وضع داكن
18-04-2024
Logo
الصلاة عماد الدين : 08 - سجود السهو والتلاوة والشكر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

سجود السهو :

سجود السهوِ؛ وسجود السهوِ يجبُ لترك واجب، فإذا تُرِك الواجب يجب سجود السهوِ لترميم النقص، فيجب سجدتان بتشهد وتسليم، لترك واجب سهواً وإن تكرر! وإذا ترك المصلي واجباً سهواً، وإن تكرر، و ترك أحد أركان الصلاة، فصلاته باطلة! ويجب أن يعيدها، ولو ترك أحد واجبات الصلاة فعليه أن يسجد للسهو دون أن يعيدها، فإذا ترك بعض السنن والمستحبات فلا شيء عليه، لكنه قد أساء لترك واجب سهواً وإن تكرر و لو ترك واجبين أو ثلاثة يجزئهما سجود سهوٍ واحد في نهاية الصلاة، أما إن كان تركه لهذا الواجب عمداً فوجبت إعادة الصلاة، إن تركه سهواً وجب عليه سجود السهو، فإن تركه عمداً وجب عليه إعادة الصلاة لجبر نقصها، لكن هناك حالات ثلاثة يسجد فيها الرجل لو ترك واجباً عمداً! هذه الحالات الثلاثة من ترك القعود الأول.
فلو فرضنا أربع ركعات، القعود الأول واجب، فلو ترك الرجل القعود الأول عمداً يُجزِئه سجود السهو، أو تأخير سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، إذا سجد سجدة واحدة، وما أن يتابع هذه السجدة في آخر الصلاة يجزئه سجود السهو عن هذا السهو، أو العمد، ومن تفكّر عمداً حتى شغل باله عن ركن وجب عليه أن يسجد للسهو فمتى يأتي بسجود السهو؟ العلماء قالوا: بعد السلام، لا بعد التسليمتين، ولكن بعد التسليمة الواحدة، يسلم نحو اليمين ثم يكبر، ويسجد سجدتين ويقعد ويتشهد، ثم يسلم تسليمتين.
وإن سجد للسهو قبل أن يسلم كُرِهَ ذلك منه تنزيهاً، وعليه أن يسلم تسليمة واحدة.

حالات سقوط سجود السهو :

طلوع الشمس واحمرارها عند المغيب يسقط سجود السهو
ويسقط سجود السهو في حالات منها: طلوع الشمس بعد السلام في صلاة الفجر، ولو أن إنساناً يصلي في غرفة مرتفعة تُطِلُّ على المشرق، وهو يصلي برز قرن الشمس سقط عنه سجود السهو! لأنه لا يجوز أن تسجد وقت طلوع الشمس، ولا وقت توسطها في كبد السماء، ولا قُبَيل غروبها، يجب أن تصلي بعد أن ترتفع الشمس في كبد السماء، مقدار رمحين وحتى تزول من كبد السماء، و قُبَيل أن تصفرّ إذا آن أوان غروبها، في هذه الأوقات الثلاثة مكروه أن تصلي، فلو صدف أنك صليت صلاة الفجر، وحينما صليت رأيت قرن الشمس قد طلع سقط عنك سجود السهو، ويسقط أيضاً باحمرارها في العصر، وما يمنع البناء بعد السلام، لو أنه سلّم فسال منه دم غزير انتقص وضوءه، فهذا الدم الغزير يمنعه من متابعة صلاته، إذاً هذا الدم الغزير يسقط عنه سجود السهو.

حكم المأموم الذي لم يسهُ لكن الإمام سها :

والآن نتحدث عن المأموم الذي لم يسهُ، لكن الإمام سها، والإمام سجد سجدة السهو، والمؤتم ملزم أن يسجد مع إمامه! فالإمام سها في الركعة الأولى، مثلاً سجد سجدة واحدة ونسي، ووقف في الركعة الثانية فجاء مؤتم ائتم به في الركعة الثانية فهذا المؤتم ما سها، ولا رأى إمامه سها، فإذا سجد الإمام للسهو عليه أن يسجد معه متابعة للإمام.
فيسجد المسبوق مع إمامه، ثم يقوم لقضاء ما سُبِقَ به، ولو سها المسبوق فيما يقضيه، المسبوق وقف ليصلي فسجد سجدة واحدة، فعليه أن يسجد مرة ثانية لسهوه هو لا لسهو إمامه، وبعضهم اعترض! كيف يجوز أن نسجد مرتين لسهوين في صلاة واحدة؟ فكانت الإجابة: إن هذه الصلاة بحكم الصلاتين، مرة كنت مأموماً، ومرة كنت مفرداً.

الإمام لا يسجد للسهو في الجمعة والعيدين :

لايأتي الإمام بسجود سهو في الجمعة والعيدين
ولا يأتي الإمام بسجود السهو في الجمعة والعيدين، و لو فرضنا تشّهد الإمام أو نسي سجوداً ثم سجد لهذا السهو يحدث بلبلة في الجمعة! بعضهم يقول: يا أخوان أعيدوا الصلاة، وأحدهم يقول: لا هي صحيحة، لئلا تحدث فتنة بين الناس، ولئلا يحصل بلبلة، واضطراب، و زعزعة بالثقة لهذا الإمام، فلا ينبغي للإمام أن يسجد للسهو في الجمعة والعيدين، هكذا الفقه.
الآن من سها عن القعود الأول من الفرض، إذا قال: الله أكبر أعطاها نبرة القيام، وينبغي له أن يقعد، إذا وصل إلى القيام الكامل عليه أن يسجد للسهو، فإذا كان أقرب إلى القعود يقعد ولا شيء عليه، حتى أن بعضهم قال: إذا كان أقرب إلى القيام عليه سجود سهوٍ، وإذا كان أقرب إلى القعود لا شيء عليه.

سجود التلاوة :

آيات سجود التلاوة أربع عشرة آية
سجود التلاوة وسببه التلاوة، من إضافته إلى سببه، التلاوة على التالي والسامع في الصحيح، يجب سجود السـهو على التالي أي تالي القرآن إذا مرّ بسجدة أو السامع على الصحيح، وهو واجب على التراخي إن لم تكن في الصلاة، مادمت تقرأ القرآن خارج الصلاة واجب على التراخي، يوجد ظروف لا يناسب أن تسجد كأن تقرأ القرآن في سيارة عامة وأنت مسافر مرّ معك سجدة، فصعب عليك أثناء وجودك في السيارة العامة أن تسجد أمام الناس، وجوب هذه السجدة على التراخي في غير الصلاة، وكره تأخيرها تنزيهاً، تأخير السجود مكروه تنزيهاً لا تحريماً، والكراهة نوعان كراهة تنزيهية و كراهة تحريمية، ويجب على من تلا آية فيها سجدة أن يسجد للسهو، فلو تلوت آية السجدة وحدها عليك أن تسجد للسهو، وبعضهم قال: مع كلمة قبلها وكلمة بعدها أي كلمة السجدة، ولله يسجد، إن تلوت كلمة قبلها وكلمةً بعدها وجبت عليك سجدة التلاوة، وآياتها أربع عشرة آية في الأعراف، و الرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والحج، والفرقان، والنمل، والسجدة، وصاد، وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت، والعلق، هذه هي السور التي فيها مواضع لسجود التلاوة، ويجب السجود على من سمع وإن لم يقصد السمع، أخوك في البيت يقرأ القرآن وأنت تعمل عملاً يجب على من استمع آية السجدة وإن لم يقصد سماع القرآن الكريم إلا الحائض والنفساء فليس عليها سجود التلاوة.

سجود الصلاة الطبيعي يغني عن سجود التلاوة بشرط ألا ينقطع فور التلاوة :

سجود التلاوة؛ وسجود التلاوة يؤدى بركوع أو سجود في الصلاة، غير سجود وركوع الصلاة، فللصلاة ركوع وسجود طبيعي اعتيادي حكمي، وسجود التلاوة يؤدى بركوع أو بسجود غير ركوع الصلاة الأساسي وسجوده، ويجزئ عن هذا السجود، معنى يجزئ أي يغني، ركوع الصلاة الطبيعي، إن نواها، إذا نوى سجود التلاوة في ركوع الصلاة الطبيعي فركوع الصلاة الطبيعي يجزِئ أي يغني عن سجود التلاوة، وإن لم ينوها يجزِئ عنه السجود الطبيعي، فالركوع يجزئ بشرط النيّة، والسجود يجزئ من دون نيّة، فسجود الصلاة الطبيعي يغني عن سجود التلاوة بشرط ألا ينقطع فور التلاوة أي ينقطع استمرار التلاوة، فمثلاً قرأت آية السجدة فرفعت وسجدت فسجودك الطبيعي هو في الوقت نفسه سجود للتلاوة، ولك أن تقرأ آية بعدها ولا ينقطع الاستمرار، و لك أن تقرأ آيتين ولا ينقطع الاستمرار، أما إذا قرأت فوق آيتين فينقطع الاستمرار ويجب عليك عندئذٍ أن تسجد للتلاوة سجوداً مستقلاً.

متى يغني سجود الصلاة الطبيعي عن سجود التلاوة ؟

متى يغني سجود الصلاة الطبيعي عن سجود التلاوة؟ إذا كنت تقرأ الآيات فجاءت آية السجدة فقلت: الله أكبر، وركعت ركوع الصلاة، وسجدت سجود الصلاة، فهذا السجود يغني عن سجود التلاوة، أما إذا قرأت آيات كثيرة بعد آية السجدة فلا بد من أن تسجد للتلاوة سجوداً مستقلاً عن سجود الصلاة.
والآن: لو أن مسلماً قرأ آية السجدة، وقرأ آيتين أو ثلاث بعدها، فخرّ ساجداً سجود التلاوة لا سجود الصلاة، ثم وقف فلا ينبغي له أن يركع ويسجد، ينبغي له أن يتم قراءته، إذ كُرِهَ أن يركع ويسجد بعد سجود التلاوة لأنه بنى سجوداً على ركوع، وهذا في الصلاة غير وارد.
تقرأ الآية فتسجد للتلاوة تقف تتابع الآيات، أما إذا أنهيت القراءة عند آية السجدة فركوع الصلاة وسجودها يجزئان ويغنيان عن سجود التلاوة، والركوع يغني بنيّة، والسجود يغني من دون نيّة، فهل هذا واضح؟
الآن: لو سمع رجل من إمام لم يأتَّم به آية سجدة، أو ائتم به في ركعة أخرى فسمع آية السجدة من إمام يصلي وهو لم يأتَّم به، في الركعة الثانية ائتم به يجب أن يسجد خارج الصلاة، فالمستمع يسجد خارج الصلاة، والذي ائتم بهذا الإمام بعد أن ينهي الإمام صلاته يسجد هو سجدة التلاوة خارج الصلاة، وإن ائتم به قبل سجود إمامه لها سجد معه، فلو فرضنا قرأ آية السجدة، وقال: الله أكبر للسجود وائتم به في هذه الأثناء يأتَّم به ساجداً مباشرة.
وإن اقتدى به بعد سجودها في ركعتها فهذه حالة دقيقة: دخل رجل المسجد يوم الجمعة في الفجر فالإمام قرأ السجدة وسجد ثم وقف وتابع السورة فلما انتهى من السورة ركع فجاء هذا الرجل وائتم بالإمام في آخر تسبيحة من الركوع، هل عليه سجود التلاوة؟ الجواب لا! لأنه أدرك ركعة مع الإمام وإدراك جزء كإدراك الكل، وكأنه وقف واستمع إلى السورة، وسجد للتلاوة ووقف وركع.

قراءة القرآن خارج الصلاة لها سجود تلاوة:

والآن: لو قرأت القرآن خارج الصلاة ومرّت بك آية سجدة وسجدت ثم قمت فصلَّيت وقرأت سورة فيها سجدة يجب أن تسجد مرة ثانية، فقراءة القرآن خارج الصلاة لها سجود تلاوة، وقراءة القرآن داخل الصلاة لها سجود تلاوة، ولو قرأ القرآن أولاً وفي قراءته سجدة ولم يسجد قام فصلّى وفي قراءته سجدة تغنيه السجدة الثانية عن الأولى، أما لو قرأت مجموعة آيات فيها سجدات في مجلس واحد تسجد سجدة واحدة.

المجلس لا يتبدل إذا غيّرت الغرفة :

أما إذا تبدل المجلس مثلاً غيّرت مكانك وغيرت الغرفة، إذا تبدل المجلس فعليك أن تسجد للتلاوة إذا قرأت آية التلاوة مرة أخرى.
قيل: إن المجلس لا يتبدل إذا غيّرت الغرفة، فإذا بدلت مكانك من زاوية لأخرى لا يتبدل المجلس، ولو بدلت مكانك من زاوية مسجد مهما كان فسيحاً فالأمر كله مجلس واحد ولو غيرت مكانك من شرقه إلى غربه فهذا مجلس واحد، وأنت في السفينة فتحركت معها فمجلس واحد، اتكأت وجلست وقمت وركبت ونزلت فهذا كله مجلس واحد.

تَبَدُل مجلس السامع يلزمه بتكرار السجود :

أما السامع إذا كان قارئاً يقرأ القرآن وكان فيها آية سجدة فعليه أن يسجد، خرج من مكانه فالسامع والقارئ مجلسه واحد ورجع وقرأ آية أخرى فيها سجدة فعليه أن يسجد مرة ثانية تَبَدُل مجلس السامع يلزمه بتكرار السجود، أما ثبات مجلس السامع فلا يلزمه بتكرار السجود.
قال: كُرِهَ أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة فمكروه! ونُدِبَ ضم آية أو أكثر إليها، ونُدِبَ إخفاؤها! مثلاً: أنت كإمام لك إيقاع صوتي خاص بالتكبيرات، وإذا قلت: الله أكبر لسجود التلاوة فينبغي لك أن تغير هذا الإيقاع كي ينتبه الغافل، وهذا يحدث أكثر ما يحدث في صلاة الوتر جماعة في رمضان، إذ يكون المصلي غير منتبه، فيقول الإمام: الله أكبر فيركع نصف المصلين! هو قال: الله أكبر لدعاء القنوت، والأصول أن يكبّر هذه التكبيرة بصوت مختلف عن تكبيراته الاعتيادية، في صلاة العيد أيضاً هناك ثلاث تكبيرات قبل الركوع، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إذا قلت الرابعة مثل المرات الثلاثة يبقى المصلون واقفين، فعليك أن تقول الرابعة بإيقاع صوتي مختلف عن الثلاث كي يركعوا معك وهذه حكمة من الإمام.

من يقرأ القرآن و هو جالس فعليه أن يقف ثم يسجد إن مرت معه سجدة :

شروط سجدة التلاوة هي نفسها شروط الصلاة
إذا إنسان جالس يقرأ قرآناً، فالسنّة ألا يسجد مباشرة بل أن يكون واقفاً ثم يسجد! لو فرضنا قارئاً يقرأ القرآن وحوله عشرة مستمعين ومرت آية سجدة لا يرفع السامع رأسه من سجود التلاوة حتى يرفع التالي الذي هو الإمام، ولو عشرة يجلسون في المجلس وتالي القرآن سجد للتلاوة، فالتالي إذا قال: الله أكبر يرفع الحاضرون كأنه إمامهم، لكن إذا كان التالي يقرأ القرآن جالساً في مجلس، والناس تجلس جلسات مختلفة، فلا ينبغي للتالي أن يتقدمهم، ولا ينبغي للمستمعين أن يصطَّفوا، لأن هذا السجود ليس صلاة! وكل مصلٍّ على وضعه كما هو طبعاً باتجاه القبلة، ولكن لا داعي للاصطفاف على التأخير.
وشُرِط لصحتها شرائط الصلاة من ستر للعورة، واستقبال القبلة، والطهارة من الحدث، وشروط الصلاة نفسها هي شروط سجود التلاوة، إلا التحريم وكيفيتها أن يسجد سجدة واحدة بين تكبيرتين هما سنتان بلا رفع يد ولا تشهد ولا تسليم.

سجدة الشكر :

سجود الشكر عندما يصيب الإنسان نعمة
سجدة الشكر؛ هذه السجدة تكون حينما يصيب الإنسان خيراً، مثلاً إنسان تزوج امرأةً جمعت بين جمال الخَلق والخُلق فلما رآها أول ما رآها يسجد شكراً لله، فقد كان بعض السلف الصالح يسجد لله سجود الشكر على نعمة الزوجة الصالحة، ولو أن امرأته حامل وأنجبت مولوداً سليماً من كل عيب، حسن الصورة له أو عليه، فالأولى له أن يسجد لله سجود الشكر، أو عقد صفقةً بسعر جيد، ونوعيةٍ ممتازة فعليه أن يسجد بعد عقد الصفقة، أو باع هذه الصفقة بربح معقول فعليه أن يسجد لله بعد بيع الصفقة، أو كان يسكن بيتاً بالإيجار فأكرمه الله عز وجل بمنزل اشتراه، وصار ملكاً له، فإذا دخل البيت أول مرة فعليه أن يسجد لله سجود الشكر.
كان يعمل موظفاً في محل تجاري أو صانعاً في محل فأكرمه الله عز وجل واشترى محلاً تجارياً، فإذا دخله فعليه أن يسجد سجود الشكر، كان في مرتبة على أساس الشهادة الثانوية، فلما نال الشهادة العليا صدر مرسوم بترفيعه إلى مستوى هذه الدرجة فعليه أن يسجد سجود الشكر، اشترى مركبة، أو مكّنه الله من أداء الحج أو العمرة، أو أكرمه الله ببر والديه، فالنعم التي أنعم الله بها علينا لا تعد ولا تحصى، فجميل جداً بالإنسان أن يكون حساساً للنعمة.

حالة المؤمن حالة شكر دائم :

احمد الله على الماء العذب الذي تشربه
والنبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظم عنده النعمة مهما دقت، فإذا شربت كأس ماء عذب فرات باردٍ صاف بكأس نظيف، فلك أن تقول الحمد لله:

((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ))

[البخاري عن أَنَسٍ]

الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ منفعته، وأخرج عني أذاه" .
إذا ارتدى ثوباً جديداً، وإذا دخل بيته يقول: الحمد لله الذي آواني وكم ممن لا مأوى له، وإذا وقعت عينه على أولاده وهم في صحةٍ جيدة الحمد لله على نعمة الولد الصالح، إذا وقعت عينه على امرأته وكانت مطواعةً له فالحمد لله على نعمة الزوجة الصالحة، فكم لك يا رب من نعمة قلَّ لها شكري، حالة المؤمن حالة شكر دائم، أنعم الله عليه بقوة يخدم بها نفسه، فهذه نعمة لا تعد ولا تحصى، أنعم الله عليه بنعمة السمع، والبصر، والفؤاد، والعقل، وأنعم عليه بكمال الخلق، كان إذا نظر إلى المرآة قال:

(( اللهم كما حسنت خَلقي حسن خُلقي))

[أحمد في كتاب الزهد عن عائشة]

وإذا ارتدى ثوباً جديداً، إذا تناول طعام شهياً، إذا كانت له سمعة طيبة، إذا أحبه الناس:

ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
***

المؤمن بين صبر على معالجة الله وبين شكر على نعم الله :

image
والذي أعرفه أن حالة المؤمن نصفها شكر ونصفها صبر، فلو أردت أن تقسم الإيمان قسمين لاحتل الصبر نصفه، ولاحتل الشكر نصفه الآخر، فهو بين صبر على معالجة الله، وبين شكر على نعم الله، ولا تخلو حياة الإنسان من حالة يفرح بها، أو حالة يحزن لها، فإن أصابته حالة يفرح لها فعليه بالشكر، وإن أصابته حالة تحزنه فعليه بالصبر، وهاتان الحالتان- الصبر والشكر - من علامات الإيمان، ففي الرخاء شكور، وفي البلاء صبور، في الفاقة متعفف متجمل، في اليسر سخيّ كريم، فمن لوازم المؤمن أنه كلما أصابته نعمة يبادر إلى السجود لله عز وجل سجود الشكر.

الإنسان ليس مكلفاً أن يؤدي سجود الشكر في مكان عام :

اشكر الله على نجاحك
ولكن لا ينبغي لك أن تسجد في مكان لا يعرف الناس فيه هذا الحكم، فحينما ضعف الدين في النفوس، وصار الناس غافلين بعيدين جاهلين، قد يستهزئون بالدين، فلست مكلفاً ولا ملزماً أن تؤدي هاتين السجدتين في مكان عام.
طالب عند الامتحان نجح، أول عملية عليه أن يقوم بها إذا نجح أن يبادر إلى سجود الشكر، اسجد لله، ومرغ جبهتك في أعتابه، وقل: يا رب لك الحمد الذي أنعمت:

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُرِّبَ لَهُ طَعَامٌ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ اللَّهُمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وَاجْتَبَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ]

قال الإمام أبو يوسف والإمام محمد وهما من كبار تلامذة الإمام أبي حنيفة: " هي قربة يثاب عليها ".

سجدة الشكر هيئتها كسجدة التلاوة :

يحصل الوفاق في الزواج المبني على الإيمان
وسجدة الشكر وهيئتها مثل سجدة التلاوة، والإنسان لا تخلو حياته من بعض المسرات، فلو فرضنا أنّ إنسانًا يوم التقى بزوجته أول مرة سجد لله سجود الشكر، وأغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى يوفق بينهما، فإذا ظن أنه قد حصل هذا الزواج بجهده وبذكائه وبماله فأغلب الظن أن شقاقاً وتعاسة تنشأ بينهما، وأعرف إنسانًا ليس مستقيماً، ولكنه غني، تزوج فتاةً وهو يظن أنه سيسعد بها، فلم يمضِ على هذا الزواج أسابيع حتى كان الفراق بينهما، كانت معه في سيارته خارج دمشق، من كلمة إلى كلمة، وضعها في الطريق ونزل إلى الشام، فلو أن زواجًا بني على الإيمان، وعلى الشكر، وعلى تقوى الله، وعلى محبته فأغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى يوفق بينهما، بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير، وأخرج منكم الكثير الطيب الصالح، ووفقكما إلى ما يحب ويرضى، فهذا من الدعاء المستحب في عقد النكاح.

من عرف أن النعم من الله عز وجل فهذا نوع من أنواع الشكر :

المتكبر لا يرى نعمة الله عليه
يا رب كيف شكرك ابن آدم؟ قال: علم أنه مني، فكان ذلك شكره، أي علم أن هذه النعمة من الله، أو علم أن الشكر نعمة أخرى تضاف إلى النعم فكان ذلك شكره، وإذا عرفت أن هذه النعم من الله عز وجل فهذا نوع من أنواع الشكر، أحيانا امرأة تُخطب لزوج ميسور الحال، يسكنها في بيت مؤسس بكل الأثاث الجيد، والطعام متوافر، والشراب متوافر، والدفء، والجو البارد في الصيف متوافر، وهذه المرأة بحمقها تظن أن هذه النعم وصلتها بذكائها، بينما الله سبحانه وتعالى لولا هذه المسحة من الجمال التي وهبها إياها لما نظر إليها زوجها، ولما خطبها في الأساس، ولما أسكنها في هذا البيت، فلو علمت المرأة أن الله سبحانه وتعالى متفضل عليها بنعمة الجمال والكمال لذابت لله شكراً وتواضعا فالمتكبر دائماً لا يرى نعمة الله عليه، وقد يحصل الإنسان على شهادة عليا فيعين في منصب رفيع، فيظن نفسه أنه بذكائه نال هذا المنصب، فلو أن قطرة دم تجمدت في دماغه في بعض شرايين المخ لفقَدَ ذاكرته، ولو أنه تجمدت في مكان آخر لفقد بصره، ولو أنها تجمدت في مكان ثالث لفقد حركته.
إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك فأغمض عينيك
هناك رجل ذهب إلى فرنسا، وعاد بدكتوراه وبزوجة فرنسية، وعين في أعلى المناصب الحكومية، ورقصت له الدنيا كما يقولون، واللهُ عز وجل لحكمة بالغة سلبه نعمة البصر، فبقي شهراً في مكتبه يوقع المعاملات على وصف المساعد له، إلى أن انتقل إلى البيت، وفي شهر آخر كانت تأتيه المعاملات إلى البيت ليوقعها على وصف من يقرؤها له، ثم سرح من وظيفته، دخل عليه صديق لي وله فقال له: أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس، ولا أملك من الدنيا إلا معطفي هذا، وأن يرد الله إليّ بصري.
وقد التقيت بإنسان قال لي: أنا مصروفي في السنة ثلاثمئة ألف، ولا يكفيني أقل من هذا، أصيب بمرض شديد، حينما زرته قال لي: الإنسان تكفيه ألف ليرة في الشهر ليصرفها، فهل تعلمون ماذا يقصد بهذا الكلام؟ لو أنه معافى في جسمه يكفيه ألف ليرة، ألا يكفيه أن يأكل خبزاً وزيتوناً طوال الشهر في ثلاث وجبات؟ تكفيه، هذه النعم التي وهبنا الله إياها تستحق الامتنان من الله عز وجل، وأن تشكره من أعماقك، والحمد على النعمة، ونعوذ بك من زوالها، كيفما تحركت تملك نعمة، أو اثنتين، أو ثلاث، اللسان، والفكر، والشعر، واليد، والمعدة سليمة لا يوجد فيها قرحة، والاثنا عشر لا يوجد فيها قرحة، والأمعاء لا يوجد فيها التهابات مزمنة، والكبد لا يوجد فيه التهاب أو تشمع، والبنكرياس لا يفرز مادة سكرية زائدة، فلا يوجد معه سكر، والصفراء ليست ملتهبة، و لم تستأصل، والكظر يعمل بانتظام، والكليتان تعملان بانتظام، والعضلات لا تؤلمه، والشرايين ليست متوترة ولا ضيقة ولا متصلبة، والقلب يعمل بانتظام، والتخطيط جيد، والحركة ممتازة، والنشاط متوافر، يأكل كل ما لذّ وطاب، فليس هناك طعام محروم منه، ويمشي على قدميه، فهذه نعم لا تعد ولا تحصى.

نعمة الإيمان أعلى نعمة على الإطلاق :

نعمة الإيمان أعلى نعمة على الإطلاق
مرة لفت نظري إعلان في صحيفة كويتية اسمها القبس، الإعلان مرسوم به فيلا ضخمة جداً، والإعلان قديم، أكثر من عشر سنوات، رسم لفيلا ضخمة جداً ورسم لشخص كويتي، والإعلان صفحة، إنني أنا مواطن كويتي أعمل في الدائرة الفلانية، لا أملك من هذه الدنيا إلا هذه الفيلا وقدر سعرها، أنا قدرت سعرها بالسوري ثلاثة ملايين ليرة، والآن تعادل أربعين مليونًا، فيلا كاملة، قال: هذه أقدمها هدية متواضعةً رمزيةً لمن يعطيني إحدى كليتيه، فإذا هذه الفيلا ثمنها ثلاثون مليونًا الآن تقابل الكلية، والكلية الثانية ثلاثون، مجموعهما ستون، والعين كذلك، والعين الثانية، والأذن، واللسان، والنطق، والرئتان، والشرايين، والأوردة، أنا قدرت الإنسان، فإذا كل عضو له يريد أن يعطيه لإنسان بثلاثة ملايين على السعر القديم للدولار، والآن بثلاثين مليونًا، معنى ذلك أنّ الإنسان يساوي ألف مليون.

((عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

[الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ]

التقيت بمحاسب في كلية التربية سألته فقال لي: الحمد لله على نعمة الصحة، تذوقت هذه الكلمة تذوقًا، ورأيته شاكرًا لله عز وجل، وأنا متأكد أن المعاش لا يكفيه، ولكن الحمد لله على نعمة العافية، هذه نعمة لا تقدر بثمن، أما إذا تعمقت فتجد أن نعمة الإيمان أعلى من هذه النعمة بكثير، فلو كان في العافية خلل استمر الإيمان معك إلى الأبد، فمن يمُت على الإيمان فقد حقق كل نجاح وتفوق.

الإنسان العاقل يفكر في نعم الله عز وجل و يشكره على ذلك :

نعمة النوم لا يعرفها إلا من فقدها
ملخص هذا البحث الصغير أن الإنسان غارق في نعم الله، أَجْرِ إحصاء لها فلا تحصى، قال الله:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة إبراهيم: 34]

إذاً يوجد في جسمك أكثر من مليون، أو مليونين، أو خمسة ملايين مكان، لو اختل أحدها لنغص عليك كل حياتك، ويكفي أن القناة الدمعية تنسد، وتحتاج إلى منديل دائماً، ثم يرسم خطاً أحمر، لأن هذا الدمع قلوي، وهذه القناة الدمعية أرفع قناة في الجسم البشري مثل الشعرة مفرغة من الداخل، فالدمع الفائض ينزل منها إلى الأنف فيرطبه، وأحياناً تنسد، فثمّة نعم لا أحد يعرفها، تناول طعام العشاء، وذهب لينام، فما الذي حدث؟ إذا حرم الله عز وجل الإنسان من النوم فإنه يدفع كل ماله حتى ينام، حدثني أخ منح بعثة إلى بعض البلاد الأجنبية، وحينما وصل إلى هناك غاب عنه النوم، فذهب إلى الطبيب، قال له: لا يوجد بك شيء؟ ذهب إلى المستشفى، فقالوا له: لا يوجد بك شيء؟ أحياناً حالات نفسية، كالقلق، ما ذاق طعم النوم واحدًا وعشرين يوماً، حتى حمله هذا المرض إلى أن يعود لبلده.
نعمة التنفس وأنت نائم نعمة لا تقدر بثمن
هناك نعمة ثانية؛ الإنسان ينام ورئتاه تعملان بانتظام، لو أنّ ربنا عز وجل أوكل إلينا أمر التنفس فلن نستطيع أن ننام أبداً، تحتاج دائماً أن تضع ماء باردًا وتفتح النوافذ، فمركز التنبيه النوبي بالبصلة السيسائية يتعطل، والآن اخترعوا دواء غاليًا جداً يجب أن تأخذه كل ساعة، تربط أربعة منبهات على الساعة التاسعة وتأخذ حبة وعلى العاشرة حبة، والحادية عشرة حبة، والثانية عشرة حبة... إذا أحدنا وصف لابنه دواء التهاب كل ست ساعات حبة يشعر بهمّ لاستيقاظه الساعة الواحدة مساءً من أجل حبة واحدة، وهذا الدواء نعمة كبرى، أنقذ حياة أولئك المصابين بهذا المرض، فلو أن الله سبحانه وتعالى أوكل إليك نعمة التنفس فإما أن تنام فتموت، أو أن تحرم النوم كي تبقى حياً، فملخص هذا البحث أن الإنسان العاقل يفكر في هذه النعم.
وأنا أقول لكم: واللهِ الذي لا إله إلا هو من جرى تفكيره في هذه النعم، وعرف أنها من الله، حاشا لله أن يسلبه إياها، وأن يحرمه إياها، وبالشكر تدوم النعم، يا عائشة أكرمي مجاورة نعم الله فإن النعمة إذا نفرت قلّما تعود.

 

تحميل النص

إخفاء الصور