وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الطور - تفسير الآيات 1-16- عدم إيمان الكافر بالوعيد الإلهي رغم آيات الله الدالة على عظمته
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

قسم الله عز وجل يدل على أن المقسم به شيءٌ عظيم:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة الطور.

﴿ وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)﴾

[ سورة الطور ]

هذه الصيغة صيغة قسم: ﴿وَالطُّورِ﴾ ، والقسم في القرآن يدل على أن المقسم به شيءٌ عظيم بالنسبة إلينا.

الله جلّ جلاله هو العظيم، ولا عظيم سواه، أما إذا جاءت واو القسم مع كلمات في فواتح السور فهذه الكلمات تعني أنها أشياء يجب أن نفكر فيها. 

 

معنى الطور: 


1 ـ الجبل:

الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَالطُّورِ﴾ والطور في أصل اللغة الجبل الأخضر، الجبل المشجر، إما أنه آية من آيات الله الدالة على عظمته، أو أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده، إما أنه آية كونية، وإما أنه مكان مقدس.

﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)﴾

[ سورة التين ]

﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هو الجبل بمدين الذي كلم الله موسى عنده تكليماً. 

 

الهدف من وجود الجبال:


نحن مخيرون بين أن نفهم الطور كآية كونية دالة على عظمة الله، والجبلُ من الآيات التي أشار القرآن إليها، هذا الجبل الذي نراه بأعيننا ثلثه فوق الأرض، وثلثاه تحت الأرض، وهذه الجبال تارة أوتاد، وتارة رواسٍ، وتارة مستودعات للمياه، وتارة تزيد مساحة الأرض، وتلطف الجو، هناك أهداف كثيرة جداً، وحكم بالغة من خلق الجبال لا يعلمها إلا الله، ويعلم بعضها المتخصصون، أوتاد تربط طبقات الأرض بعضها ببعض، ورواسٍ تعين على ثبات حركة الأرض، لأن الأرض من دون هذه الجبال تضطرب في دورانها، جعلها رواسيَ، تجعل دورانها مستقراً، والجبال مستودعات ضخمة للمياه، فالأنهار التي تزيد كثافتها عن ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية أين مستودعاتها؟ فالجبال مستودعات، والجبال أوتاد، والجبال رواسٍ، والجبال تلطف الأجواء في الأرض، الجبل متنفس بالصيف، والجبل يزيد مساحة الأرض، والجبل يعد مَصَداً للرياح، فهناك أهداف كبيرة من الجبال، مناخات الأرض تتحدد بحسب الجبال، اذهب إلى الشمال تجد في حمص رياحاً عاتية تنفذ إليها من فتحة نحو البحر، أما قبل حمص وبعد حمص فهناك سلاسل جبلية تمنع حركة الهواء الحادة إلى الداخل، فحكم خلق الجبال لا يعلمها إلا الله، ولكن الجبل يُعد آية من آيات الله الدالة على عظمته. 

 

الجبال من آيات الله الدالة على عظمته:


هذه الكتلة من الصخور، أحياناً ترى مقالع أحجار من الجبال منذ خمسين عاماً، ولم يتأثر شكل الجبل، فكم في هذا الجبل من صخور! كم فيه من رمال! كم فيه من كتل لا يعلم حجمها إلا الله عز وجل! 

﴿وَالطُّورِ﴾ هذا المعنى إذا أخذنا الطور على أنه جبل أخضر، وعلى أنه آية من آيات الله الدالة على عظمته.  

2 ـ المكان المقدس:

أما إذا أخذناه مكاناً مقدساً، كلم الله عنده موسى عليه السلام، فهذا معنى آخر، من آيات الله الدالة على عظمته أيضاً أنه أوحى إلى أنبيائه، أنه لم يدع الناس بلا رسالة، لم يدعهم بلا تنبيه، بلا إرشاد، بلا تحذير، بلا توضيح، من رحمة الله عز وجل أنه خلق الخلق وأرشدهم إليه، كما يُشق الطريق وتوضع العلامات، هنا منزلق خطر، هنا منعطف حاد، هنا جسر، هنا طريق رئيسي، هنا تقاطع خطر، هذه الإشارات بعد شقّ الطرقات مفيدة جداً، فالله سبحانه وتعالى خلق الأرض ونوّرها، نوّرها بالوحي، فأنت تعلم لماذا أنت مخلوق، ما الهدف من وجودك؟ ماذا بعد الموت؟ لماذا المرض؟ لماذا الخوف؟ لماذا الفقر؟ لماذا الدنيا قصيرة؟ لماذا الآخرة أبدية؟ فالله سبحانه وتعالى نوّر الأرض بالوحي، وضّح لعباده سرّ وجودهم وغاية وجودهم، فكأن الجبل يدل على الله، لكن الوحي يدلنا على طريقة عبادته، بالجبل نتعرف إليه، وبالوحي نتعرف إلى منهجه، بالجبل نعرفه وبالوحي نطيعه، بالجبل نعرفه وبالوحي نعبده، فإذا أردت الجبل كآية تدل على عظمته، وإن أردت الجبل كمكان مقدس عنده كلّم اللهُ موسى تكليماً، معنى ذلك أن رحمة الله عز وجل تقتضي أن يُنزل على أنبيائه كتباً، وأن يوحي إلى صفوة خلقه، وأن يبلِّغهم ماذا ينبغي أن يبلغوه للناس.

لا يوجد أب في قلبه ذرة رحمة إلا ويملأ أذن ابنه نصائح، وتوجيهات، وتحذيرات، وبيانًا، وتفصيلاً، وإعلاماً، وتحذيراً، وتبشيراً، فالأب الكامل فضلاً عن أنه هيأ لابنه بيتاً، وغرفةً، ومدرساً، وأعطاه مالاً، وأعطاه كل حاجاته، أهم من كل هذا توجيهات الأب، نصح الأب، تعليم الأب، هذا أهم من الأشياء المادية. 

 

الجبل رمز لمعرفة الله أو عبادته:


الجبل إما أنه آية تدل على عظمة الله، وإما أنه مكان يشير إلى نزول الوحي من السماء، إلى أن الخالق العظيم لا يدع خلقه بلا أمرٍ ولا نهي، بلا بيانٍ، بلا تحذيرٍ، بلا تبشيرٍ، بلا تعريفٍ، القرآن الكريم يدور كله حول ماذا؟ حول التعريف بخالق هذا الكون؛ إنه موجود، وهو واحد لا شريك له، وهو كامل، التعريف بقصص الأنبياء السابقين، التعريف بالمنهج التفصيلي، التعريف بمصير البشرية، بحال الإنسان بعد الموت، فبالكون نعرفه وبالشرع نعبده، والجبل رمز إلى معرفة الله أو إلى عبادته، إذا قلنا: الجبل الأخضر آية دالة على عظمة الله، إذا قلنا: مكان مخاطبة الله عز وجل لسيدنا موسى دليل الوحي، وأن الله لرحمته بخلقه، وحرصه على هداهم، والأخذ بيدهم إلى سعادة الدارين، أوحى إلى أنبيائه ليبلغوا الناس. 

 

وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ: للكتاب عدة معان:


﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)﴾ هذا الكتاب إما أنه الألواح التي تلقاها سيدنا موسى عليه السلام، وإما أنه القرآن الكريم الذي أنزله على سيد المرسلين، وإما أنه مطلق الكتاب، أيّ كتاب سماوي. 

 

منهج الله لعباده في الأرض:


على كل هناك طور، وهناك: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)﴾ منهج، أنت إذا دخلت إلى بناء جامعة، قد تستنبط أن هذه الأقواس رائعة، فالمهندس على مستوى رفيع، وأنّ هذه القاعات واسعة، وهناك وحدة صوتية جيدة، وأن الحدائق غناء، وأنّ بيوت الطلبة مجهزة بكل وسائل الراحة، لك أن تستنبط من البناء، والمخابر، وقاعات التدريس، والحدائق، وبيوت الطلبة، أشياء كثيرة جداً، لكن لو تأملت مئة عام في بناء الجامعة هل يمكن أن تعرف نظامها الداخلي؟ هل يمكن أن تعرف عدد الكليات؟ منهج كل كلية؟ أسماء المدرسين؟ لن تعرف ذلك إلا إذا قرأت الكتيب الخاص بالجامعة، هناك شيء يُستنبط، وهناك شيء يُقرأ، الكون يدل على الله، أما القرآن ففيه تفاصيل الأمر والنهي، الله عز وجل يقول:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[ سورة الأنعام ]

وفي آية ثانية يقول:  

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)﴾

[ سورة الكهف ]

كأن الكون كله في كفة، وكتاب الله في كفة، كما أنه خلق أوحى، خلق وأرشد، خلق ونوّر، خلق وبيّن، خلق ووضّح. 

 

الكتاب هو المصدر الأول في الدين الإسلامي:


الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)﴾ فالكتاب المصدر الأول في الدين الإسلامي، كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، غنى لا فقر بعده، غنىً لا غنىً فوقه. عن عثمان: 

(( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. ))

[ صحيح البخاري  ]

خير جهاد تجاهده أن تتعلّمه وأن تعلِّمه، والدليل:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾

[ سورة الفرقان ]

القرآن، منهج خالق السماوات والأرض، كل كلمة قاعدة، كل حرف نظام، أحياناً الحركة لها معنى، الحرف له معنى في كتاب الله، هذا ليس كلام بشر، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، هذا هو الكتاب المقرر، طالب على مشارف الامتحان، والامتحان تخرج، والشهادة عليا، ويُعلق هذا الطالب على تخرجه آمالاً عظاماً، وبقي للامتحان ساعات، أيقرأ غير الكتاب المقرر؟ يكون أحمق عندئذٍ، هناك ألفُ كتاب وكتاب، ما يُطبع في اليوم من كتب في العالم لا يمكن أن تقرأه في مئة عام، ما يُطبع في اليوم من كتب في القارات الخمس لا يمكن أن يقرأه إنسان في مئة عام، لا يعمل إلا القراءة، هذه كلها كتب كتبها أشخاص فيها الخطأ والصواب، فيها الحقائق والأوهام، فيها الحق والباطل. 

 

القرآن الكريم كتاب محكم من عند الخالق:


لكن الكتاب الذي لا باطل فيه، ولا وهم فيه، ولا ظن فيه، كله محكم من عند الله عز وجل: 

﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾

[ سورة هود ]

هو كلام الله، هذا كتابنا المقرر، يجب أن نقرأه صباحاً ومساء، ليلاً ونهاراً، يجب أن نفهم أبعاده، مراميه، مُحكمه، مُتشابهه، ناسخه ومنسوخه، حلاله وحرامه، أمره ونهيه، وعده ووعيده، غيبه الماضي، غيبه الحاضر، غيبه المستقبل، هذا كتابنا المقرر، كلام الله عز وجل، والله لا أعجب إلا من إنسان قرأ كلام الله ثم استهواه شيء آخر، لك أن تقرأ أي شيء، ما دام هذا الشيء يقربك من كتاب الله، لك أن تقرأ بحثاً علمياً يوضح لك آية كونية، لك أن تقرأ بحثاً فقهياَ يوضح لك آية فقهية في كتاب الله، تقرأ له ومن أجله، ومن أجل معرفته. 

 

الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ هو:

 

1 ـ الكعبة المشرفة:

﴿وَالطُّورِ(1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ(3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)﴾ قالوا: الكعبة المشرفة، البيت المعمور بالحجّاج.  

2 ـ بيت على سمت الكعبة في السماء:

ورد في بعض الأحاديث أن البيت المعمور هو بيت على سمت الكعبة في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك.  

3 ـ الأرض:

وقالوا: البيت المعمور هي الأرض لأن فيها كل شيء، كل حاجات الإنسان في الأرض موجودة.  

4 ـ الحرم المكي الذي نزل فيه جبريل على سيدنا محمد:

لك أن تفهم البيت المعمور هذا البيت المقدس الذي نزل فيه الوحي، كيف أن الطور هو الجبل الذي كلم الله فيه موسى تكليماً، وكأن هذا المكان المقدس إشارة إلى هذا الوحي العظيم، كذلك البيت المعمور هو الكعبة المشرفة، أو الحرم المكي الذي نزل فيه جبريل الأمين على قلب سيدنا محمد سيد المرسلين بهذا القرآن العظيم، هذا هو البيت المعمور، إما أنه بيت تدخله الملائكة في السماء ليعبدوا الله فيه، وقد ورد هذا في بعض الأحاديث، وإما أنه بيت الله الحرام يؤمُّه الحجاج، معمور بالحجاج، وإما أنه مطلق الأرض، لأن فيها كل شيء، ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾

 

السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ هو السماء التي خلقها تعالى:


لا زلنا في مفردات القسم: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ(5)﴾ هذه السماء.

﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)﴾

[ سورة الأنبياء ]

ورد في تفسير هذه الكلمة بأنها هي السماء، السماء بناء، إذا كان بالسماء مليون مليون مجرة، وفي المجرة الواحدة مليون مليون كوكب ونجم، وهذه الكواكب والنجوم كلها في حركة دائمة، في مسار مغلق حول بعضها بعضاً، أحجامها متفاوتة، مساراتها متفاوتة، جاذبيتها متفاوتة، كتلها متفاوتة، أبعادها متفاوتة، ومع ذلك هناك استقرار عام؛ التوازن الحركي، الحركة المتوازنة، هي استقرار، دليل علم الله عز وجل: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)﴾ .

 

السماء من آيات الله الدالة على عظمته:


أليست السماء آية؟ انظر إلى السماء وهي زرقاء اللون، صافية في النهار، متلألئة في الليل، من بناها؟

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

فالسماء أيضاً من الآيات الدالة على عظمة الله، لو توقفت حركة النجوم لأصبح الكون كله كتلة واحدة، انجذب إلى بعضه، هناك نظام تجاذب عجيب، لكن حركات النجوم كلها تَخلق -إن صح التعبير-حركة نابذة قوة نابذة تكافئ القوى الجاذبة، القضية في منتهى الروعة؛ أن القوى الجاذبة تعادلها قوى نابذة فالمحصلة استقرار. 

 

الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: المسجور إما الممتلئ أو المشتعل:


﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)﴾ كيف أن السماء زرقاء اللون، البحر أزرق اللون، البحر المسجور، من معاني المسجور: الممتلئ، ومن معاني المسجور: المشتعل، البحر الآن ليس مشتعلاً، الآن ممتلئ، حسنًا كم متراً مكعباً من المياه في البحر؟ إذا كان أربعةُ أخماس الأرض بحراً، القارات الخمس، آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا والقطبان الشمالي والجنوبي، إذا كانت هذه القارات الخمس كلها لا تُشكل عشرين بالمئة من مساحة سطح الأرض، والثمانون بالمئة أو التسعة والسبعون بالمئة هي البحر، وأعمق نقطة 12 كيلو مترًا، 43 ألف قدم تقريباً، تقع في المحيط الهادي في خليج مريانا، كم متراً مكعباً ماءً في البحر؟ البحر المسجور الآن يعني الممتلئ، والبحر المسجور المشتعل، ليس مشتعلاً الآن،  أما الشيء العجيب أن هذا الماء الذي تُطفأ به النيران مؤلف من أوكسجين وهيدروجين، الهيدروجين غاز مشتعل، والأوكسجين غاز يُعين على الاشتعال، اي مؤلف من عنصرين غازيين الأول شديد الاشتعال والثاني يعين على الاشتعال، يشكلان ماءً تُطفأ به النيران.

 

البحار يوم القيامة تصبح لهيباً لا ينطفئ:


لو الله عز وجل أشار يوم القيامة أجرى تعديلاً طفيفاً لأصبحت البحار كلها لهيباً لا ينطفئ، نحن إذا احترق بئر نفط يقول لك: صار لنا خمسون يوماً أو أربعة أشهر وهو مشتعل، وتأتي دول من أقصى الدنيا، مع خبرات عالية جداً، مع تكنولوجيا تفوق حد الخيال لإطفاء البئر بعد شهر أو شهرين مثلاً، فكيف لو اشتعلت البحار؟ ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ إما أنه الممتلئ وإما أنه المشتعل. 

 

البحر آية من آيات الله الدالة على عظمته:


لا زلنا في القَسم: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)﴾ البحر آية من آيات الله الدالة على عظمته، الكائنات البحرية لا تقل عن مليون نوع، مليون نوع الكائنات البحرية، تنوع الأسماك عجيب جداً، تبدأ من سمك صغير، سمك زينة، إلى حيتان عملاقة، وزن الحوت 150طناً، 50 طناً لحماً، و50 طناً شحماً، و90 برميلاً زيت كبدِ الحوت، أرقام الحيتان، وأحجامها، وأشكالها، وأنواعها، لا يعلمها إلا الله، وهي حيوانات تتنفس الهواء، ولولا الهواء لتكاثرت وأهلكت مَن في البحر، لكنها عندما تتنفس يصطادها الإنسان.

أنثى الحوت تُرضع وليدها ثلاثمئة كيلو، ثلاثمئة كيلو في الرضعة الواحدة، ثلاث رضعات تعادل طناً حليباً، إذا جاع الحوت وأراد أن يأكل يفتح فمه ويسير فيلتقم أربعة أطنان من الأسماك، أي شطيرة قبل الطعام، أحياناً الحوت يجر سفينة، فقد جرّ مرة سفينةً 48 ساعة وهي تُعمل محركاتها بعكس اتجاه الحوت، من حيوان عملاق إلى أسماك زينة رائعة جداً، بعضها شفاف، بعضها فسفوري، في البحر أشياء لا يعلمها إلا الله، القنديل نوع من كائنات البحر الحية، المرجان، الأصداف، المحار، اللؤلؤ، هذا اللؤلؤ هو المحار حيوان، إذا شعر أن في داخله جسماً غريباَ ولو أنها ذرة رمل، أفرز عليها مادة كلسية فسفورية، إلى أن تصبح لؤلؤة، اللؤلؤ وسيلة من وسائل دفاع هذا الحيوان عن نفسه، اللؤلؤ وُجِد من أجل الإنسان، أي الكائنات البحرية شيء لا يوصف.

 

محاسبة الله للإنسان يوم القيامة:


قرأت مقالة عنها يوماً فإذا هي تزيد عن مليون نوع، هذا: ﴿البحر المسجور﴾ .

و: ﴿والسقف المرفوع﴾ حدِّث ولا حرج، جاء الجواب: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ هذه السورة في الصلاة، وقد صلى عمر بن الخطاب خلف النبي أعداداً من الصلوات لا يعلمها إلا الله، واستمع لهذه السورة، لكنه كان يتجول في المدينة، سمع أحد الصحابة يقرؤها في الصلاة، نزل من على دابته وأسند ظهره للحائط واستمع إليها وهو يبكي، إذ كانت نفسه منفتحة، وقلبه مشرقًا، هذه الآية: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)﴾ جواب القسم: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ .

 

الإنسان مسؤول عن كل عمل يقوم به:


أي هذا الذي خلق الكون لن يحاسبك؟

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة ]

هذا الذي خلق الكون لن يسألك أبداً؟

﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

[ سورة البلد ]

الذي خلق العينين لا يبصر؟

﴿ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)﴾

[ سورة البلد ]

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ فليس معقولاً أنّ الله تعالى خلق الإنسانَ سدًى، لا يوجد حساب؟! جامعة تكلف ألف مليون، فيها حدائق غنّاء، فيها أطباء بمعدل كل خمسة طلاب لهم دكتور، مخابر، قاعات تدريس، مكتبات، أفلا يكون امتحان آخر السنة؟ بلا امتحان؟ّ يأتي الطلاب ويدرسون ويخرجون، وليس هناك امتحان؟! ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ .

 

على الإنسان أن يحاسب نفسه حساباً عسيراً قبل لقاء ربه:


الإنسان مسؤول، الذي خلق الكون سيسأله، وسيحاسبه، عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟  عن شبابه فيمَ أبلاه؟ عن عمره فيم أفناه؟ 

(( عَنْ أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد  عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟ ))

[  صحيح الترغيب: حسن صحيح ]

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ أي هناك مسؤولية.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[  سورة الحجر  ]

إخواننا الكرام؛ أحيانًا نقرأ الآيات لا نعيشها، لما ربنا عز وجل يقول: 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

هذا كلام مَن؟ كلام خالقنا، كلام رب العالمين: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾ .

 

العاجز من يتعامل مع الله بالتمنيات:


لذلك يجب أن نحاسب أنفسنا حساباً عسيراً، حتى يكون حسابنا يوم القيامة يسيراً، انظر إلى قول النبي: 

(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ . ))

[ الترمذي : حكم المحدث : صحيح ]

الكيس أي العاقل، من دان نفسه-ضبط، ضبط بيته، ضبط عمله، ضبط دخله، ضبط إنفاقه، ضبط جوارحه-من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، هذا عاجز، أحمق، هذا الذي يتعامل مع الله بالتمنيات، التمنيات بضائع الحمقى.

 

نفي الظلم عن الله عز وجل:


﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)﴾

[ سورة الإسراء ]

لم يقل سبحانه: وسعى لها، لو قال: وسعى لها، لكان أيُّ سعي مقبولاً، قال: ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ لها سعي خاص، لا يقبل دونه سعي.

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ خالقنا، ربنا، الذي بيده كل شيء، يقول: هذا الكون يدل على إلهٍ بيده كل شيء، لم يخلقنا سدى، لم يخلقنا عبثاً، سيحاسبنا، سيسألنا عن كل شيء، ولن نظلم عنده، لا فتيلاً، ولا نقيراً، ولا قطميراً.

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)﴾

[  سورة غافر  ]

هذه قواعد الدين الكبرى.

 

الإنسان يوم القيامة يأتي ربه فرداً:


﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)﴾

[ سورة الطور ]

 بالأرض يصدر حكم قضائي لا ينفَّذ أحياناً، يكون المحكوم قوياً، أحياناً هناك من يدافع عنك، هناك من يخلصك، هناك من يشفع لك، هناك من يُجمد هذا الحكم، هناك من يطوي هذه الضريبة، هذا في الدنيا، أما عند الله عز وجل: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ(8)﴾ أي تأتي ربَّك يوم القيامة فرداً، في الحياة الدنيا تجمعات، يوجد جماعات، يوجد أحزاب، يوجد طوائف، يوجد ملل، يوجد نحل، يوجد شعوب، هناك تجمع أوروبي، يضمّ اثنتي عشرة دولة، عملة واحدة، وجمارك واحدة، وهناك تجمع شرقي، وهناك أحلاف، هذا في الدنيا، أما في الآخرة تأتي ربَّك فرداً، لا أحد يخلصك، ولا أحد يدافع عنك، ولا أحد يمنعك من أن تأخذ نصيبك من العذاب: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)﴾ .

 

العمل الصالح ثمن الجنة:


هذا جواب القسم يا أيّها الإخوة، أحياناً تجد عظمة بالكون، هذه العظمة هل تعني أن الإنسان مخلوق سدى؟ الإنسان حتى ينضج في الأربعين، ثم يموت في الستين وسطياً، بين نضجه وبين موته ثلث حياته فقط، لولا الآخرة الحياة غير معقولة، لولا أن الله سبحانه وتعالى خلقنا لجنَّة عرضها السماوات والأرض، ونحن في دار إعداد، في دارٍ دنيا هي إعدٌاد لدارٍ عليا، لولا هذا المعنى الحياة ليس لها معنى إطلاقاً، لذلك الإنسان من دون دين في ضياع، هناك عنده ألف سؤال وسؤال بلا جواب، هذا يسبب لامبالاة، سؤال بلا جواب، سؤال بلا جواب، سؤال بلا جواب، يجعل الإنسان في ضياع، في تيه، ثم ينتقل هذا إلى وضع اسمه: اللامبالاة، ليس عنده جواب، لكن ربنا عز وجل بيّن قال: هذه حياة إعدادية لحياة أبدية، العمل الصالح هو ثمن الجنة، قال سبحانه:  

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[ سورة النحل  ]

 

نظام الدنيا نظام عمل ونظام الآخرة نظام إكرام:


نظام الحياة الدنيا نظام كدح، لكن نظام الحياة الآخرة نظام إكرام. 

﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)﴾

[ سورة الفرقان ]

هنا: 

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق ]

في الدنيا: 

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)﴾

[ سورة النجم ]

أما في الآخرة: 

﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)﴾

[ سورة الصافات ]

أيُّ خاطر يأتي مخيلتك ترَاه أمامك، هذا منتهى الإكرام. 

 

النية خلف أي عمل يقوم به الإنسان:


لذلك: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ أي الذي خلق الكون لن يدع الخلق سدى، لن يخلقهم عبثاً، سيحاسبهم عن أعمالهم كلها، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ظاهرها وباطنها، معلنها وإسرارها، كل شيء في حساب دقيق، وكأن أعمال الإنسان يوم القيامة تُعرض عليه عرضاً، الآن إذا كان الإنسان الآن مراقباً ثم شاهد حركاته وسكناته مصورةً على فيلم؛ وقيل: لماذا ذهبت إلى هذا المكان؟ ولماذا أخذت من فلان؟ ولماذا أعطيت فلانًا؟ يُصعق، أما أنت يوم القيامة، كلنا جميعاً سوف تُعرض علينا أعمالنا واحداً واحداً، العمل وخلفيته نيته، أنت أردت كذا، قاتلت ليقال عنك وقد قيل خذوه إلى النار، لذلك هذا معنى جواب القسم: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ أي هذا الكون مخلوق من أجل أن تعرف الله، وهذا الكتاب من أجل أن تقرأه، وأن تفهمه، وأن تعمل به، وهذه الشهوات من أجل أن تضبطها، وهذه الحرية من أجل أن تُثمن بها عملك، وهذا الشرع من أجل أن تعيشه، وهذا الكون من أجل أن تفكر فيه، وهذا العقل من أجل أن تُعمله، وتلك الفطرة من أجل أن تحافظ عليها. 

 

عذاب الله يكون عند اضطراب السماوات والأرض:


﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)﴾ متى هذا العذاب؟ قال: 

﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)﴾

[ سورة الطور ]

تنظر إلى السماء الآن فتجدها وديعة، في ليل صيف مقمر، أو في ليلة غير مقمرة، تتلألأ النجوم، تتألق، لكن ما قولك لو رأيت النجوم تتهاوى ويصطدم بعضها ببعض؟ وأصوات لا تحتمل، أحياناً صوت الرعد يُصم الآذان، صواعق مخيفة جداً، هذا اليوم يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً﴾ اضطراب السماوات والأرض، كواكب تصطدم، كواكب تتحطم، حركات عشوائية، موراً أي اضطراباً. 

﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10)﴾

[ سورة الطور ]

الجبال تمشي، جبل بأكمله يمشي وكأنه ريشة في مهب الريح. 

 

الدنيا دار عمل وكد والآخرة دار جزاء:


﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الطور ]

نحن في الدنيا في بحبوحة كالطلاب في العام الدراسي، كلهم يرتدي ثياباً، ويأتي إلى المدرسة، بعضهم يدرس، بعضهم لا يدرس، بعضهم يمضي وقتاً بلا جدوى، بعضهم ينتبه، بعضهم لا ينتبه، بعضهم يكتب، بعضهم لا يكتب، لكن عند الامتحان ويلٌ للكسالى، نحن الآن في بحبوحة، الناس كلهم يأكلون ويشربون، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، حالُ المؤمن الآن لا يبدو صارخاً، واحد من هؤلاء الناس، يسكنُ في بيت مستوًر، لكن حوله أناساً متفلتين، حوله أناس عصاة، وحوله أناس جاحدون، وحوله أناس يقترفون الآثام ويأكلون المال الحرام، ويتحدون السماء وخالقها، ومع ذلك الله يرزقهم.

وعزتي وجلالي؛ عبدي خلقت لك السماوات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد. 

 

النجاة الحقيقية أن ينجو الإنسان من عذاب الله:


لذلك: 

﴿  يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الطور ]

 البطولة أن تنجو من هذا اليوم، أحياناً الإنسان ينفد من ضريبة، يحسب نفسه بطلاً، ينجو من مشكلة، ينجو من مؤاخذة، ينجو من شيء مخيف، النجاة الحقيقية أن تنجو من عذاب الله، الغنى الحقيقي بعد العرض على الله، الغنى والفقر بعد العرض على الله، الدنيا لا قيمة لها، عَرض زائل يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملِك عادل. 

 

النار عاقبة المتفلت من منهج الله عز وجل:


﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ هذا الذي أمضى حياته في غفلة عن الله، وفي تفلت من منهج الله، وفي إساءة للخلق، وفي ضياع، وفي انغماس في الملذات، هذا الإنسان تماماً كإنسان يركب مركبة في منحدر شديد، بسرعة عالية، والهواء العليل يُلطِّف جو المركبة، وفي نهاية هذا الطريق منعطف حاد، وليس معه مكابح، هو يضحك، ولا يعلم ماذا ينتظره بعد دقائق، بعد دقائق سيكون جثة هامدة، سيقول: الويل لنا، لقد متنا، المكبح غير موجود، المنعطف حاد، المنحدر شديد، وهو منطلق ويغني ويضحك، أما الذي يعلم أن هذه المركبة بلا مكبح يعرف نتيجته الحتمية: 

﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)﴾

[ سورة الطور ]

خوضُ مخاضة، أي تصوراتهم عن الكون سخيفةٌ جداً، أحد الشعراء الجاهليين قال:

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي          فدعني أبادرها بما ملكت يدي

[ طرفة بن العبد ]

* * *

أي ينطلق في فلسفته للحياة أن يستمتع بشهواتها إلى أقصى حد. 

 

هموم أهل الدنيا شهوانية مادية:


لو جلست مع أهل الدنيا، مع أهل الغفلة، مع أهل الجهل لوجدت في أفكارهم العجب العجاب، تصور سخيف للحياة، تصور سخيف للكون، تصور سخيف للإنسان، تصورٌ سخيف للجزاء والعقاب، اللهُ عز وجل سمى هذه التصورات: خوضاً، مخاضة أي وَحَل، كلام لطيف جداً، مُعبّر، أفكاره، معتقداته، تصوراته، مبادئه، قيمه كالوَحَل تماماً، مبدؤه المصلحة، يتلون ألف لون ولون بيوم واحد، من أجل مصلحته، ليس عنده شيء مقدس أبداً، يقدِّس ذاته فقط، يقدِّس المال، يعبده من دون الله، مستعد أن يقول أي شيء من أجل أن يبقى في مكانه، وفي عمله، وفي دخله الكبير، هذا خوض، ليس عنده مبدأ، ولا قيمة ثابتة، لا يعادي ولا يسالم، يسالم لنفسه، ويعادي لنفسه فقط، هذا الله عز وجل سماه خوضًا، مخاضة، وحَلاً، تصوراته كالوحل، الآن اهتماماته كالوحل، ما عنده همّ مقدس، كل همومه أرضية، هُّمه ملذاتُه، همه طعامه، شرابه، بيته، همُّه رفاهه، همه استمتاعه بالحياة، همه استعلاؤه على الناس، همه افتخاره بما عنده، همه أن يكون مسيطرًا مثلاً، أن يكون مستمتعًا، همومه كلها صغيرة، هموم مادية، هموم شهوانية، هموم مصلحية.

 

هموم أهل الآخرة مقدسة:


أما المؤمن الذي عرف الله عز وجل فهمومه مقدسة، يسعى لهداية الناس، يسعى لنشر الحق، يسعى لخدمة الخلق، يسعى لمرضاة الله عز وجل، يسعى لجنة عرضها السماوات والأرض، يسعى لحياة أبدية، يسعى ليكون: 

﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾

[ سورة القمر ]

همومه مقدسة، لأن معتقداته مقدسة، عالية، لو عرضت أفكار غير الإسلاميين على محك البحث لوجدت فيهم الشيء الذي لا يصدق، فالله عز وجل سمى معتقدات هؤلاء، أو تصورات هؤلاء، أو مبادئ هؤلاء سماها خوضاً، وهم يلعبون فيها كالصغار، وسمّى اهتماماتهم التي تشغلهم، التي تنصب عليها همهم، التي تعنيهم سماها خوضاً أيضاً. 

 

اهتمامات ومعتقدات الكافر ما هي إلا خوض في وحل:


رجل جلس مع شخص في بلد غربي حدثه عن الإسلام، بعد حديث ممتع، دقيق، عميق، مدعّم بالأدلة والشواهد الحسية، والعقلية، والواقعية، والفطرية، أخرج هذا الشخص الآخر من جيبه دولارًا وقال: هذا ربي أعبده من دون ربك.

أنا التقيت مرة مع شخص مندوب شركة؛ قال لي بالحرف الواحد بعد أنْ حدثته عن الله قليلاً، قال: هذا الموضوع لا يعنيني، ولا أهتم به، ولا ألتفت إليه، يعنيني بيت، وامرأة، وسيارة فقط، خوض، في الوحل يعيشون، فالكافر اهتماماته سخيفة، ومعتقداته سخيفة، الله سمّى الاعتقادات والاهتمامات سماها وحلاً: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)﴾ .

 

الفرق بين اللهو واللعب:


اللعب عمل لا جدوى منه أولاً، لعب، وهناك اللهو، اللهو أخطر، اللهو أن تشتغل بالخسيس عن النفيس، أن تشتغل بالأصداف عن اللآلئ، أن تشتغل بالقشور عن اللباب، هذا هو اللهو، أما اللعب عمل بلا جدوى، ليس له أي أثر مستقبلي، شخص لعب النرد حتى الساعة السابعة صباحاً ماذا قدم للأمة؟ لو قرأ كتاباً لاستفاد منه وأفاد، لو نام لأراح واستراح، لو أكل لَتَقَوّى على طاعة الله، لو جلس إلى أخ يحدثه عن الله عز وجل لأفاده، لو وجّه أولاده لأفادهم، فاللعب لعب، عمل بلا طائل، وكلما ابتعدت عنه رأيته حقيراً، ألا تنظر إلى طفل صغير يأخذ بعلبة يتوهمها سيارة يحركها على الطاولة ويعطي صوتاً معها، هذا لو صورته صورةً متحركة ملونة وأريته إياها بعد أن صار طبيباً، أو مهندساً، ألا يستصغر اهتمامه وسخافة تعلقه بهذه العلبة؟ اللعب من شأنه إذا ابتعدت عنه رأيته صغيراً تافهاً، اللعب يتناقص لا يتنامى، اللعب ليس له أي أثر مستقبلي. 

 

دفع الكافر بإهانة يوم القيامة لمعتقداته السخيفة:


الله عز وجل بكلام موجز بليغ سمّى معتقدات الكفار واهتماماتهم خوضاً، وحركتهم في هذا المجال أنهم يلعبون، حركة عشوائية بلا هدف، العمل الذي لا جدوى منه، العمل الذي لا طائل منه، العمل الذي ليس له أثر مستقبلي، هذا هو اللعب، أمّا الويل فهو الهلاك. 

﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً(13)﴾

[ سورة الطور ]

دَعَّه؛ أي دفعه على ظهره بقسوة، وإهانة: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً(13)﴾ طبعاً لأنهم كانوا في خوض، وكانوا يلعبون، واعتقدوا اعتقادات سخيفة، واهتموا بأشياء أسخف منها، هذه السخافة في معتقداتهم، وفي نشاطهم في الدنيا يناسبها أن يهانوا يوم القيامة، أين المؤمنون؟ 

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾

[ سورة الزمر ]

 

المؤمنون يذهبون إلى الرحمن والمجرمون يُحشرون إلى جهنم:


﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ تكريماً لهم، المؤمنون يذهبون إلى الرحمن وفداً، أما المجرمون فيساقون إلى جهنم ورداً، إذا كان الشخص متهماً بجريمة قتل، طُرِق بابُه وأُلقي القبضُ عليه، من باب البيت إلى السيارة يرحبون به يقولون له: تفضل سيدنا؟! يأكل خمسين كفاً على الطريق، إنسان مجرم طبعاً، ويساق ليحاكم، الكافر لأنه كان تائهًا، وكان شاردًا، وكان مؤذيًا، وكان شهوانيًا، وكان منحط الأخلاق، هذا الشيء الطبيعي له:

﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)﴾

[ سورة الطور ]

بربكم لنأخذ مئة شخص، عيِّنة عشوائية، كم واحدًا منهم يصدِّق بجهنم؟ ويتقيها فعلاً؟ ليست داخلة في حسابات الناس أبداً، ولو كانوا مسلمين، يُصلون لكن يوجد مال حرام، يأخذون الأموال الحرام بالملايين ولا يعبؤون، شاطر، موكل محامٍ، أما المؤمن فيخشى درهما ًحراماً، ليرة.

 

تحذير الله عز وجل لعباده من نار جهنم:


الإمام أبو حنيفة رَضِي اللَّه عَنْه كان واقفاً في ظل بيت مرهونٍ عنده فتحول إلى الشمس، لماذا؟ ظل، قال له: هذا البيت مرهون عندي، وأنا أكره أن أنتفع بظله، هذه جهنم من الذي أدخلها في حسابه اليومي؟ من الذي ترك مبلغاً من المال خوفاً من النار؟ من الذي ترك نظرة إلى امرأة خوفاً من النار؟ من الذي ترك سهرة خوفاً من النار؟ ما أُدخلت في حسابات الناس، بشكل واقعي، بشكل جاد، إله يقول لك: هناك نار جهنم لا تحتمل: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أنا أريد أن أقف قليلاً أرجو من الله عز وجل هذا كلام خالق الكون، إله.

أحيانا يصدر تصريح من وزير الاقتصاد، يسمح بموجبه باستيراد سيارات فيهبط سعر السيارات خمسمئة ألف، على أربع كلمات في الجريدة مثلاً.

إلهنا، وربنا، وخالقنا، وهذا كلامه، ويحذرنا من النار، ولا نتقيها؟ واللهِ هناك حمق معنى هذا بالإنسان، حمق، يجب أن تقول: معاذ الله! إنني أخشى نار جهنم.

 

عدم إيمان الكافر بالوعيد الإلهي:


﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ ادخل إلى حياة الناس، ادخل إلى قصر العدل، بأي مكان هناك آلاف الدعاوى أكثرها افتراء، أكثرها دعاوى كيدية، هناك أكل للمال الحرام، هكذا صريحاً، أين الخوف من الله؟ أين هذا المؤمن الوقاف عند كتاب الله؟ أين هذا المؤمن الذي يخشى الله؟ الذي يخشى أن يأكل مالاً حراماً، أن يعتدي على أعراض الناس، أن يعتدي على سمعتهم: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ بصراحة أيها الإخوة: التكذيبُ نوعان، التكذيب القولي ليس خطراً، لأنك تناقشه، أما الخطر فالتكذيب العملي، لن تقول بلسانك: أنا لا أؤمن بالنار، لكن الأعمال كلها تؤكد أنك لست مؤمناً، أعمالك تفلت، لا تهتم بكسب المال؛ من أين تأخذه؟ هذا يعني أنك لا تؤمن بهذا الوعيد الإلهي. 

 

كلام الله وكتابه هل هو سحر أم حقيقة؟


لذلك يوم القيامة يقال لهؤلاء العصاة:

﴿ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)﴾

[ سورة الطور ]

قاضي طُرق باب بيته، جاءه الغلام فقال: إن بالباب رجلاً أعطاني طبقاً من الرطب، وكان القاضي معروفاً في المدينة أنه يحب الرطب في بواكيرها، قال: من قدمه لك؟ قال رجل، قال: صفه لي؟ قال: صفته كيت وكيت، فعرفه أنه أحد المتخاصمين عنده، قال له: أعطه الطبق وردّه إليه، بعد أيام قابل الخليفة ليعتذر من منصب القضاء، قال له: ولمَ وأنت من القضاة النزيهين؟ قال: والله قُدم لي طبق رطب من أحد المتخاصمَين ورددته، وفي اليوم التالي وقد وقفا بين يدي تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم الطبق مع أني لم آخذه فكيف لو أخذته؟! هكذا كان ورعهم، لأنهم آمنوا أن هناك ناراً حامية، إذا عصى الإنسان ربه سيدخلها: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)﴾ هل كان الكلام سحرًا أم قرآناً وهذه نتائجه؟ علاقة السحر: 

﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)﴾

[ سورة الذاريات ]

كلامه سحر. 

﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)﴾

[ سورة الشعراء ]

فهذا القرآن الذي وصف النار، وأنتم في الدنيا: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ فهل كان كلامي وكتابي لكم سحراً أم حقيقة؟ هذا المعنى. 

 

الصبر على تحمل العقاب لا معنى له إطلاقاً:


﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)﴾

[ سورة الطور ]

هنا سؤال دقيق: كيف سَوّى الله بين الصبر وعدمه؟ مع أن الصبر:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

ما جواب ذلك؟ الصبر في الدنيا مفيد، أما الصبر على إيقاع العقاب لا يفيد، اصبر أو لا تصبر.

أي إذا ارتكب إنسان جريمة وحكم بالإعدام، وصُدق الحكم وسيق إلى المشنقة، يُحب أن يضحك فليضحك، يحب أن يبكي فليبكِ، لابد من تنفيذ الحكم، الآن الصبر لا معنى له،  الصبر على تحمل العقاب لا معنى له إطلاقاً: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .

 

وصف الكفار لكلام الله بأنه سحر:


الآية دقيقة جداً: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)﴾ الكلام الإلهي وصفتموه يوم كنتم في الدنيا بأنه سحر، هل كان سحراً أم حقيقة؟ 

﴿ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)﴾

[  سورة الطور ]

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور