد من أن يعكف الأَبُ على تنشئة أولاده التنشئة الإيمانية ؛ لأنهم إذا كبروا كانوا قرَّة عينٍ له، فلا شيء يسعدني كأن أرى أباً متقدماً في السِّن، وحوله أولاده يحفونه ويبادرون إلى تنفيذ أمره، يجلُّونه، يحترمونه، يكرّمونه، يقدِّمون كلَّ ما يسعده، هذه من سعادة المرء في الدنيا، أن تكبر سنُّه وحوله أولادٌ ربَّاهم تربيةً إيمانية، فكلُّ التعب الذي تبذله وأنت تربي الأولاد ؛ والله تقبضه ملايين الأضعاف في شيخوختك.
 وهناك أبناء والله بلاء من الله، أعرف أباً أقسم بالله: إن مات ابنه فسيقيم مولداً في بيته احتفالاً بموته، هؤلاء الأولاد أصبحوا كثيرين تجد الولد غيظاً لوالديه، يتفنن في إغاظة أبيه وأمه (يتفنن) فتارةً يغيظهما في استهلاك الطاقات بلا طائل، أو بالتهام الطعام بلا مبرر، بجلب رفاقه إلى البيت، وتارةً يغيظهما بنظره الذي يشدُّه إليهما، أو بتطاوله عليهما، أو بوقوعه في بعض العادات السيّئة، ولا يبالي، والويل للأب إذا تكلّم كلمة، ينبحت عليه ابنه وينفجر وكأنّ الأب ابنٌ والابن أب.

المسجد هو مكان لتربية الأولاد ولتنشئة الدعاة ولأداء الصلوات:

 فيا أيها الأخوة الكرام.. هذا الجامع بيت الله، وأقل ما في هذا المسجد الصلاة.. أكثر ما فيه العلم، فأنت تصلي في أي مكان، في الطريق تصلي أو في حديقة أو في البيت، لكنّ بيت الله منارة علم بالأساس أو لِنَقُل هو جامعة، فالمسجد له رسالة أغفلناها الآن، فنحن نشأنا على أن الجامع للصلاة، لكن المسجد له رسالة.. اقرؤوا كتب التربية الإسلامية، اقرؤوا عن دور المسجد في الإسلام.. فهو مكان لتربية الأولاد، ولتنشئة الدعاة، ولأداء الصلوات، مكان لفهم كتاب الله، ولحل قضايا المسلمين، مكان للقضاء، للشورى.. هذا بيت الله.. فيجب أن يستوعب كلَّ مشكلات الإخوان، فابنك مشكلة يجب علينا أن نستوعبها، والله ما معهد تحفيظ القرآن وما الأرض التي ألحقت به إلا من أجل أن يُشدَّ الطفل إلى بيت الله، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه الدروس إلى ممارسات تعيشونها في بيوتكم.
الولد الصالح لا يعدله شيءٌ في الدنيا.. فهو استمرار لوجودك.

الأبوة مسؤولية كبيرة فمن فاته شيء عليه أن يستدركه بأولاده:

 على كلٍ الدروس كثيرة حول هذا الموضوع، لكن أبرز الموضوعات.. تربية ابنك تربيةً إيمانية.. التربية الإيمانية، هناك التربية الخلقية، وهناك التربية العقلية، والاجتماعية، والجسمية، والعلمية.. الأُبوة مسؤولية، فقط هكذا تزوجنا ورُزِقْنا أولاداً ؟!.. الأُبوة مسؤولية كبيرةٌ جداً، وإن كان قد فات الإنسان شيء فعليه أن يستدركه في أولاده، فكل إنسان يتمنى أن يطبق خبرته المتراكمة في أوَّل حياته.. لكن هيهات، هذه الخبرات التي تنامت وتراكمت في أربعين أو خمسين سنة يتمنى كل أب أن يعرفه وهو في مقتبل حياته.. فإن فاته ذلك فليعطها ابنه، والابن استمرار لوجود الأب.
 أعرفُ صديقاً مقيماً في مصر ويعمل في شركة كبرى، وصاحب هذه الشركة مسلم وله أولاد، فذات مرَّة حضر ابن صاحب الشركة إلى مصر وسأل صديقي: أين قبر محمد ؟.. مهندس كبير درس في أوروبا ويحمل أعلى الشهادات وهو في القاهرة ومسلم ابن مسلم ابن مسلمة ويسأل أحد موظفيه: أين قبر محمد ؟.. فقال له صديقي: مَن محمد ؟ فقال له: النبي !.. قبر النبي في المدينة وليس في القاهرة (إنسان يسأل سؤالاً جاداً) أحياناً الآباء يعلمون أولادهم كل شيء إلا معرفة الله، يعلّمه أصول الطعام لو دُعِيَ إلى مائدة، ينظر إلى ثياب ابنه ويقول له: ليس فيها تناسب، ويعنفه.. أما إذا ترك الصلاة فليست مشكلة، أما إذا ارتكب مخالفة في ثانويات الحياة المدنيَّة المعاصرة يقيم عليه النكير.

تعريف التربية الإيمانية:

  فيا أيها الأخوة الأكارم... نعني بالتربية الإيمانية: أن تربط ابنك بأصول الدين وبفروعه وأن تلقنه حقائق الإيمان.. الإيمان بالله خالقاً ومربياً ومسيراً، الإيمان بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، الإيمان بأسمائه الحسنى كلِّها، الإيمان بأنبيائه ورسله، الإيمان بكتبه المنزَّلة على رسله، الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرِّه من الله تعالى، هكذا فلابدّ من جهدٍ ولابدّ من وقتٍ ولابدّ من ملاحظةٍ ولابدّ من محاضرةٍ ولابدّ من وعظٍ ولابدّ من إرشادٍ.
 وعلى الأب أن يعتني بتربية ابنه تربيةً إسلامية، فلابدّ من تعليمه ومراقبته، ومطالبته ومتابعته للصلاة والصوم والحج والزكاة، هذا إذا كان مستطيعاً، وفي السن التي كلِّف بها، فكلكم يعلم أن هذا الدين عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات.. عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق، فلابد من أن يرعى الأب ابنه في هذه الكليَّات الأربع التي يتألَّف منها الإسلام.

 

أخطر سنٍ لتلقِّي العادات والمبادئ والقيم هو التعليم الابتدائي:

 

 

 قد يقول أحدكم: هذا كلام فأين الدليل ؟.. أي إنسان مهما علا شأنه فما قيمة كلامه إن لم يأتِ بالدليل القرآني أو النبوي؟
 روى الحاكم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:

(( افتحوا على صبيانكم أوّل كلمةٍ بلا إله إلا الله ))

 لمجرد أن يولد المولود افتح عليه بكلمة لا إله إلا الله، وكلَّما تقدّم العلم اكتشف أن السِّن التي يلقن فيها الابن مبادئ الدين تناقصت.. كلما تطور العلم السِّن نزلت، حتى إنني عثرت على كتاب في علم النفس ألَّفه صديقٌ لي وأنا لا أتهمه بضعف الضبط في نقل أفكاره، فقد قرأت في كتابه شيئاً لا يصدَّق: أن الأمَّ التي تقرأ القرآن، يخرج ابنها من بطنها متعلقاً بالقرآن، وهو في بطن أمِّه، والله الموضوع معقّد وطويل وقرأته وأعجبت به، وذكرت بعض ما فيه في إحدى الخطب، والآن لا تحضرني التفاصيل، لكن لو أن الأمَّ حملت بابنها راضيةً، لكانت حركاته في بطنها من أعذب الحركات، ولو أنَّها حملته كرهاً، وكانت ترفض أن تحمله، وتتمنى أن تسقطه.. هذا الموقف الرافض ينعكس على الابن مشاكسةً وحركاتٍ مؤلمةً في بطنها، تلاوتها لكتاب الله تنعكس عليه، فقد كنت لا أصدِّق أن تربيةَ الابن تبدأ وهو في البطن.. شيء كان غائباً عني والأخ الكريم مؤلف الكتاب يؤكدُّ هذا ببحوث أجنبية، والذين اكتشفوا هذه البحوث ليسوا مسلمين ولا يعرفون كلام الله إطلاقاً، على كلٍّ: الذي أعرفه سابقاً من دراستي في التربية: أن أخطر سنٍ في تلقِّي العادات والتقاليد والمبادئ والقيم هو التعليم الابتدائي بل والحضانة.

 

من طبق تعاليم النبي و أقام الصلاة و تلا القرآن جعل بيته جنة في الدنيا:

 

 حدثنا أحد إخواننا الدعاة أن له ابناً في إحدى دور الحضانة التي لها توجيه إسلامي جيِّد، ففي إحدى المرات استيقظوا من نومهم متأخرين وليس هناك متسع من الوقت لتناول الطعام، فصنع له شطيرة وقال له: يا بني كُلْها في الطريق. فنظر إليه ابنه وقال: يا أبت قال عليه الصلاة والسلام:

(( الأكل في الطريق دناءة ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]

 عمره أربع سنوات لقَّن أباه درساً لا ينسى، لاحظْ: الصغار إن علّمتهم تجدهم متمسكين بما تعلموا، مثلاً هناك تعليمات حول النظافة، تنظيف الأسنان، خلْع الثياب وطيِّها وتعليقها، فلو أن الأب والأم اعتنوا عناية بالغة في تلقين أولادهم هذه الأُصول لاستراحوا وأراحوا، فعندما يتكاسلون في تعليم أبنائهم الأشياء البديهيَّة في الحياة فالبيت ينشأ في فوضى لا نهاية لها، وعندئذٍ خذ منهم المشاكل طوال حياتهم، شيء غير معقول، فوضى.
 أما لو أن الأم والأب اعتنوا بتربية الأولاد وبتلقينهم العادات الصحيحة وبأصول وفن الحياة، فهذا شيء مريح جداً.. فالإسلام هو الحياة حقيقةً، البعض يظن أن الإسلام هو حياة ما بعد الموت.. الجنة تبدأ في الدنيا، كنت أقول لكم دائماً: في الدنيا جنَّةٌ من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، فالمؤمن بيته جنَّة، البيت جنَّة ولو كان صغيراً، أخشن الطعام، مع أخشن الأثاث مع أضيق المساحات، بالإيمان وبتطبيق تعاليم النبي العدنان وبإقامة الصلوات وبتلاوة القرآن.. هذا مما يجعل البيت جنَّة في الدنيا.

 

على الأهل أن يلقنوا ابنهم مبادئ الدين منذ حداثة عمره:

 

 

 إذاً النبيّ عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نفتح على صبياننا أول كلمةٍ بلا إله إلا الله، أحياناً بعض إخواننا يضعون أولادهم في حضانة لها توجيه إسلامي، يأتي الطفل ويقرأ لك سورة مثلاً عمَّ يتساءلون مع الحركات الإيمائية، تجده يبادر إلى القراءة وإلى الصلاة فيمتلئ قلب الأب والأم بالسرور، فلو تابعنا هذه التربية بحيث ينشأ الطفل في رحاب القرآن وفي رحاب سنَّة النبي وعلى حبِّ النبي، فهذا شيءٌ لا يصدق، فأنا لا أعتقد أن هناك شيئاً يسعد الآباء كأن يكون الأبناء على ما يرضي الله عزَّ وجلَّ.
 كذلك لا تنسوا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤذِّن في أذن المولود اليمنى، ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى، أي كأنك تلقِّن هذا الطفل المولود حديثاً مبادئ الدين، الطفل عنده التقليد أغلب من العقل، المغرب العربي بأكمله عندهم أساس من أسس التربية.. أنّ الطفل لابدَّ من أن يحفظ القرآن، يحفظه في سِنيِّ حياته الأولى، فإذا ما كبرت سنُّه بدأ يعقل معانيه، لكن حفظ القرآن قوّم لسانه، أعطاه الآداب، ففي تدريس اللغة العربية يجب الإكثار من النصوص، ممارسة النصوص وقراءتها وتحليلها وشرحها، لا تقوى اللغة إلا بالنصوص، فهل بعد كتاب الله نص ؟!..  هكذا عُلِّمنا في الجامعة أن أعلى كلامٍ في اللغة العربيَّة كلام الله وبعده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فعندما يحفظ الطفل ستمئة صفحة من كتاب الله غيباً، هذا الطفل إذا تكلَّم يتكلَّم بلغة قرآنية وهو لا يدري.

العاقل من قام بتعليم ابنه و تأديبه دون تعنيف:

 إذا قرأ الإنسان قرآناً كثيراً، في حديثه اليومي مع أصدقائه في سهرة يقول لك في مناسبة ما:

حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا

(سورة محمد)

  هذه عبارة قرآنية، أو يقول لك في معرض آخر:

 

حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)

 

(سورة آل عمران)

  هذه كذلك عبارة قرآنية، إذا دققنا في إنسان يقرأ القرآن بشكل مستمر، واستمعنا لحديثه العادي في بيته مع زوجته وأولاده، ومع أصدقائه، وفي سهراته، تجد أنّ أربعة أخماس عباراته قرآنية، فهل يوجد أفصح من كلام الله عزَّ وجل ؟
 الشيء الثاني يا إخواننا الكرام يجب أن تعرِّفه بالحلال والحرام، تقول له: هذه حرام وهذه حلال، هذه قد نهى النبي عنها، هذا كذب، أو غش مثلاً، الطفل يجرِّب كلَّ شيء فإذا وجدت منه مخالفة فأدّبه وبدون تعنيف، فالنبي قال:

 

((علِّموا ولا تعنفوا فإنَّ المعلم خيرٌ من المعنف ))

 

( الجامع الصغير: عن أبي هريرة )

موضوع الحلال والحرام بالكلام والتصرفات مهم جداً عند تربية الولد:

 لكنّ الأب والأم في مراقبة دائمة، فإذا تكلم الابن بكلمة غير لائقة يجب التوجيه بنعومة، عاد مرة أخرى توجيه ثانٍ، ثمّ عاد مرةً ثالثة ؛ يجب أن يكون هناك شيء من العقاب. المرة الأولى توجيه، المرة الثانية توجيه مع تأنيب، مرتان ثم عقاب.
 فعندما ينتبه الأب لهذه الأمور تجد أن الطفل ليس عنده كلمةٌ غير لائقة أبداً، كنت في إحدى المرات في مدرسة ثانوية ولم يكن عندي دوام في هذا الوقت، وكان بعض الشباب الذين يعملون في حرفة الدهان يقومون بدهان المدرسة، فسمعت منهم كلاماً بذيئاً، شيئاً لا يعقل، فإذا كان الشاب غير مربى وتركْته يتكلم فيا لطيف.. الحجر يخجل من سماع ما قاله هؤلاء الشباب بينما إذا كان الابن مربَّى تجد منه الحياء والأدب والإحساس حتى لو تركته مع رفاقه.
 إذاً موضوع الحلال والحرام بالكلام وبالتصرفات مهم جداً، أحياناً تجد جلسةً غير أديبة، ويوجد جلسة فيها أدب، أحياناً ارتداء الثياب فيها أدب، أحياناً البعض يرتدي المعطف بدون أن يرتدي أكمامه هذا التصرف فيه كِبر، هناك جلسات أو حركات أو تصرفات كلها غير لائقة، فإن وجدت شيئاً من ذلك فعليك المراقبة والمتابعة وسؤال وجواب وتعليم.. هكذا قال النبي، وهكذا علمنا، وهذه من السنة وهذه خلاف السنة.

من أولى واجبات الأب تجاه أولاده:

1 ـ أن يفتح عليهم بكلمة لا إله إلا الله:

 أيها الأخوة الكرام من أولى واجبات الأب تجاه أولاده، أن يفتح عليهم بكلمة لا إله إلا الله.

 

2 ـ أن يؤذن في أذنهم اليمنى و يقيم الصلاة في أذنهم اليسرى:

 والأذان في أذنهم اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى.

 

 

3 ـ أن يعرف ولده بالحلال و الحرام:

  ثمّ تعريف الولد بالحلال والحرام.

 

 

4 ـ الأوامر التعبدية يؤمر بها الطفل تأديباً لا تكليفاً ويتابعه أبوه:

  طبعاً الصلاة والصوم والحجِّ والزكاة هذه أركان الإسلام.. لكنَّ الحج سابق لأوانه وهو على المستطيع بالطبع، وكذلك الصيام فقد يكون في سنٍ صغيرةٍ، لكن الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، فهل يا ترى الطفل في سن السابعة مكلفٌ بالصلاة ؟ نقول: نعم.. يوجد تكليف ويوجد تأديب، يؤمر بالصلاة تأديباً.. فمن المستحيل أن الطفل يلتزم بالصلاة فجأةً، مثلاً.. في الواحد والثلاثين من كانون الأول أصبح عمره ثلاث عشرة سنة تماماً.. إذاً في الأول من كانون الثاني يجب عليه أن يصلي فليس هذا معقولاً.
 يجب أن تأمره بالصلاة في السابعة، هذا الأمر أمر تأديبي وكذلك الصيام، وقد رأيت بالحجِّ أطفالاً صغاراً يرتدون ملابس الإحرام، وهذا شيء جميلٌ، فقد أخذهم أبوهم إلى الحجِّ وألبسهم ثياب الإحرام أثناء الطواف، فتعويد الطفل على الصلاة والصيام والحجِّ شيء مهم جداً.. بعض الإخوة يجعل ابنه يدفع صدقة ليدرِّبه على العطاء.. أعطِ فلاناً، يكلفه بدفع زكاة ماله على كلٍ الأوامر التعبدية كالصلاة والصيام والحجِّ يؤمر بها الطفل تأديباً لا تكليفاً ويتابعه أبوه.

 

 

(( مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ))

 

( سنن أبي داود عن عمرو بن شعيب )

 هذا توجيه النبيّ اللهم صلِّ عليه.

 

تأديب الطفل على حبّ رسول الله بأن تعلِّمه شمائل النبيّ وأخلاقه السَّمحة ورحمته بالصغار:

 

 الآن كما قال عليه الصلاة والسلام: يجب أن يؤدَّبَ الطفلُ على حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى حبِّ آلِ بيته، وعلى تلاوة القرآن الكريم.. كيف يؤدَّب الطفل على حبِّ رسول الله ؟
 كنت بالمسجد الحرام في بعض الحجج وكان بين المغرب والعشاء مجلس علم فجلست لأستمع، فقال المدرِّس هداه الله: إن إنساناً قتل ابنه من شدَّة حبِّه لرسول الله، لأنه رفض أن يأكل اليقطين وقد كان النبيُّ يحبُّ اليقطين، ليس بهذه الطريقة يحبُّ ابنك رسول الله، يحبه بأن تذكر له شمائله، ومحبته للصغار وكيف كان يسلِّم على الصبيان، كان إذا مشى في الطريق يقول: السلام عليكم يا صبيان. كيف كان عليه الصلاة والسلام يتحبَّبُ إلى الصغار، كيف أجاز أحد الصغار ليكون مع المجاهدين وردَّ الآخر، وحينما تألَّم الآخر دعاهم إلى أن يصطرعا أمامه، هذا اهتمام بالغ.. والحقيقة لا تنمو شخصيَّة الطفل إلا إذا احترمتَه وقدَّرتَ مشاعره واستمعت إلى شكواه.
 هناك معلمون إذا اشتكى له طالبٌ على زميله فيضرب الاثنين معاً.. الشاكي والمشكو أَرْيَح له !. فهذا خطأ كبير جداً، طفل قد علَّق الآمال عليك والتجأ لك وجعلك حَكَماً وقاضياً فتضربه بالإضافة إلى أنَّه مظلومٌ ؟ هذا الصغير صغيرٌ في نظر الناس ؛ ولكنه كبيرٌ عند الله، فهو من عباده الصغار، فالإصغاء للطفل، وأنا أتمنى ممن يأتي بابنه للمسجد أن يعتني به كثيراً أتمنى أن يكرَّم الطفل في المسجد إلى أعلى درجة، فإن وقف في الصَّف الأول فاتركه في أول صف، واجعله في مكانه، ولا يؤخِّرْ أحد طفلاً عن الصف الأوَّل، اجعله يشعر أن هذا البيت بيت الله وهو فيه مكرَّم.. فالتأديب على حب رسول الله أن تعلِّمه شمائل النبيّ وأخلاقه السَّمحة ورحمته بالصغار ونزوله إلى مستواهم.. وقوله عليه الصلاة والسلام:

(( من كان له صبيٌّ فليتصابَ له ))

المؤمن الحقيقي هو الذي يؤدب ابنه على حبِّ النبيّ وحبِّ آل بيته وتلاوة القرآن:

 

 الحديث الشريف:

(( أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبِّ نبيِّكم وحبِّ آلِ بيته وتلاوة القرآن فإنَّ حملة القرآن في ظلِّ عرش الله يوم لا ظلَّ إلا ظلَّه مع أنبيائه وأصفيائه ))

(رواه الطبراني)

  آلِ بيته: إمَّا أنهم الذين من نسل النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وهم قلَّة بالطبع، أو كلُّ تقيٍ من آلِ البيت كما قال عليه الصلاة والسلام(شرحاً للحديث الشريف)، أيّ علِّمه الأدب مع العلماء، فإن رأى إنساناً كبيراً في السّن له مكانةٌ دينيةً علِّم ابنك أن يحترمه، أن يحبه، أن يتقرَّب منه، وأن هؤلاء العلماء منارات الهدى ومصابيحها. فأدِّبه على حبِّ النبيّ وحبِّ آل بيته وتلاوة القرآن، هذا النصِّ النبويّ.. فإنَّ حَمَلَةَ القرآن في ظلِّ عرش الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه مع أنبيائه وأصفيائه.

 

الأساليب التربوية أساسها التشجيع والتكريم والدفع والاحترام:

 

 كنت أدرِّس في صف فعرض نص قرآني، فعندما درسنا النصّ الأول فالطلاب أشاروا إلى طالب وقالوا: يا أستاذ هذا يجوِّد القرآن. فقلت له: اقرأ. فوجدت أن القراءة رائعة جداً، ومنذ ذلك الوقت كان لهذا الطالب مكانةٌ عندي خاصَّة إكراماً لإتقانه قراءة القرآن، فشعر أن له مكانةً كبيرةً جداً لا لشيء إلا لأنَّه يتقن قراءة القرآن. إذا قرأ طالب القرآن فلا تضربْه، يجب أن يكون في حِرْز، فالقرآن كرَّمه، كرَّمه من أن يُضرب.. وقل له: لولا أنك تحفظ كتاب الله لضربتك، عرِّفه أنّ حفظ كلام الله حفظه من الضرب، فإن أخطأ وكان حافظاً جزءاً أو ثلاثة فتريَّثْ في معاقبته نظير حفظه لكتاب الله، فيشعر بأنَّه قام بعملٍ عظيم، فأكثر الأساليب التربوية أساسها التشجيع والتكريم والدفع والاحترام.

على كل مؤمن أن يعلم أولاده سيرة النبي الكريم و سير أصحابه:

 طبعاً يتفرع عن تأديب الأولاد على ثلاث خصال كما قال عليه الصلاة والسلام: حبِّ نبيِّكم. يتفرَّع عن هذا أن تعلِّمه سيرة النبيّ، لذلك الصغير لو ألزمته بكتاب فقه يتململ، ألزمه بكتاب سيرة يُسَرُّ، فلا أرى موضوعاً أقرب إليهم من سيَر أصحاب رسول الله، لأنهم شباب كيف أحبوه ؟ وكيف آمنوا به ؟ وكيف قدموا له الغالي والرخيص ؟ وكيف استقاموا على أمر الله؟ و كيف أحبهم النّبي وكيف كرَّمهم ؟ فإن الموضوع الأوَّل للصغار هو السيرة.. سيرة النَّبي وسيرة أصحابه، أتمنى أن لا يخلو بيت من كتاب سيرة أو من كتاب سيَر الصحابة الكرام، فأحياناً الأب يجلس مع أولاده ويأخذ الكتاب ويقرأ لهم قصَّة.. ثماني صفحات في ساعة من الزمن، قرأ جملتين وعلَّق عليهما ووجَّههم حتى شعر أن هذا الموضوع قد استوعبوه، ألم يقل النّبي: أدِّبوا أولادكم على حبِّ نبيِّكم، كيف يحبُّ ابنك نبيَّه ؟ أن تعلِّمه سيرة النَّبي، وسيرة أصحابه، بالمناسبة سيرة أصحاب النَّبي فيها أيضاً سيرة النَّبي، فلا يوجد صحابي لم يتعامل مع النَّبي، فأغلب الظّن أن سيَر أصحاب رسول الله متضمِّنة لسيرة رسول الله بشكلٍ موسَّع أو مُقْتَضب.
 يقول سيِّدنا سعد بن أبي وقَّاص: " كنَّا نعلِّم أولادنا مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم كما نعلمهم السورة من القرآن الكريم ".

القصَّة هي أحد الأساليب التربويَّة الناجحة:

 دقِّقوا في ذلك فكل أب الآن مكلَّف في أن يضع بين يدي أولاده كتاب سيرة وكتاباً لسيَر صحابة رسول الله، وإذا تمكَّن أن يلقي عليهم درساً أو يقرأ لهم قصة كل أسبوع، فالقصَّة ممتعةٌ جداً لا جهد فيها وحفظها سهل ولا ينسونها أبداً، فليلاحظ من يعطون الدروس للطلاب أن ثلاثة وتسعين بالمئة من جزئيَّات الدرس ينساها الطالب بعد حين، قالوا: بعد سبعة أيام.. ولا يبقى سوى سبعةٍ بالمئة مما قرؤوه، والآن ألقِ عليهم قصَّة ودَعْهم ستَّة أشهر ثم اسألهم عنها، فسيعيدونها كلمةً كلمةً ودقيقةً دقيقة.. والله عزَّ وجلّ قال:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

(سورة يوسف)

 الله جعل القصَّة أحد الأساليب التربويَّة الناجحة، لذلك فالأب مهما كانت ثقافته متدنِّية يمكنه أن يقرأ قصَّة لأولاده، أو إذا كان ابنه متفوقاً في القراءة يقول له: اقرأ لنا يا بنيّ عن سيدنا سعد. فقرأ الابن، وعلَّق الأب تعليقين أو ثلاثة، فإذا لم يجلس الأب مع أولاده في الجمعة ساعة من الزمن فهذه مشكلة ! فأجمل موضوع وأقرب موضوع وأسهل موضوع وأمتع موضوع هو سيَر صحابة رسول الله، هكذا وجَّهنا النَّبي قال:

 

(( أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال حبِّ نبيِّكم وحبِّ آلِ بيته وتلاوة القرآن ))

 

الموضوعات الأساسية للطفل هي الصلاة و السيرة و التلاوة:

 إن صعب عليك أن تدرِّس السيرة، فيوجد لدينا أكثر من سبعين شريطاً مسجَّلة عليهم سيرة رسول الله وصحابته، فأسمِعْهم شريطاً في كل سهرة أو في كل أسبوع، قل لهم: تعالوا نستمع عن سيدنا أسامة بن زيد، فإمّا أن تتلو عليهم أنت سيرة صحابيِّ جليل أو أسمعْهم سيرة صحابيّ، أي اجلس معهم في الأسبوع ساعة من الزمن واسمع منهم، اسمع تعليقاتهم، اسمع قراءتهم، هل القراءة صحيحة ؟ أنت اقرأ لهم، اسمعوا شريطاً، فلابدَّ من جلسة لله مع أولادك وإلا أصبح البيت قطعة من الجحيم.
 إذاً التوجيه الثاني: أدِّبوا أولادكم على حبِّ نبيكم وحبِّ آلِ بيته. أي الرسول وآل بيته وصحابته والعلماء والدعاة والشيوخ إلى يوم القيامة، أي الذين يمثلون هذا الدين، وتلاوة القرآن: إذا أردت أن تدرِّس الصغار فلتدرسهم تلاوة القرآن وتحفيظه وتسميعه والسيَر والصلاة هذه الموضوعات الأساسية للطفل، صلاة وسيرة وتلاوة.
 سيدنا سعد يقول: " كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلِّمهم السورة من القرآن ".

تعليم القرآن هو أساس التعليم لأنه يؤدّي إلى تثبيت العقيدة ورسوخ الإيمان:

 الإمام الغزالي يوصي في إحيائه بتعليم القرآن للأطفال وتحفيظه، وأوضّحُ أنّ تعليم القرآن هو أساس التعليم في جميع المناهج الدراسيَّة في مختلف البلاد الإسلامية، لأنَّه شعارٌ من شعائر الدين يؤدّي إلى تثبيت العقيدة ورسوخ الإيمان.
 لاحظ أنَّ السور التي قرأتَها وحفظتَها في سنٍ مبكِّرة لا تزال حتّى الآن تحفظها، لأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر، والعلم في الكبر كالكتابة على الماء، إن سَمع خطبة يقول: ما شاء الله. وإن سألته: ماذا قال الخطيب ؟ يقول: والله لا أتذكَّر شيئاً منها. والعلم في الكبر كالكتابة على الماء، لا يتذكر كلمة واحدة أو حرفاً منها، لكن الخطبة كانت ناجحةً جداً هكذا يقول.
 ابن سينا نصح في كتابه السياسة، بالبدء بتعليم الطفل القرآن الكريم بمجرَّد استعداده جسمياً وعقلياً لهذا التعليم. كانت تجري مسابقات لحفَّاظ القرآن الكريم، فمرّة كان أصغر طفل حافظاً خمسة أجزاء، وطوله يبلغ ستين سنتيمتراً، أوقفوه على الكرسي ليتسلَّم الجائزة من وزير الأوقاف، وبالطبع لا يقرأ ولا يكتب وقدموا له حلوى هدية، وطفل عمره تسع سنوات حافظاً للقرآن بكامله، شيء رائع جداً.. طفل يحفظ القرآن بكامله هل هي قضيَّة سهلة ؟ هذا طفل يجب أن يكرَّم.

لابد لكل طفل من مثل أعلى و المثل الأعلى له هو النبي الكريم:

 يروى أنَّ الفضل بن زيد رأى مرَّة ابن امرأة من الأعراب أُعجب بمنظره، فسألها عنه ؟ فقالت: " إذا أتمَّ خمسَ سنوات أسلَمته إلى المؤدِّب فحفِظَ القرآن فتلاه، وعلَّمه الشعر فرواه، ورُغِّب في مفاخر قومه، ولُقِّن مآثر آبائه وأجداده، فلمَّا بلغ الحُلم حملته على أعناق الخيل فتمرَّس وتفرَّس ولبس السلاح، ومشى بين بيوت الحيّ وأصغى إلى صوت الصَّارخ " (من باب المروءة) هذه أعرابية هكذا تعلِّم ابنها، هذه تربية أعرابية من البادية، الآن يتعلَّم ويعرف أسماء الفنَّانات والفنَّانين ولاعبي الكرة، وكل الأخبار غير الحسنة يحفظها عن ظهر قلب.
 حديث دقيق جداً يا إخواننا الكرام: أدِّبوا أولادكم على حبِّ نبيِّكم، معنى ذلك أن الطفل لابدَّ له من مَثَلٍ أعلى، يحتاج إلى مُثُل، فالنبيّ هو المثل الأعلى وصحابته والعلماء و التّابعون، والأبطال والأشخاص الأفذاذ هؤلاء اقرأ له في سيرتهم، والقرآن الكريم، يَنْمُ وتَقوَ لغته ويستقِم لسانه.

كل مولود يولد على الفطرة:

 إخواننا الكرام: الطفل على الفطرة:

(( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ ))

[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة]

  أي أن بُنْيته النفسيَّة متوافقة مع الشرع مئة بالمئة، فهناك آباء يحافظون على هذه الفطرة ويرقَون بها إلى الصبغة، وهناك آباء يشوِّهون هذه الفطرة، وهم في حقِّ أولادهم -والله- مجرمون، كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، ولكن لم يقل يُسْلمانه لماذا ؟! لأنه في الأصل مسلم هو على الفطرة، لأنَّ الفطرة دين الله:

 

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)

 

(سورة الروم)

الأب مسؤول عن كلِّ حركات ابنه وسكناته قبلَ سنِّ البلوغ:

 يقول الإمام الغزالي: " الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشرَّ وأُهمل إهمال البهائم شقيَ وهلك وصيانته بأن يؤدِّبه وأن يهذِّبه وأن يعلِّمه محاسن الأخلاق ".
 ألا تستمعون لأطفال في الطرقات يتكلمون بكلمات من الوقاحة والبذاءة بحيث إن الإنسان يكاد يخرج من جلده منه، أين أبوه هذا ؟ أبوه قد شوَّهه، ألقاه في الطريق وسمح له أن يجالس رفقاء السوء فشوَّهه. إذاً فمهمتنا كيف تَسَلَّمنا هذا الطفل ؟ تسلَّمناه على الفطرة، فمهمَّة الأبِ بادئ ذي بدء أن يحافظ على فطرته، إذا كان عالماً يرقى بها إلى الصِّبغة، قال تعالى:

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)

(سورة البقرة )

  الفطرة صفحةٌ بيضاء لكنَّ الصبغة كمالٌ في كمال، لذلك فالأب الذي يرسل ابنه إلى مدارس أجنبية، أو إلى مدارس ليست على ما يرضي الله عزَّ وجلَّ، أو يسمح لابنه مثلاً بأن يذهب إلى بلاد بعيدة وهذه البلاد لا تعرف الله أبداً، فسينشأُ نشأةً سيِّئة وسيتربى تربية سيِّئة، فلذلك الأب مسؤول عن كلِّ حركات ابنه وسكناته قبلَ سنِّ البلوغ، سيتحاسب حساباً شديداً، الأُبوَّة مسؤوليَّة والأُبوَّة أمانة، هذا الطفل أمانةٌ عند والديه.

 

من أنشأ ابنه على العمل بوقت مبكر سيبارك الله له و من أهمل ابنه فسيدفع الثمن باهظاً:

 

 في إحدى المرَّات شخص له عندي قضية فقلت له: متى نلتقي ؟ فقال لي أنا موجود باكراً. قلت له الساعة التاسعة مثلاً. قال: لا، الساعة السادسة أكون بمكتبي. فسألته عن السبب. فقال لي: إنَّ والدي عندما كان عمري خمس أو ست سنوات كان يوقظني يومياً لأُصلِّي الفجر معه في المسجد، فذهبت معي عادةً إلى الآن.. يستيقظ قبل الفجر ويصلّي ويجلس ليعمل، (بورك لأُمَّتي في بكورها)، عمره الآن ستون سنة. يحضر إلى مكتبه الساعة السادسة صباحاً، والناس كلها تأتي لأعمالها ما بين الساعة تسعة إلى الساعة الثانية عشرة، هذه من آثار تربية والده، فإذا نشَّأْتَ ابنك على العمل بوقت مبكر، فهكذا ينشأ.. على الصلاة في المسجد، على صلاة الفجر، وإذا وجد إهمالاً يدفع الإنسان الثمن باهظاً.

الإنسان مادام قلبه ينبض فهو قادر على تصحيح كل تقصير في حياته:

 لا تنسوا أنَّ أخطر موضوع في حياة الإنسان هو: تربية الأولاد، وأنَّ المنهج الدينيّ وأنّ القرآن والسُّنة فيه من التوجيهات الدقيقة ما يعجب لها الإنسان، هل في ديننا هذه الدرجة من التوجيهات ؟! نعم، وإن شاء الله سأستعرضها كلَّها في هذه الدروس، قد نبقى مع هذا الموضوع عدَّة دروس، أو قد يكون عدَّة أشهر مع هذا الموضوع، وهو يهمُّ كلّ أب وكلّ شاب على أبواب الزواج حتى يربي أولاده، وإذا حضر معنا طفلٌ صغير فيرى نعمة ربَّه، يرى هل يا ترى يتربى تربية صحيحة، حتى يربِّي أولاده في الكبر تربية صحيحة ؟
 على كلٍ أرجو أن تكون هذه الدروس منطلقاً لنا جميعاً لتربية أولادنا، وإن وجد إنسان مقصِّر سابقاً فمن الآن نحن نبدأ، وإن وُجِد تقصيرٌ من الآن يصحَّح ما دام القلب ينبض، فما دمنا أحياء فنحن في فسحةٍ.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور