وضع داكن
18-04-2024
Logo
الصلاة عماد الدين : 05 - صلاة الجمعة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

صلاة الجمعة :

صلاة الجمعة فرض عين
صلاة الجمعة فرض عين، وكما تعلمون الفروض على نوعين؛ فرض عين وفرض كفاية، فصلاة الجمعة فرض عين لا تسقط عن الفرد في كل الأحوال، أما صلاة الجنازة فهي فرض كفاية، إذا قام بها البعض تسقط عن الكل، وطلب العلم بإجماع العلماء فرض عين، وطلب العلم حتم واجب على كل مسلم، فمعنى الفرض الشيء الذي لا تقوم حياتك من دونه، فالطعام فرض لبقاء الجسم، وأكل بعض أنواع الفاكهة ليس فرضاً، أما تناول الخبز والإدام كل يوم فهو فرض لبقاء الجسم، فالفرض فرض عين وجب على كل إنسان أن يفعله، وصلاة الجمعة فرض عين بالكتاب والسنة والإجماع.
 

أدلة من الكتاب و السنة على أن صلاة الجمعة فرض عين :

إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
أمّا الكتاب فقال تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

لو كان هناك عقد بيت ثمنه ثلاثة عشر مليونًا تمّ توقيعه في أثناء آذان الظهر، ورفع العقد إلى القاضي فالعقد باطل، أي عقد يوقع مع آذان ظهر يوم الجمعة فالعقد باطل، لقوله تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

هذا في الكتاب، أما في سنة النبي عليه الصلاة والسلام: الإعداد لنزهة وقت صلاة الجمعة يؤذي العين

((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا فِي يَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا مِنْ عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ أَلا وَلا صَلاةَ لَهُ وَلا زَكَاةَ لَهُ وَلا حَجَّ لَهُ وَلا صَوْمَ لَهُ وَلا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلا لا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً وَلا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا وَلا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ ))

[ابن ماجة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

لا شيء يؤذي العين كأن ترى رجلاً يعد العدة لقضاء نزهةٍ في أثناء صلاة الجمعة، وقال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[الترمذي أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ]

ومن يطبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم، ثلاث جمع من غير عذر، وفي رواية أخرى: "نكتت نكتة سوداء في قلبه"، ثلاث جمع لا تحضرها تصبح قيمك مثل قيم الناس، تشعر بالضيق والملل والسأم، وتحدثك نفسك بأكل المال الحرام، وتحدثك نفسك بالعدوان على أعراض الناس، وتشعر بمشاعر أهل الدنيا، ويصيبك ما يصيبهم هذا هو الران.

شروط صلاة الجمعة :

1 ـ الذكورة :

وقد قال العلماء: الجمعة فرض مؤكد أكثر من الظهر، أي فرضية الجمعة أشد قدسيةً من الظهر، وهي مؤكدة أكثر منه على كل من اجتمع به سبعة شرائط، فتجب عليه حينئذ صلاة الجمعة، وهي الذكورة، وقد خرج بهذا الشرط النساء فلا صلاة جمعة عليهن.

2 ـ الحرية :

الحرية: وخرج بهذا الشرط الأرقاء.

3 ـ الإقامة بمصر :

الإقامة: وخرج بهذا الشرط المسافر، والإقامة بمصر، وخرج به المقيم بقرية لا يوجد فيها مسجد ولا إمام، ولا خطيب، فتسقط عنه صلاة الجمعة إلا إذا كانت الشمس تؤويه إلى قريته، هكذا قال رسول الله، معنى ذلك إذا كانت المسافة بين قريته التي لا مسجد فيها ولا إمام فيها وبين مكان فيه صلاة جمعة إن ذهب إليه وصلى الجمعة هناك، وعاد إلى قريته مع المغيب وجبت عليه صلاة الجمعة، تصور من الظهر إلى المغرب سيرًا على الأقدام، فإذا سمحت لك الشمس من بعد صلاة الجمعة إلى غياب الشمس أن تذهب إلى هذه البلدة وتصلي فيها وتعود وجبت عليك صلاة الجمعة، وبحسب المواصلات الحالية اليوم من حمص إلى الشام مسيرة ساعتين، إذا انتهينا من صلاة الظهر مثلاً الساعة الثانية، وركبنا سيارة إلى مركز الانطلاق وصلنا الساعة الثالثة، و يتحمل الطريق ساعتين إلى حمص نصل الساعة الخامسة، فإذا كان الرجل يسكن في حمص مثلاً، ولا يوجد هناك صلاة جمعة، وفي الشام يوجد صلاة جمعة، وما دامت الشمس تؤويه إلى قريته، وإذا تصورنا قرية تبعد عن دمشق كبعد حمص عن دمشق، فسكان هذه القرية عليهم أن يأتوا إلى دمشق ليصلوا الجمعة، لأن الوقت كاف أن يؤويهم إلى قريتهم قبل مغيب الشمس.
أنا موجود في قرية لا يوجد فيها مسجد، فيجب أن تذهب مشياً، وأن تعود مشياً إلى قريتك، ولا تضيع عليك صلاة الجمعة، وشرط الإقامة بمصر:

((عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ))

[ أبو داود عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ]

ولقولـه عليه الصلاة والسلام:

(( لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة ))

[رواه ابن أبي شيبة عن علي]

فهذا الكلام بالنسبة لنا محلول، نحن في الشام وما أكثر مساجدها، إذاً الذكورة والحرية والإقامة بمصر أو فيما هو داخل في حدّ الإقامة فيها كرجل ساكن مثلاً في داريا، هي تعد من الشام، أو يسكن في بيت مثلاً بين دمشق ودوما، عمّر بيتًا في طريق عام، ولكن لا يوجد حوله بيوت، هذا في حكم الإقامة في الشام، لأنه إذا خرج منه يقصر في الصلاة، وإذا عاد إليه يتم، إذاً هذا في حكم الإقامة بالمدينة.

4 ـ الصحة :

والشرط الآخر في صلاة الجمعة الصحة، فخرج به المريض بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الكبير ملحق بالمريض، كشيخ كبير لا تحمله قدماه، أو بصره ضعيف يحتاج إلى قائد، أو يحتاج إلى عكاز، والطريق وعر، وربما وقع فتنكسر بعض أضلاعه.

5 ـ الأمن من ظالم :

والخامس الأمن من ظالم، فلو أن هذا المصلي إذا خرج من بيته أصابه ظلم ظالم سقطت عنه صلاة الجمعة، فلا تجب على من اختفى من ظالم، ويلحق به المفلس الخائف من الحبس، وعليه ديون والدائنون يلاحقونه، فلو عثروا عليه في الطريق لألقوا القبض عليه، وساقوه إلى السجن، والشرع ما كلف هذا المفلس بصلاة الجمعة.
لكن إذا قتل رجل مؤمنًا خطأ بسيارة واختفى، فلو ظهر للعيان لألقي القبض عليه، وهل إلقاء القبض عليه ظلم؟ لا، هو عدل، إذاً فعليه صلاة الجمعة.

6 ـ سلامة العينين :

لا تجب الجمعة على الأعمى
السادس: سلامة العينين، فلا تجب على أعمى عند أبي حنيفة، إلا إذا وجد قائداً يقوده إلى المسجد فتجب عليه صلاة الجمعة.

7 ـ سلامة الرجلين :

من أعذار الجمعة المطر والسيول
السابع: سلامة الرجلين، فلا تجب عن المقعد لعجزه عن السعي اتفاقاً، ومن العذر أيضاً المطر العظيم، والسيول، والانهدامات في الطريق، فهذه أيضاً تسقط عن الرجل صلاة الجمعة.

يشترط أيضاً لصلاة الجمعة عدة أشياء :

1 ـ المصر أو فناؤه :

ويشترط أيضاً لصلاة الجمعة ستة أشياء ؛ الأول: المصر أو فناؤه، أي أن تكون في بلد فيه مساجد، أو محيط في هذا البلد، تصح إقامة صلاة الجمعة في مواقع كثيرة بالمصر، فالشام فيها ثلاثمئة مسجد، وهذه المساجد كلها تصح فيها صلاة الجمعة عند أبي حنيفة، وعند الشافعي الصلاة لمن سبق، وقد يحب الإنسان أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات، كصلاة ظهر، هذا مرفوض عند الأحناف، وضعيف عند الشافعية، لأن صلاة الجمعة تجزئ عن صلاة الظهر، فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض.

2 ـ أن يصلي بهم الأمير إماماً :

و من شروط الصحة أن يصلي بهم الأمير إماماً، والمفروض أن يصلي الأمير بالناس إماماً، وهذه لها معنى، لأنّ هذا الأمير اختير لصلاحه وتقواه، وهو يستطيع أن يخطب بالناس، ويصلي بهم، وإن لم يكن فنائبه، وقد ينيب الأمير عنه القاضي أو الخطيب، والآن الخطباء نواب الأمير في أداء الصلاة.

3 ـ أن يدخل وقت الظهر :

والشرط الثالث أن يدخل وقت الظهر، فلا تصح الجمعة قبل دخول وقت الظهر:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ))

[ البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ]

وتبطل صلاة الجمعة لخروج وقت الظهر، أي من دخول وقت الظهر إلى خروج وقته، فإذا خرج وقت الظهر بطلت صلاة الجمعة.

4 ـ الخطبة :

الخطبة لابد منها في صلاة الجمعة
والشيء الذي لا بد منه وهو الخطبة، وهذه عبادة فيها توجيه، فأي شيء قاله الخطيب ولو كان آية أو حديثًا، ذكر الناس بأمر دينهم، وبكتابهم، وبسنة نبيهم، وحذرهم وزهدهم في الدنيا، ورغبهم في الآخرة، فهذه الخطبة تساوي شحن هذه البطارية، وكل أسبوع تشحن، وتخرج متحمسًا راغبًا في أن تصلي قيام الليل، وتعمل الصالحات، وتغض بصرك، فقد يأتي يوم الثلاثاء والأربعاء تشعر أنّ حماسك فتر، فالبطارية فرغت، فتأتي يوم الجمعة وتشحنها مرة أخرى، أما إذا كان الشحن مستمرًا، وهؤلاء عوام الناس يشحنون في الأسبوع مرة، أما المؤمن الصادق فيشحن كل يوم يصلي صلاة متقنة، ويلتقي مع أهل الحق يومياً، ويستمع إلى الحق، ويدعو إلى الله، فهذا مشحون دائماً وهذا شحن أتوماتيكي، فدائماً عنده بطارية من مستوى عالٍ، ولكن عوام الناس كلما ابتعدت المسافة الزمنية بين الخطبة وبين الوقت الذي هو فيه ضعفتْ همتهم.
والخطبة تكون قبل صلاة الجمعة، فهكذا السنة، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تكون الخطبة مقصودةً لذاتها، فإذا أصاب الخطيب عطاس فعطس، وقال: الحمد لله رب العالمين، فليست هذه خطبة، وليس لها علاقة بالخطبة، هذا حمد بعد العطاس، فيجب أن تكون الخطبة مقصودةً لذاتها، ويجب أن يحضرها واحد، وليس لها معنى ألاّ يكون أحد في المسجد، هذه أشياء بديهية، ولو كان أصمَّاً أو نائماً أو بعيداً، فلا تنعقد الجمعة إلا بخطبة ومستمع، ولو كان أصمَّاً أو نائماً أو بعيداً، وقد قال الله عز وجل:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾

[ سورة محمد: 16]

إنّ الله عز وجل وبّخ المنافقين لأنهم إذا حضروا مجلس النبي عليه الصلاة والسلام ثم خرجوا من عنده لا يعرفون ماذا قال لهم، فهم شاردون غارقون في مشكلاتهم، غارقون في همومهم، غارقون في الدنيا.

5 ـ ألاّ يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل أو عمل :

ألاّ يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل أو عمل .

سنن خطبة الجمعة :

سنن الخطبة ثمانية عشر شيئاً، أولها الطهارة، بمعنى الوضوء، والخطبة ليست صلاةً، فليس من شروطها الوضوء، ولكن من سننها الوضوء، وستر العورة، والأكمل للخطيب أن يلبس ثياباً فضفاضة كهذا الثوب الذي يلبس، وهذه الجبة أو العباءة، لأن هذه الثياب تستر حجم العورة، وهذه هي الثياب الكاملة.
والجلوس على المنبر قبل الشروع بالخطبة، والأذان بين يديه كالإقامة، ثم قيامه واقفاً، والسيف بيساره متكئاً عليه في كل بلدة فتحت عنوةً، العلماء فسروا هذه السنة لأن الخطيب يري أهل هذه البلدة أنها فتحت بالسيف، فإذا رجعتم عن الإسلام فالسيف موجود، فذلك باق بأيدي المسلمين.
واستقبال القوم بالوجه، وبدء الخطبة بحمد الله سبحانه وتعالى، والثناء عليه بما هو أهله، والشهادتان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والموعظة، والتذكير، وقراءة آية من القرآن، وأن تكون الخطبة خطبتين، والجلوس بينهما بمقدار ثلاث آيات، وإعادة الحمد والثناء، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الخطبة الثانية، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالاستغفار لهم، وأن يسمع القوم الخطبة، وأن تخفف الخطبتان بقدر سورةٍ من طوال المفصل، من السور التي بين الطويلة والقصيرة، ويكره التطويل في الخطبة، وترك شيء من السنن، ويجب السعي للجمعة، ولذلك في بعض البلاد الإسلامية يؤذن قبل أذان الظهر بساعة تذكيراً للناس كي يستعدوا ويسعوا إلى صلاة الجمعة، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

وفي بلاد الحجاز فيما أعلم في كل مساجد البلاد يؤذن قبل الفجر بساعة لقيام الليل، وبعدها أذان الفجر، وقبل أذان الظهر يوم الجمعة بساعة يؤذن للتذكير، وعندنا في الشام والحمد لله قبل الصلاة بفترة طويلة يذكر المؤذن، وقبل الفجر يسبح ويترحم، والتراحيم والتسابيح هذه كلها من باب التذكير، ولا أنسى مرة سمعت تذكير مؤذن فخشع قلبي: وهو المعطي لا يسأل، وهو الحليم لا يعجل، وهو الكريم لا يبخل.
و لما يتعلق الإنسان بالله عز وجل، و بأسمائه الحسنى، إذا كانت له حاجة عند الله عز وجل، أو يخاف شيئاً، أو يخشى مرضاً فيطلب حاجته، أو يسأل تيسير العسير، وليس للإنسان إلا الله عز وجل، فكلمة إلهي ليس لي إلا أنت، هذه الكلمة يجب ألاّ تغادر الإنسان، إلهي رضاك قصدي، أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، فهذه الكلمات يجب أن يكون الإنسان في مستواها.
ويجب السعي للجمعة، وترك البيع عند الأذان الأول، فهذا هو الأذان الأول الذي قبل أذان الجمعة بساعة، وإذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ من صلاته، وكره لحاضر الخطبة الأكل والشرب والعبث ولو بمسبحته ولو بتقليب الحصى، ولو أن يقول لصاحبه: اسكت:

((إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

والالتفات يمنةً ويسرة، فهذا مكروه في صلاة الجمعة، وكُرِه أيضاً أن ترد سلاماً، فإذا دخل إنسان جاهل وقال: السلام عليكم فليس لك أن ترد عليه السلام، ولا تشميت العاطس، فلو أن إنسانًا عطس لم يشمت، لأن في تشميت العاطس تشويشاً على المستمعين، وكره الخروج من المسجد بعد النداء ما لم يصلِّ، إذا سمعت المؤذن يؤذن فقد كُرِه لك السفر قبل أن تؤدي صلاة الجمعة، ومن لا جمعة عليه إن أداها جاز، كرجل مسافر وصل إلى مدينة فليس عليه صلاة الجمعة، ولو كان المسجد قريبًا، وسمع المؤذن يؤذن، سعى وصلى الجمعة، جاز له أن يصلي الجمعة مكان الظهر، وَمن لا عذر له في التخلف عن الجمعة لو صلى الظهر قبلها حرم عليه ذلك، وكره للمعذور والمجنون أداء الظهر في جماعة يوم الجمعة، ويكره أن تصلي صلاة الظهر جماعة، لأنّ فيها فتنة، فأناس يصلون الجمعة وآخرون يصلون الظهر جماعة، فكأنهم انشقوا عن الجماعة، ولا يصلى المعذورُ الظهر مكان الجمعة إلا فرادى، وكره أن يصلى الظهر جماعة يوم الجمعة لمن كانوا معذورين كالمساجين مثلاً، فيجب أن يصلوا الظهر فرادى.
من بكر لصلاة الجمعة فكأنما قدم بدنة
ومن أدرك صلاة الجمعة في التشهد الأخير، أو في سجود السهو أتمّ جمعته، والله أعلم، لكن بركة صلاة الجمعة في خطبتها، ولما يأتي الإنسان إلى الجمعة في وقت مبكر فكأنما قدم بدنة –جمل- وإذا جاء في وقت بعده فكأنما قدم بقرة، ومن جاء في وقت بعده فكأنما قدم شاة، ومن جاء في وقت بعده فكأنما قدم دجاجةً، ومن جاء في وقت قريب من الأذان فكأنما قدم بيضة فإذا صعد الخطيب المنبر طويت الصحف وجلس الملائكة يستمعون الخطبة، وأغلقت الدفاتر، فلا تسجيل بعدها، فقد صحّ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

[متفق عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

فالتسجيل يكون قبل أن يصعد الخطيب المنبر، فإذا جئت في وقت مبكر يسجل لك أجر إنفاق بدنة؛ جمل ثمنه اثنا عشر ألف ليرة، وبعدها بوقت الساعة الثانية بقرة، وفي الثالثة شاة، وفي الرابعة دجاجة، وفي الخامسة بيضة، والمقصود بالساعات هنا الوقت، هناك عد تنازلي، فإذا صعد الخطيب المنبر طويت الصحف وجلست الملائكة تستمع الخطبة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور