وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات متنوعة - السيرة الذاتية : 08 - لمحة عن سيرته وأهمية الوسطية والاعجاز العلمي في الدعوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام أينما كنتم في حلقة جديدة من : نوافذ ، ومازالت نوافذنا من وحي الشام وخطواتنا إلى رمزه تقترب ، حلقة اليوم من شخص موسوعي ، وعالم متكلم ، وباحث متجدد ، سنبحر معه في العديد من العوالم والعلوم ، ونقف مع ذكرياته في الطفولة في سوريا وحتى هذه اللحظة ، حيث يعيش القضية السورية مروراً بذكرياته الجامعية في دمشق والأزهر وطرابلس ، هذه المحطات وغيرها مع ضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي وأستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، باسمكم جميعاً في بداية هذا اللقاء نرحب بضيفنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 أنا ذكرت في المقدمة أننا سنبدأ هذه الرحلة معك شيخنا بذكرياتك القديمة ما الذي يستحضره الآن فضيلة الدكتور محمد من ذكريات الدراسة الابتدائية والطفولة تحديداً ؟

 

التعليم الأساسي أخطر مرحلة في حياة كلّ إنسان :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
 أخي الكريم ؛ الحقيقة أن الطفولة لها دور كبير في مستقبل الإنسان ، ثبت علمياً أن الطفل الذي يتلقى تدريبات وخبرات ومهارات وتوجيهات ورعاية من السنة الأولى إلى السنة السابعة هذه أخطر سنوات حياته ، فكل عاداته وتقاليده وأساليبه في الحياة يمكن أن تشكل بين هاتين السنتين الأولى والسابعة ، وبعد هذا التاريخ التأثير ضعيف جداً ، لذلك أخطر مرحلة في التعليم التعليم الأساسي ، فحينما نهتم بعلماء أو مدرسين فطاحل لهذه المرحلة نكون قد كسبنا شبابنا ، الأمة بشبابها ، الأمة بهذه الفئة الواعية المندفعة بطاقة وحكمة ، الحكمة يملكها الشيوخ والطاقة يملكها الشباب ، فلا بد من تعاون بين حكمة الشيوخ واندفاع الشباب ، والحقيقة وأنا أقولها بشكل صريح أية أمة تعتني بشبابها لها مستقبل كبير .
 أقول كلمة أخرى : هذا الشاب ماذا ينبغي أن نؤمن له ؟ فرصة عمل فقط ومسكن وزوجة ، عندئذ يعطينا كل شيء ، أعط هذا الشاب حاجاته الأساسية وخذ منه كل شيء ، أعطه حاجاته الأساسية ، لكن شاباً ينشأ في مجتمع لا يوجد أمل بمسكن ، ولا عمل ، ولا أمل بزواج ، هذا إنسان قد يتطرف تطرفين ، تطرف تفلتي ، وتطرف تشددي ، تفلتي إباحي ، و تطرف تشددي تكفيري ، حينما يشعر الشاب بالإحباط ، حينما يرى أن أساسيات حياته غير متوفرة في مجتمع ما هو أمام تطرفين ؛ تطرف تفلتي إباحي ، أو تطرف تشددي ، وهذا ما تعانيه الأمة ، فئة من الشاب تطرفت تطرفاً تفلتياً و فئة أخرى من الشباب تطرفت تطرفاً تشددياً، ونحن بحاجة إلى الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
 أنا حتى كلمة إسلام وسطي أرفضها ، ولكن أنا مضطر أن أستخدمها ، في أساس الإسلام منهج كامل من عند الله عز وجل توقيفي ، معنى توقيفي لا يضاف عليه ، من عند الله، لو أضفنا على الإسلام شيئاً هذا اتهام له بالنقص ولو حذفنا منه شيئاً اتهام له بالزيادة ، لكن لو سألتني ألا نستخدم كلمة التجديد في الدين ؟ نعم نستخدمها كثيراً ، فماذا تعني ؟ تعني أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه ، هذا هو التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه ، أن نعيد الإسلام إلى نقائه ، إلى صفائه ، إلى أصوله الأساسية الكتاب والسنة ، هناك إضافات إضافات غيرت مساره بل غيرت لونه ، انظر إلى النهر في منبعه وانظر إلى النهر في مصبه ، فلا بد أن نرجع إلى أصول هذا الدين الكتاب والسنة ، إذا تمسكنا بهما لا يمكن أن نخفق في حياتنا .
المذيع :
 دعنا نستكمل الذكريات وندخل في صلب القضايا هذه ، أنا أعود معك من ضمن الذكريات ، الوالد كان ما شاء الله من المشاهير والعلماء .

 

الأب الصالح يعطي أولاده سمعة صالحة :

الدكتور راتب :
 والدي كان عالماً من علماء الشام .
المذيع :
 كيف كان تأثير الوالد عليك ؟
الدكتور راتب :
 والله توفي والدي وكان عمري خمس سنوات ، أذكر أنه أخذني مرة إلى ثانوية مهمة في دمشق ليحضر حفل تخرج أخي الكبير ، هذه أذكرها ، أذكر موقفاً آخر أما لا أذكر شيئاً آخر .
المذيع :
 ترك لك إرثاً كبيراً ؟ مكتبة .
الدكتور راتب :
 أولاً : له سمعة طيبة جداً ، والإنسان يعيش أحياناً بسمعة أبيه ، أينما سرت في الشام هناك من يترحم على والدي ، هذا كنز كبير أشعر بقيمته ، الأب الصالح يعطي أولاده سمعة صالحة ، أنا أينما تحركت في الشام كنت أسمع ثناء على والدي ثناء كبيراً جداً ، هذا شيء أنا أعده مكسباً من مكاسبه .
المذيع :
 هل المكتبات التي تركها لكم فيما بعد كانت هي سبب توجهك إلى العلم الشرعي وطلب العلم ؟

 

توجه الدكتور راتب النابلسي إلى العلم الشرعي :

الدكتور راتب :
 أنا في سن مبكرة جداً أطمح أن أكون عالماً إسلامياً ، أنا كنت واقفاً على منبر وهناك أخ صورني وكنت صغيراً جداً ، هذا طموح قديم ، أنا أقول : الإنسان أحياناً إذا كانت له بدايات محرقة له نهايات مشرقة ، أحياناً الإنسان بوقت مبكر في حياته له طلب ، قال تعالى :

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 34 ]

 لا يوجد إنسان إلا وعنده طلب ، هذا الطلب أفصح به أم لم يفصح يعلمه الله عز وجل والآية الكريمة :

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 34 ]

 أنا أقول : إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام ، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان .
 أقول لك كلمة : سرّ وجودنا في الدنيا أن الله سبحانه وتعالى يعطينا في الدنيا سؤلنا ، من هو البطل ؟ الذي يختار عملاً عظيماً ، يختار أن يكون لبنة في بناء أمته ، فهذه النوايا الطيبة تترجم إلى أعمال ، أنا لا أقصد نفسي إطلاقاً ، أنا أخاطب الشباب ؛ أي شاب يفكر في خدمة أمته ، في خدمة مجتمعه ، في تقديم نقلة نوعية لأمته ، هذا الشاب أنا أطمئنه الله عز وجل يحقق مراده ، علماء العالم الذين تركوا آثاراً واضحة جداً في مجتمعاتهم كانوا صغاراً ، لماذا ترك هؤلاء وحدهم هذه البصمات ؟ لأن هؤلاء أرادوا أن يقدموا لأمتهم شيئاً ، الله عز وجل كما يقال في اللغة الدارجة رب النوايا ، فأنت إذا أردت خدمة أمتك الله عز وجل يسيرك إلى ما تطمح إليه ، أي أنت مسير لما اخترت ، الإنسان مخير قطعاً فإذا ألغينا الاختيار ألغينا الثواب ، ألغينا العقاب ألغينا المسؤولية ، ألغينا حمل الرسالة ألغينا كل شيء ، ألغينا الجنة ، ألغينا النار ، إن ألغينا الاختيار ، قال تعالى :

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

 قال تعالى :

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 3]

 قال تعالى :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 عقيدة الجبر عقيدة أهل الشرك ، فأنت مخير ، ولولا أنك مخير لا يثمن عملك ، ولا معنى للجنة وللنار ، ولا معنى للثواب والعقاب ، ولا معنى لحمل الأمانة ، كل هذه المعاني الكبرى التي جاء بها الدين تلغى إذا توهم متوهم أن الإنسان مسير ، هو مسير لكن لما اختاره ، الفعل فعل الله ، والانبعاث من الإنسان ، أنا أملك الانبعاث إلى الشيء ، أملك أن أقوم لأصلي أما القوة في أداء الصلاة فمن الله عز وجل ، أعطاني إياها لأنني انبعثت إلى الصلاة ، فالاختيار لا يمكن أن يلغى ، فإذا ألغي ..

ألقاه في اليم مكتوفاً و قال  له إيّاك إياك أن تبتل بالماء
***

 كلام ليس له معنى إطلاقاً ، فأنت مسير لما اخترت ، مسير أي يعطيك القوة لتحقيق ما اخترته .
المذيع :
 وأنت اخترت من الصغر أن تكون داعية وطالب علم .
الدكتور راتب :
 أنا لي صورة وأنا في الصف الثامن أخطب على المنبر ، صورة طبعاً ، هذه الصورة أذكرها كثيراً .
المذيع :
 هذه جميلة لو حصلنا على نسخة منها .
الدكتور راتب :
 إن شاء الله ، فهذه القصة ، القصة أن الإنسان حينما يخطط ، أنا أقول كلمة دقيقة إن لم تخطط يخطط لك ، إما أن تكون رقماً صعباً في خطة عدوك ، أو أن تكون رقماً تافهاً في خطة عدوك ، فلا بد من أن نخطط ، والله عز وجل وزع الطاقات والقدرات والذكاء على خلقه جميعاً بالتساوي ، لكن الدول المتقدمة تستثمر هذه الطاقات العالية ، وتوظفها لخدمتها ، والدول الأخرى قد تقمع هذه الطاقات العالية فتقع في تخلف مزدوج .
المذيع :
 التحقت بالدراسة الجامعية ، البداية كانت مع قسم اللغة العربية بكلية الآداب .

 

تميز الدكتور راتب النابلسي بلغته العربية لالتحاقه بجامعتها و حبه لها :

الدكتور راتب :
 اخترت هذا الفرع أولاً : لأنني أحبه ، أحبّ اللغة العربية ، أرى أن هذه اللغة لغة الآباء والأجداد ، لغة القرآن لأن الله اختارها لكلامه هذا وسام شرف لها ، والحقيقة أن العربية واسعة جداً في التعبير مثلاً نظر واضحة ، رأى قد تكون رؤية قلبية ، رأيت العلم نافعاً ، استشرف : تمطى ، استشف : استخدم يديه ، رنا : نظر مع المتعة ، شخص مع الخوف ، خمسون أو ستون فعلاً لنظر من مرادفات نظر ، هذا اسمه في اللغة العربية بل في فقه اللغة: اتساع العربية في التعبير .
 مثلاً لو أعطينا رساماً لون أبيض وأسود وقلنا له : ارسم هذه اللوحة ، اللوحة محدودة جداً لأن هناك بيتاً عليه قرميد أحمر ، وفيه حقل أخضر ، ووردة صفراء ، كلما كثرت الألوان التي يملكها هذا الرسام ارتفع مستوى اللوحة ، فلذلك الله عز وجل أعطانا هذه اللغة ، قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 لماذا جاء تعليم القرآن قبل خلق الإنسان ؟ هل هذا ترتيب زمني ؟ لا ، مستحيل ، مستحيل أن يُعلّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ، قال تعالى :

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 هذا الترتيب ترتيب رتبي ، وليس ترتيباً زمنياً ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه ، أعطاك مقومات الوجود ثم دلك عليه ، لذلك أنت تتمتع أيها الإنسان بنعمة الإيجاد ، موجود ، قال تعالى :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 1]

 هذه نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدك بالحياة ، بالقوة ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذه من أعظم النعم .

الشهادات العليا التي حصّلها الدكتور النابلسي :

الدكتور راتب :
 جامعة دمشق أولاً .
المذيع :
 هذه رسالة الماجستير .
الدكتور راتب :
 نلت الليسانس في آداب اللغة العربية وعلومها ، ثم نلت دبلوماً عاماً في التربية ، ثم دبلوماً خاصة من لبنان ، تسمى الماجستير ، ثم شهادة الدكتوراه التي أخذتها في تربية الأولاد من ( Trainity college ) في ١٩٩٩/٦/١٨ بناء على الخبرات والمؤلفات في مجال التربية .
المذيع :
 هذا الذي أريد أن أقف معك ، ما عنوان الرسالة ؟
الدكتور راتب :
 تربية الأولاد في الإسلام .
المذيع :
 تربية الأولاد في الإسلام من جامعة ( Trainity college ) في ١٩٩٩/٦/١٨ ، لماذا كان الاختيار لهذه الجامعة الأجنبية والموضوع إسلامي ؟
الدكتور راتب :
 أنا معي دبلوم أول ، دبلوم ثان ، فهذه الجامعة اعتبرت هذه الدبلومات كالماجستير ، فأخذت الدكتوراه مباشرة لأسباب متعلقة بتوفير الوقت والجهد .
المذيع :
 ليس اختياراً منك ، ما الفرق بين هذه التجارب بالدراسات في لبنان وفي دمشق وأيضاً في جامعة أجنبية ك Trainity college ؟

طريقة البحث هي أهم ما في العلم :

الدكتور راتب :
 يا أخي الكريم لا شك أن أي موضوع إسلامي علماء المسلمين أقوى بآلاف المرات من علماء آخرين ، لكن عندهم شيئاً يتفوقون به : منهج البحث في العلوم ، عندنا معلومات ، دقائق ، جزئيات ، مقدمات ، نهايات ، هذه معلومات ، أما الدول الأجنبية فتتمتع بمستوى عال جداً من طريقة البحث ، طريقة البحث هي أهم ما في العلم ، أنا أقول أعبر عن هذه الطريقة بمصطلح قريب من حياتنا : منهج التلقي ، اسأل مثقفاً : هل عندك مقياس للحقيقة ؟ هل عندك مقياس لما ينبغي أن تتعلمه أو أن ترفضه ؟ شيء دقيق جداً ، فنحن نوخذ بمصطلحات مثلاً : كاتب أجنبي أمريكي اسمه سومر سمون يقول : سحر الكلمة المطبوعة ، فنحن إذا رأينا كتاباً مطبوعاً نظن أن كل ما فيه صحيح ، وقد يكون العكس ، هذا خطأ ، أنا متى أكون مثقفاً ؟ إذا كان عندي منهج تلقّ وعندي مقياس ، أنت دخلت إلى غرفة فيها ألف قطعة لونها أصفر ، قسم ذهب أربعة وعشرون ، وهناك ذهب واحد وعشرون ، ذهب ثمانية عشر ، ذهب أحد عشر ، وهناك نحاس ، فالبطولة أن أملك مقياساً أعرف به الذهب وإلا آخذ النحاس ، فالبطولة أن أملك مقياساً ، أنا حينما أعطي طالب العلم مقياساً أو منهج تلقّ يعرف ماذا ينبغي أن يأخذ وماذا ينبغي أن يرفض ، ما المقياس الذي يملكه طالب العلم كي يرفض ؟ ما المقياس الذي يملكه طالب العلم بمعنى أن يأخذ ؟ ماذا ينبغي أن تأخذ وماذا ينبغي أن تدع ؟ هذا هو المقياس .
المذيع :
 دكتور موضوع النسب حتى وضعت الشجرة الخاص بك في الموقع هل هذا الاهتمام هو نابع كونك حفيداً لعمر بن الخطاب ؟

من أكرمه الله بالإيمان فالنسب تاج يتوج به رأسه :

الدكتور راتب :
 والله أنا أرى أن النسب لا قيمة له إطلاقاً مع الكفر ، قال تعالى :

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾

[ سورة المسد: 1]

 إلا إذا إنسان الله أكرمه بالإيمان فالنسب تاج يتوج به رأسه ، النسب لا يزيد عن تاج يزين به رأسه إذا كان مؤمناً بالأساس والدليل قوله تعالى :

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾

[ سورة المسد: 1]

المذيع :
 لكن أنت في نسبك تصل إلى عمر بن الخطاب .
الدكتور راتب :
 نعم وعندي الشجرة كاملة مخطوطة .
المذيع :
 كيف بحثت عنها ووصلت إلى المخطوطة ؟
الدكتور راتب :
 والله عند والدي كانت موجودة ، هي ورق قديم جداً بخط يد خطاط ، طويلة من هنا إلى هنا تقريباً .
المذيع :
 إذا أحضرناها لا تكفي هذه الطاولة ؟
الدكتور راتب :
 لا تكفي .
المذيع :
 دكتور أيضاً عينت خطيباً لجامع جدك الشيخ عبد الغني النابلسي قصة هذا الجامع، كيف وصلت إلى خطابته ؟

 

الشيخ عبد الغني النابلسي شيخ جمع بين علم الشريعة وعلم الحقيقة :

الدكتور راتب :
 هو بناه الشيخ عبد الغني النابلسي ، هذا عالم جليل بمستوى الإمام الشافعي ، هذا عالم جمع بين علم الحقيقة وعلم الشريعة ، والحقيقة عندنا علم شريعة وعلم طريقة وعندنا علم حقيقة ، جمع هذا العالم الجليل بين هذه العلوم الثلاثة ، علوم الشريعة وله كتب في الشريعة وعلم الطريقة إلى الله وعلم الحقيقة ، يتميز بمؤلفات ، ترك مئتين وعشرين مؤلفاً ، بعض هذه المؤلفات أربعون أو خمسون طبعت ، بعضها الآخر لا يزال مخطوطاً ، هو عالم كبير جداً وميزته أنه جمع بين علم الشريعة وعلم الحقيقة ، وكلا العلمين لا بد منهما .
المذيع :
 أيضاً دكتور كنت تعتزم أن تقوم بمشروع هو بناء مجمع لتخريج جيل من الشباب المسلم على قدر كبير من الوعي والإيمان .
الدكتور راتب :
 وقد تحقق بفضل الله .
المذيع :
 وكان هذا المعهد الذي هو الآن موجود ، هل هذا الطموح نهائي ؟

 

ارتباط نهضة الأمة الإسلامية بالدعوة إلى الله :

الدكتور راتب :
 لا أطمح بكليات جامعية بعدها ، هذا الحقيقة أكرمني الله به صدقاً ولا أبالغ طموحي الوحيد كان إنشاء معهد شرعي ، لماذا ؟ أرى أن الدرس العام في المساجد يوجد أمي و مثقف ثقافة عالية و متعلم ، لكن هذا الدرس العام لا يخرج علماء ، يخرج مستمعين للعلم ، أما حينما يكون هناك معهد شرعي أنا أخرج دعاة إلى الله ، سيدي أزمة العالم الإسلامي لا في مضمون الدين ، المضمون توقيفي ، في طريقة عرضه ، في الخطاب الديني ، إذا نجح الخطاب الديني أقنع غير المسلم ، وإن لم ينجح رفضه المسلم ، القضية خطيرة جداً ، أي نهضة هذه الأمة منوطة بالدعوة ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾

[ سورة الأحزاب : 45-46]

 أنا أرى من خلال قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 بنص هذه الآية لا تجد من بين البشر من هو أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ، بالمناسبة الله عز وجل قال :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت : 30 ]

 ربنا الله من دون استقامة لا تقدم ولا تؤخر ، إبليس كان مؤمناً :

﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص : 82 ]

 آمن به عزيزاً وخاطبه هكذا ، قال تعالى :

﴿ فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة ص : 79]

 لكن إبليس ما عظم الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 30-33]

 ضع تحت كلمة عظيم عشرة خطوط ، فالإيمان بالله موجود عند معظم الخلق ، ولا يكفي ، لا بد من الإيمان بالله العظيم ، أنا أقول كهذه الدائرة ، خارج هذه الدائرة الملحدون دعك منهم أي واحد قال : لهذا الكون إله ضمن الدائرة ، لكن ما لم يطبق منهج الله لا ينتفع من انتمائه لهذه الدائرة ، هناك دائرة ثانية داخل هذه الدائرة هؤلاء الملتزمون ، وهناك نقطة في هذه الدائرة هم الأنبياء المعصومون ، الإنسان حينما ينتمي لهذا الدين ولا يطبق منهج الله عز وجل لا ينتفع به إطلاقاً ، هذا الدين :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 المسلمون مليار وثمانمئة مليون ، والحقيقة أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، ليست في العالم اليوم كلمتهم هي العليا ، للطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، معنى ذلك أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، قال تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور : 55 ]

 هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا ، هل نحن ممكنون في الأرض ؟ لا ، هل نحن آمنون ؟ لا ، إذاً أين العلة ؟

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور الآية : 55 ]

 فإذا قصر الطرف الآخر فيما عليه من عبادة ربه ، فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاثة ، هذه الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع :
 هذه هي المعاني فضيلة الدكتور التي تركز عليها في محاضراتك ودروسك ، إيصال هذا المفهوم ، التربية والإيمان هي مهمة وإلى غير ذلك ، لكن هناك من يقول : رغم هذه السنين التي تقدمون من خلالها هذه المعاني الواقع لم يتغير ، كيف ترد على هذا الكلام ؟

 

من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :

الدكتور راتب :
 سهل جداً ، أنا حينما درست لثلاثين عاماً تقريباً عندي أخوة يستمعون دروسي ، هؤلاء لا يشكلون أغلبية في السكان ، الذين يستمعون للحق ويلتزمون به ليسوا أكثرية ، قال تعالى :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء .

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 الشرك أكبر خطر ...

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. ....))

[ أحمد عن شداد بن أوس ]

 فالإنسان إذا اشتهى شيئاً بخلاف المنهج قد أشرك ، قال تعالى :

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

.

[سورة الفرقان : 43 ]

 فحينما يخضع المسلمون لأهوائهم ومصالحهم ولا يعبؤون بالنصوص - دقق في هذه الكلمة - نحن في اللغة عندنا أشدّ صيغة للنفي ، وما كان الله ليفعل كذا .. هذا نفي الشأن ، قد أسأل إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول : لا ، إذا إنسان محترم وقلت له : هل أنت سارق ؟ لا يقول لي : لا ، يقول لي : ما كان لي أن أسرق ، هذا مستحيل ، مستحيل تصوره ، مستحيل فعله ، مستحيل أن أرضى به ، مستحيل أن أدعمه ، نفي الشأن ، ينفي اثني عشر فعلاً تقريباً ، أشد أنواع النفي الله ماذا قال ؟

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 ما دامت سنتك يا محمد قائمة في حياتهم ، في كسب أموالهم ، في إنفاق أموالهم ، في اختيار زوجاتهم ، في تربية أولادهم ، في أعمالهم ، في علاقاتهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم، ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، فإذا عذبنا معنى ذلك النبي الكريم ليست سنته مطبقة في حياتنا فإذا طبقنا سنته نحن في مأمن من عذاب الله .
 ومرة ثانية أقول لك : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
المذيع :
 لكن دكتور لماذا لا تجد هذه الدعوة قبولاً عند الشباب والأجيال الجديدة ؟ هناك انحسار كبير عن هذه المفاهيم والمعاني .
الدكتور راتب :
 العبد الفقير لي موقع في الانترنيت باليوم يدخله مليون إنسان .
المذيع :
 لكن ما مدى التأثير ؟
الدكتور راتب :
 تسعمئة وخمسون ألف ملف يسحب يومياً فأنا قدمت أقصى ما أستطيع ، هذا الذي عليّ .
المذيع :
 عموماً الحديث مستمر دكتور نقف فاصلاً ثم نواصل ...
 أهلاً ومرحباً بكم أخوتي الكرام أينما كنتم ، نحن في هذه الحلقة من نوافذ مع ضيفي العزيز فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي باسمكم جميعاً أجدد الترحيب به فأهلاً وسهلاً .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم كثيراً .
المذيع :
 دكتور توقفنا عند موضوع الدعوة التي تقدم للناس ، وعند المفاهيم التي تحرص لإيصالها للناس ، والمعاني الإيمانية والروحانية ، وذكرت أن هناك أعداداً كبيرة مليونية تدخل للموقع الشخصي ، وأعداد بمئات الآلاف تقوم بإنزال هذه المواد على أجهزتها ، طالما الأعداد كبيرة لماذا لا نرى ردة الفعل الحقيقية الاستجابة لهذه النداءات ؟

 

التطورات الكبيرة في المجتمع أطول من عمر الإنسان :

الدكتور راتب :
 أنا أتوقع وأعتقد يقيناً أن هناك عدداً كبيراً جداً انتقل من الضياع إلى أنه وجد نفسه ، هذا شيء ثابت ، قد لا ينتقل هذا إلى السطح الخارجي كلياً ، هناك التزام كبير بالشباب والفتيات، أثر الدعوة أي دعوتي و دعوة الآخرين حتى أكون معك دقيقاً ، فالدعوة إلى الله في الشام نامية جداً ، هذه الدعوة النامية أثرها في الشباب ، الالتزام في الشباب لكن بشكل أو بآخر حينما قال الله عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم :

﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾

[ سورة يونس: 46]

 معنى ذلك أن عمر الإنسان أقل من عمر التطورات الكبيرة في المجتمع ، لو أن رمضان يأتي في الصيف كل ست وثلاثين سنة ، إذا إنسان عاش عشرين سنة لا يتاح له أن يرى رمضان في الصيف مثلاً ، للتقريب ، التطورات الكبيرة في المجتمع أطول من عمر الإنسان لذلك أنا عليّ أن أقدم ، على الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح ، قال تعالى يخاطب النبي الكريم :

﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾

[ سورة يونس: 46]

 فأنا عليّ أن أقدم وعلى الله الباقي ، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك ، لكن الشيء الملموس أن في دمشق من فضل الله عدداً فلكياً من الشباب الملتزمين ، والفتيات الملتزمات ، هؤلاء الشباب والشابات ثمرة لهذه الدعوات الصالحات ، أثر المسجد قوي جداً ، هذا الذي نراه في المناسبات ، نراه في الطرقات ، نراه في الجامعة ، المحجبات عدد كبير جداً ويتنامى هذا العدد والشباب كذلك ، لأن كل طرح وضعي لم ينجح ، سبب نجاح الدين أنه الملجأ الأخير ، الطروحات التي طرحت في هذه العقود السابقة لم تعط الإنسان حاجته من السلامة والسعادة ، لم يبق إلا الدين هو الملجأ الوحيد والأخير ، فلذلك حينما يئس الناس من صلاح ذات بينهم ، من صلاح حياتهم عن طريق الأنظمة الوضعية فعادوا إلى الدين ، متيقنين أن الدين فيه الحل الكامل والأمثل .
المذيع :
 هذه المشاريع الدعوية والإصلاحية والتربوية لهذه الأجيال الجديدة التي كانت في دمشق كما ذكرت ، دكتور أنت مهتم بالإعجاز العلمي كثيراً في كليات الشريعة كيف أثر هذا الاهتمام ؟

 

مادة الإعجاز العلمي هي الوحيدة القادرة على إقناع الطرف الآخر بعظمة هذا الدين :

الدكتور راتب :
 أنا أعتقد يقيناً أن هذه المادة مادة الإعجاز هي الوحيدة التي بإمكانها أن تقنع الطرف الآخر ، الطرف الآخر مؤمن بالعلم ، فإذا رأى أن حقيقة علمية حديثة ، اكتشفت وهذا الاكتشاف إنجاز كبير ثم تأتي آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمئة عام تؤكد هذه الحقيقة ، هذا أكبر دليل على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، مثلاً أول رحلة فضائية للقمر ، عندما صعد رائد الفضاء إلى القمر ، وتجاوز طبقة الهواء التي تبلغ خمسة وستين ألف كيلو متر وهي طبقة الهواء صاح بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، وكان بوكالة الفضاء في فلوريدا عالم مصري كبير فاروق الباز ، سمع كلمة الرائد بأذنه وقالها في الكتاب : لقد أصبحنا عمياً ، ما الذي حصل ؟ لما تجاوزت مركبة الفضاء طبقة الهواء التغى تناثر الضوء ، ما التناثر ؟ أشعة الشمس حينما تسلط على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسها إلى مكان آخر ، ففي الأرض مكان فيه أشعة شمس ومكان فيه ضوء الشمس ، الأرض مضيئة في النهار ، وليس كل مكان فيه أشعة الشمس ، هذا اسمه تناثر الضوء ، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء صاح رائد الفضاء بأعلى : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، الآن افتح القرآن الكريم :

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 14-15]

 حينما تجري معركة بين الفرس والروم في وادي الأردن ، في المكان الذي ينخفض عن سطح البحر ستمئة متر ، هذه أعمق نقطة في الأرض تأتي آية قرآنية يقول الله عز وجل :

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 2-3]

 هذا المكان البحر الميت أخفض نقطة في الأرض قاطبة ستمئة متر تحت سطح البحر ، تأتي آية قرآنية ، قال تعالى :

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾

[ سورة الحج : 27]

 لم يقل بعيد ، قال : عميق ، لأن الأرض كرة ، فكلما المسافة ازدادت صار هناك عمق .
 بعدما تطور علم الأجنة تطوراً رائعاً جداً تبين أن الذي يحدد جنس الجنين ليست البويضة لكنه الحوين ، تفتح القرآن الكريم :

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم : 45-46]

 سيدي هناك آلاف الآيات ، كتاب الإعجاز من فضل الله عز وجل طبع عشرين طبعة بسنة ونصف تقريباً ، الإعجاز يقنعك إقناعاً قطعياً أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، أنا أعتقد أنه لا يوجد مادة علمية تقنع الغرب تقنع الطرف الآخر بعظمة هذا الدين إلا الإعجاز .
المذيع :
 أيضاً لديك موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية هل تسعى من خلال هذه الموسوعة أن تكون على غرار الموسوعات الكتبية ؟

السعي لجعل موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية موسوعة كتبية :

الدكتور راتب :
 والله أتمنى وهي الآن في الطريق إلى هذا الشيء ، هي حوالي أربعمئة ألف صفحة تقريباً .
المذيع :
 يعمل على هذا الموقع ...
الدكتور راتب :
 عدد كبير ، فريق عمل كبير .
المذيع :
 دكتور تشارك في كثير من المؤتمرات والمحاضرات يمنة ويسرة في شتى المجالات والموضوعات هل أنت تركز على أن تكون مثلاً للعالم الموسوعي وتبتعد عن العالم المتخصص؟

استخدام الأسلوب العلمي مع الأدلة و البراهين لإقناع الغرب بالدين :

الدكتور راتب :
 أنا حينما أسافر للغرب لا أستخدم النصوص أبداً ، أستخدم الأسلوب العلمي فقط ، الدليل ، الإنسان الغربي يحتاج إلى الدليل العلمي لا يحتاج إلى نص لأنه أصلاً لا يؤمن بهذا النص ، وأنت حينما تخاطب إنساناً لا يعبأ بالنص بالوحيين خاطبه بالعلم ، بالمادة ، الحقيقة الدعوة قضية معقدة جداً ، هذا الذي أمامك عنده خطوط دفاع ، بطولتك أن تخترق هذه الخطوط، كل واحد منا عنده خطوط دفاع ، إذا جاءت فكرة خلافاً لمعتقداته رفضها ، لكن أحياناً الإنسان الذكي يتسلل عبر خطوط الدفاع ، فالغربي عندما تتحدث بالنص يرفض دعوتنا كلها ، يجب أن تتحدث بالعلم ، وأن تأتي بالأدلة والبراهين الصحيحة لتأكيد فكرتك ، بهذه الطريقة تقنع الرجل الغربي ، أنا أرى المادة الأولى التي يمكن أن تقنع الغرب الإعجاز العلمي ، الغرب يؤمن بالعلم إيماناً لا حدود له ، فإذا رأى أن حقيقة علمية دامغة صحيحة أتى بها نص قرآني قبل ألف وأربعمئة عام هذا دليل قطعي مقنع مفحم أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
المذيع :
 بعيداً عن المناظرات الغربية والمشاركات الغربية في شتى المجالات الموجودة في العالم الإسلامي هل أنت مع فكرة العالم الموسوعي أم مع فكرة العالم المتخصص ؟

ضرورة الجمع بين الثقافة الموسوعية وثقافة الاختصاص :

الدكتور راتب :
 والله أنا لي رأي ثالث .
المذيع :
 ما هو الرأي الثالث ؟
الدكتور راتب :
 تعلم كل شيء عن شيء - اختصاص - وشيئاً عن كل شيء ، أنت كداعية إذا سمع مواطن في الأخبار تعويم العملة وسألك ، يجب أن تقدم له إجابة ، فعندما تكون مطلعاً عما يجري حولك ، مطلعاً على المذاهب التي تنافس الدين ، مطلعاً على طروحات غير المؤمنين ، مطلعاً على الدفاع القوي ، فالاطلاع يعطيك القدرة على الإجابة عن أي سؤال ، الإنسان حينما يرى عالماً يعتلي المنبر يظن به العلم ، فإذا جاء السؤال والعالم لم يستطع أن يجيب عنده مشكلة، أنا أقول للدعاة : لا بد من أن تتعمق في ثقافة العصر ، لا بد من أن تعلم ماذا يجري حولك ، لا بد من أن تتعلم كل شيء عن شيء تختص به ، ولا بد من أن تعرف شيئاً عن كل شيء ، هذه الثقافة الموسوعية ، أنا أريد الموقف الثالث أن أجمع بين الثقافة الموسوعية وثقافة الاختصاص .
المذيع :
 اسمح لي أن أنقل إليك بعض الملابسات أو التهم إذا أردنا أن نسميها ، من أبرزها أن شخصك الكريم يتهم بالتصوف هذا السؤال الأول ، أنا أسأل : لماذا يتهم كثير من العلماء في سوريا بهذه الأمور ؟ لماذا الاتهام بالتصوف عادة ؟

 

ضرورة العودة إلى منهج النبي لأنه منهج كامل :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أنا أولاً أنطلق من أنه لا يجوز أن أحدث في الدين مصطلحاً جديداً ،التصوف مصطلح لم يكن من قبل ، هل ورد هذا التصوف في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ النبي جاء بالإسلام الصحيح ، هذا الإسلام الصحيح المتوازن الذي جمع بين الدنيا والآخرة وبين قيم المادة وقيم الروح ، هذا الإسلام المتوازن عاشه النبي صلى الله عليه وسلم ، الآن لما اهتم العلماء اهتماماً مبالغاً به بأحكام الفقه فقط ، ولم يهتموا بأحوال القلب والتزكية ، ظهر الصوفيون رداً على اهتمام الفقهاء بالأحكام الفقهية فقط ، فلما شطحوا وتجاوزوا الحدود جاء الطرف الثالث ليرجع إلى الكتاب والسنة ، هي عملية باب مروحة بمرحلة كان هنا ، هذا المكان ليس مكاناً وسطياً لهذا الباب ، انتقل إلى هذا المكان المكان الثاني عاد إلى هذا المكان ، فنحن من موقف نؤكد فيه الفقه الإسلامي فقط ثم نؤكد التزكية فقط ، لا ، الإسلام يجمع بين الفقه والتزكية ، لا بد من أن نعود إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كامل ، لذلك أنا أقول : النبي صلى الله عليه وسلم له سنة معروفة ، أقواله سنة ، وأفعاله سنة ، وإقراره سنة ، أنا أضيف للنبي الكريم سنة رابعة سنة دعوية ، كيف دعا إلى الله عز وجل ؟ كيف عاشر أصحابه ؟ كيف عاملهم ؟ كيف اجتمع بهم ؟ كيف أقنعهم ؟ كيف كان موقفه منهم ؟ هذه سنة دعوية ، وما لم يقلد الدعاة رسول الله في دعوتهم إلى الله لن ينجحوا .
 أنا مع الأصلين للإسلام الكتاب والسنة .
المذيع :
 أيضاً ضمن النقاط التي نريد أن نسأل عنها الدكتور راتب الجمعية التي أنت تشارك بها كعضو مؤسس ؛ جمعية حقوق الطفل ، ما سر هذا الاهتمام كرجل دين بهذه الجوانب الحقوقية ؟

الطفل أكبر داعم للأمة إن ربي على الأخلاق و القيم و الحضارة :

الدكتور راتب :
 أنا أعمل في التعليم بالأساس ، الحرفة الأساسية لي هي التعليم ، أنا أرى أن الطفل أثمن شيء نملكه ، فحينما يهمل الطفل ، حينما يعذب ، حينما يدفع الطفل إلى عمل لا يليق ، نكون دمرنا مستقبل الأمة ، أنا أرى الأمة في شبابها وفي أطفالها ، هؤلاء المستقبل ، أنا أرى أن العناية بالأطفال لا يوجد نهضة تقوم بأي مجتمع إلا إذا بدأت بالتعليم ، أنا مؤمن بالتعليم وأنا علمت في التعليم ثلاثاً وثلاثين سنة ، والله كل عام أتمنى أن يطول أمد التعليم ، لأني أشعر أنه ما من حرفة أقرب إلى الدعوة إلى الله كالتعليم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( وإنما بعثت معلماً ))

[ الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))

[ مالك عن بلاغ مالك ]

 الخطأ يبدأ من إهمال التعليم ، إذا علمت هذا الطفل على المبادئ والقيم والحضارة الصحيحة هذا الطفل يصبح أكبر داعم للأمة .
المذيع :
 نختم في الحقيقة هذه الرحلة مع فضيلة الدكتور محمد بسؤال نسأل الله أن يمد بعمرك في طاعة الله ، ما هي الطموحات والآمال المستقبلية التي ما زالت عالقة في ذهنك وتصبو إليها ؟

 

الطموحات والآمال المستقبلية للدكتور النابلسي :

الدكتور راتب :
 والله أنا أصبو إلى أن يتسع نطاق الملتزمين ، لأن هذه الأمة وعدت بالنصر ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، فإذا لم ننتصر هناك خلل في حياتنا، أنا كل جهدي أن أبحث عن هذا الخلل وأن أزيله حتى تستحق هذه الأمة وعد الله عز وجل ، الله موجود ، والأمر بيده ، والله قوي ، والأطراف كلها بيده ، فإذا لم ننتصر عندنا مشكلة كبيرة في حياتنا ، عندنا خلل خطير ، أنا أبحث عن هذا الخلل ، وأحاول أن أرمم هذا الخلل ، هذا طموحي الكبير حينما نكون كما ينبغي نستحق وعود الله عز وجل ، ومرة أخيرة : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 نسأل الله أن يحقق لنا ولكم أمانيكم شيخنا الكريم ، في الختام شكراً جزيلاً على تلبيتك لهذه الدعوة .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم وبقناتكم وإن شاء الله تكون هذه القناة دعوة إلى الله عز وجل .
المذيع :
 شكراً لك .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور